مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    سلطان دار مساليت: إرادة الشعب السوداني وقوة الله نسفت مخطط إعلان دولة دارفور من باريس    نقاشات السياسيين كلها على خلفية (إقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً)    إيران : ليس هناك أي خطط للرد على هجوم أصفهان    قطر.. الداخلية توضح 5 شروط لاستقدام عائلات المقيمين للزيارة    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    هل رضيت؟    الخال والسيرة الهلالية!    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    منى أبوزيد: هناك فرق.. من يجرؤ على الكلام..!    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    الإمارات العربية تتبرأ من دعم مليشيا الدعم السريع    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    ضبط فتاة تروج للأعمال المنافية للآداب عبر أحد التطبيقات الإلكترونية    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    تراجع أم دورة زمن طبيعية؟    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    خلد للراحة الجمعة..منتخبنا يعود للتحضيرات بملعب مقر الشباب..استدعاء نجوم الهلال وبوغبا يعود بعد غياب    إجتماع ناجح للأمانة العامة لاتحاد كرة القدم مع لجنة المدربين والإدارة الفنية    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    إيران وإسرائيل.. من ربح ومن خسر؟    شاهد.. الفنانة مروة الدولية تطرح أغنيتها الجديدة في يوم عقد قرانها تغني فيها لزوجها سعادة الضابط وتتغزل فيه: (زول رسمي جنتل عديل يغطيه الله يا ناس منه العيون يبعدها)    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    الأهلي يوقف الهزائم المصرية في معقل مازيمبي    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان بين خياري الوحدة والانفصال

ظلت قضية جنوب السودان من أكثر القضايا التي أرقت جميع الحكومات المركزية في الخرطوم منذ الاستقلال، وكانت تطلعات السياسيين الجنوبيين منذ مؤتمر جوبا في عام 1947م تتجه إلى حكم فيدرالي لجنوب السودان يضع الإقليم تحت إدارة أبناء الجنوب أنفسهم أو إلى انفصال تام وقيام دولتين متجاورتين، إلا أن الإداريين البريطانيين الذين أشرفوا على قيام المؤتمر ضغطوا على ممثلي الجنوب بقبول سودان موحد لأن الجنوب لا يملك الموارد المالية أو البشرية ليصبح دولة منفصلة.
ويعتبر موقف الإدارة البريطانية هذا جديداً على سلوكها السابق، فقد عملت في الماضي على فصل الجنوب عن الشمال، واعتبرت الجنوب منطقة مقفولة لا ينتقل إليها المواطن في الشمال إلاّ بإذن من الإدارة البريطانية وقللت من أعداد التجار الشماليين واستبدلتهم بتجار مسيحيين من الشوام ومنعت مزاولة الشعائر الإسلامية بالجنوب في العلن بل وحتى تسمية أبناء الجنوب بأسماء الشماليين.
وقد انتقلت هذه القضية إلى مرحلة جديدة بعد توقيع اتفاقية السلام الشامل بين الحركة الشعبية لتحرير السودان وحزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان في يناير 2005، حيث أعطت الاتفاقية سكان الجنوب حق تقرير المصير من خلال استفتاء شعبي حول الوحدة أو الانفصال. وبين أمل الوحدة وشبح الانفصال تعددت الاتجاهات في محاولة استقراء ما سيئول إليه الوضع بعد الاستفتاء، ومحاولة معرفة ما إذا كان الجنوبيون سيصوتون لصالح الوحدة أم لصالح الانفصال، وتحت أي عوامل التي سترجح هذا الخيار أم ذاك، وخصوصاً بعد أن أصبح خيار الوحدة أو الانفصال قراراً تملكه الحركة الشعبية لتحرير السودان وحدها، ويخضع لحساباتها هي قبل حسابات أي طرف آخر.
وتحاول هذه الدراسة الوقوف على نصوص الاتفاقية المتعلقة بهذه القضية، وفهم حقيقة مواقف أطراف الاتفاقية واتجاهات رأي النخبة في الشمال والجنوب من القضية.
أولاً: الوحدة والانفصال في اتفاقية السلام الشامل
بعد سنوات من التفاوض بين حكومة الإنقاذ والحركة الشعبية تحت مظلة دول الإيقاد الأفريقية ومشاركة عدد من الدول الغربية توصل الطرفان إلى اتفاقية السلام الشامل التي وقعت في نيروبي في 9/1/2005 وتعتبر هذه الاتفاقية كسباً غير مسبوق لأهل الجنوب لأنها منحتهم فوق ما كانوا يتطلعون إليه في ظل كل الحكومات السابقة. وقد اشتملت الاتفاقية على العديد من البنود التي تصب في صالح الوحدة كما اشتملت على غيرها من البنود التي تحسب لصالح الانفصال.
