الامارات .. الشينة منكورة    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    شركة توزيع الكهرباء تعتذر عن القطوعات وتناشد بالترشيد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    بايدن يعين"ليز جراندي" مبعوثة للشؤون الإنسانية في الشرق الأوسط    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اتفاقية سلام السودان في الميزان والحلول الممكنه .. بقلم: الطيب أحمد محمد العباس
نشر في سودانيل يوم 01 - 11 - 2010


بسم الله الرحمن الرحيم
تعتبر حرب جنوب السودان من اطول الحروب عمرا في القرن الافريقي حيث انها بلغت خمسين عاما من الاقتتال ولم تتوقف الا فترة مؤقتة واندلعت مرة اخرى عبر هذه الحقبة الزمنية خلال فترات الحكم المتعاقبة منذ ان نال السودان استقلاله سنة 1956 م .
لقد بذلت كثيرا من الانظمة الحاكمة في السودان ديمقراطية كانت ام شمولية جهدا واجتهادا لوقف نزيف هذه الحرب والتي خلفت العديد من الضحايا من ابناء الجنوب والشمال معا بلغ تعداد الموتى فيها اكثر من مليوني مواطن. ولقد انحصرت تلك المحاولات لاجل وقف ذلك الاقتتال على سبيل المثال لا الحصر مؤتمر المائدة المستديرة في منتصف القرن الماضي واتفاقية اديس ابابا 1972م والتي اوقفت تلك الحرب لفترة من الزمان وعادت الحرب مرة اخرى عام 1983م ثم تلتها اتفاقية الميرغني قرنق 16 نوفمبر1988م والتي لم تر النور بسبب الخلافات السياسية بين القوى السياسة ( الديمقراطية الثالثة) والتي اجهضت بانقلاب الجبهة القومية الاسلامية 30 يونيو 1989م والذي كان هدفه الاساسي بان لا يكتب لهذه الاتفاقية النجاح ولقد كان وفي عام 1995 م مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية ( قوى التجمع الوطني).
وامتدادا لتلك المحاولات العديدة لكافة انظمة الحكم المتعاقبة التقت ارادة نظام الانقاذ مع ارادة الحركة الشعبية والتي كانت تتولى قيادة العمل العسكري وتقود المعارك في مواجهة نظام الحكم في الشمال كما هو الحال في مواجهة الانظمة السابقة . الا وانه شهدت ساحات المعارك المختلفة لغابات جنوب السودان اشد المعارك وزاد عدد القتلى والضحايا من ابناء الجنوب والشمال في هذه الحروب بصورة مضطردة واتسعت ساحات المعارك في العديد من مناطق جنوب السودان وجزء من جنوبه الشرقي حتى وصلت المعارك مناطق الانقسنا والكرمك وقيسان وكسلا وجنوب كردفان . حقيقية اشتد عنف المعارك واتسعت رقعته في عهد نظام الانقاذ لأن الحرب ،اخذت طابعا دينيا جهاديا وجهويا وتمكن الجيش الشعبي للحركة الشعبية من االسيطرة على مساحات عديدة من جنوب السودان ونشر الحروب في جهات ومناطق عديدة من مساحات السودان.
راى نظام الانقاذ ان لغة الحوار هي مدخلا لفرض السلام ومخرجا من فتنة الحروب والاقتتال. وكانت خاتمة تلك المحاولات من الانظمة الحاكمة للسودان والمتعاقبة لأجل وقف نزيف الحرب وفرض السلام بلغة الحوار ، على يد نظام الانقاذ الحاكم مع الحركة الشعبية والتي كانت تمثل ارادة الحركات العسكرية المتعاقبة خلال سنين الحرب لابناء الجنوب .
التقت اراداتهما لأجل الحوار السلمي لوقف الحرب وان يسود السلم والسلام ربوع السودان. وكان ذلك عبر اتفاقية السلام الشامل لسنة 2005 تحت اشراف ورقابة اقليمية ودولية ، وكان اختيار الطرفين أن يكون الحوار والاتفاق على وقف الحرب ، وتحقيق السلام بدولة كينيا. فكان مولد هذا الاتفاق والتفاوض والحوار لاجل السلام ووقف الاقتتال بمدينة ميشاكوس .وسمى بالاتفاق الايطاري لتحقيق السلم والسلام الشامل بين حكومة السودان نظام حكم الانقاذ والحركة الشعبية الجيش الشعبي، وكان ذلك بتاريخ 20/ يوليو /2002م. لقد استمر هذا التفاوض بين الطرفين حتى تم توقيعه وسمى باتفاقية السلام الشامل لسنة 2005م.
ان محاولات الحوار والتفاوض والذي تم بين الشمال والجنوب منذ ان نال السودان استقلاله لم تأت آحادية التفاوض والحوار ، بل كانت تأتي فكرتها لأجل جل ترجتمتها لسلم وسلام ووحدة عبر مفهوم قومي ووطني لا عزل فيه . الا ان اتفاقية السلام الشامل لسنة 2005 أتت مغايره للخطى والخط الواجب رسمه لبلوغ الغاية المتمثلة في السلم والسلام والوحدة . وبالرغم من عظمة اهدافها ومبادئها لم تكلل بالنجاح لأنها اتت آحادية الاطراف ( المؤتمر الوطني والحركة الشعبية).
ان طرفي اتفاقية السلام الشامل عملا على اقصاء السواد الاعظم من ابناء الشمال والجنوب قوى سياسية وطنية في الشمال والجنوب ولم يراع فيها التعدد الاثنى والجهوي والسياسي والمجتمعي، حتى تذوب المفاهيم الاثنية والجهوية والمجتمعية (عشائر وقبائل)، وتنصهر في عمل قومي ووطني يهدف لوحدة واستقرار وسلام وديمومة الديمقراطية، والتبادل السلمي للسلطة. ان انعدام واقصاء فئات وطنية وقومية وغيرها كما أسلفت من المشاركة في أعمال اتفاقية السلام الشامل من حيث التفاوض حتى توقيعها جعلها اتفاقية آحادية وبالتالي لم تكن شاملة لأهل السودان.
ما يعزز هذا الرأى الشاهد ان المؤتمر الوطني سعى لهذا الاتفاق ويعتبر حاشية خارجة من صلب الحركة الاسلامية ( الجبهة القومية الاسلامية ) والتي اتت بانقلاب30 يونيو 1989م، وأسست مؤسساتها لأجل التمكين من حكم الشمال وقد نجحت في هذا المسعى الفئوي والاقصائي وتولوا مؤسسات الحكم من أعلى حتى القاع ، وأضحوا مواطنيين من الدرجة الممتازة والاولى ، ومن لم يتبع خطاهم فهو في عزلة تامة ، وبالتالي يعتبر الطرف الاول لاتفاقية السلام الشامل ممثلا لفئة من المجتمع السوداني العريض القومي والمتعدد الثقافات والاعراف والاثنيات والدين معا. هكذا هو حال الحركة الشعبية فنجد ان مجتمع شعب الجنوب به اثنيات وديانات متعددة وقبائل ومشايخ .الا ان الذين تولوا اعمال الاتفاقية واصحاب القرار النهائي في امر الحوار والتفاوض من الطرف الثاني للاتفاقية السواد الاعظم منهم من قبيلة الدينكا .
وبالتالي نجد ان الشأن السوداني الشامل انعدم في اتفاقية السلام الشامل لسنة 2005، وان طرفي الاتفاقية نصبوا انفسهم اوصياء على ابناء الوطن في الشمال والجنوب ، مما ادى لسيطرة الحكم شمالا وجنوبا لفئتين، وهذه قاصمة الظهر لترجمة اهداف وغايات اتفاقية السلام الشامل لواقع معاش .والمتمثلة في قوانين التحول الديمقراطي لأجل تدوال السلطة سلميا وديمقراطيا فاضحت السلطة والثروة حصريا على طرفي الاتفاقية، هذا مما جعل هذه الاتفاقية مهددة بالانهيار. لأسباب عديده تتمثل في خرق العديد من بنود هذه الاتفاقية وعدم الالتزام بها من جانب طرفي الاتفاقية ، حسبما سوف يرد لاحقا.
مما لا شك فيه ان اتفاقية السلام الشامل قد حقنة دماء ابناء الشمال والجنوب ، منذ توقيعها حتى يومنا هذا لحرب استمرت لنصف قرن من الزمان وتعتبر اطول حروب القرن الافريقي من حيث الفترة الزمنية .
وفي رأى المتواضع ان اتفاقية السلام الشامل وضعت خارطة طريق لأبناء الشمال والجنوب معا فيها كثيرا من المسائل الجوهرية ، التي تحقن دماء ابناء الوطن الواحد من الاقتتال ورسمت اسس لاقتسام السلطة واقتسام الثروة ، وأسست للمسائل الامنية والعسكرية، وعلى ضوء هذه الاسس تم وضع هيكله للدولة على اربع مستويات حكم مركزي في الشمال ومركزي في الجنوب سمى بحكومة الجنوب ومستوى حكم ولائي ، ثم مستوى حكم محلي ، وحددت فترة زمنية لنفاذ أحكام بنودها وحددت حسب الاتفاقية بست سنوات تبدأ من 9/ يوليو/2005 وتنتهي في 8/يوليو/2011 سميت بالفترة الانتقالية باعتبارها فترة مواءمة وتمازج وانصهار يجعل السودان وطنا للجميع دون اثنيات ولا جهويات تسود فيه العدالة والمساواة وديمومه الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة. انما ورد بصلب هذه الاتفاقية اذا ما طبق بنزاهة وشفافية وتجرد وايمان وطني حقيقي خلال الفترة الانتقالية لبلغنا غايتنا لنهاية الطريق المرسوم للوحدة الجاذبة.
ان الاتفاقية رسمت خارطة الطريق المؤدي للوحدة ، وتركت رصف وتعبيد هذا الطريق لطرفي الاتفاقية ( المؤتمر الوطني والحركة الشعبية). وبالرغم من ان مسئولية وتعبيد ورصف طريق الوحدة يقع عاتقه على طرفي الاتفاقية . لا يخلى بقية أطراف المجتمع السوداني الاخرى من المسئوليه لأجل تعبيد ورصف طريق الوحدة ، بالرغم من ان القوى السياسية الوطنية المعزولة عن هذه الاتفاقية شمالية كانت او جنوبية ، او مؤسسات مجتمع مدني ، تعمل جاهدة لأجل المساعدة والمساهمة لرصف وتعبيد طريق الوحدة المنشودة والجاذبة الا ان طرفي الاتفاقية المؤتمرالوطني والحركة الشعبية كما يقول مثلنا العامي ( دسوا المحافير التي تساعد على رصف طريق الوحده مما جعلها مهدده بالانهيار .).
ان اتفاقية السلام الشامل بالرغم من انها رسمت طريق الوحدة الجاذبة ببنود واضحة المعالم لا فكاك منها ، وبموجب نفاذها وترجمتها لواقع معاش تتحقق الوحدة الجاذبة ، وذلك مثله مثل بييت الزوجية، يستوجب فيه المواءمه والتعاون واعمال الحقوق والواجبات لتسود فيه المحبة والوئام ، وبموجب هذا يكون البيت مستقر ومتماسك ولم يكن عرضه للفراق او الطلاق. اما في حالة عدم الالتزام بالحقوق والواجبات تنعدم المواءمه والمحبه والاستقرار مما يؤدي للتفريق او الطلاق او الانفصال وهو الحلال الابغض عند الله. هذا هو الطريق الوعر والذي نأمل بأن لا يسلكه طرفي الاتفاقية حتى لا نعود لمربع واحد مربع الحرب، التي طال أمدها وتوقفت لست سنوات فعودتها لن تكون كسابقاتها.
وعليه نأمل تحكم صوت العقل الوطني والتأمين على حقن الدماء السودانية شمالية ام جنوبية ، ولنجعل هذه الاتفاقية هديا لنا، ولنحمل شعلة نضئ بها طريق الوحدة ، والذي أضحى الوصول لنهايته مظلما وذلك مرده لطرفي الاتفاقية وهذا ما سوف اتناوله من خلال هذا الموضوع من حيث خروقات الاتفاقية من جانب طرفيها ، والتي رجحت كفة الانفصال ولجؤء الحركة الشعبية اليه جبرا. مع العلم ان ابناء السودان لم يعد لديهم الرغبة في الاقتتال ونزيف الدماء. فواجبنا الوطني يحتم علينا جميعا طرفي الاتفاقية والقوى السياسية الوطنية ومنظمات المجتمع المدني وغيرها من عشائر وقبائل ومشايخ وغيرهم من ابناء الجنوب والشمال، ان نعمل على ان نعيد طرفي الاتفاقية لرشدهم الوطني ،ونحدد مواطن الخلاف والاختلاف لنعمل معا لردم الهوة، التي اتسعت بين طرفي الاتفاقية حتى ،لا يضيع الوطن فالوطن للجميع فالجميع فوق الأفراد والأطراف فليعمل الجميع لتعبيد طريق الوحدة الجاذبة ، وهذا ما سوف اتناوله لاحقا في هذه الدراسة بعد تأكيدي لكافة خروقات الاتفاقية المؤدية للانفصال ، وانعدام الموجبات المؤدية للوحدة الجاذبة .
