هذه الأيام سجلت التحركات الهادفة لمعالجة قضية دارفور حضورا ملموسا، وتفاعلات محسوسة في الدوحةونيويورك ، من خلال مشاورات كثيفة شهدتها قطر وأروقة الأممالمتحدة. في هذا السياق اكتست زيارة الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي المعارض الدكتور حسن الترابي الى قطر أهمية إضافية في ضوء مكانة الرجل وأدواره التاريخية في الحركة السياسية السودانية، اضافة الى ما يوليه من أولوية واهتمام بالشأن الدارفوري والسوداني بشكل عام. القادة القطريون المهمومون بالهموم السودانية، والمتطلعون الى غد سوداني مستقر تطل شمس اشراقته من العاصمة القطرية هذه المرة، أجروا مشاورات مع الدكتور الترابي بعيدا عن الأضواء والإعلام، وصحيح أن الترابي درج منذ سنوات على تلبية دعوة لزيارة قطر في شهر رمضان، لكن زيارته التي اختتمها أمس الخميس تمت في توقيت مهم ودقيق، خاصة بعدما تولت قطر ملف الترتيبات لمحادثات بين الحكومة السودانية و الحركات المسلحة في دارفور استنادا الى دعم عربي مهم. حسب المعلومات ركزت مشاورات القطريين مع الدكتور الترابي الشؤون السودانية بعمق يتجاوز قضية دارفور على رغم أن هذه المشكلة تصدرت الاولويات والاهتمامات، فالقطريون - وفقا للمعلومات- حريصون على وحدة الجبهة الداخلية في السودان، ولديهم فهم عميق، وهم يرون أهمية أن يتعاون ويتكاتف القادة السياسيون في السودان في سبيل اخراج السودان من النفق المظلم. هذه الرؤية تؤكد أن قطر تدرك أن مفاتيح الحل للأزمات في السودان لا توجد لدى طرف دون آخر، فهي مفاتيح مبعثرة في ايدٍ كثيرة ،بينها الحكومة والحركات المسلحة في دارفور والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني. في هذا السياق وحسب - المعلومات- فان الترابي استمع في الدوحة الى رؤى القطريين حول تعزيز وحدة الجبهة الداخلية وتقويتها ، وهم يرون أهمية دعم التفاهم والتواصل بين القيادات السياسية التاريخية والحكومة ويشمل ذلك رئيس حزب الامة الامام السيد الصادق المهدي والأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي الدكتور حسن الترابي ، وزعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي السيد محمد عثمان الميرغني، والامين العام للحزب الشيوعي السوداني السيد محمد ابراهيم نقد وبقية القادة السودانيين وبينهم النائب الأول لرئيس الجمهورية السيد سلفاكير ميارديت. ماسمعه الدكتور الترابي في الدوحة وما طرحه على القطريين من أفكار قد تصب في مجرى الدعم للجهود الهادفة لانجاح المبادرة القطرية بشأن دارفور، وتحقيق الاستقرار في السودان. لاحظت أن الامين العام لحزب المؤتمر الشعبي المعارض بدا مرتاحا لمحادثاته في الدوحة مع كبار القادة القطريين، كما بدا متفائلا بامكان نجاح القطريين في طي ملف دارفور "إذا اجتمع الناس" كما قال لي عندما سألته عن رؤيته بشأن توقعاته لنجاح الدور القطري في حل قضية دارفور. في مقالي الاسبوع الماضي أكدت أن الحركات المسلحة لم ترفض الدور القطري لكنها هاجمت الجامعة العربية التي ترى أنها "غير محايدة" و"منحازة للحكومة" ، وقلت إن الحركات المسلحة تسعى أولا للوقوف على رؤى القطريين وتصوراتهم بشأن مبادرة الحوار المقرر في قطر ، كما أعلن ذلك رئيس حركة العدل والمساواة الدكتور خليل ابراهيم، الذي رحب ب"المبادرة القطرية الفرنسية". تأكيدات زعيم حزب المؤتمر الشعبي ردا على سؤالي جددت التأكيد على ما أكدته في مقالي الاسبوعي يوم الجمعة الماضي، و قال الترابي في هذا الشأن إن " الموقف تطور الآن لصالح المبادرة حتى بين صفوف المقاتلين (الحركات المسلحة في