1- أهم البنود التي تدعم الوحدة
- تقوم حكومة وحدة وطنية تعكس التعددية وتعزيز الوحدة الوطنية والدفاع عن السيادة الوطنية واحترام وتنفيذ اتفاقية السلام الشامل.
- تمارس الرئاسة ومجلس الوزراء والسلطات والاختصاصات التنفيذية بخصوص المسائل الواردة في الجدول (أ) (المبادئ المتفق عليها) والجدول (د) (هياكل الحكم) مقروءة مع الجدولين (ه) (حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان) و(واو)، على نحو ما يخوله هذا الاتفاق والدستور القومي الانتقالي.
- يتم اقتسام المناصب والحقائب الوزارية بما في ذلك الوزارات القومية السيادية على أساس العدالة والنوعية بين الطرفين ويتفق الطرفان على وضع الوزارات القومية في مجموعات بموجب اتفاق وسائل التنفيذ.
- يحدد الطرفان الموقعان على الاتفاقية قبل التوقيع على اتفاقية السلام الشامل بتمثيل الحركة الشعبية لتحرير السودان والقوي السياسية الأخرى من الجنوب في كل من هذه المجموعات.
- قبل الانتخابات تخصص المقاعد في السلطة التنفيذية القومية على النحو التالي: يكون المؤتمر الوطني ممثلاً بنسبة 52% وتكون الحركة الشعبية ممثلة بنسبة 28% وتكون القوى السياسية الأخرى من الشمال ممثلة بنسبة 14% وتكون القوى السياسية الأخرى من الجنوب ممثلة بنسبة 6%.
- تكون حكومة الوحدة الوطنية مسؤولة عن إدارة وتسيير الدولة وصياغة وتنفيذ السياسات القومية وفقاً للدستور القومي الانتقالي.
- تكون حكومة الوحدة الوطنية مسئولة عن نظم الالتحاق وسياسات القبول للجامعات والمعاهد العيا الوطنية والمؤسسات الأخرى للتعليم العالي على أساس المنافسة النزيهة وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين.
- تتخذ حكومة الوحدة الوطنية القرارات بشأن الأنشطة الراهنة أو المستقبلية لمنظمات الأمم المتحدة والمنظمات الثنائية والوطنية أو الحكومية الدولية وغير الحكومية بهدف كفالة التوزيع المتكافئ والشفاف للمشاريع والأنشطة وتوظيف العاملين في كل السودان – لاسيما إعادة إعمار المناطق المتضررة من الحرب على أن يكون هنالك التزام مماثل إزاء جميع مستويات الحكم.
- تعمل حكومة الوحدة الوطنية على تنفيذ حملة إعلامية في جميع أنحاء القطر وتجميع اللغات الوطنية في السودان بهدف نشر اتفاقية السلام الشامل والنهوض بالوحدة الوطنية والمصالحة والتفاهم المتبادل.
2- أهم البنود التي تدعم الانفصال
- إعطاء أهل الجنوب حق تقرير المصير بنهاية الفترة الانتقالية في 2011م.
- تمكين الحركة الشعبية من السيطرة على الإقليم الجنوبي في الفترة من 2005م – 2011م.
- مشاركة أبناء الجنوب في الحكومة الاتحادية بنسبة 28% وفي ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان 45% لأن بعض أبنائها حاربوا مع الحركة الشعبية.
- احتفاظ الحركة الشعبية بمليشياتها المقاتلة إبان الفترة الانتقالية وخروج القوات المسلحة من حدود جنوب السودان.
- اقتسام العائدات البترولية من الحقول الموجودة في الجنوب مناصفة بين الحكومة المركزية وحكومة الجنوب.
- استثناء الجنوب من تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية وكذلك أبناء الجنوب غير المسلمين في العاصمة القومية.
- ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب بناءً على خريطة 1956م ما عدا منطقة أبيي التى أضيفت للشمال في 1905م وينبغي أن تعود مرة أخرى إلى الجنوب.
- وجدت اتفاقية السلام تأييداً عاماً من كل القوى السياسية في الشمال والجنوب رغم أنها كانت ثنائية بين المؤتمر الوطني " الحزب الحاكم " والحركة الشعبية، والسبب في التأييد هو إيقاف الحرب الدامية بين الشمال والجنوب، وكون الاتفاقية شاملة لكل القضايا المتنازع عليها بين شقي الوطن.
- تحدثت الاتفاقية في الجزء الثالث تحدثت عن حكومة جنوب السودان – حيث نصت على أن تنشأ حكومة جنوب السودان على أساس الحدود القائمة بتاريخ 1/1/1956م وتشتمل على السلطة التشريعية لجنوب السودان والسلطة التنفيذية لجنوب السودان والسلطة القضائية لجنوب السودان – وتتمثل أحدى المسؤوليات الرئيسية لحكومة جنوب السودان في العمل كسلطة بالنسبة لولايات جنوب السودان والعمل كحلقة وصل مع الحكومة القومية لضمان المحافظة على حقوق ومصالح جنوب السودان، خلال الفترة الانتقالية.