وحتى نتوصل للنتيجة المرجوه لصالح الوحده والتي أضحت كعنقاء مغرب ما هي الاسباب التي جعلت الوحدة بعيدة المنال ؟ وما هي الموجبات الواجب اتباعها من خلال الاتفاقية لدرء الانفصال والحرب؟ وهذا يتمثل في الحلول الممكنه.
ان الاجابة على هذه الاسئلة تجعلنا امام اجابة باعتبارها شهادة للتاريخ ، لتحديد ماهية الاسباب التي جعلتنا اما خيار الانفصال ، الحلال الابغض لله.ومن الذي ضل طريق الوحدة الجاذبة والتي تؤمن موطن ووطن اهل السودان ؟ وكيف نعيد رصف وتعبيد طريق الوحدة من خلال القوى السياسية الوطنية الجنوبية والشمالية وغيرها الجالسة على الرصيف .
اسباب انعدام الموجبات المؤدية للوحدة الجاذبة:-
ان الاسباب التي جعلت الوحدة بعيدة المنال تنتحصر في الاتي :-
1/ اسباب قانونية :
2/ واسباب موضوعية
اولا : الاسباب القانونية :
الاسباب القانونية التي جعلت الوحدة الجاذبة بعيدة المنال، تتمثل في تلك الخروقات الدستورية من حيث اتفاقية السلام الشامل ، والدستور الانتقالي لسنة 2005 من جانب طرفي الاتفاقية ، المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ، والتي جانبهم فيها الصواب. حيث نجد ان اتفاقية السلام الشامل، ودستور السودان الانتقالي برمجا أسس وثوابت الوحدة الجاذبة ، وكيفية تحقيقها ، وفي حالة عدم توافر تلك الأسس والثواب الدستورية ، أيضا وضعت اسس وثوابت دستورية لبرمجة الانفصال، المطلوب وهو الخيار الثاني لشعب جنوب السودان في حق تقرير المصير.
ماهي الخروقات الدستورية التي جانب صوابها طرفي الاتفاقية ، والتي جعلت الوحدة الجاذبة بعيدة المنال ؟ قبل الاجابة على السؤال علينا ان نعرف الدستور الذي يحكم السودان خلال الفترة الانتقالية.
بالرجوع لاتفاقية السلام الشامل والدستورالانتقالي نجد ان الدستور الذي يحكم السودان خلال الفترة الانتقالية هو أحكام اتفاقية السلام الشامل والدستور الانتقالي 2005 معا، وينجلي هذا من خلال نص البند 2-12-5 اقتسام السلطة حيث ذكر ان الدستور الانتقالي ينشأ على اساس اتفاقية السلام الشامل لسنة 2005 ونصوصه يجب ان لا تعارض أحكام اتفاقية السلام الشامل وفي حالة ،حصول تعارض فان احكام اتفاقية السلام تسود طالما ظل التعارض قائما . وايضا البند 3-1-2 من بروتوكول مشاكوس الجزء (د) ان الايطار القانوني الدستوري والذي يحكم الفترة الانتقالية هو دستور 2005 ويتضمن اتفاقية السلام الشامل 2005 المادة 225من الدستور تنص على الاتي( تعتبر اتفاقية السلام الشامل قد ضمنت كلها في هذا الدستور ومع ذلك فان اي احكام وردت في اتفاقية السلام الشامل لم تتضمن صراحة في هذا الدستور تعتبر جزء منه ).
واستنادا وتاسيسا على ما ورد اعلاه يتضح لنا الدستور الذي يحكم البلاد خلال الفترة الانتقالية ، وبموجبه سنحدد مكمن الخروقات الدستورية للاتفاقية والدستور الانتقالي من جانب طرفي الاتفاقية والتي جعلت الوحدة الجاذبة بعيدة المنال.
مكمن الخروقات الدستورية لاتفاقية السلام الشامل والدستور لسنة 2005
1/ الفصل الرابع من اتفاقية السلام الشامل ( حسم نزاع ابيي) البند (5) تحديد الحدود
البند 5-1 تنشئ رئاسة الجمهورية مفوضية حدود ابي لتحديد وترسيم منطقة مشيخات دينكا نقوك التسع التي حولت الى كردفان سنة 1905م والمشار اليها هنا كمنطقة ابيي.
البند 5- 2 تحدد الرئاسة تكوين مفوضية حدود ابي والاطار الزمني المتاح لها. غير ان اللجنة ستضم من بين ما تضم خبراء ، وممثلين عبر المجتمعات المحلية والادارة المحلية. تنهي اللجنة اعمالها خلال فترة السنتين الاولين للفترة الانتقالية.
من الواضح ان مسألة ترسيم حدود منطقة ابيي ضرب لها ميقاتا دستوريا لانهاء وتحديد حدود أبيبي شمالا وجنوبا هذه المسالة وحسمها في السنتين الاوليين من عمر الفترة الانتقالية . وتحديد السقف الزمني لمسألة ترسيم حدود أبيي دستوريا له تبريره وغايته والتي سوف تتضح لاحقا .
وعليه واستنادا لما ورد بالفصل الرابع من اتفاقية السلام الشامل فيما يتعلق بترسيم الحدود الجغرافية لمنطقة ابيي ، نجد ان هنالك ميقات دستوري حسبما ورد بالاتفاقية لحسم مسالة تحديد الحدود الجغرافية لمنطقة أبيي واوكلت هذه المهمة لمفوضية سميت بمفوضية أبيي واتيح لها اطار زمني على ان تنهي اللجنة اعمالها في هذا الشان، خلال فترة السنتين الأوليين للفترة الانتقالية . والغاية من ذلك الميقات المضروب دستوريا ، في بداية عمر الفترة الانتقالية والتي لا تتعدى السنة الثانية من عمرها . لأعتبار ان منطقة ابيي منطقة نزاع حدودية بين شمال السودان وجنوبه وصراع قبلي بين المسيرية ، ودينكا نقوك. فالشاهد ان اتفاقية السلام الشامل أمرت بحسم هذه المسالة مبكرا من عمر الفترة الانتقالية ، والغاية من ذلك باعتبار ان حسم مسالة الحدود الجغرافية هذه هي الخطوة التي تسبق استفتاء تقرير المصير ، حتى لا يكون هنالك نزاع او صراع بين الطرفين في مسالة الحدود الجغرافية محل النزاع. وعدم الالتزام به يعد خرقا دستوريا. وهذا الخرق يعتبر من اخطر الخروقات الدستورية لطرفي الاتفاقية ويعتبر الخرق الاول والذي يهدد الوحدة الجاذبة وقيام الاستفتاء في ميقاته المضروب دستورا
2- المادة 220 من الدستور الانتقالي انشاء مفوضية الاستفتاء لجنوب السودان نصت على الاتي :تصدر الهيئة التشريعية القومية قانون استفتاء جنوب السودان في بداية السنة الثالثة للفترة الانتقالية.
وبالتالي يجب ان يصدر قانون الاستفتاء لتقرير مصير شعب جنوب السودان متسقا ومتفقا وغير مخالفا مع هذا الاساس الدستوري ، ولا يأتي مخالفا له الا وانه للاسف الشديد نجد أن هنالك مخالفة للمادة 220(1) من الدستور الانتقالي. حيث حدد الدستور ميقاتا مضروب الزمان يستوجب صدور قانون للاستفتاء في بداية السنة الثالثة للفترة الانتقالية . نجد ان قانون الاستفتاء لتقرير مصير الجنوب صدر بتاريخ 31/ديسمبر/2009 اي في السنة الخامسة من عمر الفترة الانتقالية، وبالتالي يعد خرقا دستوريا يتمثل في ميقات استصدار قانون الاستفتاء.
ان الغاية من ميقات صدور قانون الاستفتاء في بداية السنة الثالثة لعمر الفترة الانتقالية ، نجد ان الميقات الدستوري لاستصدار قانون الاستفتاء الغرض منه لأجل العمل بما ورد بنص المادة 221 بفقرتيها 1-2 من الدستور الانتقالي. حيث نجد ان المادة 221 الفقرتين (1) (3) منها تنص على الاتي :-
1/تجري مفوضية التقويم والتقدير تقويما في منتصف الفترة الانتقالية اي بعد انتهاء السنة الثالثة تقويما للترتيبات المتخذة بموجب اتفاقية السلام الشامل بهدف الوحدة .
2/ الفقرة (3) من نفس المادة تنص على ان يعمل طرفا الاتفاقية مع المفوضية اثناء الفترة الانتقالية لتحسين المؤسسات والترتيبات التي اتخذت بموجب تلك الاتفاقية لكيما تجعل وحدة السودان جاذبه لمواطني جنوب السودان .
ان العبره والغاية المقصودة بالميقات الدستوري لاستصدار قانون الاستفتاء وتكوين مفوضية الاستفتاء في بداية السنة الثالثة للفترة الانتقالية، ذات صله مباشرة بالميقات الدستوري، والخاص بمفوضية التقويم والتقدير، وطرفي الاتفاقية والوارد بنص المادة 221 من الدستور الانتقالي. والذي يستوجب تقوييم وتقدير اتفاقية السلام الشامل، بموجب هذه المفوضية عند منتصف الفترة الانتقالية. للتاكد بان الثلاث سنوات ، والتي مضت من عمر الاتفاقية ان كل خطواتها مؤدية للمحصلة النهائية للاتفاقية ، لأجل تحقيق الوحدة الجاذبه وتصبح اعمال مفوضية التقويم والتقدير في منتصف الفترة الانتقالية اي في السنة الثالثة من عمرها، عبارة عن جرد حساب لتلك الخطوات ان كانت خطوات سليمة تصب في محصلة الوحدة ، او كانت خطوات عرجاء تصب في محصلة الانفصال وعندها يكون من واجب مفوضية التقوييم والتقدير العمل بما جاء بنص المادة 221 من الدستور الانتقالي ، والمتمثل في تحسين المؤسسات والترتيبات ، التي أتخذت بموجب تلك الاتفاقية لكيما نجعل وحدة السودان جاذبه لمواطني جنوب السودان وبموجبه يتم تقوييم الخطوات العرجاء لتستقيم فيما تبقى من عمر الفترة الانتقالية ، النصف الثاني والاخير للفترة الانتقالية والمنتهية في 8 يوليو 2011م.
وعليه نرى ان جرد حساب خطى الثلاث سنوات الواجب تقويمها وتقديرها عند منتصف الفترة الانتقالية ، لم تسير كما حددت اتفاقية السلام الشامل خطاها وتتمثل تلك الخطى في قوانين التحول الديمقراطي ، وازاحة القوانين المقيده للحريات ، لاستدامة الديمقراطية، والتدوال السلمي للسلطة . وقبل تلك الخطى حسم ترسيم الحدود الجغرافية لمنطقة ابيي، ومسألة السلطة والثروة فالشاهد نجد ان هذه الخطى تعثرت وكانت خارج خارطة الطريق المرسوم لها بموجب اتفاقية السلام الشامل ، خلال الثلاث سنوات الاولى من عمر الفترة الانتقالية كلها كانت خطوات عرجاء.
وعند انتهاء السنة الثالثة للفترة الانتقالية تنجلي مسئولية المجتمع الدولي والمتمثل في مفوضية التقويم والتقدير ، حسب نص المادة 221 من الدستور الانتقالي لجمهورية السودان والذي يحكم الفترة الانتقالية ، لم يكن هنالك جرد حساب لخطوات اتفاقية السلام في منتصف الفترة الانتقالية، حتى تتم عملية التقوييم والتقدير والاصحاح وتصحيح مسار تلك الخطوات ، من عمر الفترة الانتقالية المتبقية ، حتى يتم تدارك مخاطر الانفصال . وبالتالي يكون المجتمع الدولي وطرفي الاتفاقية قد أسهموا في أن تكون الوحده الجاذبه بعيدة المنال . لعدم اعمال واجباتهم الواردة بنص المادة 221 من الدستور لتدارك خطر الانفصال.
ان الغاية من استصدار قانون الاستفتاء وتكوين مفوضية الاستفتاء في بداية السنة الثالثة للفترة الانتقالية حسب نص المادة 220 (1) –(2) من الدستور الانتقالي، ذات رباط وثيق بنص المادة 221 والمتعلقة بتقويم المؤسسات والترتيبات لاجل تحسينها من عمر الفترة الانتقالية المتبقى ، باعتبارها اعلان مبكر وتذكير بموعد الاستفتاء ، والذي يحدد الوحده الجاذبة من عدمها اي الانفصال. والاتيان بقانون الاستفتاء في ذلك التاريخ يحرك الساكن عند طرفي الاتفاقية منذ وقت مبكر ، وفيه استشعار بالمسئولية لما تبقى من عمر الفترة الانتقالية ، والتي تقدر باكثر من ثلاث سنوات ، وهي كافية لتقويم سوالب الفترة الانتقالية خلال الثلاث سنوات الاولى والتي مضت من عمر الفترة الانتقالية .
