عام على الحرب فى السودان.. لا غالب ولا مغلوب    اللواء 43مشاة باروما يكرم المتفوقين بشهادة الاساس بالمحلية    الخطوة التالية    السيارات الكهربائية.. والتنافس القادم!    واشنطن توافق على سحب قواتها من النيجر    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    سوق الابيض يصدر اكثر من عشرين الف طنا من المحاصيل    الأكاديمية خطوة في الطريق الصحيح    شاهد بالصورة.. المذيعة السودانية الحسناء فاطمة كباشي تلفت أنظار المتابعين وتخطف الأضواء بإطلالة مثيرة ب"البنطلون" المحذق    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك        غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هلال رمضان 1430ه بين نظرية الرؤية ورؤية النظر

أ.د. علي الطاهر شرف الدين - معهد السودان للعلوم الطبيعية
يجدر بنا أن ندرك ابتداء أن الله تعالى الذى خلق الكون على هذا النحو الرائع البديع قد أودع فيه أمره (ألا له الخلق والامر) [الأعراف : 7"‎ هذا الخلق وهذا الأمر يتمثلان في الحركة الدؤوبة لعناصر هذا الكون سيما ما ينتج عنها من تعاقب الليل والنهار وتتابع الشهور والفصول والسنين وما يتأتى من ذلك من سلوك الاحياء والناس على الارض.
وهنا نلحظ أنه تعالى أراد أن تكون عبادتنا له متسقة مع حركة هذا الكون متناغمة مع إيقاعات الطبيعة.
إن أقرب جرميين سماويين إلى الأرض من خلال هذه الحركة الكونية تتأثر بهما الحياة على وجه هذا الكوكب الذي نعيش فيه هما الشمس والقمر الذيْن أقسم الله بهما (والشمس وضحاها. والقمر إذا تلاها) [الشمس : 1،2 ".
لقد جعل الله تعالى مواقيت أداء الشعائر الدينية مثل الصلاة والزكاة والحج والصوم وثيقة الصلة بالحركة الظاهرة لهذين الجرمين بالنسبة للأرض أو حركة الأرض بالنسبة لكليهما.
لهذا فإن العبادات ومنها الصوم يجب أن يفهم مغزاها في إطار هذا التصور الذي تتكامل فيه المعاني التعبدية مع السنن الكونية، كما يجب أن نعي – من خلال هذا النسق – أن ما يفضي إليه العلم الطبيعي من وصف لظاهرات الكون إنما يتواءم مع الفهم القويم لنصوص الدين، وما تشتمل عليه هذه النصوص من دلالات.
إننا نعلم أن القمر يتبع كوكب الأرض أثناء دورانهما حول الشمس ويدور حول هذا الكوكب أثناء دورانه حول نفسه الذي ندركه بتعاقب الليل والنهار. وهذه الحركة النسبية حول الشمس ينتج عنها وضع يصير فيه القمر والأرض محاذيين لها. ويطلق الفلكيون على هذا الوضع مصطلح الاقتران. وحالة الاقتران ظاهرة طبيعية وسنة من سنن الله الجارية، وتوقيت حدوثها محسوب بدقة لا يخالطها شك، ومثبت في جداول فلكية لكل مناطق العالم لسنوات عديدة قادمة. هذه من الحقائق القطعية التي لا يختلف فيها أهل العلم.
وفي الفترة عندما يقترب القمر من وضع الاقتران حيث يكون محاقاً إلى ان يخرج منه يستحيل رؤيته في أي موضع على وجه الكرة الأرضية وبأي وسيلة بصرية. وهذه الحالة يعرفها عامة الناس، ومارس المسلمون عبر تاريخهم رصدها كحالة سابقة لتحري الهلال.
