في عام 1861 أعلنت إحدى عشرة ولاية أميركية من ولايات الجنوب انفصالها عن الشمال، فما كان من الرئيس الأميركي «إبراهام لينكون» إلا أن أعلن الحرب على تلك الولايات واعتبرها حركة تمرد. واستمرت الحرب أربع سنوات وقتل فيها أكثر من 620 ألف جندي، وتعتبر أكبر الحروب دموية في تاريخ الولاياتالمتحدة الأميركية، ولكن دعونا ننظر إلى نتائجها: لقد وحدت الحرب الولاياتالمتحدة لتصبح أعظم دولة في العالم وأكثرها نفوذاً وأكثرها غنى، كما ألغت الحرب نظام الرق الذي كان معمولاً به في الجنوب. لو نظرنا إلى خريطة العالم الإسلامي فإننا نجدها تسير باتجاه عكسي ألا وهو الانفصال، فاتفاقية سايكس بيكو قسمت الدول العربية إلى أكثر من عشرين دولة، وقد ساهمت شعوبها في تعزيز الانفصال وتثبيته، ثم انفصلت باكستان وكشمير عن الهند، ثم بنغلاديش عن باكستان، ثم انقسم اليمن إلى دولتين قبل أن تتوحدا ثم أخيراً تيمور الشرقية التي انفصلت عن أندونيسيا، وفي القائمة دول كثيرة مرشحة للانفصال. ما يجري اليوم من استفتاء للجنوبيين في السودان ما هو إلا مخطط جديد لتجزئة هذا البلد العربي الكبير والذي لا نشك بأنه سيتحقق بالرغم من عدم وجود مقومات الدولة لدى الجنوبيين. ولو كان قرار الانفصال ذاتياً من الشعب السوداني لتمهلنا قليلاً قبل انتقاده ولكننا نعلم بأن وراءه الدول الغربيةوالولاياتالمتحدة التي موّلت الحرب الأهلية سنوات طويلة ثم ضغطت على السودان لإجراء الاستفتاء، بل وبالغت في اتهام الرئيس السوداني بأنه مجرم حرب ويجب محاكمته، وهي تسعى الآن لفصل إقليم دارفور بعد الجنوب. ولا شك أن الرابحين من الانفصال كثر وأهمهم الكيان الصهيوني الذي أقام علاقات وطيدة مع الجنوب وموّل الحروب، كما أن انفصال الجنوب سيكون حاجزاً غربياً لمنع انتشار المد الإسلامي إلى الدول الأفريقية جنوب السودان والسعي نحو تنصير القارة السوداء. كما أتعجب من استسلام القيادة السودانية لذلك المخطط، كما أتعجب من وسائل الإعلام العربية التي تصور الأمر وكأنها ممارسة ديموقراطية راقية وحق الشعب في تقرير المصير، فإذا كانت الولاياتالمتحدة قد خاضت حرباً مدمرة من أجل الحفاظ على كيانها متحداً، فما بالها تسعى اليوم لتقسيم البلدان المسلمة؟! المصدر: الراي العام الكويتية 11/1/2011