الجانب الاهم ان مسالة الاستفتاء لجسامه وضخامة متطلباتها وواجباتها التي يقع عبئها على طرفي الاتفاقية لانهاء هذه المهمة الحرجة من تاريخ السودان ، حدد ميقاتا لانهاءوحسم مسالة الاستفتاء باكثر من ثلاث سنوات وهي المدة المتبقية من عمر الفترة الانتقالية والتي كان من الواجب ان يستصدر قانون الاستفتاء حسب الدستور في بداية السنة الثالثة من عمر الفترة الانتقالية لجسامة ومتطلبات ذلك الاستفتاء وصدور قانون الاستفتاء في نهاية السنة الخامسة للفترة الانتقالية وعدم الالتزام بما جاء بالنص الدستوري والخاص باستصدار قانون الاستفتاء ، يعد خرقا دستوريا فادحا جعل الوحدة الجاذبه بعيدة المنال ويهدر الحقوق والواجبات الواجب اتباعها منذ وقت مبكر . وفي نفس الوقت يضعف اعمال المفوضية ولا يساعدها في اداء المهام الموكله لها ، وما تبقى من تبعات الاستفتاء دستوريا اقل من ثلاث اشهر ، لا تستطيع المفوضية القيام بمهامها الجسام. والظروف المواتية لا تجعل قيام الاستفتاء في ميعاده امرا واقعا، وهذا الخرق الدستوري قد يؤدي لكارثة يتأثر بها السودان شمالا وجنوبا وعليه يأتي استفتاء فاقدا للمبدأ الدستوري المتعلق بالشفافية والنزاهة والحياد والمشروعية. وبالتالي يتحمل طرفي الاتفاقية مسئولية هذا الخرق الدستوري والذي سوف يؤدي حتما لعدم اكتمال فصول الاتفاقية بمفهوم السلام الشامل لأهل السودان.
3/ هذا الخرق الدستوري يقودنا لخرق دستوري تتحمله رئاسة الجمهورية حيث نجد ان المادة 220 الفقرة (2) استوجبت على رئاسة الجمهورية عند استصدار قانون الاستفتاء انشاء مفوضية استفتاء جنوب السودان ،والغاية من هذا النص الدستوري مرتبطة بالفقرة (1) منه ،وهذا يعني يستوجب على رئاسة الجمهورية ان انشاء مفوضية عند صدور القانون وهذا يعني استصدار القانون وفقا للدستور يجب ان يصدر في بداية السنة الثالثة للفترة الانتقالية ، وبالتالي يجب ان يكون عمر مفوضية الاستفتاء ثلاث سنوات قبل انتهاء الفترة الانتقالية وعندها تكتمل وتنوفر كافة مقوماتها خلال الثلاث سنوات والتي فيها تكتمل كافة الاعمال الواجب اتباعها وفقا للقانون والدستور معا.
الا انه للاسف نجد ان عمر مفوضية الاستفتاء حسب عمر الفترة الانتقالية لم يتعد الستة اشهر وبالتالي من رابع المستحيلات ان تكتمل اعمالها المنوط بها والتي قدر لها دستوريا ثلاث سنوات. الا انه وللاسف رئاسة الجمهورية تمثل طرفي الاتفاقية وهذا التقاعس والمخالفة والخرق الدستوري يتحملون مسئوليته الدستورية.
3/ تكوين مفوضية الاستفتاء من حيث الدستور ( اتفاقية السلام الشامل والدستور الانتقالي لسنة 2005.
اشترط البند 2-10-1-5 من اتفاقية السلام الشامل – الفصل الثاني اقتسام السلطة والمؤسسات على المستوى القومي والمستقلة. انشاء مفوضية مؤقتة لمتابعة الاستفتاء لضمان دقته ومشروعيته وشفافيته تضم خبراء دوليين. نجد ان النصوص القانونية الواردة في قانون الاستفتاء، والمتعلقة بالتكوين لم يرد بصلبها ما هو وارد في هذا المبدأ الدستوري . مما جعل تكوين مفوضية الاستفتاء يأتي مخالفا للدستور .
ما ورد بقانون الاستفتاء في مسألة تكوين المفوضية مع انعدام الخبراء الدوليين يجعل اعمال هذه المفوضية يشوبه عدم الشفافية والنزاهة المطلوبة التي نصت عليها اتفاقية السلام الشامل ويعتبر البند اعلاه من اهم الاحكام الدستورية التي نصت عليها الاتفاقية .
ان الشروط الواردة بقانون الاستفتاء لأجل عضوية مفوضية الاستفتاء اتت مخالفة للمبدأ الدستوري المشار اليه ،حيث نجد ان المفوضية تم تكوينها وتعيين اعضائها بمعايير مخلة للمعيار الذي نصت عليه الاتفاقية . وفيها موازنات لطرفي الاتفاقية مما جعل اعمالها تتعثر، ومن بينهم من هو ذو صلة وثيقة بطرفي الاتفاقية والتزام سياسي، وهذا في حد ذاته مخالف لقانون الاستفتاء فيه خرق دستوري لمبدأ دستوري يعد من احكام اتفاقية السلام الشامل لم يلتزم به طرفي الاتفاقية مما جعل الوحدة الجاذبة بعيدة المنال.
4/ ينص دستور جمهورية السودان الانتقالي المادة 222(1) ( يجرى الاستفتاء على تقرير المصير قبل ستة اشهر من نهاية الفترة الانتقالية باشراف دولي لمواطني جنوب السودان تنظمه مفوضية استفتاء جنوب السودان بالتعاون مع الحكومة القومية وحكومة جنوب السودان).
هذا النص الدستوري في راى ذو صلة مباشرة بالبند 2-10-1-5 من اتفاقية السلام الشامل والذي امن على ان تضم مفوضية الاستفتاء خبراء دوليين واتى نص المادة 220(1) من الدستور ليعضد ذلك المبدأ على ان يكون باشراف دولي متفقا تماما مع المبدا الدستوري الوارد بالاتفاقية ، ويعد من الاحكام الهامة الواردة في الاتفاقية لحسم مسالة الاستفتاء ، حتى ياتي مبرأ من كل العيوب مكتمل الشفافية والدقة لتكون المشروعية المطلوبة وبرضاء اهل السودان.
وبالتالي نجد ان الاشراف الدولي مبدأ دستوري على عملية الاستفتاء وهذا المبدأ الدستوري خالفه قانون الاستفتاء لسنة 2009 في مواده 14-2-أ حيث نجد ان مكمن الخرق الدستوري لهذا المبدأ ينجلي عندما جعل قانون الاستفتاء في مادته هذه ان يكون الاشراف على الاستفتاء وفقا لاحكام قانون الاستفتاء لسنة 2009 حصريا مع الحكومة وحكومة جنوب السودان. يعني حرمان الاشراف الدولي والذي ورد في المبادئ والنصوص الدستورية المذكورة انفا . والمادة 10 من قانون الاستفتاء لسنة 2009 تكوين المفوضية وعضويتها ان شروط العضوية والتكوين بقانون الاستفتاء لم تراع الاسس الدستورية التي اتت بها احكام اتفاقية السلام الشامل والمتمثلة في شرط الخبراء الدوليين عند التكوين وكشرط للعضوية . وبالتالي انعدام شرط الخبراء الدوليين عند التكوين وهدم هذا الشرط الدستوري بقانون الاستفتاء يجعل عضوية مفوضية الاستفتاء والتي تم تكوينها بموجب الشروط الواردة في قانون الاستفتاء حسب المادة 10 منه فيه خرق دستوري ومخالفة دستورية تجعل كافة اعمال هذه المفوضية مهددة بالبطلان لمخالفة تكوينها وعدم مراعاة الشروط الدستورية والواجبة الاتباع.
وينجلي هذا الخرق الدستوري في اجتماعات المفوضية وما صاحبها من خلافات داخلية لكل من بين اعضائها ، يحمل وجهة نظر حول مسالة الاستفتاء تعبر عن خلافات طرفي الاتفاقية، وهنا ينتفي الحياد المطلوب والاستقلال المطلوب والشفافية المطلوبة ، والقومية المطلوبه. مما يجعل الاستفتاء عرضة للانهيار بسبب عدم تاسيس قانون الاستفتاء وفقا للمبادئ الدستورية المطلوبة. ويعتبر قانون الاستفتاء قانونا يعبر عن روح الانفصال لا الوحدة ،وهذا يعد خرق دستوري من خلال ما ذكر من اسباب ، ولم يلتزم طرفي الاتفاقية بما هو وارد بصلبها من مبادئ دستورية ،واجبا عليهم تاسيس قانون الاستفتاء متفقا مع تلك المبادئ الدستورية وعليه يعد قانون الاستفتاء أتى مخالفا للمبادئ الدستور والواجب اتباعها وتسبب في ذلك طرفي الاتفاقية وهذا الخرق الدستوري ايضا يصب في محصلة الانفصال ويجعل الوحدة بعيدة المنال. كما نجد ان قانون الاستفتاء جعل الاشراف على مسالة الاستفتاء لطرفي الاتفاقية. وحرم المجتمع الدولي من الاشراف المباشر لعملية الاستفتاء وجعله مراقبا فقط ( متفرج).
وبالرجوع لقانون الاستفتاء نجد ان جل العملية الاشرافية منحت لحكومتي الشمال والجنوب وحتى اضحت المؤسسات والهياكل المنظمة لمسالة الاستفتاء تخضع في الجنوب لتوجيهات حكومة الجنوب ، وفي الشمال تخضع حكومة الشمال، ولكل من الطرفين له اجندته الخفية، مما جعل طرفي الاتفاقية في حالة حذر شديد ،ولغة التهديد والقوة العسكرية طفحت على السطح . والذي قاد لهذا الحذر والاستعداد العسكري عدم اشراف المجتمع الدولي المباشر ، على مسألة ومجريات الاستفتاء ابتداء وانتهاء حسبما ورد بالاتفاقية . وعدم الالتزام الدستوري للاشراف الدولي على الاستفتاء جعل الوحدة بعيدة المنال ويهدد اتفاقية السلام الشامل بالانهيار.
وبالتالي يكون قانون الاستفتاء مخالفا للدستور من حيث ميقات الاستصدار انظر المادة 220 (1) دستور جمهورية السودان الانتقالي ومن حيث تكوين المفوضية والاشراف والسلطات . حيث انها اتت جميعها مخالفة لاحكام الاتفاقية الوارد ذكرها بصلب هذه المذكرة . ويعد قانون الاستفتاء لسنة 2009 من ضمن الخروقات الدستورية والمخالفات الخطيرة لاتفاقية السلام الشامل.
ثانيا : الاسباب الموضوعية :-
ان الذي جعل الوحدة الجاذبة صعبة المنال ، عدم اعمال طرفي الاتفاقية للموجبات المؤدية اليها ، وهي عديدة ولقد تناولنا جزء كبير منها ، في مراحل هذه الدراسة التحليلية لجوانبها القانونية والموضوعية في مراحل سابقة لمرحلة الاستفتاء على تقرير مصير شعب جنوب السودان ، وهي تعتبر المحطة النهائية لاتفاقية السلام الشامل. والتي رسمت بنودها ومسارها خلال الفترة الانتقالية والمحددة بست سنوات . لاجل الوحدة الجاذبة ، لقد شهدت الفترة الانتقالية احداث عاصفة وخروقات قانونية خطيرة ، في العديد من بنود اتفاقية السلام الشامل منها الخرق الدستوري والخرق القانوني، وعدم الالتزام بالاتيان بقوانين التحول الديمقراطي والتي امنت الاتفاقية عليها ، ووضعت اسس وثوابت دستورية لها فاتت كافة قوانين التحول الديمقراطي الواجب اعمالها مخالفة لتلك الاسس والمبادئ الدستور والمنصوص عليها بالاتفاقية والدستور الانتقالي لسنة 2005.
وبالتالي اصبح الخرق القانوني لاتفاقية السلام الشامل لطرفي الاتفاقية من حيث الدستور والقوانين التي تحكم مسار الاتفاقية في مسائل السلطة والثروة والمسائل الامنية والعسكرية والتحول الديمقراطي المنشود . وعدم الاتيان بالموجبات الدستورية والقانونية في كثير من هذه المسائل جعل الوحدة بعيدة المنال مما جعل الطريق اليها وعرا وشائك بالمخاطر.
ثانيا : الاسباب الموضوعية التي جعلت الوحدة بعيدة المنال:-
1/ ثنائية واثنية الاتفاقية :-
مما لا شك فيه ان طرفي الاتفاقية نقيضين لا يلتقيان ، في كثير من الثوابت الوطنية . حيث نجد خلال العقدين الاخرين اي قبل الحوار المؤدي لاتفاقية نيفاشا، ان الحرب في جنوب السودان اتسعت رقعتها وكثر ضحاياها من الطرفين ليست لسبب الا لكونها اخذت حرب ذات طابع ديني واثنى وجهوى.
