"بعض الناس أفقهم ضيق في الحكومة والمعارضة علي حد سواء .أن الشعب المصري هو الأكثر وعيا من رجال السياسة ..أن من لا يفهم هذا لا يجب ان يعمل بالسياسة ". هذه فقرة من رواية مصرية كان يتوقع تدشينها في معرض القاهرة للكتاب الذي تعطل بسبب الأحداث ..رواية محمد سلماوي وعنوانها "أجنحة الفراشة "تسرد وقائع متخيلة لتغيير يؤدي الي حياة جديدة في مصر ،تغيير تسعي به قوة غير تقليدية من الشباب . ما يحدث في مصر أمرا متوقعا ،وان جاء مفاجئا للنظام الدولي الذي بدا مرتبكا حتى اللحظة أمام غضب سياسي بدا بتونس ثم عمت عدواه مصر ،ويتساءل الناس علي من يكون الدور ؟ ويلح السؤال علي هذا الصباح من زملاء صحافيين آخرين :هل يأتي الدور علي السودان بعد الذي حدث في تونس ومصر ؟وأجيب بهدوء :لا يذهبن بكم الخيال بعيدا .ويلح السائلون :ولكن السودان عرضة للقلق والتوتر السياسي مع انفصال بات أمرا واقعا ،وفي أجواء مشكلة دارفور التي تراوح مكانها ويكفيكم عداء مستحكم يعرفه الجميع من النظام الدولي . يضيق محدثي :في هذه الساعة التي أتحدث معك فيها ،تشتبك الشرطة في الخرطوم مع الطلبة (منتصف نهار الأحد 30يناير ). أقول :لا اختلف معك في وجود توتر سياسي بسبب الانفصال ولا انفي وجود تربص من القوي الدولية بالحكم في السودان ،ولكن ذلك بالتحديد ما يجعل الوضع في السودان مختلفا عما هو في مصر او تونس . لا يستطيع احد ان ينكر إمكانية وقوع توترات أمنية ،او وقوع حوادث ذات اثر سلبي علي الاستقرار ،ولمن ما استطيع تأكيده هو ان قياس ما حصل في تونس ومصر بما في السودان قياس فاسد ،زكما يقول الأصوليون :"إذا وجد بعض العلة فقط فسد القياس لأنه قياس مع الفارق ،كما لو قاس الشافعي التفاح علي البر بجامع الطعم ". -يا أخي قل كلاما مفهوما ومعقولا . -طيب ،أقول كلاما مفهوما ...تسني لي خلال الأسبوعين الماضيين أن احضر اجتماع الرئيس عمر البشير مع أعضاء مجلس أمناء جامعة إفريقيا العالمية .لم أر الرئيس أكثر يقينا وتفاؤلا مما رأيت .وقابلت اثنين من الولاة ،احدهما جلست إليه أكثر من ساعة ،هو الأخ الأستاذ فتحي خليل والي الولاية الشمالية في حاضرة الولاية بدنقلا .ومن ينغمس في عمق الحياة في الريف البعيد وفي المدن يحس بحيوية غير عادية وبحراك سياسي ملموس ،ذلك علي الرغم من ان الأحزاب تسجل غيابا كاملا عن الساحة ،بما في ذلك حزب الحكومة . النظم السياسية التي يمكن ان تتأثر بعدوي الغضب السياسي هي النظم التي تخشبت وتجمدت وانسد افقها السياسي .نظام السياسة في السودان يمر بتغيير كبير ،أهناك تغيير اكبر من الانفصال .قد يري البعض ذلك تغييرا سلبيا ويراه آخرون تغييرا ايجابيا ،ولكنه تغيير علي كل حال ،نظام السياسة في السودان يستجيب لنداء التغيير .ثم ان الحكومة تحظي بسند شعبي ،ورغم الضائقة الاقتصادية تنشا المصانع والطرقات والجامعات .أما تربص القوي الدولية بالحكم في السودان ،فهو عنصر ايجابي لمصلحة النظام وليس خصما عليه . -يا صديقي ،انك تقول وهما ،تتكلم بثقة وكأنك قرأت كتاب المستقبل حتى نهايته .ان الوهم هو ما يقود الي تصور ما ليس موجودا .الو تر الي أولئك السياسيين الذين انعدمت عندهم القدرة علي رؤية الأشياء وتمييزها بسبب الأوهام ،حتى رايتهم كالأطفال في سذاجتهم . -لا اختلف معك كثيرا .هناك خيط رفيع في السياسة بين الحقيقة والخيال ،والسياسي الشاطر يستعين بالخيال وربما الوهم للتحفيز علي المغامرة والعمل . المشكلة ان ينعدم الخيال وتنعدم الرؤية . -ولكن ما يدفع الي الغضب السياسي اليوم هو الجوع والمسغبة ،إلا تعلم أن نداء البطون الخاوية اشد من نداء الضمائر . -أما في هذه فقد اتفق معك تمام الاتفاق .اتقوا الجوع ،فان الجوع كافر نقلا عن صحيفة الرأي العام بتاريخ 2/2/2011م