دارفور) ، وأن "المبادرة لا بستها من اول يوم قضية الجامعة العربية فشوشت عليها لكن الآن تناسوا (الحركات) هذا الاطار وصوبوا على أنها من قطر". حرصت أن أسأل الترابي بوضوح هل يدعم حزب المؤتمر الشعبي المبادرة القطرية فجاء رده واضحا وقاطعا بقوله "جدا جدا"، وأعتقد أن هذا موقف وطني ايجابي صادر عن رجل صاحب أدور وبصمات، سواء في المساهمة في حل مشكلات السودان أو تعقيدها، لكنني أرى ايضا أن تشديد الترابي على أنه "إذا لم يعتدل ميزان التوازن الاتحادي لكل الولايات بعضها مع بعض فلن يستقرالسودان كله" يشكل رؤية ينبغي ان توليها الحكومة والوسيط القطري كثيرا من الاهتمام، لأن كلام الترابي مستوعب لجذور وأمهات القضايا في السودان. وفي مداخلة في ندوة نظمتها مساء الأربعاء الماضي "المؤسسة العربية للديمقراطية" ومقرها الدوحة قلت إن قضية دارفور هي قضية السودان كله، وليست قضية الحكومة والحركات المسلحة، وفي ضوء هذا الفهم أشرت الى أن أزمة دارفور تمثل قضية ظلم وحرية وعدل، وهذا ينطبق على أقاليم أخرى في السودان. هذا معناه ضرورة أن تتسع رؤى المعالجة لقضية دارفور من خلال مخاطبة أسباب وعوامل عدم الاستقرار في السودان حتى لا تنفجر مناطق أخرى مثل كردفان، أي أن هناك ضرورات ملحة تتطلب حلا في دارفور يتسع لإطفاء حرائق متوقعة في بقاع سودانية أخرى، خاصة أن حكومتنا لا تحترم الا من يحمل السلاح، ويحاربها في سبيل انتزاع الحقوق المشروعة لكل السودانيين، وهذه مشكلة ينبغي معالجتها نهائيا في مؤتمر الدوحة، لنغلق المداخل التي تؤدي الى التمرد المسلح ضد السياسات الظالمة والحكام الظالمين. وإذا كنت أرى أن مشاورات الترابي في الدوحة جرت في ظل أجواء ايجابية وتفاعل ايجابي ابداه الترابي مع رؤى القطريين، فان القيادة القطرية حملت الهموم السودانية الى نيويورك، واستثمرت اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لتعقد اجتماعات مع القابضين على مفاتيح السياسة الدولية والمتحكمين في القرار الدولي. التحرك القطري في نيويورك الذي قاده أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ،هذا الرجل الهمام والقيادي العصري المحب للسودان والسودانيين من دون استثناء، سيدعم من دون شك الجهود القطرية والعربية والسودانية الهادفة الى تهيئة مناخات مناسبة اقليميا ودوليا، تؤدي لانطلاق مؤتمر الدوحة الدارفوري. وأشير هنا أيضا الى أهمية الاجتماعات التي عقدها في نيويورك رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني و رئيس اللجنة الوزارية العربية المكلفة بملف دارفور مع كبار قادة العالم والدول العربية وبينهم نائب الرئيس السوداني الأستاذ على عثمان محمد طه. ولعل اجتماع الشيخ حمد بن جاسم مع مدعي المحكمة الجنائية الدولية السيد لويس اوكامبو يؤشر الى أن القطريين انطلقوا على طريق التواصل مع كل المعنيين بالازمة في دارفور، وهذا تحرك ايجابي مهم، سيؤدى قريبا الى لقاء قطري مع قادة الحركات المسلحة التي بدأ التواصل معها بالفعل، وكما قلت في مقال الاسبوع الماضي فان زيارة وفد حركة العدل والمساواة الى قطر ستشكل تطورا مهما، يؤكد كما أقول دائما أن الدوحة هي المكان الأفضل لاحتضان أبناء الشجرة السودانية الكبيرة من كل الفروع، لكن على السودانيين توحيد خطاهم حتى لا تضيع هذه الفرصة النادرة التي لن تتكرركما علمنا التاريخ. برقية: الحكومة مدعوة بالحاح شديد في هذه المرحلة الى اتخاذ قرارات جريئة على طريق استعادة الثقة المفقودة مع "المحاربين" الجدد والقدامى على حد سواء، والأهم أن تستعيد الثقة مع شعبها الصابر المظلوم. المصدر: جريدة الأحداث