الحركة الشعبية رسالتها واهدافها السعى لسودان جديد علماني والمؤتمر الوطني يسعى لتاسيس دولة دينية اسلاموية.
فالحركة الاسلامية السودانية الجبهة القومية الاسلامية سعت بكل ما تملك لاجل تفويض النظام الديمقراطي خلال فترة الديمقراطية الثالثة . منها المسيرات المليونية وغيرها لاجل وأد اتفاقية 16/ نوفمبر/1988 ( الميرغني قرنق ) باعتبار ان هذه الاتفاقية جمدت قوانين الشريعة الاسلامية . وظلت ترتب لانقلاب عسكري وكان في ليلة ذلك الليل البهيم 30 يونيو 1989م . وبالتالي يتاكد لنا ان المؤتمر الوطني وليد الجبهة القومية الاسلامية وعناصره اججت نار الحرب منذ عام 1989م. حتى توقيع اتفاقية السلام الشامل 2005م.
وعليه نجد ان الجيش القومي السوداني المعروف والمتعارف عليه منذ الاستقلال وحتى تاريخ 30/ يونيو 1989 كان جيشا قوميا لا اثنيا ولا دينيا ولاجهويا ولا علاقة له بالسياسة . ففي عهد الانقاذ تم تفريغه من المحتوى القومي ودون الرسالي في مثل هذه الحرب. وعليه اختزل ذلك المفهوم واضحى جيشا عقائديا يلتزم التزام سياسي فتأطرت فيه الاثنيه الدينية والالتزام السياسي حتى اضحى جيشا جهاديا يحمل فكر سياسي فئوي ديني اثنى ، لاجل ذلك كان الانهيار. والسعي لاجل اتفاقية تسعى لانشطار السودان لدولتين دولة اسلاموية في الشمال ودولة علمانية في الجنوب. لان التزامهم الاثني والديني يفرض عليهم عدم الالتزام بهذه المواثيق والاتفاقية .
وبالتالي كانوا اكثر تمردا وخرقا لكثير من اسس ومبادئ هذه الاتفاقية لتعارضها مع كثير من مفاهيهم التقليدية البالية المؤدية الى الانغلاق والانكفاءه دون مراعاة ، لوطن تتعدد فيه الديانات والجهويات والاثنيات والاعراف والاعراق. ووطن كهذا لا يتحكم فيه رأى واحد ولايسود فيه دين واحد ولا تسود فيه فئة ، واحدة ولاجهة واحدة هذا التعدد الاثني والديني والجهوي يستوجب تحديد حد ادنى للتلاقي لكافة هذه الثقافات والجهويات والاثنيات ، حتى يكون هنالك على الاقل احترام تفرضه مبادئ متفق حولها.
وعليه ان من أهم الأسباب الموضوعية التي ادت لعدم جعل الوحدة جاذبا وسهل المنال ان طرفي الاتفاقية نقيضان لا يلتقيان، وهذا الذي جعل الوحدة بعيدة المنال، لاثنية طرفي الاتفاقية وثنائيتها التي اقصت القوى الوطنية القومية والجهويات الاخرى السودانية من قبائل وعشائر شمالية كانت ام جنوبية لم يراع المجتمع الدولي الذي اشرف على كافة مراحل هذه الاتفاقية تركيبة المجتمع السوداني وتعدد ثقافاته، بل ان طرفي الاتفاقية كل مقوماتهم التي اعتمدوا عليها حتى ينصبوا انفسهم اوصياء على كافة اهل السودان ، حمل السلاح.
وعليه ان اقصاء القوى السياسية الاخرى شمالية ، كانت ام جنوبية وغيرها من الجهويات والعرقيات والثقافات الاخرى، جعل الوحدة بعيدة المنال . لاستئثار طرفي الاتفاقية بالسلطة والثروة واهمال الجهويات والاثنيات والقبائل الاخرى والقوى السياسية الوطنية جنوبية كانت ام شمالية ادى لانعدام الوحدة وحتى اضحت الوحده بعيدة المنال وتمزيق السودان سهل المنال . وهذا مرده لثنائية الاتفاقية واثنية الاتفاقية وجهوية الاتفاقية . وانعدام المفهوم القومي الوطني ، تسببب فيه طرفي الاتفاقية لانعدام اهليتهما الوطنية المطلوبة.
2/ الصراع بين طرفي الاتفاقية حول السلطة والثروة :-
باعتبار ان الاتفاقية اثنية وثنائية كان لابد من انعدام المفهوم الوطني والقومي ، والذي يستوجب مراعاة المجتمعات السودانية الاخرى القوى السياسية الوطنية الاخرى جنوبية كانت ام شمالية . مما جعل انعدام ذلك المفهوم ، لتنسحب ارادة الطرفين لجعل منسوبيهم محل الثقة لترجمة هذه الاتفاقية من حيث السلطة والثروة ، ولتولي امرها دون غيرهم، واقصاء عنصر الكفاء وسيطرة مفهوم المولاه . وهذه هي مدعاة الفساد والمفسدة التي شهدناها من الطرفين خلال الفترة الانتقالية وما صاحبها من اتهامات متبادلة بين طرفي الاتفاقية .
وعليه لابد من مراجعة مسالة السلطة والثروة ماذا جرى بهما حتى نتوصل لصحة ما ذهبنا اليه.
3/صراع السلطة بين طرفي الاتفاقية :-
من المعلوم والثابت من احكام وبنود الاتفاقية والمتعلقة بالسلطة نجد ان طرفي الاتفاقية قد اقتسما السلطة خلال الفترة الانتقالية ، فكانت حصة المؤتمر الوطني 52% على مستوى الحكم المركزي والسلطات التشريعية والقومية . وحصة الحركة الشعبية الطرف الثاني28% على مستوى الحكم المركزي والسلطات التشريعية الاتحادية القومية. اما القوى السياسية الاخرى من الشمال تمثل 14% والقوى السياسية الاخرى من الجنوب تمثل بنسبة6%. ويتضح من اقتسام السلطة فيه تهميش واقصاء لبقية القوى السياسية الوطنية جنوبية كانت ام شمالية واستأثر طرفي الاتفاقية بنصيب الأسد في مؤسسات المستوى القومي (سلطة تشريعية مجلس وطني ومجلس الولايات وسلطة تنفيذية) حتى اصبحت تلك السلطات حصريا على طرفي الاتفاقية واستطاع المؤتمر الوطني بنسبته المحددة بموجب الاتفاقية 52% على مستوى السلطة التشريعية القومية والتنفيذية أن يحكم قبضته الحديدية لتزيده اكثر استمساكا بمفاتيح تلك المؤسسات القومية ، ليؤطر سياسة التمكين والشمولية والتي رسم لها منذ انقلاب 30/يونيو 1989م . ومن خلال هذا الفهم الاقصائي استطاع المؤتمر الوطني للاتيان بقوانين تحول دون التحول الديمقراطي ويعد خرقا سافرا عن اهداف الاتفاقية وغايتها. وبالتالي نجد ان القوانين المقيده للحريات ، والتي كان من المفترض ازاحتها خلال الفترة الانتقالية استطاع المؤتمر الوطني بالاتيان بقوانين تخالف احكام الاتفاقية ، لتخرج بثوب اكثر صرامة وتشديد لتقييد الحريات. و ذلك من خلال اغلبيته والمصنوعة بموجب تلك الاتفاقية الثنائية.
ولم تستطيع الحركة الشعبية بموجب نسبتها ال28% في السلطة على المستوى القومي باتيان قوانين تؤطر للحريات وتجعل ديمومة الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة واقعا وفقا لمتطلبات اتفاقية السلام.
وعليه لقد شهدت الفترة الانتقالية صراعا مريرا بين طرفي الاتفاقية في العديد من المسائل المتعلقة باستصدار القوانين ، فكانت كافة قوانين التحول الديمقراطي ،والقوانين المقيده للحريات محل شد وجذب واعتراض وانسحاب ومقاطعة لاجل اجازتها ، ومخالفتها لاحكام الاتفاقية والدستور الانتقالي ، وكان الفشل مصاحب الحركة الشعبية في مناهضتها لتلك القوانين. فأتت القوانين كما يشتهي المؤتمر الوطني عبر آلياته واغلبيته المصنوعة بموجب اتفاقية السلام الشامل . والتي جعلته يتحكم على كافة المؤسسات التشريعية، ومنها والتنفيذية بواسطة عناصره ، الموالية له والملتزمة بتنفيذ سياسته الشمولية ، ولم يعتد ويعمل على معيار الكفاءه والذي يعتبر من اهم أحكام وأسس الاختيار خلال الفترة الانتقالية المؤدية للوحدة الجاذبه وفقا للاتفاقية.
ما سلف ذكره على المستوى القومي والمركزي نجد ان سيطرة المؤتمر الوطني على كافة المؤسسات والسلطات القومية استطاع ان يحكم قبضة الحكم ،ويديرها بفهم اقصائي لكافة القوى بما فيها الحركة الشعبية ، فاضحى حكم البلاد بعناصر الجبهة القومية الاسلامية من اعضاء المؤتمر الوطني. هذا المفهوم الاقصائي جعل القوى السياسية الاخرى شمالية وجنوبية ليست ذات وجود فعال لاجل ترجمة اهداف الاتفاقية لواقع والمؤدية للوحدة الجاذبة. مما جعل الوحدة بعيدة المنال.
وبالتالي نجد على مستوى حكم الجنوب تسيطرة الحركة الشعبية على كافة مستويات الحكم في الولايات الجنوبية ، وتم اقصاء كافة القوى السياسية الجنوبية، وفيها من حمل سلاح المقاومة وفيها من تمرد عليها ، وفيها من لجأ للمؤتمر الوطني. وما قام به المؤتمر الوطني على مستوى الحكم القومي والمركزي (تشريعي وتنفيذي) من سيطرة كاملة بواسطة محسوبيه ، ايضا فعل الشريك والطرف الثاني الحركة الشعبية بفرض سيطرته على اقليم الجنوب بواسطة محسوبي الحركة الشعبية وايضا عملت الحركة الشعبية على ابعاد واقصاء ابناء الجنوب والقوى السياسية الجنوبية الاخرى ، وذلك بموجب اقتسام السلطة لطرفي الاتفاقية حيث نجد ان الحركة الشعبية منحت نسبة عالية جدا لاحكام سيطرتها على جنوب السودان ، ونالت بموجب الاتفاقية على نسبة 70% من السلطة التشريعية والتنفيذية على مستوى حكومة جنوب السودان، والمؤتمر الوطني وبموجب الاتفاقية نال نسبة 15% في السلطة التشريعية والتنفيذية على مستوى حكومة جنوب السودان ، والقوى السياسية الاخرى من جنوب السودان مجتمعه نالت نسبة 15% من السلطة التشريعية والتنفيذية ومن الملاحظ حرم من هذا التمثيل على مستوى حكم جنوب السودان القوى السياسية الشمالية الاخرى وفي ذلك امعان للاقصاء.
وبالرجوع لمؤسسات الحكم على المستوى الولائي وحسب ما ورد بصلب الاتفاقية، نجد ان طرفي الاتفاقية تبادلا اقتسام السلطة للولايات حيث نجد ان الولايات الشمالية وعددها ستة عشر ولاية تولى السيطرة عليها المؤتمر الوطني من حيث المجالس التشريعية والتنفيذية وكذا الحال بالنسبة للولايات الجنوبية العشر فاضحت تحت سيطرة الحركة الشعبية من حيث المجالس التشريعية والسلطة التنفيذية .
وعليه نجد ان طرفي الاتفاقية قد عملا لاقتسام السلطة الولائية شمالا وجنوبا ، ولقد كان اقتسام السلطة الولائي بالنسبة للولايات الشمالية الستة عشر ولاية يكون نصيب المؤتمر الوطني 70% من حيث السلطة التشريعية والتنفيذية، ونصيب الحركة الشعبية في الولايات العشر الجنوبية 70% من حيث السلطة التشريعية والتنفيذية، ونسبة 30% المتبقية في الولايات الشمالية والجنوبية على النحو التالي :
1/ نسبة 10% في الولايات الجنوبية لحزب المؤتمر الوطني .
2/ نسبة 10% في الولايات الشمالية للحركة الشعبية .
3/نسبة 20% في الولايات الشمالية والجنوبية يشغلها ممثلو القوى السياسية الشمالية والجنوبية على التوالى.