وقد تم في الفترة الماضية منذ عقد الاتفاقية تنفيذ معظم بنودها مثل صدور الدستور الانتقالي، وتكوين الحكومة الاتحادية المشتركة، وتكوين الحكومة الإقليمية وحكومات الولايات، واقتسام عائدات البترول، وانسحاب القوات المسلحة من الجنوب، وإجراء التعداد السكاني الذي تتم على أساسه معرفة أوزان الأقاليم وما تستحقه من تمثيل في البرلمان، وصدور قانون الانتخابات، وتكوين معظم المفوضيات التى نصت عليها الاتفاقية وترسيم الحدود الذي أوشك على الانتهاء، وتعيين العديد من الجنوبيين في جهاز الأمن والمخابرات الوطني وأجهزة الخدمة الوطنية المدنية.
ثانياً: مواقف شريكي الحكم من الوحدة والانفصال
1- موقف المؤتمر الوطني
- منذ استيلائها على السلطة في الثلاثين من يونيو 1989م، أبدت قيادة ثورة الإنقاذ الوطني حرصاً أكيداً وجدية تامة في التوجه لوقف الحرب في الجنوب وإحلال السلام العادل الذي يستأصل المشكلة من جذورها وذلك في إطار الدوافع التي قادتها لاستلام السلطة وهى إنقاذ البلاد من التدهور الأمني والاقتصادي الذي كان يتهدد وجودها وسيادتها والخروج بقضية الحرب والسلام من دائرة المزايدة الحزبية والصراع حول السلطة. وظلت القناعة الراسخة لدى مجلس قيادة الثورة هي أن الحوار المفتوح غير المقيد بشروط مسبقة من الطرفين هو الضمانة الأساسية لإنجاح مساعي السلام.
وقد أبدت الحكومة منذ البداية حسن النية وسعت لبناء جذور الثقة بينها وبين الحركات المسلحة بالجنوب وتهيئة المناخ الطبيعي لبدء جولات المفاوضات حيث أعلنت الحكومة وقف إطلاق النار من طرف واحد، والعفو العام عن حملة السلاح من المتمردين، واستمرار عملية شريان الحياة لإنقاذ حياة المواطنين المعرضين للمجاعة في الجنوب، كأثر من آثار الحرب(1).
- ثم قدمت الحكومة مبادرتها للسلام في مؤتمر القمة الأفريقية الذي عقد في أديس أبابا في الفترة من 19- 20 أغسطس 1989م حيث التقى وفدا الحكومة والحركة في هذا المؤتمر وكان من نتائج ذلك اللقاء أن تدفقت الإغاثة إلى المتضررين من جراء الحروب في جنوب السودان في عملية شريان الحياة، الأمر الذي أدى إلى فتح قنوات اتصال مباشر بين الجانبين وعرضت الحكومة على وفد الحركة وقف إطلاق النار لخلق مناخ ملائم لمواصلة التفاوض، ورفضت الحركة هذا العرض بحجة أن الحديث عن وقف إطلاق النار بدون اتفاق محدد للسلام غير مقبول.
- وفي 9 سبتمبر في عام 1989م عقد مؤتمر للحوار الوطني حول قضايا السلام بالخرطوم وضم (120شخصاً) منهم حوالي 48 شخصاً يمثلون الولايات الجنوبية(2).
خاطب الفريق/ عمر حسن أحمد البشير رئيس الجمهورية ذلك المؤتمر وحوى خطابه جمل طيبة من المؤشرات والمرتكزات التي أعانت المؤتمر في إدارة الحوار الوطني حول قضايا السلام في السودان(3). حيث قال : (القضية التى تناولتها هنا قضية السلام العادل – السلام لكل السودانيين بلا تفرقة – وأن قضية السلام هى قضية إنسانية ودينية ووطنية من الدرجة الأولى، قال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين). وورد في الكتاب المقدس: (المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة).
- خرج مؤتمر الحوار الوطني حول قضايا السلام بتوصيات تبنتها الدولة وأقرتها كبرنامج وطني للسلام في السودان وركزت هذه التوصيات على وضع تصور حل القضايا الهامة والتي اعتبرتها الإنقاذ الأسباب الجوهرية الأساسية في اندلاع الحرب في الجنوب ومنها المشاركة في السلطة والثروة كما حدد المؤتمر توزيع السلطات والاختصاصات بين الأجهزة الاتحادية والولائية وأكد على أن السودانيين أمة واحدة وتكفل لهم الدولة حرية العقيدة (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي). ويمكن القول إن حكومة الإنقاذ ومنذ تسلمها السلطة ظلت تنادي بالسلام والوحدة وقبول الآخر وتدعو إلى سودان متكامل ينعم فيه كل مواطن بحرية العقيدة.
