الاتهام التشادي الذي ورد على لسان مسؤول تشادي رفيع بضلوع الحكومة السودانية في خطف الموظفين الفرنسيين التابعين لليوناميد في دارفور، هو في الحقيقة – ان شئنا الدقة – اتهام فرنسي ولكن فرنسا اختارت له غلافاً تشادياً حتى تتم قراءته ضمن الملفات الشائكة بين الدولتين. والاتهام في الواقع يثير قدراً كبيراً من السخرية. وقد ردّت عليه الخارجية السودانية على لسان المتحدث باسمها معاوية عثمان واصفة الاتهام بأنه ينم عن جهل بطبيعة الأوضاع في المنطقة، وان السودان نفسه واحد من ضحايا عمليات إرهابة جرت ولا تزال تجري في المنطقة وفي مناطق أخرى من العالم. غير أننا نمضي باتجاه آخر لقراءة هذا الإتهام ذلك على الرغم من كونه لا يستحق في الواقع أي قدر من الإهتمام، إلا بقدر ما تستحقه إبانة طبيعة الأوضاع في إقليم دارفور والأخطاء الفادحة الشائعة على صعيد المجتمع الدولي والانطباعات السطحية المغلوطة التي أسهمت بصورة مباشرة ومستمرة في تعقيد أزمة الإقليم. ولنبدأ بالتساؤل عن طبيعة الفائدة التي تجنيها الحكومة السودانية من وراء خطف موظفين جاءوا بعلمها وموافقتها لعمل محدد ومعروف، فقد سبق للحكومة السودانية في مرات عديدة أن اتخذت قرارات إبعاد لموظفين دوليين (يان برونك ممثل الأمين العام السابق بالسودان نموذجاً) ولم تجد الحكومة حرجاً في إتخاذ قرار الإبعاد. ولم تترتب على القرار أية نتائج سالبة على الحكومة السودانية، وتكررت عمليات طرد وإبعاد لجنسيات مختلفة لموظفين أممين بعد ثبوت خروجهم عن نطاق صلاحياتهم وتجاوزهم لمهامهم بل لماذا نمضي بعيداً وقد طردت الحكومة السودانية قبل أشهر (13) منظمة طوعية كانت تعمل في دارفور من بلدان مختلفة لأسباب قدرتها. كل هذا استطاعت الحكومة السودانية أن تفعله، فما حاجتها إذن – وهي تتمتع بكل هذه الإرادة الوطنية – لاختطاف موظفين فرنسيين؟ فإن كان الأمر يتعلق مثلاً بشئ ما فعلوه فإن من المحتم أن الحكومة كانت ستقدمهم لمحاكمات أو تقرر إبعادهم كما أوردنا في النماذج السابقة. وإن كان الأمر يتعلق بأي شئ آخر، فإن الحكومة السودانية – وهذا أمر بديهي للغاية – هي آخر من يفكر في القيام بعمل يشكل وصمة في جبين الأمن والاستقرار في دارفور بعد ما حصلت على شهادة من رئيس البعثة المشتركة السابق رودلف أدادا، وقائد اليوناميد السابق (مارتن لوثر أقواي) على شهادة موثقة متجردة بأن الأوضاع الأمنية في دارفور استقرت والصراع تراجع. اذن أي حكومة هذه التي تقوم بعمل أخرق كهذا لتقضي على الشهادة المقدمة لصالحها؟ ولنتساءل أيضاً ما هي حقيقة القيمة التي يمثلوها الموظفين المختطفين؟ فإلى الآن وبما توفر من سير ذاتية فإنهم عاديين للغاية، ولا يوجد شئ ذا بال يستدعي استهدافهم من جانب حكومي. وعلى ذلك يمكن القول ان الاتهام التشادي المدفوع حتماً من فرنسا هدفه أوضح من الشمس في كبد سمائها، اذ ربما تريد تشاد وفرنسا الحاق التهمة للتقليل من حالة الهدوء التي تعيشها دارفور لأن الاستقرار في دارفور يقضي على أهدافهما، ولربما تريد فرنسا (فعل شئ ما) وتسترت مسبقاً باتهام كهذا حتى تبرر لنفسها فعل ما تريده خاصة وانها أطلقت قمراً تجسسياً مؤخراً ليحلّق في جزء واسع من دارفور لأغراض لم تكشف عنها. وما من شك أنه وفوق كل ذلك، فإن الجهد المضني الذي بذلته السلطات السودانية لإستعادة المختطفين، وضمان سلامتهم يكفي هو في حد ذاته للتأكيد على أن الأمر كان بالفعل صعباً، واذا أصررنا على أن العملية كانت مجرد تمثيل، فإن تشاد وفرنسا تكون قد منحت الحكومة السودانية قدرات خرافية هي نفسها – أي فرنسا – لا تملكها رغم تاريخها الاستخباري الطويل!!