ولم تكن هنالك - مشكلة في تاريخنا السالف - إزاء تحديد بداية الشهور القمرية ناتجة عن قصور في العلم، بل ما يدعو للاستغراب أن المشكلة تحدث في زماننا هذا بسبب هذا القصور وذلك على الرغم من تطور الوسائل وسرعة الرسائل. وهذا القصور – في عصرنا هذا – مرده إلى أن المختصين في العلوم الشرعية في غالبهم، لم يعودوا عالمين بحساب منازل القمر كما كان أسلافهم ممن جمعوا بين الفقه الشرعي والمعرفة الفلكية، كما أن بعضاً من المنسوبين إلى علم الفلك ممن أُقحموا في مسألة إثبات بداية شهر الصوم إما غير ملمين بما تنطوي عليه دلالات النصوص الدينية أو غير آبهين بها، وذلك على خلاف ما كان عليه الفلكيون المسلمون السابقون ممن زاوجوا بين معرفة عميقة بشرائع الدين ومسائل الفلك المتصلة بها. هذا بالإضافة إلى أن تطور آلات الإبصار وسرعة الاتصال ودقة الحساب الفلكي – مع ما لها من ايجابيات مؤكدة – قد أسهمت في إبراز هذا القصور لما أحدثته من التباس لدى هؤلاء في فهم نصوص الدين وتكييف هذه المستجدات عليها.
إذن فما المشكلة؟؟
المشكلة هي اختلاف المسلمين في بلاد العالم الإسلامي المختلفة في تحديد بداية الشهور القمرية المرتبطة بعبادات كالصوم والحج وغيرها وذلك على الرغم من توافر النصوص الشرعية والتراث المعرفي الديني بالإضافة إلى ما بلغه العلم والتقانة الحديثة من درجة عالية في دقة الإثبات إزاء إمكان رؤية الهلال أو نفيه.
لحل هذه المشكلة يلزم أولاً تحديدها وحصرها ووضعها في الإطار المعرفي المرجعي الذي يجب أن تحل فيه، ثم تشخيص أسبابها ومعالجة هذه الأسباب في هذا الإطار المرجعي خلوصاً للحل.
الاطار المرجعي:
القضية المطروحة تتعلق بتوقيت عباده وشعيرة دينية بالغة الأهمية هو تحديد بداية شهر الصوم ونهايته. لذلك فإن المرجع لمناقشة الخلاف القائم هو:
نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة ولا مرجع غيرها ولا اجتهاد مع وجود هذه النصوص إلا في فهم دلالاتها.
ونستعين على فهم ما جاء في هذه النصوص بالآتي:
أ‌. دلالات الألفاظ بما تقتضبه صحة اللغة ودقتها في اللسان العربي الفصيح.
ب. ما فهمه علماء الإسلام من هذه النصوص وما انتهجته الأمة وفق هذا الفهم في تحديد بداية شهر الصوم والفطر منه على امتداد تاريخها السابق المجيد.
هنا يجب أن نضع في الحسبان أن فهمنا لآيات الله في القرآن الكريم يتعمق كلما اتسعت مدارك العقل في فهم آياته تعالى في الطبيعة، وأن الفكر القويم ينفي أي انفصام بين ما يستفاد به من فهم نصوص شرعية أو وصف سنة كونية تتعلق بموضوع معين. وذلك في نسق توحيدي يعبر عن وحدة الخالق في خلقه وأمره.
وقبل أن نورد هذه النصوص بحسبها الدواء يجدر بنا أن نشخص الداء.
تشخيص القضية:
المشكلة فقهية وتنطوي في بعض وجوهها على لبس في فهم دلالات النصوص أو ألفاظها وكذلك على وجود خلط في مدلول بعض المسميات الفلكية. وفي مجمل ذلك وبغض النظر عن الخلافات المذهبية المتعلقة بشروط إثبات الرؤية فإن ثمة خلافات أخرى ناتجة عن ما ذكرنا من قصور في استيعاب القضية يتمثل في الآراء الفقهية التالية:
أولاً: الأخذ بالرؤية البصرية مع اختلاف في اعتماد شهادة العدل أو العدلين أو الجماعة وذلك على وجهين:
أ. الرؤية البصرية فقط (مع خلاف في كون الإبصار بالعين المجردة أم باستخدام آلة بصرية) مع رفض الحساب كليا بحسبه – لدى أصحاب هذا الرأي - ضرباً من التنجيم المنهي عنه شرعاً.
ب. الرؤية البصرية مع جواز الاستئناس بالحساب الفلكي.
ثانياً: الأخذ بالحساب وجواز الأخذ بالرؤية البصرية بالعين المجردة أو من خلال آلة بصرية.
ثالثاً: الأخذ بالحساب فقط واعتبار تحري الرؤية البصرية – عند ذوي هذا الرأي - مجرد وسيلة لم تعد ضرورية وهذا على الوجوه التالية:
أ. إذا حدث الاقتران قبل غروب الشمس يكون ما بعد الغروب أول ليالي الشهر.