- أوضح نائب الرئيس السوداني علي عثمان محمد طه أن الاستفتاء حول تفرير المصير للجنوب سيتم بالاتفاق بين الحكومة والفصائل الجنوبية التي وقعت مع الحكومة اتفاقية السلام في أبريل 1997م وأن الاستفتاء غير مشروط بالفترة الانتقالية التي حددتها الاتفاقية بأربعة أعوام، وهو رهن لتوفر قدر من الاستقرار والتنمية والخدمات التي تدفع بالمواطن في الجنوب لاتخاذ القرار بقناعة وفي ظرف طبيعي وأن اتفاقية الخرطوم للسلام لا تفترض أن السودان منقسم بقدر دعوتها إلى العمل على تعزيز القناعة بالوحدة باعتبار أن فرص الوحدة أكبر من دواعي الانقسام. "يذكر أن الحكومة السودانية قامت بتوقيع اتفاقية الخرطوم للسلام في 21/4/1997م مع عدد من الفصائل الجنوبية المتمردة ومنها الجبهة الديموقراطية المتمردة التي كان يتزعمها الدكتور رياك مشار ولا يجوز تعديل هذه الاتفاقية إلا بموافقة مجلس تنسيق الولايات الجنوبية الذي يضم ممثلي الفصائل الموقعة على الاتفاقية.(4)
- تشدد قيادات المؤتمر الوطني - وعلى أعلى مستوياتها - في خطاباتها السياسية على تمسكها باتفاقية نيفاشا وعلى خيار الوحدة، وعلى حق شعب الجنوب في الاختيار بين الوحدة والانفصال في الاستفتاء المقرر إجراؤه نهاية الفترة الانتقالية.
2- موقف الحركة الشعبية
- تعود تطلعات السياسيين الجنوبيين نحو الفيدرالية أو الانفصال إلى عدم الثقة في أهل الشمال الذي زرعته السياسة البريطانية لعقود من الزمن وتحريض البعثات التبشيرية للجنوبيين ضد الشمال المسلم ويبدو أن سبب تغير السياسة البريطانية هو عدم قبول الإدارة البريطانية في تنجانيقا (تنزانيا – كينيا – أوغندا) لضم إقليم الجنوب إليها وضعف الإقليم أن يكون دولة مستقلة لوحده. هذا بالإضافة إلى تفاوت مستويات الوعي والتعليم والوضع الاقتصادي بين الشمال والجنوب، مما جعل الساسة الجنوبيين يتخوفون من أنهم سيكونون في موقف أضعف مقارنة بالسياسيين الشماليين.
- كانت حركة التمرد الجنوبية الأولى ضد الشماليين في أغسطس 1955م لمنطقة الاستوائية، أيّ قبيل موعد إعلان الاستقلال للسودان، وكان السبب هو محاولة نقل الفرقة الجنوبية المتمردة وموطنها في الجنوب إلى الشمال. كما أن الطريقة التي تمت بها سودنة (توطين) الوظائف القيادية في الخدمة المدنية كان حظ الجنوبيين منها ضئيلاً نسبة لضعف تعليمهم وقلة خبرتهم الإدارية فكانت نتائج التمرد عنيفة حيث اعتدى العساكر المتمردين على المدنيين من التجار والمدرسين والموظفين الشماليين وأسرهم وأدى ذلك إلى ردة فعل مماثلة من القوات المسلحة ضد المتمردين.
- وجاءت حركة التمرد الثانية باسم "الأنانيا" في أول الستينيات أثناء حكم الفريق/ إبراهيم عبود الذي اتبع مركزية عسكرية قابضة في الإدارة وحاول اتباع سياسة تعليمية لأسلمة الجنوب وأبعد المبشرين الأجانب من جنوب السودان لتدخلهم في الأمور السياسية.
كان هدف حركة الأنانيا هو فصل الجنوب عن الشمال واستمر التمرد الذي قاده العقيد جوزيف لاقو منذ أوائل الستينيات إلى 1972م حيث عقد مع الرئيس جعفر محمد نميري اتفاقية أديس أبابا التي أعطت الجنوب حكماً ذاتياً له حكومته الإقليمية وبرلمانه التشريعي وتوحدت مديرياته الثلاثة تحت إدارة واحدة ومارس قدراً من الديمقراطية لم توجد في الشمال في ظل نظام نميري العسكري.
