تراجع حزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي – منتصف الأسبوع المنصرم – عن ما سبق ان أعلن عنه زعيمه بشأن العمل من أجل الإطاحة بالحكومة القائمة فى السودان ، و التى يقودها حزب المؤتمر الوطني ، وقال الحزب إن الحديث عن الإطاحة بالحكومة - حسب تعبير مسئول الحزب - سابق لأوانه . من جانبه قال زعيم الحزب الصادق المهدي فى حوار مع قناة الجزيرة إنّ خيار تغيير الحكومة يأتي نتيجة إصرارها على السير فى طريق الخطر، دون أن يحدد بالتحديد ما يعنيه بهذا الخطر . وأردف المهدي أنهم فى حزب الأمة سوف ينتهجون سبيل الجهاد المدني حيال الحكومة . وليس هناك أدني شك ان تراجع حزب الأمة عن موقفه السابق - وهو موقف معلن و موثق - و وردَ على لسان زعيمه فى خياراته الثلاثة المعروفة، حكومة قومية او إطاحة أو أن يعتزل السياسة ، وهو موقف (مألوف و معتاد) من جانب حزب درج على (مد أحلامه بأكثر من قدراته) ، فحزب الأمة سواء فى جهاده المدني الذى يقول به زعيمه فى وقت سابق للتغيير الذى جري فى الثلاثين من يونيو 1998 ، أو فى مواجهاته العسكرية (التى لا تذكر إلاّ بغرض التحليل) ، أو فى راهنه الحالي ، وسواء بوجود من انسلخوا عن الحزب (مبارك الفاضل و آخرين) أو عادوا إليه هو نفسه حزب الأمة الحالم بذات الجماهيرية و الشعبية التقليدية القديمة قبل ما يجاوز عقدين من الزمان ، تبدلت فيها الخارطة مئات المرات ، وجرت أنهار عديدة من تحت الجسر ؛ و لو لم يكن السيد الصادق المهدي المعروف بشغفه بالزعامة و السلطة قد أدرك هذه الحقيقة و لو متأخراً جداً ، لما ظهرت (و لأول مرة ) فى تاريخه خيارات الاعتزال و الاستسلام لحقائق الواقع الأليم . هو حزب فقد المعاقل التقليدية التى كان من المستحيل أن تظل فى انتظار قيادة تفرقت أيدي سبأ ، كلٌ تجاه مصالحه، وقيادة أخري اتخذت طابعاً (أسرياً) بما يشبه الحكم العضوض ، و التناوب الوراثي. لهذا كان من الطبيعي ان يراجع الحزب نفسه ، فهو لا يستطيع مجتمعاً مع آخرين أو منفرداً إزاحة سلطة منتخبة لم يجف مداد بطاقات اقتراعها إلا عبر بطاقات اقتراع جديد . و إذا واتته فكرة العمل المسلح، فان الجميع يعلم كيف أصبح (فتية حزب الأمة) جنود الحزب بالأمس ، دائنين له اليوم بعدما تركهم الحزب للمسغبة و العطالة و سؤال الناس ، يحتلُّون دار الحزب تارة و مطالبين لحقوقهم و تضحياتهم ، و يسيِّرون المسيرات تارة أخري لفضح قيادة الحزب التى خادعتهم . كيف لهؤلاء او غيرهم ان يعيدوا قصة الحرب مرة أخري؟ إنّ تراجع الحزب عن فرضية الإطاحة هو من قبيل الإقرار بحجم وقدرات الحزب ، وهى الخطوة المهمة الأولي باتجاه معرفة الوزن ، وإصلاح الحال للمستقبل لتجاوز أزمة الحاضر و ليس للإطاحة بحكومة !