أمّتْ البروفيسورة آمنة ودود الأمريكية المصلين رجالاً ونساءً في صلاة الجمعة الماضية بمسجد بأكسفورد ببريطانيا. وهذه هي الامامة الثانية للسيدة آمنة إذ سبق لها أن أمّت صلاة مختلطة في مانهاتن في أمريكا قبل ثلاث سنوات، غير أن إمامتها الأولى كانت لصلاة غير الجمعة وكان الرجال والنساء في صفوف منفصلة، لكن في صلاة الجمعة الماضية كانت الصفوف تحتوي على الرجال والنساء معاً دون تمييز. كاد خبر هذه السيدة يغطي على أخبار الانهيارات المالية الرهيبة والطمس المتوالي على أموال أمريكا واوروبا ذلك الفتق الذي أعيا كل راتق والذي عقدت له اجتماعات ووفرت له أموال تزيد على ما يمكن ان يعقد أو يوفر لحرب عالمية ثالثة لو قامت. خبر صغير، لكن عدسة الاعلام الرهيبة ضربت حجمه في ألف حتى يسد على المستمعين والمشاهدين الآفاق فلا يسمعوا أو يروا غيره. ليس الغرض من إمامة السيدة ودود للصلاة هو إثارة هذه المباحث التي جعل فقهاؤنا يقولونها رفضاً وتأييداً، ولكن المراد الأصلي هو أن يقال إن الإسلام ينتقص حق المرأة، ليأتي هؤلاء المسالمة الجدد من أمثال السيدة ودود في أمريكا وأوروبا الذين يخلطون الدين الاسلامي بالمفاهيم الأمريكية والأوربية المتأثرة بالمسيحية التاريخية والعلمانية الحاضرة وأمشاج من فلسفات التحرر والاستقذار لما يعدونه عادات شرقية -ليقولوا إنهم ينتجون اسلاماً آخر جديداً حراً متقيداً بحقوق الانسان يستبقي ما يشاء من الإسلام الأول ويرفض ما يشاء منه، وبذلك يكوِّن هؤلاء بوعي منهم أو بغير وعي كتيبة أخرى تضاف إلى الكتائب الغربية المحاربة للإسلام. والبوصلة الجغرافية وحدها تنبيء عن كل شيء، إذ الإمامة الأولى كانت في مانهاتن وكانت الثانية في أكسفورد. فما دامت السيدة آمنة قد خرجت لتؤم الناس خارج بلادها فلماذا أكسفورد لماذا ليس مكة مثلاً؟ واذا أبت مكة أن تأذن بشيء من ذلك ألن تجد في بلاد كالأردن أو قطر أو البحرين فسحة لمثل هذه الأمامة؟ لكن يبدو أن الإشارة الجغرافية مقصودة وإقصاء منطقة الاسلام القديم مقصودة أيضاً. المقصود هو تغيير المفاهيم في بيئة تراها آمنة ودود ومن لف لفها أكثر مواءمة وحرية ولا بأس بعد أن يرسخ تغيير المفاهيم أن يُصدّر إلى الجهة العربية الأقل حرية والأقل تقبلاً لتبديل الإسلام. وتغيير المفاهيم منه ما يبدو سلمياً وهادئاً كامامة آمنة ودود ومنه ما هو هجومي متحرش كالذي فعله سلمان رشدي. فالهجومي المتحرش يُحمى ويحتفظ به في الغرب والسلمي الهادئ يُجعل موضوعاً للحوار حتى يخلخل القناعات الثابتة قليلاً قليلاً مع طول الزمن والمداومة. وبعض الأفكار قد يصدَّر من جهة المعايشة أو التثقيف ليثلم ثلمته المطلوبة في هدوء. فمن أمثلة ما يكتسب بالمعايشة كقصة الرجل السعودي الذي كان يعيش في أمريكا والذي نشر ثلاثة آلاف ملصق في شوارع الرياض وخصص جائزة مالية كبيرة لمن يعثر له على كلبته الضائعة التي يقول إنها من نسل خاص. يكتب هذه الاعلانات بالطريقة الأمريكية مصحوبة بصورة للمفقودة العزيزة كلبته. ومن أمثلة ما يكتسب بالتثقيف هو حالة الشاب الصعيدي الذي قاضى شركة هاتف جوال لأنه اعتبرها قد سبَّت أجداده الفراعنة في طُرفة بثتها في رسائل قصيرة وجهتها لزبائنها. فهذا الشاب واقع تحت تأثير الفكرة التي ظلت بعض الجهات تضرب عليها منذ أكثر من مائة سنة مفادها أن مصر فرعونية وليست عربية. فالصعيدي الغاضب للفراعنة معيد بكلية الشريعة، والسعودي الذي انفطر قلبه على الكلبة اسمه محمّد... إذن فقد اختلط كل شيء بكل شيء وهذا هو المطلوب تماماً.. حتى يأتي يوم تكون فيه الإمامة عند المسلمين للنساء وتكون قلوب رجالهم معلقة بحب الفراعنة والكلاب.