وبالتالي اخلص الى ان السلطات القومية كان من المفترض ان تكون حصريا للحكومة القومية حسبما وردت بالاتفاقية بالمفهوم القومي المطلوب، لكن وللاسف الشديد فرض المؤتمر الوطني سيطرته بدء برئاسة الجمهورية فاضحت رئاسة الجمهورية ممثلة بنسبة 70% للمؤتمر الوطني 30% للحركة الشعبية فرئيس الجمهورية رئيس المؤتمر الوطني والنائب الثاني لرئاسة الجمهورية لنائب رئيس المؤتمر الوطني والنائب الاول للحركة الشعبية فانعدمت الصبغة القومية في المجلس الرئاسي لرئاسة الجمهورية. وهكذا الحال في المجالس التشريعية القومية ، والسلطة التنفيذية مجلس الوزراء ، والشاهد ان كافة الوزارات السيادية أحكم المؤتمر الوطني قبضته عليها ، وبالتالي ومن الملاحظ استطاع ان ينفذ مخططه ومشروعه الحضاري المزعوم . ونجد ان بداية تشكيل السلطة التنفيذية والمتمثلة في تعيين الوزراء شهدت صراعا محموما بين طرفي الاتفاقية ، خاصة الوزارات التي تقع تحت سيطرتها الاعمال العسكرية والامنية ، مثل وزارةالدفاع والداخلية ورئاسة جهاز الامن والعدل ورئاسة القضاء وايضا الوزارات المتعلقة ، بالمال والثروة كوزارة المالية والطاقة والتعدين والبترول وبنك السودان المركزي.
ونجد ان هذه المؤسسات التنفيذية القومية السيادية منذ انقلاب 30/ يونيو 1989 انقلاب الجبهة القومية الاسلامية ، وحتى تاريخ توقيع هذه الاتفاقية احكم نظام المؤتمر الوطني قبضته عليها ،وفرض سيطرته الاقصائية لكافة الكفاءات القومية ،وقام بتشريدهم ولم يبقى في هذه الاجهزة الا عناصره الموالية له موالاة صارمة، حتى اضحى السيف عند الجبان والمال عند البخيل الجائر .وعندما اتت اتفاقية السلام الشامل، لم يعد في مؤسسات الدولة السودانية عنصر الكفاء والقومية المطلوبة لتولي المناصب،وتولى أمرها من هو عقائدي، وذو التزام صارم للمؤتمر الوطني وأفرغت المؤسسات من محتواها القومي والوطني وانعدام معيار الكفاءه.
وبالتالي عندما اتت الاتفاقية تحمل نسبة المؤتمر الوطني بالمؤسسات والسلطات القومية لم يحدث اي تغيير في السلطة القومية وظل الحال كما كان عليه منذ انقلاب 30 يونيو 1989م. بل الاتفاقية منحت المؤتمر الوطني شرعية ازداد فيها ترسيخا لتأطير افكاره الشمولية ذات الطابع الفئوي والاقصائي، وحتى طالت هذه الشمولية اقصاء الحركة الشعبية من تحقيق احلامها لحكم السودان عبر ترجمة الاتفاقية لواقع ديمقراطي معاش ، فيه تدوال سلمي للسلطة.
وبالتالي ومن خلال الفترة الانتقالية نجد ان طرفي الاتفاقية ومن خلال السلطة القومية تشريعية كانت ام تنفيذية شهدت صراعا شديدا بين الحق والباطل فساد فيها الباطل ولم يجد الحق طريقه لننعم بوحده جاذبة ، وبالتالي ان اقتسام السلطة بين طرفي الاتفاقية واقصاء القوى الشمالية والجنوبية الاخرى وعدم استصحاب الأرث السوداني الاثنى والعرقي والجهوي المتعدد الثقافات ادى لخلل في السلطة وزاد من اطماع المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لثنائية الاتفاقية واثنية طرفي الاتفاقية فانعدمت القومية في السلطة والقومية التشريعية والسلطة التنفيذية القومية والمسماة في الاتفاقية فاتى مفهوم الطرف الاول المؤتمر الوطني والطرف الثاني الحركة الشعبية مغايرا لمفهوم الاتفاقية.
وفي ذلك تاكيد بان طرفي الاتفاقية نفيضين لا يلتقيان ، وبالتالي هذا هو ما ادى لكي تكون الوحدة الجاذبه بعيدة المنال بسبب السلطة التي كانت ضحية لاطماع طرفي الاتفاقية.
4/ الثروة سبب من الاسباب الموضوعية التي جعلت الوحدة الجاذبه بعيدة المنال:-
لقد افرد الفصل الثالث من اتفاقية السلام الشامل لسنة 2005 فصلا كاملا لاقتسام الثروة ، وتضمن الدستور الانتقالي في الباب الثالث عشر المسائل المالية والاقتصادية ووضع مبادئ هادية لتوزيع الثروة العادل.
انحصرت موارد الثروه هذه في الاراضي وموارد الدخل القومي وحكومة الجنوب باعتبارها ضمن الموارد المالية ، وعائد البترول. وتم تكوين مفوضيات لها وتتمثل في مفوضية الأراضي ، ومفوضية البترول ، ومفوضية الايرادات المالية . ووضعت اتفاقية السلام الشامل أسس لاختيار اعضاء المفوضية وهي معيار القومية والاستقلال والمهنية زائدا الكفاءه. الا انه وللأسف الشديد ان المفوضيات والمتعلقه بهذا الشان ، اتت بمفهوم ثنائي وآحادي حصريا على طرفي الاتفاقية . حيث نجد رئاسة المفوضيات التي تتعلق بالثروة أوكلت رئاستها للمؤتمر الوطني حيث يرأس رئيس الجمهورية ونائبه الاول رئيس حكومة الجنوب مفوضية البترول وعضويتها من طرفي الاتفاقية، وان مفوضية الاراضي تم تقسيمها شمالا وجنوبا واحكمت السيطرة عليهما من طرفي الاتفاقية شمالا وجنوبا.
اما مفوضية الايرادات بالرغم من رئاستها موكلة للمؤتمر الوطني وعضويتها لطرفي الاتفاقية بالتساوى الا انها لم يكن لها دور ولا وجود، ولم تكن فاعلة كما هو واجب ان تكون.
وبالرغم من سيطرة طرفي الاتفاقية على كافة المفوضيات الخاصة بالثروة لاجل مراقبتها ، وتنفيذ الاتفاقية الا ان طرفي الاتفاقية ظلا في صراع دائم خلال الفترة الانتقالية حول الثروة من حيث الموارد البترولية و الغير بترولية ، واتهم كلا الطرفين الطرف الاخر بالفساد المالي، وعدم الالتزام بما وارد ببنود واحكام الاتفاقية والمتعلقة بالثروة . ويتاكد ذلك من خلال الاحصائيات العالمية المتعلقة بالشفافية والمحاسبية للموارد المالية، والتي جعلت السودان خلال الفترة الانتقالية يعد من الدول التي انعدمت فيها الشفافية والمتصدرة للفساد المالي.
عموما علينا ان نحدد كيف كانت الثروة واقتسامها سببا مانعا للوحدة الجاذبه حتى اضحت بعيدة المنال.
من خلال صراع الطرفين حول السلطة المتعلقة بالوزارات السيادية مقصدي وزارة المالية ووزارة الطاقة والتعدين والبترول، شهدت صراعا محموما بين الطرفين ولكل من طرفي الاتفاقية يريد ان يحكم قبضته على مكمن المال والثروة، حتى ظفر بهم المؤتمر الوطني ومارس من خلال اعماله وافعاله لمنسوبيه ومحسوبيه لمؤسسات اقتصادية تابعة للمؤتمر الوطني سواء امنية او عسكرية والمسماه بالصناديق والبنوك الحكومية التابعة للنظام.
ومن الملاحظ والمعاش خلال الفترة الانتقالية كثرت الصراعات بين طرفي الاتفاقية حول اقتسام السلطة، وعائد البترول وتبادل طرفي الاتفاقية كثيرا من الاتهامات ،واعلنت الحركة الشعبية تكرارا ومرارا بأنها لم تستلم نصيبها من عائدات البترول كاملا حسبما نصت عليه الاتفاقية. ونجد المؤتمر الوطني يرد بانفعال كرد فعل لتصريحات منسوبي الحركة الشعبية ، ليؤكد استلام نصيب حكومة جنوب السودان كاملا هكذا سجل الفترة الانتقالية حول الثروة واقتسامها بين الطرفين وظل سجلال مكررا بالاتهامات المقرونة بالفساد .
نجد ان كل الأسس التي أمرت بها اتفاقية السلام الشامل لأجل الشفافية والنزاهة المحاسبية لأجل الثروة واقتسامها انعدمت تماما خلال الفترة الانتقالية، لم يلتزم طرفا الاتفاقية بالمعايير المحاسبية، ولن يعملا بالمساءلة المالية. ولم ينشأ الصندوق القومي لاعادة البناء والتنمية حسبما اتت به اتفاقية السلام الشامل ،ولم يكن لصندوق جنوب السودان لاعادة البناء وجودا كما هو مطلوب .ولم يكن هنالك ضمان للمساءلة والشفافية والكفاءة والانصاف والعدالة التي أمنت عليها الاتفاقية.
لقد امنت الاتفاقية على اعتبار ان حكومة الجنوب مسئولة عن الانفاق ومصروفات الحكومة معلنة في اطار عمليات الموازنة السنوية والشئون المالية، وكذا الحال للحكومة القومية والتي يسيطر عليها المؤتمر الوطني . لم يحدث على الاطلاق لكلا الطرفين أن أعلنا موازنة ومراجعة بالمفهوم المحاسبي المطلوب تتضمنها عائد البترول، وهذا ما يؤكد عدم الشفافية ويعد تجاوزا للاتفاقية، فالشاهد ان ترى جنوب السودان فاقد للتنمية المطلوبة والبنيات التحتية لم تر النور خلال الفترة الانتقالية ، ومن المؤكد ان هنالك اموالا طائلة من الثروة ان لم يكن جلها لم تجد طريقها للتنمية ورفاهية المواطن الجنوبي. ولم يعمل المؤتمر الوطني لازاحة الغبن الجنوبي ، وعليه نرى ان انتشار المؤتمر الوطني وهيمنته على الثروة جعلها لا تنسحب لرفاهية الوطن والمواطن، ولم يكن هنالك توزيعا عادلا للثروة حسبما تطلبته الاتفاقية لكافة مستويات الحكم فكان له ألاثر الكبير على اقعاد مستويات الحكم بما فيها حكومة الجنوب ذات النصيب الاكبر والذي يجعلها تعمل على جعل الوحدة جاذبه بين ابناء الجنوب والشمال.
وعليه ارى أن الثروة لم يعمل طرفا الاتفاقية على تسخيرها لأجل ان تكون الوحدة الجاذبه سهلة المنال. وما صاحب الثروة من صراع مرير بين طرفي الاتفاقية هو الذي رجح كفة الانفصال على الوحدة.
وبالتالي مرد ذلك الانفصال حال حدوثه يكون السبب الأساسي والمؤدي اليه اطماع طرفي الاتفاقية الذاتية لاجل الثروة والسلطة ، والذي جعل الاتفاقية احادية الاطراف وانعدام القومية جعل طرفي الاتفاقية منعدمي الاهلية الوطنية ، مما جعل الوحدة بعيدة المنال بسبب المال والجاه والسلطة، ولم تكن هي لله بل كانت لأجل المال والسلطة والثروة.
5/ انتخابات ابريل 2010 واثرهاعلى تقرير المصير :-
ما صاحب انتخابات ابريل 2010م من قوانين اسست بمفهوم يخالف اتفاقية السلام الشامل ( راجع بحثنا في عدم دستورية ومشروعية انتخابات ابريل 2010م لمخالفتها الدستورية من حيث الاتفافية ودستور السودان الانتقالي لسنة 2005م). نجد ان هذه الانتخابات صاحبها التزوير بدء في تعداد سكان السودان شمالا وجنوبا حيث لم يجد تعداد السكان اعترافا من قبل الحركة الشعبية . وعندما اجريت هذه الانتخابات خارطة طريقها كانت مدعاة للانفصال لا الوحدة، حيث نجد ان الحركة الشعبية عند ادارتها لعملية الانتخابات في رقعتها الجغرافية المحددة لحكومة جنوب السودان احكمت قبضتها ، وادارة تلك الانتخابات لحكومة جنوب السودان بمفهوم شمولي واقصائي لبعض من ابناء الجنوب ، واتبعت كل أساليب الفساد ، والمحرمة بموجب قانون الانتخابات . حتى أدى ذلك لخروج الكثير من أبناء الجنوب من العملية الانتخابية لاسلوب القهر والتهديد والذي اتبعته الحركة الشعبية لأجل الاتيان بمحسوبيها ولقد أدى ذلك لحمل السلاح والتهديد بالتمرد لبعض القبائل الجنوبية. وما كان يحدث في جنوب السودان خلال فترة الانتخابات ، لم يتجرأ اي مواطن شمالي من ان يتقدم بالترشيح لتلك الانتخابات في اي من الدوائر الجغرافية بجنوب السودان. وكذا حال الانتخابات في شمال السودان حسب الدوائر الجغرافية ، بولايات الشمال الستة عشر ، فمارس المؤتمر الوطني كافة اساليب الفساد الواردة بقانون الانتخابات بدء بالتسجيل ومرورا بترسيم الدوائر الجغرافية حتى الاقتراع فتمكن المؤتمر الوطني من اقصاء كافة القوى السياسية السودانية ، وعمل على ادارة الانتخابات بواسطة اجهزته الامنية والعسكرية والقضائية ،ولم نجد اي مواطن جنوبي بالشمال خارج منظومة المؤتمر الوطني ان وجد حظه حتى في الترشيح . وبالتالي نجد ان تلك الانتخابات كانت دليل واضح وخارطة طريق واضحة المعالم تؤدي للانفصال.
