ألقت الاضطرابات في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، خلال الأسابيع الأخيرة، بظلالها على حدث غير عادي في السودان، الذي أجري فيه استفتاء سلمي، والذي يعتبر بجميع المقاييس تقريباً قد تم بشكل نزيه، وأيّد استقلال «جنوب» السودان. ويبدو أن دولة جديدة توشك على أن تولد. تعتبر جمهورية السودان أكبر دولة في إفريقيا والعالم العربي، وأكبر عاشر دولة في العالم، بعدد سكان يبلغ مالا يقل عن 44 مليون نسمة. فمنذ تولي النظام الحالي مقاليد الأمور في انقلاب عام 1989، تتمتع السودان بنمو اقتصادي قوي بلغ 10٪ قبل الأزمة المالية العالمية، على خلفية توفر موارد نفطية في المقام الأول مع وجود دعم في شكل إصلاحات للاقتصاد الكلي. ولا يزال الجزء الأكبر من مواطنيها يكسبون عيشهم من الزراعة، ولا عجب أن 40٪ من السكان يعيشون تحت خط الفقر، ر هي الهوية المزدوجة في البلاد. فالسودان أمة متشعبة، مع وجود العرب ومعظمهم من المسلمين في الشمال ،والأفارقويقترب معدل البطالة من 20٪. وتعد العقبة الأكبر أمام التنمية والنمو والازدهاة المسيحيين والوثنيين في الجنوب، وهي انقسامات عمّقها الحكم الاستعماري البريطاني. واندلعت حرب أهلية حتى قبل الاستقلال واستمرت حتى عام 1972، مع احتجاج الجنوبيين على هيمنة الشمال. وساد اتفاق وقف إطلاق النار حتى عام 1983، عندما تم استئناف القتال بسبب المظالم القديمة نفسها. وتواصل القتال منذ ذلك الحين بشكل مستمر تقريبا. أتت محادثات السلام في نهاية المطاف ثمارها. فقد وعد اتفاق السلام لعام 2005 الجنوب بحق أكبر في إبداء الرأي إزاء الشؤون الوطنية، والحكم الذاتي للجنوب لمدة ست سنوات وإجراء استفتاء على الاستقلال في نهاية تلك الفترة. ولم تكن مفاجأة لأحد، أن جميع الناخبين تقريبا قد اختاروا الاستقلال، بنسبة تتجاوز 99 من حوالي أربعة ملايين شخص ممن لهم حق الانتخاب، خلال الانتخابات التي جرت في منتصف يناير الماضي واستمرت على مدار أسبوع. لقد سمحت الحكومة السودانية للانتخابات بالمضي قدماً دون تدخل، ويبدو أنها تقبل النتائج برباطة جأش. وعلى الرغم من المخالفات التي شهدتها عملية التصويت، في عدة دوائر، حيث تجاوزت نسبة المشاركة 100٪ ،فقد قوبلت العملية والنتائج بإشادة على نطاق واسع من مراقبين دوليين وإقليميين من الاتحاد الإفريقي إلى الاتحاد الأوروبي. لقد حظي ضغط الصين لدعم الاستفتاء بالقدر نفسه من الأهمية. وتعتبر بكين من المؤيدين الرئيسين لحكومة الخرطوم، وأبدت قدراً من الحساسية إزاء أي خطوات من شأنها تعزيز شرعية تطلعات المناطق الداعية للاستقلال. لكن الصين حريصة بالقدر نفسه على حاجتها الحصول على صادرات النفط السوداني، حيث تستحوذ الصين على نحو 65٪ من إجمالي صادرات النفط السوداني، الذي يشكل حوالي 6٪ من إجمالي واردات النفط الصينية. ومع وجود ثلاثة أرباع احتياطيات السودان من النفط في الجنوب، فقد كان للصين مبرراتها في الإبقاء على علاقة جيدة مع الجنوبييحو عملية الانقسام. ن. فمن المتوقع أن يشكل موقع هذه الاحتياطيات تحدياً كبيراً، في الوقت الذي تتجه السودان والجنوب، ن السؤال الأبسط والأكثر أهمية هو أين سيتم ترسيم الحدود؟ والأمر الحاسم في هذا الصدد هو مستقبل أبيي، وهي المنطقة الغنية بالنفط التي كان يفترض أن تجري استفتاء خاصاً بها لتقرر ما إذا كانت ستنضم إلى جنوب أو البقاء مع الشمال. وبسبب خلافات بين القادة السودانيين، فقد تم تأجيل استفتاء أبيي. حيث أعلن الرئيس السوداني أنه لن يقبل التخلي عن أبيي، بينما يطالب الجنوب بها من أجل الاستقرار، وتعد المنطقة من المناطق المرشحة للاشتعال. المصدر: البيان 8/20/2011