لم يعد أحد يذكر السودان أو يتابع مأساة تقسيمه . حتى أهله صارت عيونهم كرقاص الساعة: تونس مصر، تونس مصر . “والليالي حبالى . . لست تدري ما تلد" . من السهل إدراك أسباب الإعراض عما وراء الأكمة، فالعلة نفسية، ولا علاقة لها بالغفلة أو الاستهانة بالحادث الجلل في بلد عربي شقيق، يمثل انفصال الجنوب فيه كرة البولينغ التي ستنسف أركانه . من الشعوب العربية ما عانى استبداداً مزمناً، أغرفه في ظلمات اليأس والإحباط، وبعصبة سيدي بوزيد، المنسوبة إلى أبي زيد الهلالي، رأي هلال عيد الحرية يبسم من بين الغيوم السود . الشاعر الظريف عبدالرحمن الأبنودي، أمتعنا، قبل أحداث مصر، بحلقات متألقة عن أبي زيد الهلالي . فهل كانت تلك شطحة نوستراداموسية؟ فالتجاوب الحميمي بين التونسيين والمصريين، كانت له تجليات شتى . من بينها أن الشعب التونسي كان يردد “حماة الحمى" وهو شعر مصري، إلى جانب “إذا الشعب يوماً" . وأصبح الشعب المصري يهتف “إذا الشعب يوماً" وهو للشابي، إلى جانب “حماة الحمى" . يجب ألا ننسى أن مصر هي أم شهرة أبي القاسم، فالفضل يعود إلى مجلة “أبوللو" وللدكتور “زكي أبو شادي" الذي نشر للشاب الشابي “إرادة الحياة" و"صلوات في هيكل الحب" . الحمد لله على أن عظمة الأدب سحقت سفاهة مشاحنات كرة القدم . أليس الصبح العربي بقريب؟ بلى . أنا أيضاً شطحت ولكنني ما شططت . الشعوب التي قاست انعدام العدالة والحرية والكرامة، انتفضت فجأة متسائلة: “أيظن أني لعبة بيديه . سأهب فوراً للقضاء عليه" . أعني الظلم طبعاً . وتذكرت أن أحد الحكماء قال: “الحرية تؤخذ ولا تعطي" . في هذه المعمعة نسي الناس السودان، من دون سوء نية . فالشعوب المكبوتة خصوصاً والأمة عموماً، لم تعرف الأفراح منذ زمن بعيد، حتى باتت لا تحرك ساكناً إزاء أية داهية جديدة . على رأي المتنبي “تكسرت النصال على النصال" . أول مرة تشهد الأمة زلازل إيجابية بناءة . ورغم أن النصائح مقيتة ثقيلة حين توجه إلى أمة صحت من نومها وقامت، فإن على الشعوب ألا تنسى ما يحدث من مآسٍ لأي منها . كلنا واحد . المصدر: الخليج 30/1/2011