وبالتالي نجد ان انتخابات ابريل 2010 اولى خطوات الانفصال ومن بعد تلك الانتخابات اضحت روح طرفي الاتفاقية روح عدائية تأكدت فيها الاثنية الانفصالية ،ولم يتبق شئ غير اكتمال الحدود الجغرافية.
وعليه اخلص الى ان انتخابات ابريل 2010م من الاسباب الموضوعية التي جعلت الوحدة الجاذبه بعيدة المنال، وتمت هذه الانتخابات بطريقة يشوبها روح الانفصال.ولم تأت وفق معايير الاتفاقية والدستور، لأجل ترسيخ المبادئ الديمقراطية لأجل ديمومة الديمقراطية والتدوال السلمي للسلطة والتي تجعل الوحدة الجاذبه سهلة المنال.
الحلول الممكنه لتفادي الحرب وانهيار اتفاقية السلام الشامل :-
1/ أن حرب الجنوب تعتبر من اطول الحروب في القرن الافريقي واستمرت لنصف قرن من الزمان، وبلغ ضحايا تلك الحروب اكثر من مليوني مواطن سوداني من شمالي وجنوبي. ولقد كانت هنالك محاولات عديدة من الحكومات المتعاقبة لأجل حوار يحقن نزيف تلك الحروب ، ولم يكتب لها بالنجاح، وتوقفت تلك الحروب بموجب اتفاقية اديس ابابا عام1972 فعادت الحرب اوزارها في عام 1983. وكان اخر المطاف اتفاقية السلام الشامل 2005
أن اتفاقية السلام الشامل رسمت طريق الخلاص من الحرب عبر مستويات حكم لخارطةالسودان الجغرافية، بمفهوم المستوى القومي، والمستوى الجنوبي والمستوى الولائي والمستوى المحلي، يدار الحكم فيه على مستوى مركزي قومي ، وعلى مستوى مركزي جنوبي سمى بحكومة جنوب السودان ، تستظل بمظلته حكومات ذات مستوى ولائي جنوبي وعددها عشر ولايات ، وما تبقى من المستوى الولائي للستة عشر ولاية شمالا خارج مظلة حكومة جنوب السودان. مع وضع اداري ذو خصوصية لولاية النيل الازرق ، ومنطقة ابيي وجبال النوبة جنوب كردفان حسب احكام وبنود اتفاقية السلام الشامل.
اتفاقية السلام الشامل وضعت أحكام دستورية وايطار دستوري بمواقيت دستورية مضروبة الأجل لأجل نفاذ الاتفاقية والاتيان باهدافها المؤدية للسلام ووقف الحرب، واعمال الديمقراطية والمساواة والعدل ،ورفاهية المواطن السوداني وتنميته حسب المعطيات الواردة بالاتفاقية، حتى تنتهي بالحكم المستدام والمرسوم حسب الاتفاقية والمؤدي للوحدة الجاذبه .
وفي حالة الفشل في تحقيق اهداف الاتفاقية السامية ، يمنح الحق لشعب جنوب السودان لتقرير مصيره . بموجب استفتاء مرسوم الميقات الدستوري له بتاريخ 9 يناير 2011م. وذلك وفقا لقانون استفتاء تستصدره المؤسسة التشريعية القومية المجلس الوطني.
ان اتفاقية السلام الشامل تخلل ميقاتها الدستوري لمعظم مراحلها خلل دستوري تسبب فيه طرفي الاتفاقية وهنالك كثيرا من المرارات والاخفاقات ، بين طرفي الاتفاقية، بعدم الالتزام بخطها المرسوم ،والذي يجعل الوحدة الجاذبه هي الاولوية لابناء الجنوب، وان الخروقات الدستورية والقانونية وعدم الالتزام الواجب الاتباع لأحكام الاتفاقية ولكثير من المسائل الموضوعية جعل الوحدة الجاذبه بعيدة المنال وان الانفصال السلس أيضا بعيد المنال، وان الحرب بهذا المفهوم لاشك انها قادمة وهذا ما نريد احتباسه حتى يكون الانفصال سلس فيه حقن للدماء السودانية . والواجب يحتم على طرفي الاتفاقية الحفاظ على النتيجة الجوهرية التي أدت اليها الاتفاقية هي وقف الحرب.
أما التراخي هنا وهناك ومحاولة الخروج عن نصوص الاتفاقية واستجلاب اقنعة للمواقف من هنا وهناك أمر لا يمت الى الحكمة بشئ. وحتى نكبح جماح الحرب علينا ان نحدد مكمن الخروقات الجوهرية ، والتي تؤدي الى الحرب لكي تتم معالجتها بروح وطنية، وفي ذلك درء للحرب وحفاظ على النتيجة الجوهرية التي أتت بها الاتفاقية وقف الحرب وذلك للآتي :-
اولا :- 1/ اتفاقية السلام الشامل ضربت مواقيت دستورية لنفاذها ، خلال فترة ستة اشهر قبل الفترة الانتقالية. وست سنوات للفترة الانتقالية تبدأ من 9 يوليو 2005 وتنتهي في 8 يوليو 2011م .
2/ تتخلل تلك الفترة مواقيت دستورية صارمة للمسائل الجوهرية لاحلال السلام تم خرقها وعدم الالتزام بها من طرفي الاتفاقية ، المؤتمر الوطني الحركة الشعبية. وتتمثل في الاتي:-
( أ ) ترسيم الحدود الجغرافية وفقا لبروتوكول ابيي ( حسم نزاع ابيي) ،نصت المادة 5-2 على ان تنهي المفوضية (اللجنة) والمنشأة من رئاسة الجمهورية خلال السنتين ، الاوليين للفترة الانتقالية أعمالها لحسم وتحديد الحدود الجغرافية والمتعلقة بابيي. هذا هو الاطار الزمني المضروب دستوريا.
(ب) الميقات المضروب لاستصدار قانون الاستفتاء ،وانشاء مفوضية استفتاء جنوب السودان حسب الدستور ،هو تصدر الهئية التشريعية قانون استفتاء جنوب السودان في بداية السنة الثالثة للفترة الانتقالية . وعند صدور القانون تنشئ رئاسة الجمهورية مفوضية استفتاء جنوب السودان.
(ج) الاشراف على عملية الاستفتاء واعماله وامكانية نفاذه وفقا للدستور والاتفاقية من حيث الميقات المضروب دستورا بتاريخ 9/يناير 2011.
(د) استفتاء اهالي ابيي ونفاذه في نهاية المرحلة الانتقالية متزامنا مع استفتاء جنوب السودان وانشاء مفوضية استفتاء ابيي.
(ه ) المسائل العالقة في حالة الانفصال – الجنسية – الديون العالقة حسم الحقوق والواجبات بين حكومتي الجنوب والالتزام بالمواثيق الدولية الواجب اتباعها حول حقوق رعايا الدولتين في حالة الانفصال.
وعليه لو كان نفاذ هذه الخروقات الجوهرية لاتفاقية السلام في ميقاتها لأتى الاستفتاء سلسا دون مهددات للسلام . وعليه نرى ان المواقيت المضروبة لمسألة حسم حدود أبيي ،وصدور قانون الاستفتاء ولو أتى غير مخالفا للدستور، وتم نفاذه قبل ثلاث سنوات ، من عمر الفترة الانتقالية ، لما كان هنالك تعتيم في مسألة الاستفتاء ، والطريق اليه أشرف على نهائيته ، مع وجود مطبات وعرة، رصفها طرفي الاتفاقية. وعليه وحتى نخرج من هذا المأزق المؤدي للحرب ولكي نحافظ على النتيجة الجوهرية، التي اتت بها الاتفاقية وقف الحرب. ولكي نجعل الحرب بعيدة المنال والسلام سهل المنال ،ان يتم حسم الخروقات الجوهرية للاتفاقية، والتي تسبب فيها طرفي الاتفاقية على النحو الوارد لاحقا ، باعتبارها احدى الحلول التي تدرء الحرب، وتعالج الخروقات الجوهرية المذكورة آنفا بطريقة سلسلة وبروح وطنية تسمو فوق المرارات والجراحات ، لينال كل ذي حق حقه ليعم السلام بين الدولتين في حالة الانفصال.
وعليه على طرفي الاتفاقية العمل على انشاء ملحقا لاتفاقية السلام الشامل 2005 بين طرفي الاتفاقية يتضمن الاتي:
1/ تحديد الاسباب التي ادت لخرق الميقات الدستوري بالنسبة لترسيم حدود منطقة ابيي الجغرافية ، وما هي الاعمال التي تمت في هذا الشان ، وما هو الوقت المتبقى المطلوب ، والذي تحتاجه أعمال مفوضية ترسيم أبيي، ويتم الاتفاق حوله لأجل حسم النزاع حولها سليما. ويتم تحديد أسباب القصور التي أدت لخرق وتحديد الآلية والميقات ، لحسم هذه المسالة حسما صارما لتفادي وتجاوز ذلك الخرق الدستوري . وحتى يأتي استفتاء ابيي متزامنا مع استفتاء شعب جنوب السودان.
2/ قانون استفتاء جنوب السودان لسنة 2009 أتى مخالفا للدستور والاتفاقية من حيث الاشراف على مسالة الاستفتاء ، ومن حيث تكوين المفوضية ، ومن حيث الميقات . جعل الاستفتاء عرضه لعدم الشفافية والنزاهة ، مع ضيق الوقت الذي تم تحديده دستوريا لعملية الاستفتاء . هذا كله يجعل الاستفتاء عرضة للانهيار وعرضة للاقتتال ، مما يجعل طرفي الاتفاقية احكام صوت العقل والالتزام جانب المواطنين بالعمل على الجلوس وتعديل هذا الميقات، واعادة صياغة هيكلية المفوضية وتعينها ،وفقا لاهداف الاتفاقية والغاية المطلوبة والجوهرية لاتفاقية السلام .
وعليه لابد من ان تكون مسالة الاستفتاء وحسمها بما يتفق والاتفاقية من حيث تعديل ميقات الاقتراع واعمال متطلبات الاتفاقية حتى ياتي هذا الاستفتاء مبرأ من العيوب ويرضي اهل السودان جنوبا وشمالا.
وعليه ان استفتاء جنوب السودان ذو صلة مباشرة باستفتاء أبيي وهذا اضحى من المستحيلات فتنفيذهما معا في ميقات متزامن من حيث الميقات الدستوري والمحدد في الباب الرابع للاتفاقية (حسم ابيي) أمرا مستحيلا. هذا في حد ذاته ولن يأتي متزامنا مع استفتاء جنوب السودان يعد خرق دستوري. وبالتالي ، ربط الاستفائيين له هدفه وغاياته وفيه قطع لدابر الحرب وبالتالي .لأجل هذا الالتزام الدستوري يجعل طرفي الاتفاقية امام امر واقع لا فكاك منه غير تعديل ميقات الاستفتاء والمضروب دستورا بتاريخ 9/يناير/2011 لارتبطاته باعمال من الواجب الدستوري وحسب الاتفاقية ان يتم اعمالهما معا. بالتالي يستوجب على طرفي الاتفاقية القيام بالتعديل الميقاتي ليتأتى الاستفتاء مبرأ من العيوب ويكفينا شر الاقتتال والحروب . وعليه ان يكون القيام بهذا العمل بموجب ملحق لاتفاقية السلام الشامل ، وعلى ان نتدارك فيه كل اسباب الخرق الدستوري على ان يأتي بالملحق فيما يتعلق بشأن الاستفتاء مستصحبا كل الحلول الجزرية ومستصحبا الميقات، والذي يجعل هذا الاستفتاء حسب متطلبات الاتفاقية والدستور وفي ذلك حقن للدماء ودرء للحروب.
3/ ان يتضمن الملحق كيفية معالجة المسائل المتعلقة بالجنسية بالرغم من ان هذه الجزئية محسومة ، وفقا للنظم والقوانين الدولية وان يتم حسم مسألة النزاع المتوقع بالنسبة للديون. وغيرها من كثيرا من المسائل والتي توقظ الفتنة وتشعل الحروب.
4/ طرح ومناقشة وحسم أي شأن اخر يراه طرفي الاتفاقية يستوجب حسمه ولم يتدراكانه في اي مرحلة من مراحل الاتفاقية. والالتزامات العالقة بالثروة والبترول وحسم كافة المسائل المتعلقة بها.
