في يوليو قبل (3) أعوام أي في العام 2009م، كتب المتفائلون وكنا منهم يتغزلون في السلوك (الحضاري) لطرفي النزاع في منطقة أبيي بعد صدور حكم محكمة التحكيم الدولية في لاهاي بشأن المنطقة.. قلنا حينها طرباً أنه بعد ما كان اليأس من حل معضلة أبيي قيداً يخنق الأمل في السودانيين، اعتبرنا الحكم (صباحاً) جاء يكافح ليل الاختلاف والاحتراب حول قطعة لا تتعدى 1% من مساحة السودان قبل التجزئة طبعاً.. بعد اليوم ستزول الهواجس والتربص والقلق، ولم ننسَ أن نقول إن مواطني أبيي (شماليون وجنوبيون) طالما تعايشوا سلمياً عبر التاريخ هم الأكثر سعادة وارتياحا بنتيجة التحكيم.. قلنا ليس هناك منتصر أو خاسر فالكل رابح.. كم كان ذلك تفاؤلاً في غير محله، ولم نتعظ بأن اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) الموقعة في العام 2005م خاب فيها ظننا حين اعتقدنا أن فيها الحل الشافي لقضية أبيي حيث أفردت لها الاتفاقية بروتوكولاً خاصاً بها.. الحقيقة أن "أبيي" اليوم مثل "برمودا" أو مثلث الشيطان الذي يبتلع كل من يدخل إليه، كم من الطائرات والسفن دخلت مجال المثلث ولم يعرف عنها شيء وراحت (شمار في مرقة).. اليوم كل اتفاق بدون "أبيي" فهو بالضرورة (شمار في مرقة). الحركة الشعبية بعد أن نالت انفصال الجنوب فضلاً عن الدعم الأمريكي غير المحدود لها سياسياً ومادياً عمدت إلى القفز على ما اتُفق عليه، لأن ما اتُفق عليه قد يسلبها منطقة أبيي وما اتفق عليه هو اجراء استفتاء لمواطني أبيي من قبيلة المسيرية وقبيلة دينكا نقوك، ويخيّر سكان المنطقة بين الانضمام إلى الجنوب أو الشمال وفي كل الأحوال فإن الخيار هو خيار السكان وليس خيار الأرض بمعنى أن تبقى أرض أبيي شمالية ضمن حدود 1956م ويختار دينكا نقوك بين البقاء في الشمال أو الرحيل إلى الجنوب.. لكن الحركة الشعبية أو بالأحرى ما يعرف ب(أولاد أبيي) تريد أن تضم أبيي إلى دولة الجنوب جملة واحدة وطرد المسيرية شمالاً وتجريدهم حتى من حق الاختيار.. عقب نتيجة الاستفتاء والتي جاءت لصالح الانفصال طرحت الحركة الشعبية وبجرأة تحسد عليها (3) خيارات مجحفة ولا علاقة لها البتة باتفاقية (نيفاشا).. الخيار الأول: أن يعترف الشمال ويقر بتبعية أبيي للجنوب، الخيار الثاني: إجراء الاستفتاء على المنطقة بدون مشاركة المسيرية، الخيار الثالث: جعل أبيي منطقة منزوعة السلاح وتحت رعاية الأممالمتحدة.. الولاياتالمتحدة أوعزت للحركة بالتركيز على الخيار الأخير، على أن تقود حملة لتنفيذ ذلك الخيار المجحف، فأجرى السفير "برينستون ليمان" المبعوث الأمريكي للسودان وكان وقتها مساعداً لسلفه "إسكود غرايشون" اتصالات مع الحكومة الأثيوبية لأن تتبنى إرسال قوات أثيوبية وتم الاتفاق بأن تكون ذات صلاحيات وتفويض من مجلس الأمن.. على أرض الواقع استدرجت الحركة الشعبية الجيش السوداني في كمين نصبته لقوة تابعة له في أبيي وقتلت (22) فردا منه وعلى إثر ذلك تحرك الجيش غاضباً وبسط سيطرته على أبيي.. بعد نجاح المخطط الأمريكي بدأت التحركات والدعوات لإخراج الجيش السوداني من أبيي وإدانة الخطوات التي قام بها، وتمثّلت الحركة الشعبية دور الثعلب وأخذت تتحدث بخطاب لين تؤكد فيه أنه لا عودة للحرب!! وانطبق عليها قول الشاعر أحمد شوقي: برز الثعلب يوماً في ثياب الواعظينا ** فمشى في الأرض يهذي ويسبّ الماكرينا الضغوط على السودان جرته لتوقيع اتفاق سمي باتفاق أديس أبابا باعتباره اتفاقا ثنائيا بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية برعاية أثيوبية يقضي بارسال حوالي (600) جندي أثيوبي (كتيبتان) لحفظ الأمن في أبيي.. الحكومة السودانية ظنت وبعض الظن إثم أن الاتفاق سيظل ثنائياً وتستطيع إخراج القوات الأثيوبية متى ما شاءت لكن الأمريكان كانوا أشطر وبلعبة بهلوانية أصبح الاتفاق أممياً وبقرار من مجلس الأمن الدولي وتحت البند السابع وأرتفع عدد القوات الأثيوبية من (600) جندي إلى عدة آلاف جندي.. أعتقد أن جوبا اليوم سعيدة بل مطمئنة لوجود الجحافل الأثيوبية في أبيي. • آخر الكلام: قيمة الشورى في الإسلام تعطينا مشروعية الخلاف في الرأي والنظر.