- وقام التمرد الثالث في مايو 1983م تحت مسمى "الحركة الشعبية لتحرير السودان" بقيادة العقيد جون قرنق وهو من أبناء الدينكا، أكبر قبائل جنوب السودان، بحجة انتهاك الرئيس نميري اتفاقية أديس أبابا حيث أصدر مرسوماً رئاسياً بتقسيم الجنوب إلى ثلاث مديريات، وأعلن في سبتمبر 1983م بعض قوانين الشريعة الإسلامية دون استثناء حتى الجنوب مما أعطى حركة التمرد سبباً إضافياً أزعج أهل الجنوب من المسلمين وغير المسلمين .
كانت الحركة الشعبية أقوي حركات التمرد الجنوبية لأنها استولت نهاية الثمانينات على حوالي 80% من إقليم الجنوب بل واحتلت بعض المواقع في شمال السودان في جبال النوبة والنيل الأزرق وشرق السودان وتحالفت سياسياً مع المعارضة الشمالية لنظام الإنقاذ وعسكرياً مع حركات التمرد بدارفور، واستطاعت أن تجذب مقاتلين معها من مناطق جبال النوبة والنيل الأزرق في الشمال ووجدت دعماً دولياً وإقليمياً ضد حكومة البشير.
- هدفت قيادة الحركة الشعبية، وعلى رأسها جون قرنق إلى قيام سودان جديد بنظام كونفدرالي لا تسيطر عليه النخبة العربية الإسلامية التي حكمت السودان منذ الاستقلال، ولكن كانت قواعد الحركة الشعبية أميل إلى انفصال جنوب السودان، وبعد مقتل جون قرنق في حادثة الطائرة الأوغندية ضعف التمسك بالوحدة.
ويتضح من الاستعراض السابق أن السياسيين الجنوبيين وحركات التمرد الجنوبية كانت أقرب إلى الانفصال منها إلى الوحدة مع الشمال طيلة سنوات الاستقلال.
وهذا ما حدا بالقوى السياسية الشمالية أن تقبل في نهاية الأمر بحق تقرير المصير لجنوب السودان برغم "عدم قانونية ذلك الحق في العرف الدولي وفي دستور منظمة الوحدة الأفريقية ومن بعدها الاتحاد الأفريقي"، ومن بعدها معارضة مصر الشديدة لانفصال الجنوب لما يمثله من تهديد لنصيبها في مياه النيل. ولكن القوى السياسية الشمالية وصلت إلى هذا الاقتناع المؤلم بعد حرب مع حركات التمرد الجنوبية دامت أكثر من ثلاثين عاماً.
وتتفاوت مواقف قيادة الحركة الشعبية بين مؤيد للوحدة ومؤيد للانفصال، وتتلخص حجج دعاة الانفصال في أنه مهما كانت مكاسب الجنوبيين من الاتفاقية فإنهم سيظلون أقلية في مجتمع عربي إسلامي، وسيظل تطلع أهل الشمال لتطبيق الشريعة الإسلامية يجعل الجنوبي غير المسلم مواطن من الدرجة الثانية. أما حجج دعاة الوحدة فتتلخص في ضعف البنيات التحتية في الجنوب وقلة الكوادر المهنية والإدارية حيث أن الشمال يمكن أن يلعب دوراً إيجابياً في تشييد البنيات التحتية وفي توفير الكوادر التي يحتاجها الجنوب وهم أعرف بالجنوب من دول الجوار الأفريقية الأخري.
ويجتهد رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت في إدارة دفة الحركة نحو الاعتدال على الرغم من محاولات اليساريين داخل الحركة الذين يعتقدون أن إنتاج الأزمات هو الطريق الأوحد للاحتفاظ بمكاسب ما بعد الانفصال. غير أن سفينة السلام ماضية بالرغم من العراقيل التي ظل يضعها يسار الحركة.
وما يجدر ذكره أن مؤتمر جوبا قد توصل لاتفاق بشأن أبيي التي كانت أعظم عقبة في تنفيذ اتفاقية السلام الشامل بنيفاشا، وأعاد بذلك روح الشراكة السياسية.
وإذا ما حزمت الحركة الشعبية أوراقها ونزلت بثقلها بخيار الوحدة فإنها ستكون (الوحدة) الراجحة عند الاستفتاء بحكم سيطرة الحركة التامة، فالجنوب مقسم أيضاً إلى قبائل عديدة تختلف لغاتها وعاداتها وأديانها وسبل عيشها وتحدث بينهم مشاحنات ومنازعات لذا فإن ارتباطهم بالشمال يشكل لهم قدراً من الوحدة كما حدث منذ الاستقلال.