الملحق المعني والذي يعتبر جزء لايتجزأ من اتفقية السلام الشامل يتولى الاشراف عليه لاجل نفاذه المجتمع الدولي والاقليمي والمحلي:
ان يكون ملحق اتفاقية السلام الشامل جزء لا يتجزأ من اتفقية السلام الشامل هذا الملحق لا يتعارض ونص احكام اتفاقية السلام الشامل ، البند 2-6 من عملية الانتقال (ب) والذي حرم على اي من الطرفين اي شكل من اشكال الالغاء او ابطال اتفاقية السلام من جانب واحد . ان انشاء هذا الملحق وبارادة الطرفين فيه اعمال لنص المادة 224 من الدستور الانتقالي لسنة 2005 والملحق قانونا يصب في محصلة التعديل لغايات الاتفاقية واهدافها الجوهرية في مسالة الاستفتاء لاجل الوحدة او الانفصال ووقف الحرب. وبالتالي نجد ان ملحق اضافي للاتفاقية له اسناد قانوني من حيث الدستور متى ما كان يصب في اهداف وغاية الاتفاقية.
من مزايا ملحق اتفاقية السلام الشامل معالجة وحسم المسائل الخلافية ، والتي تتمثل في تلك الخروقات الدستورية المذكورة بجدولة مواقيت لاتخل بغايات واهداف اتفاقية السلام الشامل ، مع مراعاة ما تم فيها من انجاز اعمال ومهام ليتم حسمها ، حتى ان كان هنالك انفصال ، فواجب طرفي الاتفاقية على ان ياتي سلسا دون نذر حروب.
يعتبر الملحق اجراء قانوني فيه حماية لاتفاقية السلام الشامل من الانهيار ودرء للحروب والتي طال امدها وتعتبر اطول حروب القارة الافريقية وبلغ مداها الزمني نصف قرن من الزمان. والواجب الوطني يحتم علينا وعلى طرفي الاتفاقية تحقيق غايات اتفاقية السلام الشامل المتمثلة في وقف الحرب والاقتتال ليعم السلام . وعليه نرى ان هذا الملحق يعتبر الحاقا لاتفاقية السلام الشامل ومكملا لأهدافها وغاياتها ، ونص عليه الدستور وبالتالي اعماله يعتبر واجب وطني لتدارك مخاطر في غاية من الخطورة لأهل الجنوب والشمال معا.
ضمان نفاذ ملحق اتفاقية السلام الشامل لسنة 2005:-
لضمان حسم الخروقات الدستورية المشار اليها وحل النزاع القائم بين طرفي الاتفاقية ومعالجته بما يحفظ السلام ، وفقا لملحق اتفاقية السلام والمقترح من جانبنا باعتباره احدى الحلول الممكنه، لا بد ان يأتي هذا الحل المقترح عبر الية دولية صارمة لها دور مباشر في مسألة الحل المؤدي للسلام والحفاظ على غايات الاتفاقية ، يعاد فيها ترسيم مواقيت دستورية لموطن النزاع محل الخلاف تراعى فيه الاعمال التي انجزت في ذلك الجانب، وما هو الميقات الواجب اتباعه لاجل حسم النزاعات المعنية ، والحفاظ على اتفاقية السلام الشامل من الانهيار.
ولضمان نفاذ ملحق اتفاقية السلام الشامل بين الطرفين يجب ان يكون تحت اشراف دولي ، واقليمي ، ومحلي ، باعتبارها جزء اصيل من اطراف هذه الاتفاقية وذات اشراف مباشر وفيصلي لحسم الامور العالقة . وذلك مرده لعدم توافر الثقة بين الطرفين ولضمان السلام وبموجب ذلك يطمئن المجتمع السوداني الشمالي والجنوبي، والمجتمع الدولي والاقليمي وطرفي الاتفاقية، من اكتمال حلقات اتفاقية السلام الشامل بموجب ملحق اتفاقية السلام المقترح.
وعليه نرى ان يتم تشكيل آلية لأجل اعمال ونفاذ ملحق اتفاقية السلام الشامل من مكونات مجتمعية ، وتعتبر الية لحسم النزاعات العالقة من اتفاقية السلام الشامل لسنة 2005 ونقترح تشكيل هذه اللية من المجتمعات التالية :
1/ ممثلين اثنين لمجلس الامن.
2/ ممثلين اثنين للاتحاد الافريقي.
3/ ممثلين اثنين لجامعة الدول العربية.
4/ ممثلين اثنين للايقاد.
5/ ممثلين اثنين لشركاء الايقاد.
6/ ممثلين اثنين للمؤتمر الوطني.
7/ ممثلين اثنين للحركة الشعبية
8/ ممثلين اثنين للقوى السياسية الوطنية.
تعتبر آلية اشرافية ومباشرة لكافة المسائل الجوهرية العالقة لحسم الخروقات ،ويكون قرارها من حيث الاشراف والفصل نهائي وملزم، وتكون هذه الآلية جزء لا يتجزأ من الاشراف المباشر للاستفتناء، حتى تاتي شهادته مبرأه من كل العيوب وكامل الشفافية والنزاهة.
هذا المقترح قابل للتعديل واخذ الرأى والتبادل الفكري ، فيه وهو مقترح خالص ووطني ليس فيه اي محاباة او ترجيح لاي كفة من كفتي الاتفاقية ، بل نأمل ان يعمل طرفي الاتفاقية على تعديل ميقاتي للمسائل العالقة حتى يتم حسمها بروح وطنية واشراف دولي واقليمي ومحلي.
هذا المقترح فيه دعوة للتعقل وعدم وأد الاتفاقية وانهيارها ،وفيه سمو وتأمين على ان الاتفاقية بالرغم من عدم الزام طرفي الاتفاقية بمعظم بنودها الا انها أتت بنتيجة جوهرية وغاية سامية لا ينكرها الا مكابر ، انها اوقفت حرب طال امدها، ولأجل هذا الانجاز استطعنا ان نصبر ست سنوات لضمد جراح خمسون عاما كانت حروب وقتال، وضحايا، فالواجب الوطني وحتى نحافظ على هذا الانجاز المتمثل في وقف الحرب علينا بالصبر القليل ، من الميقات حتى نخرج بهذا الوطن الى بر الامان وخدمة انسانه ،ان كنا في كلا الحالتين وحدة او انفصال . وعليه الواجب الوطني يحتم على طرفي الاتفاقية بعد أن صمت صوت البندقية لست سنوات والذي ظل يجلجل لخمسون عاما يستوجب عليهم فتح ملف الاتفاقية ، والحاقه بملحق تحدد فيه مواقيت ، تمكنهم من انهاء الصراع وحل الخلافات ، لتكون هنالك ديمومه للسلم والسلام بيننا وفقا لهذا الملحق المقترح كحل ممكن.
ثانيا:
الحل عبر القضاء الدستور وفقا لاتفاقية السلام الشامل والدستور الانتقالي لسنة 2005:-
قبل الخوض في آلية المحكمة الدستورية لأجل الاختصاص بتلك الخروقات الدستورية والمثاره في هذه الدارسة. علينا ابتداء الاجابة على هذه التساؤلات هل المحكمة الدستورية ذات اختصاص للفصل في مثل هذه النزاعات ، والخروقات ، مثار هذه الدراسة ؟ وهل جعلت اتفاقية السلام الشامل ودستورها الانتقالي لسنة 2005 المحكمة الدستورية، والمنشاة بموجب اتفاقية السلام الشامل ودستورها الانتقالي الية من اليات الاتفاقية متى ما كان فيها خرقا دستوريا لأي من الطرفين ؟
الاجابة عندي بنعم وذلك للاتي :-
1/استنادا لاحكام اتفاقية السلام الواردة ادناه :- الدستور الانتقالي لسنة 2005 ينص البند 2-11-2 السلطة القضائية القومية .
ينص البند 2-11-2 ينشأ على المستوى القومي محكمة دستورية .
ينص البند 2-11-3 والبند 2-11-3-1 من احكام اتفاقية السلام الشامل – المحكمة الدستورية:
تنشأ محكمة دستورية وفقا لاحكام اتفاقية السلام والدستور القومي الانتقالي.
ينص البند 2-11-3-2 من احكام اتفاقية السلام الشامل تكون المحكمة الدستورية:
1/ المحكمة الدستورية مستقلة عن السلطة القضائية ويرأسها، رئيس المحكمة الدستورية الذي يعينه رئيس الجمهورية بموافقة النائب الاول للرئيس وتكون مسؤوله امام الرئاسة .
2/ حارسة للدستور القومي الانتقالي ودستور جنوب السودان ودساتير الولايات .
3/ ذات اختصاص اصيل ، للفصل في المنازعات التي يحكمها الدستور القومي الانتقالي ، بناء على طلب من الافراد ،او الشخصيات ، القانونية ، او من الحكومة 4/مختصة بالفصل في دستورية القوانين وتطرح جانبا وتلغي القوانين أو أحكام القوانين التي لا تتفق مع الدستور القومي ودستور جنوب السودان او الدساتير الولائية ذات الصلة.
5/مختصة بالسلطات القضائية للنظر في الاستئنافات ضد قرارات صدرت عن المحكمة العليا لجنوب السودان بشان دستور جنوب السودان ودساتير ولايات جنوب السودان.
6/مختصة بالفصل في النزاعات الدستورية بين اجهزة ومستويات الحكم المختلفة بالنسبة لمجالات الاختصاص الحصرية او المشتركة ( المتطابقة).
7/ مختصة بحماية حقوق الانسان.
8/ذات اختصاص جنائي في مواجهة الرئيس ونائبي رئيس الجمهورية ورئيس السلطة التشريعية وقضاة كل من قضاة المحكمة العليا والمحكمة العليا لجنوب السودان.
البند 2-11-3-3 من احكام اتفاقية السلام الشامل
تكون قرارات المحكمة الدستورية نهائية وملزمة.
2/ استنادا على الدستور الانتقالي لسنة 2005م
تنص المادة 119 من الدستور الانتقالي انشاء المحكمة الدستورية . وتنص المادة 120 من الدستور الانتقالي عن التعيين لرئيس المحكمة الدستورية وبموافقة النائب الاول لرئيس الجمهورية .
وتنص المادة 122 من الدستور الانتقالي عن اختصاصات المحكمةالدستورية.
ومن اهم اختصاصات المحكمة الدستورية وفقا للمادة 122:
1/ تكون المحكمة الدستورية حارسة لهذا الدستور ودستور جنوب السودان ودساتير الولايات وتعتبر احكامها نهائية وتتولى:-
( أ ) الفقرة (2) تفسير النصوص الدستورية بناء على طلب من رئيس الجمهورية او الحكومة القومية او حكومة الجنوب او حكومة اي ولاية.
(ب) الاختصاص عند الفصل في المنازعات التي يحكمها هذا الدستور ودساتير الولايات الشمالية بناء على طلب من الافراد.
(د) ضمان حقوق الانسان .
(ه ) الفصل في دستورية القوانين والنصوص وفقا لهذا الدستور اوالدستور الانتقالي لجنوب السودان.
(و) الفصل في النزاعات الدستورية فيما بين مستويات الحكم واجهزته بشان الاختصاصات الحصرية او المشتركة او المتبقية.
وعليه يؤسس الحل القضائي الدستوري بطعن دستوري يقدم للمحكمة الدستورية استنادا لاتفاقية السلام الشامل ودستور السودان الانتقالي لسنة 2005م
وفقا للاتي :-
اولا: الدستور الانتقالي والذي يحكم الفترة الانتقالية يعني :-
1/ حسب الفصل الثاني من اتفاقية السلام الشامل ( اقتسام السلطة ينص البند 2-12-5 من احكام الاتفاقية على الاتي ( ينشأ دستور انتقالي على اساس اتفاقية السلام الشامل لسنة 2005 وفي حالة حصول تعارض فان احكام اتفاقية السلام الشامل تسود طالما ظل التعارض قائما.
2/ تنص المادة 225 من الدستور الانتقالي لسنة 2005م على الاتي( تعتبر اتفاقية السلام الشامل قد ضمنت كلها في هذا الدستور ومع ذلك فان اي احكام وردت في اتفاقية السلام الشامل لم تضمن صراحة في هذا الدستور تعتبر جزء منه ).
هذا يعني ان احكام اتفاقية السلام الشامل الغير وارده بالدستور الانتقالي تعتبر جزء لا يتجزأ منه، وهذا بمعنى اخر ان اتفاقية السلام كافة احكامها تعتبر نصوص دستورية، من خلال ما ورد بنص المادة 225 من الدستور الانتقالي لجمهورية السودان.
ثانيا : هنالك أساس ومبدأ دستوريا وبموجب المادة 225 من الدستور الانتقالي يعد البند 2-6 من عملية الانتقال الجزء (ب) من احكام اتفاقية السلام نصا دستوريا لعدم تضمينه بالدستور . ويقرأ كالاتي :- ( ينص على الاتي تمتنع الاطراف عن اي شكل من اشكال الغاء او ابطال اتفاقية السلام الشامل من جانب واحد.