ب. إذا حدث الاقتران قبل الفجر يكون ما بعده وقت الإمساك لصيام أول يوم في الشهر.
رابعاً: الأخذ بالحساب بحسبه وسيلة ضرورية لتحديد وقت تحري رؤية الهلال ومكان وإمكان رؤيته بالعين أو بالمنظار، واعتماد هذا الحساب في نفي أي خبر عن رؤية غير ممكنة. ولكن مع كونه ضرورياً فإن الحساب لا يغني عن تحري الرؤية بحسب أن التحري من السنة النبوية وأنه احتفاء بمقدم الشهر الكريم.
الآن بعدما استعرضنا هذه الآراء وما تضمنته من أوجه الخلاف الفقهي، نورد هنا صور اللبس في فهم دلالات الألفاظ والمسميات التي طالما ساهمت في بروز هذه الخلافات. من ذلك:
1. الخلط بين علم الفلك والتنجيم.
2. اللبس في المقابلة بين الحساب والرؤية والنظر إليهما كنقيضين.
3. اللبس في مدلول كلمة هلال.
4. الخلط بين ولادة القمر وظهور الهلال.
5. اللبس في مدلول الرؤية أهي رؤية بصرية أم ذهنية؟ ، بالعين المجردة تحديداً أم تجوز من خلال آلة بصرية، وهل هي ضرورية ؟
6. عدم الوضوح حول الرؤية وإمكان الرؤية.
7. اللبس إزاء مفهوم وحدة المسلمين واختلاف المطالع.
والآن لكي نناقش ما أوردناه عاليه من صور في خلط المفاهيم يجب أن نورد النصوص المرجعية:
أ: من القرآن الكريم:
قوله تعالى: (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) [البقرة : 189 ".
وقوله تعالى: (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق، يفصل الآيات لقوم يعلمون) [يونس: 5 ".
ب: من السنة النبوية الصحيحة:
قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فاقدروا له).
وقوله عليه السلام: (الشهر تسع وعشرون ليلة فلا تصوموا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين).
وقوله: صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً.
والآن بناء على ما أوضحنا عاليه يجب أن نناقش أوجه الخلاف في ضوء ما يفهم مما أوردنا من نصوص من القرآن العظيم والسنة المطهرة. وذلك بسبب اللبس والخلط إزاء المفاهيم التالية:
1. علم الفلك وفن التنجيم:
علم الفلك، وكان يعرف بعلم الهيئة في تراثنا العلمي سابقاً، هو العلم الذي يُعنى بحساب حركة الأجرام السماوية وتموضعها كالشمس والقمر والكواكب، ورصد كل في فلكه أي مداره (وكل في فلك يسبحون) [يس : 40 "، كما جاء في التنزيل. وهذا الحساب مطلوب تعلمه بنص الآية الدالة على ذلك المذكورة آنفاً، فهذا علم يصف سنة الله الماضية في كونه. وهو غير التنجيم الذي نُهي المسلمون عن تصديق من يخبر به، لأنه رجم بالغيب لكونه ليس علماً مؤسساً على قوانين وحساب بل هو فن. ولعل هذا الخلط راجع لما ذهب إليه البعض من أجل تفاديه سداً لذريعة أن من الفلكيين مَنْ كان يتعاطى التنجيم ومِنْ المنجمين مَنْ كان عالماً بالفلك. هذا على الرغم من أن الاهتداء بالنجم ورد في سياق ذكر نعم الله على الانسان وهو خاصية جيدة وعمل مفيد ومنصوص عنه في كتاب الله (وعلامات وبالنجم هم يهتدون) [النحل : 16 ".
وعلى كلٍ فإن ما يهمنا من أمر إثبات بداية الشهر ينبني على حساب حركة الأرض والقمر إزاء الشمس ولا علاقة له البتة بالنجوم ومن ثم بالتنجيم.