وما يجب الإشارة إليه في سياق الحديث عن موقف شريكي الحكم، المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، أنه وبالرغم من أن اتفاقية السلام الشامل تنص على أن يعمل الطرفان على جعل الوحدة جاذبة لسكان الولايات الجنوبية، إلا أن الطرفين لم يقوما بأي برامج أو فعاليات متعددة الجوانب والمجالات ومرتبطة بخطة زمنية وذات انعكاسات ملموسة على الواقع المعيشي لسكان الجنوب بما يشجعهم على الإحساس بقيمة الوحدة والحرص عليها كخيار وحيد. وربما كان هذا الموقف من الطرفين بفعل الصراع السياسي المحتدم بينهما والذي يمنع كل طرف من السماح للطرف الآخر باستخدام ورقة الوحدة كورقة ضغط ضده في الترتيبات النهائية لما بعد الفترة الانتقالية. وبالتأكيد فإن هذه الحالة تحول دون قيام الطرفين بمسئوليتهما التاريخية تجاه بناء السودان الجديد.
ثالثاً: الرأي العام في الشمال والجنوب من الوحدة والانفصال
تشير مواقف القوى السياسية وآراء النخب الفكرية والثقافية في الشمال إلى أن الرأي الغالب في الشمال يؤيد الوحدة، بينما يبدو أن الرأي العام في الجنوب منقسماً على نفسه.
- بينما يؤكد السيد محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي على السودان الموحد موضحاً أنه أول من وقع مع زعيم الحركة الشعبية السابق جون قرنق اتفاقية لحل مشكلة الجنوب ضمن سودان موحد، فإن الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي يرى ضرورة تحقيق الإجماع السوداني على أساس برنامج الوحدة الجاذبة بين الشمال والجنوب أو الجوار الأخوي إذا تعذرت الوحدة، وعدد المهدي جملة من المشاكل والتحديات المتمثلة في اتفاقية السلام الشامل كالفراغ الدستوري ومشكلة دارفور والانتخابات والمحكمة الجنائية الدولية والاقتصاد والحدود بين الشمال والجنوب، لافتاً إلى أن هذه القضايا والمشاكل تعتبر جزء لا يتجزأ من مشروع الوحدة الجاذبة وأعرب عن اعتقاده بإمكانية تجاوب الحركة الشعبية مع هذا المشروع وطرحه من أجل توحيد كل القوى السياسية السودانية وأشار إلى أن مطالب أهل دارفور تدخل في هذا البرنامج ولذلك يجب أن تكون هنالك علاقة بين القوي السياسية والحركات المسلحة في دارفور.
ومن بين دعاة الوحدة في النخب الشمالية يشير د. الطيب زين العابدين إلى أنه مهما كسب الجنوب من الاتفاقية فسيظل الجنوبيون أقلية في مجتمع عربي إسلامي يتطلع أهله إلى تطبيق الشريعة الإسلامية مما يجعل الجنوبي غير المسلم يشعر دائماً بأنه مواطن من الدرجة الثانية، ويشير إلى أن التفاوت التعليمي والاقتصادي يجعل الشقة كبيرة بين الشمال المتقدم والجنوب المتخلف نسبة لضعف البنيات التحتية بالجنوب وقلة الكوادر المهنية والإدارية ويمكن للشمال أن يلعب دوراً إيجابياً في تشييد البنيات التحتية وفي توفير الكوادر التي يحتاجها الجنوب وهم أعرف بالجنوب من دول الجوار الأفريقي الأخرى. ويتساءل د. الطيب زين العابدين الرجل الوحدوي والداعي لتعايش الأديان: ماذا يضير أهل الجنوب من الوحدة وهم يسيطرون بالكامل على إدارة إقليمهم ومتشاركون في حكم الشمال عن طريق الحكومة الاتحادية موضحاً أن دعوة الحركة لبناء السودان جديد وجدت تأييداً مقدراً من أبناء الأقاليم المهمشة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وشرق السودان مما يفتح الباب للحركة الشعبية أن تكون الحزب الأول في الشمال كما هي في الجنوب، وبالتالي لتسيطر على كل السودان وتحقق برنامجها لبناء سودان جديد.
ومن بين دعاة الانفصال نشير إلى موقف الطيب مصطفي رئيس مجلس إدارة صحيفة (الانتباهة) الحاد تجاه الانفصال حين يرد بعنف على تصريحات للأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم تدعو للانفصال، يشير بقوله: إن باقان لا يفهم أنه حتى لو رضى هو بالوحدة بدون قيد أو شرط مع إبقاء الشريعة في الشمال أو في الجنوب هو بالوحدة المستثني منها حالياً فإن ذلك لن يقنعنا بالوحدة، لذلك فإني والله لأعجب أن يبتزنا الرجل بالانفصال ويضع التخلي عن الشريعة أصلاً وشرطاً للموافقة على وحدة لا نرغب فيها وليت الشمال يمنح الحق في تقرير المصير الذي مُنح للجنوبيين دون غيرهم وذلك حتى يبرهن شعب السودان الشمالي على أنه زاهد في وحدة الدماء والدموع والتخلف التي تضطرنا للعيش في وطن واحد مع باقان وأمثاله.