2. وضع الأخذ بالرؤية كنقيض للأخذ بالحساب في تحديد بداية الشهر
مما ذكرنا بما تفيد الآية أعلاه فإن الحساب واجب على فئة من المسلمين تعلمه لأهميته في استيفاء أمور شرعية واجبة لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. أما حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم: نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا ....الخ، قد يساء فهمه، فهو لا ينكر الحساب الذي نص عليه القرآن إنما يشرح عدة أيام الشهر بطريقة مبسطة وحساب ميسر لمن لا يكتبون ولا يحسبون. وهذا لا ينطبق على أمة تكتب وتحسب. كما أن هذا الحديث – ابتداءً - لا يتطرق إلى حساب تحديد بداية الشهر أو نهايته وهو ما يعنينا في هذا الموضوع. فالأخذ بالحساب ضروري لتحري الرؤية إذ أنه ينبؤنا بدرجة فائقة الدقة إمكان رؤية الهلال ومتى وفي أي مناطق العالم يكون مطلعه، ومدى ارتفاعه على الأفق في كل موقع ومدة بقائه فيه وميله عليه وحجمه وسطوعه، وهل يرى بالعين المجردة أم يلزم لرؤيته معينات بصرية في موضع دون آخر؟ إذن فالأخذ بالحساب وسيلة مفيدة لتحري الرؤية وليس نقيضاً لها، وأن إعمال الرؤية إنما هو تطبيق عملي وتحقيق لما قطع به الحساب. والمشكل اليوم بين ما يقطع به الحساب الفلكي وما يُنقل من خبر عن رؤية ينفي الحساب إمكان حدوثها وفق القانون الذي فطر الله عليه حركة الكون.
3. مدلول كلمة هلال:
من حيث اللغة فان كلمة هلال من فعل هَلَّ أي ظهر من علٍ بعد استتار. وهي هنا تعني هذا الجزء الذي يظهر من سطح القمر في شكل قوس من جراء انعكاس ضياء الشمس الساقط من عليه نوراً يصل إلى عين الرائي في منطقة على الأرض عند انحسار ضوء الشمس بعيد غروبها في تلك المنطقة. والأهلة تفيد التعدد بحسب اختلاف المناطق التي يمكن الرؤية فيها في أوقات متتالية. وهذا التعدد دليل على إعجاز القرآن الذي يعني أن سطح الأرض كروياً. إذ لو كان سطحاً مستويا لرأى الناس هلالاً واحداً عند ظهوره بتفاوت في درجات ارتفاعه. ولفظ الأهلة يعني تعددها في المكان الواحد لكل شهور السنة، ولكنه يعني كذلك تعددها في بداية شهرٍ واحدٍ بظهورها في أوقات متفاوتة بالنسبة للناس المنتشرين على سطح الأرض كما في أية الأهلة الوارد ذكرها عاليه، والتي تفيد أن الأهلة مواقيت للناس، كل الناس، حسب مواقعهم على وجه الأرض. ولقد أفرد الحج لأن الناس فيه يكونون في موضع واحد وهو مكة المكرمة. وفي هذا بيان علمي رائع.
4. ولادة القمر وظهور الهلال:
ظهور الهلال هو كما بينا أعلاه، أما ولادة القمر فهي مصطلح فلكي يعني بداية دورة القمر حول الأرض بُعيد انحرافه عن حالة الاقتران. وفي خلال الفترة التي تسبق الاقتران وما تليها تنعكس أشعة الشمس في الفضاء الخارجي عن الأرض ثم على سطحها المواجه للشمس خلال النهار. وتستحيل رؤية أي جزء من سطح القمر إلا بعد مرور زمن مقدر كافٍ يتيح وصول بعض هذه الأشعة المنعكسة من على طرف من سطح القمر على الأرض عند الخط الفاصل بين النهار والليل، أي عند الغروب في منطقة ما عليها، حيث تصير رؤية هذا الطرف ممكنة في شكل هلال. ومن فضل الله تعالى على الناس وحكمته أن جعل الأهلة علامات كونية ظاهرة يشهدها كل انسان مبصر وليست مقصورة على من يعلمون حسابها. فكثيرا ما يُخلط بين ظهور الهلال المرتبط ببداية أول وآخر ليلة في صوم رمضان وولادة القمر التي لا علاقة لها بتلك البداية إذ أنها تحدث في وقت واحد لكل الناس في كل مكان سواء أكان الزمن نهاراً أو ليلاً. ولعل اطرف تشبيه للقمر في استتاره قبل أن يخرج هلالاً، الجنين في بطن أمه قبل أن يخرج طفلاً. فبداية عمر الانسان تحسب من يوم ولادته طفلاً، وبداية الشهر تحسب من وقت ظهور هلاله.