أما منصور د. منصور خالد مستشار رئيس الجمهورية فيرى أن الاتفاقية لا تتحدث عن الوحدة والانفصال، وإنما حول تقرير المصير، والخيار أمام الجنوبيين هو خيار بين الانفصال ونظام الحكم الذي أرسته اتفاقية السلام الشامل. أي أن الوحدة مرتبطة بتنفيذ الاتفاقية وتحقيق النظام الذي دعت له الاتفاقية، وإذا لم يتحقق هذا النظام يصبح خيار الانفصال هو الخيار الوحيد بالنسبة للجنوبيين وإذا لم تتحقق الوحدة يبقي السؤال من الذي حال دون تنفيذ الاتفاقية على الوجه الذي جاءت به ؟!.
أما في الجنوب فقد دعا عدد من نواب في الحركة الشعبية إلى إعلان الانفصال قبل الاستفتاء من داخل المجلس التشريعي لجنوب السودان قبل إجراء الاستفتاء، ووصفوا المؤتمر الوطني بأنه غير محايد وغير جاد في تنفيذ الاتفاقية، وذلك رداً على إعلان رئيس برلمان جنوب السودان برئاسة جميس واني إيقا أن نتيجة التعداد السكاني مغشوشة ومقدمة لتزوير الانتخابات المقبلة وأن ذلك لن يحقق التوزيع العادل في تقسيم السلطة بين الشمال والجنوب. وحث عضو البرلمان عن الحركة الشعبية مارتن تاكو موي أعضاء الحركة في البرلمان على إعلان استقلال الجنوب من داخل البرلمان قبل موعد إجراء الاستفتاء، الأمر الذي وجد استحساناً من نواب الحركة، إلا أن رئيس البرلمان حذر من مغبة حديث موي واصفاً إياه بأنه عاطفي وانفعالي، وقال: إن إعلان الانفصال أو استقلال الجنوب من البرلمان لا يتماشى مع الدستور وروح القانون والاتفاقية، وشدد على ضرورة العمل الجاد لتنفيذ الاتفاقية.
إن النماء والاستقرار والسلام العادل في بلادنا لن يتحقق إلا عبر إجماع وطني قادر علي التصدي وتحقيق النجاح في مواجهة كافة التحديات في القضايا الشائكة التي تهدد أمن وسلامة الوطن وتمس سيادته ويجب أن يكون الإجماع كاملاً ودون إقصاء لأحد ودون الانفراد بالرأي في القضايا المصيرية – التي تهم كل مواطن في داخل المليون ميل مربع.
وقد شهدت الآونة الأخيرة عدداً من المبادرات التي تدعو إلى لمّ الشمل ووحدة الصف الوطني بدءاً من لجنة المشير/ عبد الرحمن سوار الذهب مروراً بمبادرة مولانا/ محمد عثمان الميرغني وأطروحات السيد/ الصادق المهدي وحتى مبادرة أهل السودان التي أطلقها السيد/ الرئيس عمر حسن أحمد البشير التي صادق عليها المجلس الوطني ووافقت عليها معظم القوي السياسية والتي انطلقت بقوة من كنانة واستجاب لها الجميع لما تحمله في طياتها من بنود ونقاط مهمة جديرة بالمعالجة لأزمة دارفور علاجاً ناجحاً.
رابعاً: مؤشرات الوحدة والانفصال
نبهت الأستاذة بدرية سليمان رئيسة لجنة التشريع بالبرلمان وعضو اللجنة المشتركة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية حول قانون الاستفتاء وحق تقرير المصير لجنوب السودان، إلى أن هناك العديد من المسائل العالقة المطروحة أمام قيادتي شريكي اتفاقية السلام الشامل تجعل الانفصال خياراً صعباً بحكم قانون الاستفتاء، وكانت عبارة (تصعيب الانفصال بالقانون) التي صدرت من رئيس المجلس الوطني السيد أحمد إبراهيم الطاهر قد أثارت رد فعل غاضب في أوساط الحركة الشعبية خصوصاً أمينها العام باقان أموم. فالمؤتمر الوطني يرى أن العمل يجب أن ينصب على جعل خيار الوحدة جاذباً وخيار الانفصال أصعب لأن تسهيل خيار الانفصال يعني تلقائياً التخلي عن أولوية الوحدة الجاذبة، لذلك يجب العمل حتى آخر لحظة ليكون خيار الوحدة جاذباً وراجحاً.
ولا يزال قانون الاستفتاء موضع مراجعات كثيرة بين الطرفين للاتفاق على التفاصيل والمسائل المحددة للأحكام والآليات، ومن هذه المسائل:
- من هو الناخب الذي يحق له الاقتراع.
- أين تكون مراكز التسجيل والاستفتاء، في كل السودان أم فقط في الجنوب.
- النظام العام لمفوضية الاستفتاء: اختصاصاتها وعدد أفرادها، وهل تكون رئاستها مشتركة أم برئيس واحد، وأين يكون مقر رئاستها، وكيف تكون هيكلتها.
- هل يكون الاقتراع في صندوق واحد ب" لا " للانفصال و" نعم " للوحدة أم صندوقين أحدهما " نعم " والآخر " لا ".
- ما النسبة التي تقرر نتيجة الاستفتاء إذا كانت النتيجة وحدة أو انفصال.
- تعريف (المواطن الجنوبي) الذي يحق له المشاركة في الاستفتاء.
وغير ذلك من المسائل التي ما زالت موضع بحث ونقاش بين الشريكين للتوصل إلى اتفاق نهائي حولها. فمن بين الخلافات الجوهرية مراكز التسجيل والاستفتاء حيث المؤتمر الوطني أن تنتشر المراكز في كل ولايات البلاد السودان وبصندوق واحد فقط، بينما ترى الحركة أن تنحصر المراكز في الجنوب وأن يكون الاستفتاء في صندوقين أحدهما للوحدة والآخر للانفصال. أما الرقابة على الاستفتاء، فيرى الوطني أن تكون الرقابة قومية، يشترك فيها جهاز الأمن والشرطة الاتحادية والوحدات المشتركة المدمجة "نواة الجيش الوطني" بينما الحركة تطالب بأن تكون الرقابة للجيش الشعبي. وكذلك الخلاف بالنسبة التي تتحدد بها نتيجة الاستفتاء، فالوطني يرى أن يكون عدد المسجلين للاستفتاء (75%) من الجنوبيين، وأن يقترع أيضاً 75% من هؤلاء المسجلين، ويرى أن الانفصال يكون بنسبة ثلثي الأصوات، أما الوحدة فتكون بنسبة 51% فقط الوحدة لأن الوحدة هي الأصل.
فإذا كانت النتيجة لصالح الوحدة فسيكون الأمر بعدها سهلاً ومحكوماً بما قررته وفصلته اتفاقية السلام الشامل وتضمنه الدستور بالنسبة للأوضاع في السودان في ظل الحكم الاتحادي. أما في حالة الانفصال فستظهر هناك العديد من الأسئلة المهمة والخطيرة في الوقت نفسه والتي ستكون موضع خلاف كبير بين الشريكين، ومن ذلك:
- جنسية الجنوبيين السابقة هل تلغي أم تبقى.
- ديون السودان الذي كان بلداً واحداً هل يتحملها الشمال وحده أم تتحمله معه كذلك الدولة الوليدة.
- كيف سيتم تقاسم مياه النيل.
- كيف سيتم تقاسم آبار البترول الموجودة في الجنوب، وكيف سيستمر تصدير إنتاجها، وما نصيب "المركز" في الشمال الذي قام بحفرها.
- الترتيبات الأمنية الجديدة المتعلقة بسحب الوحدات المشتركة المدمجة شمالاً وجنوباً.
- ترسيم الحدود بين الدولتين والنزاعات التي قد تنشأ عنه.
وفي ضوء هذه مواقف الأطراف والتفاصيل المتعلقة بعملية الاستفتاء، فإن من المبكر جداً الحزم بأن القرار سيكون لصالح الوحدة أم لصالح الاستفتاء، وسيكون لنتائج المباحثات المتوصلة بين الشريكين من جهة ونتائج جولات المبعوث الأمريكي من جهة ثانية ونتائج الانتخابات القادمة من جهة ثالثة وبالإضافة إلى نتائج مفاوضات حل أزمة دارفور من جهة رابعة، دوراً حاسماً في تحديد وجهة نتيجة الاستفتاء، والذي قطعاً لن تحدده الجماهير في عملية الاستفتاء، بل سيقرره قادة الجماهير والنخب السياسية والعسكرية التي أدارت الحرب وقادت تلك الجماهير في أتونها على مدى أكثر من 30 عاماً، وأي حديث عن أن الجماهير هي التي تقرر في النهاية الانفصال أو الوحدة هو نوع من سحر الحواة واللعب على العقول بحسب رأي طه النعمان في جريدة آخر لحظة. فمن أقنع الجمهور لكي يحمل البندقية ويضحي بحياته واستقرار لن يعدم حيله بالقطع ليقنع ذات الجمهور بأن مصلحته الحقيقية تكمن في الوحدة أو الانفصال.
المراجع:
1- برنامج الحكومة للمفاوضات مع حركة قرنق حول السلام 1989م
2- وقائع مؤتمر الحوار الوطني حول قضايا السلام 9/9/1989م
3- عقيد/ (201) محمد الأمين خليفة عضو مجلس قيادة الثورة ورئيس مؤتمر الحوار في تقديمه لكتاب برنامج الحكومة للمفاوضات مع الحركة.
4- جريدة الصحافة 21 يونيو الشئون السياسية 18/1/2001م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.