وهنا يجب التنبيه إلى أن الهلال قد يكون عالياً وساطعاً في أول يوم لظهوره وهذا يعني أن مدة كبيرة قد مضت منذ حالة الاقتران ولا يعني أن عمره بلغ الليلتين كما قد يتوهم البعض.
ولكن يجب أن نشير إلى أن إدعاء رؤية الهلال قبل ولادة القمر أو بعده بفترة قليلة هو إدعاء زائف وزعم داحض، وإن الأخذ بالاقتران واعتباره بداية لشهر الصوم إنما يتجاهل النصوص الشرعية بل ويتعارض معها بصورة صريحة.
5. الرؤية أهي بصرية حسية أم ذهنية وضرورة تحريها:
القرآن يتحدث عن ضياء الشمس ونور القمر ومنازله التي نعلم بها الحساب ونلاحظها في تغير شكل قرصه الذي نشاهده بالعين. وهذا فعل حسي، سيان سواء أكان بالعين المجردة أم من خلال منظار مكبر. أما الحساب فهو رؤية عقلية. ولكن الرؤية المعنية في الحديث وفي مدلول آية الأهلة إنما هي بصرية. وليس أدل على ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم: فإن غُمَّ (أو غُبِّي) عليكم أي إذا قدرتم ظهور هلال رمضان بناء على رؤية هلال شعبان ولكن – مع مظنة وجوده في الأفق وقتئذٍ - حجبه عنكم الغمام فلم تروه مساء اليوم التاسع والعشرين فأكملوا الشهر ثلاثين يوما. وهذا يؤكد أهمية الرؤية لذاتها وتحريها بحسبها سنة نبوية يتأكد بها وقت بداية شهر الصوم وينبغي ألا تهمل بسبب معرفة ذلك عن طريق الحساب. وهذا أشبه بالأذان الذي يتأكد به دخول وقت الصلاة فلا يهمل بمعرفة دخول الوقت بالحساب.
وهذا الحديث يفيد كذلك أن الرؤية بالعين المجردة أوفق لأنها تتيح مشاركة لأكبر عدد من المسلمين في اقتفاء سنة الرسول عليه السلام. وفي هذا يسر، لأن الله لا يكلف الأنفس إلا وسعها، وهو تعالى إنما يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر كما يفهم ذلك مما تضمنته آيات الصيام في سورة البقرة.
وأخيراً يبقى الاستعانة بالمنظار المكبر في الرؤية ممكناً في الحالات غير العادية.
6. الرؤية وإمكان الرؤية:
مما سبق يتضح أن تحري الرؤية ضروري وهو سنة حافظ الرسول على أدائها وكان يدعو فيها ربه باليمن والإيمان والسلامة والإسلام كما أورده الترمذي. ويجب أن ندرك أنه لا فرق بين الرؤية وإمكان الرؤية خاصة في زماننا هذا. وذلك لثلاثة أسباب أولها: أن الحساب الفلكي على درجة من الدقة الكافية لإعطاء كل المعلومات عن الهلال المطلوب تحري رؤيته. وثانيها: أن الآلات البصرية الرصدية بلغت قدرة فائقة في إظهار شكل الهلال عندما يتعذر ذلك بالعين المجردة. وثالثها: لان الاتصال صار سريعا بحيث يمكن نقل خبر الرؤية في وقت حدوثها بين أطراف المنطقة التي يمكن أن يرى فيها الهلال. ومجمل القول هنا أنه إذا أكد الحساب الفلكي إمكان الرؤية في منطقة ما فإن هذه الرؤية يمكن تحقيقها بالنظر، أي أن الرؤيتين البصرية والحسابية متلازمتان.
7. وحدة المسلمين واختلاف المطالع:
من المعلوم أن الرؤية يمكن أن تتعسر بسبب الأحوال الجوية أو غيرها في موقع دون آخر عبر منطقة تكون الرؤية ممكنه فيها على وجه العموم بحسبها تمثل مطلعاً واحداً للهلال. عندئذ لا عبرة في اختلاف المواقع في المنطقة الواحدة. وذلك استجابة للحديث: صوموا لرؤية وأفطروا لرؤيته، لكونه خطاباً لجماعة المسلمين. فالدعوة إلى وحدة المسلمين تقتضي التوحد في بداية صومهم وفطرهم.
بيد أنه يجب التفريق بين اختلاف المطالع واختلاف المواقع في المنطقة التي تمثل مطلعاً واحداً للهلال وإن اتسعت رقعتها. فاختلاف المطالع لا يعني تعذر الرؤية في موضع دون الآخر لأسباب عابرة بل يعني استحالة الرؤية في منطقة دون أخرى بسبب عدم وصول أشعة الشمس المنعكسة من جرم القمر نوراً لتكون في شكل هلال يمكن أن يرى من على الأرض. وهذا يعني أن منطقتين متجاورتين على الأرض يمكن أن تشكلا مطلعين مختلفين بحيث تستحيل الرؤية في أحدهما دون الآخر. وبما أن الصوم مرتبط بالرؤية وان الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الصوم إلا بعد ثبوت الرؤية، إذن يكون لكل أهل مطلع رؤيتهم وبداية صومهم، كما أفاد حديث كريب المعروف مع ابن عباس رضي الله عنهم. وهنا لا يحتج بضرورة وحدة المسلمين لأن هذه الوحدة إنما تتحقق باتباع كلام الله عز وجل وهدي نبيه عليه السلام في المقام الأول، وليس على مخالفتهما. لذلك فإن الذين تستحيل عندهم رؤية الهلال يجب ألا يتبعوا من لا تستحيل عندهم هذه الرؤية بدعوى هذه الوحدة المتوهمة فيصومون قبل دخول الشهر يوماً وقد نهوا عنه. وقد يقعون بسبب ذلك في ما هو أشد مخالفة للشرع، فطر يوم في آخر الشهر.
وعلى العموم الأخذ باختلاف المطالع في تحديد بداية الشهر أو التغاضي عنه يظل موضع خلاف بين الفقهاء، ويحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة سيما عندما تقع دولة ذات سلطان واحد في مطلعين مختلفين بحيث تكون الرؤية ممكنة في جزء من أرض هذه الدولة في أول الليلة الأولى، وتستحيل مطلقاً وقتئذٍ في جزء آخر منها لتكون ممكنة في اليوم التالي.
خاتمة:
والآن نخلص إلى الرأي الفقهي القويم – كما نراه – من بين ما ذكرنا أعلاه.
وهذا الرأي يمكن تلخيصه في الآتي:
1. إن نصوص القرآن والسنة تجعل إثبات بداية الشهر وقفاً على الرؤية البصرية.
2. أنه لا خلاف بين نظرية الرؤية ورؤية النظر.
3. الحساب الفلكي ضروري لتحري الرؤية ولكن لا يغني عنها.
4. الخبر عن رؤية الهلال الذي ينفيه الحساب الفلكي مردود.
وأخيراً ما خلصنا إليه في هذا الملخص يضع – في نظرنا - أساساً قويماً لإثبات بداية الشهور في التقويم الإسلامي ينبغي أن يأخذ به المسلمون.
حول هلال شهر رمضان 1430ه
تحدث بداية دورة القمر عند الحالة التي يكون فيها بين الارض والشمس ومحاذياً لكليهما, وذلك في الساعة الواحدة ودقيقتين بعد ظهر يوم الخميس 20/8/2009م الموافق للثامن والعشرين من شهر شعبان الذي كانت بدايته يوم الجمعة 24/7/2009م .
في مساء هذا اليوم الخميس 20/8/2009م تستحيل رؤية الهلال في أي موقع على الارض عدا غربي أمريكا الجنوبية ، وفقط بالمنظار الفلكي.
لهذا فإن مساء الجمعة 21/8/2009م الموافق للتاسع والعشرين من شعبان هو الوقت المناسب للتحري بُعيد غروب الشمس. إذ يرى الهلال لأول مرة في كل العالم ما عدا منطقتي سيبريا والسكا.
وبثبوت رؤية الهلال مساء الجمعة 21/8/2009م يكون يوم السبت هو غرة رمضان المعظم.
حيث أن يوم الجمعة هو اليوم التاسع والعشرون المكمل لشعبان. وإن إدعاء أن هذا اليوم الجمعة هو أول الشهر المكرم مردود لاستحالة ظهور الهلال ليلته، ومن ثم لعدم تلبيته نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة.
ينتهي شهر رمضان المعظم في 29 يوماً في مساء السبت 19/9/2009م، إذ يرى الهلال عندئذ بوضوح في كل العالم الاسلامي ليكون الاحد 20/9/2009م أول ايام شوال (عيد الفطر المبارك).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.