ثالثا:تنص المادة 224 الفقرة(2) من الدستور الانتقالي على الاتي: لا تطرح التعديلات التي تؤثر على نصوص اتفاقية السلام الشامل الا بعد موافقة طرفيها.
رابعا:- حق تقرير المصير مبدا ثابت ومتفق حوله وهو حق دستوري لا فكاك منه وذلك بموجب الدستور الانتقالي المادة 219 ( يكون لمواطن جنوب السودان الحق في تقرير المصير من خلال الاستفتاء لتحديد وضعهم مستقبلا )
وتنص المادة 1-3 بروتوكول ميشاكوس الجزء( أ ) من المبادئ المتفقة يجعلها (شعب جنوب السودان له الحق في تقرير المصير وذلك ضمن امور اخرى عن طريق استفتاء لتحديد وضعهم مستقبلا ).
خامسا : ترسيم الحدود الجغرافية لمنطقة ابيي حسب حسم نزاع ابي ( بروتوكول ابيي) البند 5-2 من احكام الاتفاقية .
سادسا: الاستفتاء حول حق تقرير المصير حسب الاتفاقية بتاريخ 9/يناير 2011 م
يزامن هذا الاستفتاء استفتاء منطقة ابيي لتحديد تبعيتها شمالا ام جنوبا حسب اتفاقية السلام لتاكيد تبعيتها شمالا ام جنوبا حسب البند 8-1 ، 8-2 من حسم نزاع ابيي الوارد بالاتفاقية.
سابعا: اسباب الطعن الدستوري :-
1/ بعد التأكد من ان المحكمة الدستورية تعتبر الية من آليات الفصل في الخروقات الدستورية لطرفي الاتفاقية، والمحددة سلفا لهذه الدراسة ، لا بد من حصر تلك الخروقات الدستورية ، والتي تسبب فيها طرفي الاتفاقية ، وتعد نزاعات دستورية بين مستويات الحكم القومي، المركزي ،كمستوى حكم ومستوى الحكم لحكومة جنوب السودان وعليه تعتبر المحكمة الدستورية مختصة به وتعتبر الية من اليات حسم هذا النزاع . حسبما جاء بالاتفاقية والدستور الانتقالي من اختصاصات المحكمة الدستورية .
2/ الفصل في هذه الخروقات الدستورية وتدخل المحكمة الدستورية يدرء الحرب ويحمى اتفاقية السلام الشامل من الانهيار ويحمي البلاد من الانهيار الدستوري. بسبب الخلافات الجوهرية لمستويات الحكم على المستوى القومي المركزي. ومستوى حكومة جنوب السودان. وهي الحماية الدستورية المطلوبة بواسطة المحكمة الدستورية.
3/ السبب الثالث يجعل المحكمة الدستورية وبموجب اختصاصاتها حماية المواطن السوداني من الاقتتال وتأمن على سلامة نفسه ، وحماية حقوقه الدستورية ، في كل ما أمنت ونصت عليه اتفاقية السلام الشامل والدستور الانتقالي لسنة 2005.
4/ المحكمة الدستورية صاحبة الحق الاصيل في دون غيرها ، من حماية حقوق المواطن الجنوبي المهدره بسبب طرفي الاتفاقية المتمثلة، في حكومة المركز القومي ، والمستوى القومي وحكومة جنوب السودان على مستوى جنوب السودان، والمتعلقة بحق تقرير المصير باعتباره حق دستوري.
ثامنا: الطلبات لأجل الحفاظ على مسار الاتفاقية ونفاذها دونما ضرر ولا ضرار وحمايتها من الانهيار بدرء الحرب. واعمال ترسيم حدود ابيي الجغرافية وحقهم في الاستفتاء لاجل التبعية شمالا ام جنوبا متزامنا مع استفتاء شعب جنوب السودان دونما اخلال جوهري لغايات واهداف اتفاقية السلام الشامل لسنة 2005.
تاسعا : من الثابت ان طرفي الاتفاقية المؤتمر الوطني والحركة الشعبية تسببا في تلك الخروقات الدستورية، والتي هددت اتفاقية السلام الشامل بالانهيار والعودة للحرب ، والتي دامت لنصف قرن من الزمان، وتم ايقاف هذه الحرب بموجب هذه الاتفاقية والتي حقنت الدماء ، وواقفت الحرب خلال الفترة الانتقالية ولمدة ست سنوات.
ان طرفي الاتفاقية لم يلتزما بالمواقيت الدستورية وانفاذها خلال الفترة الانتقالية حسبما ما هو منصوص عليها بالاتفاقية والدستور مما جعلها خروقات دستورية اضحت تهدد البلاد بالحرب وانهيار اتفاقية السلام الشامل.
وعليه وحفاظا لسلامة الوطن من الانهيار الدستوري المؤدي للحرب والهادم لاتفاقية السلام وبدلا من الاقتتال ، والذي تم حبسه خلال الفترة الانتقالية والمحددة بست سنوات. ليس هنالك مانعا قانونيا ولا دستوريا لضرب مواقيت دستورية اخرى خلال فترة زمنية مؤقتة يتفق عليها طرفي الاتفاقية . تحت حماية المحكمة الدستورية حارسة الاتفاقية. والدستور معا ، باعتباره ملحقا زمنيا تعاد فيه جدولة المواقيت الدستورية والتي تسبب طرفي الاتفاقية في اهدارها ،وعليه نرى ان المحكمة الدستورية تملك الحق في اجبار طرفي الاتفاقية . في هذا الشأن ، وتحت اشراف الضامنين الدوليين والاقليمين لهذه الاتفاقية. وعليه ان تعديل المواقيت المضروبة دستوريا فيه فتح لملف الاتفاقية ويعد ملحق لهذه الاتفاقية تعاد فيه نفاذ ما هو مطلوب، دون خلل للاهداف السامية ،وفي ذلك تدارك للخطر وضياع الوطن والارواح وفيه اعمال لنص المادة 224 (2) من الدستور الانتقالي.
وعليه ان المحكمة الدستورية تملك الحق بعد التاكد واثبات ان طرفي الاتفاقية تسببا في هذا الخرق الدستوري، على ان يكون اعمال توجيهات المحكمة الدستورية تحت اشراف المجتمع الدولي الضامن للاتفاقية . حيث نجد ان البند 2-6 من عملية الانتقال الجزء (ب) من احكام الاتفاقية. والمتعلقة بامتناع طرفي الاتفاقية من شكل من اشكال الالغاء او الابطال واتفاقية السلام الشامل من جانب واحد. وهذا البند يعني ان طرفي الاتفاقية ليس هنالك مانعا من الجلوس معا لانشاء ملحقا لاتفاقية السلام لاجل تدارك الاتفاقية من الانهيار الدستوري لاجل الحفاظ عليها. وهذا يعني تعديلا للمواقيت الدستورية المتعلقة بابيي والاستفتاء وكيفية اداراته ونفاذه لتحقيق غاياته المطلوبة ، وهذا لا يعد الغاء بل تعديل والواجب الدستوري يحكم على الاطراف الجلوس والانصياع والالتزام لاوامر المحكمة الدستورية لاجل اعمال ملحق لاتفاقية السلام . وهو الحل المتاح . ولا يتعارض مع غايات واهداف اتفاقية السلام. حسب نص المادة 224 الفقرة (2) من الدستور الانتقالي وتقرأ كالاتي( لاتطر التعديلات التي تؤثر على نصوص اتفاقية السلام الشامل الا بعد موافقة طرفيها . وطالما هنالك خرق دستوري تسبب فيه طرفي الاتفاقية وطالما هنالك ما لا يمنع تعديل الاتفاقية بما لا يتعارض واهدافها السامية من حق المحكمة الدستورية اثبات تلك الخروقات ومطالبة طرفي الاتفاقية لاعمال تعديلات تكفي البلاد مغبة الحرب والاقتتال والحفاظ على الاتفاقية من الانهيار وانهيار الاتفاقية يعني انهيارا دستوريا يجب ان يكون للقضاء الدستوري كلمته.
عاشرا
وعليه عند تاسيس الطعن الدستوري يكون في مواجهة
1/ الحكومة القومية ذات المستوى القومي.
2/ حكومة جنوب السودان مستوى حكومة الجنوب( والحركة الشعبية ).
3/ مفوضية الاستفتاء باعتبارها مؤسسة قومية .
احدى عشر : توافرشرط المصلحة للطاعنين وهذا الشرط متوفر لدى القوى السياسية الوطنية الشمالية والجنوبية و للمواطن الجنوبي والشمالي معا.
اثنى عشر :
توافر مستندات الطعن الدستوري وكشف الشهود ويتمثل هذا في الاتي :-
ا/ المستندات
( أ ) اتفاقية السلام الشامل لسنة 2005
(ب) دستور جمهورية السودان الانتقالي 2005
(ج) القوانين والنصوص محل المخالفة والخرق الدستوري .
2/ الشهود :-
( أ ) شركاء الايقاد.
(ب) ممثلي الايقاد .
(ج) ممثل الاتحاد الافريقي ( رئيس مفوضية اللاتحاد الافريقي).
(د) ممثل جامعة الدول العربية .
(ه ) المبعوث الخاص لمملكة هولندا.
(و) ممثل الامين العام عن الامم المتحدة.
(ت) ممثلين للقوى السياسية الوطنية شمالية وجنوبية.
وعليه نرى ان الحل الاخر الممكن لتفادي خطر الحرب والاقتتال ولتفادي انهيار اتفاقية السلام الشامل من الانهيار، ان يكون للقضاء الدستوري كلمته باعتبار ان المحكمة الدستورية صاحبة اليد العليا في حماية الدستور من الخرق ، وان عظمة الاتفاقية والتي تجلت في ايقاف الحرب نجدها ايضا اوجدت محكمة دستورية ومنحتها اختصاصات عظمى ومسئولية عظيمة وهي حارسة الدستور
وعليه وهي الالية التي أوجدتها اتفاقية السلام الشامل لأجل فض النزاعات الدستورية والخروقات الدستورية في مواجهة اي مستوى من مستويات الحكم والتي حددتها اتفاقية السلام الشامل . وكما اعطت مستويات الحكم المختلفة باللجؤ اليها متى ما كانت هنالك ممارسات غير دستورية وخروقات دستورية يتأثر بها اي من مستويات الحكم في مواجهة المستوى الاخر ، هذه حقوق دستورية مكفولة .
كما نجد ان الاتفاقية والدستور أعطت المحكمة الدستورية حق حراسة الدستور وحماية حقوق المواطن الدستورية والشخصيات الاعتبارية والمتمثلة في الاحزاب السياسية ذات حق في اللجؤ للمحكمة الدستورية لاجل حماية الحق الدستوري المهدر . وعليه نرى ان قانون الاستفتاء أتى مخالفا للدستور يتأثر به المواطن والوطن، ويهدد مؤسسات الحكم بالانهيار ويؤدي لانهيار
الاتفاقية ، وبالتالي ان المحكمة الدستورية معنية ومختصة وفقا لما تم طرحه من خروقات دستورية وذات اختصاص لتقويم هذه الخروقات لما أثير من اسانيد دستورية لحماية الدستور وحماية الاتفاقية، ودرء الحرب ، والحفاظ على أمن وسلامة الوطن والمواطن وتقويم المحكمة الدستورية لهذه الخروقات يستوجب تعديل لاتفاقية السلام بالزام طرفي الاتفاقية ملزمين بالانصياع لأوامر المحكمة الدستورية باعتبارها الية اتى بها طرفي الاتفاقية تحمى المبادئ الجوهرية للاتفاقية وعدم الانصياع لأوأمرها فيه هدم لأهم أركان الاتفاقية الجوهرية.
وعليه واستنادا على ما سلف ذكره واذا ما التزم أطراف الاتفاقية والمثول أمامها ولا أرى شك في ذلك باعتبار ان المحكمة الدستورية ، هي أحدى آليات فض النزاعات بين مستويات الحكم فيما بينها وضدها متى ما كان هنالك انتهاك دستوري، باعتبارها حارسة الدستور الانتقالي وبالتالي من الممكن والواجب دستوريا أن يتم اعلان الآتي من خلال المحكمة الدستورية ويتمثل في :
1/ اعلان خرق المواقيت الدستورية المضروبة لقانون الاستفتاء لسنة 2009 من حيث استصداره لمخالفته للدستور لما ذكر من أسانيد دستورية.
2/ اعلان خرق الميقات الدستوري لمنطقة أبيي من حيث ميقات ترسيم الحدود وتحديدها وعدم قيام استفتاء أبيي متزامنا مع استفتاء جنوب السودان يعد خرقا دستوريا لبروتكول حسم نزاع أبيي وعليه الزام المطعون ضدهم بقيام استفتاء أبيي حسبما هووارد دستورا . متزامنا مع استفتاء جنوب السودان.
3/ اعلان عدم دستورية مفوضية استفتاء جنوب السودان لمخالفتها للدستور الانتقالي واتفاقية السلام الشامل لسنة 2005 حسبما ما ذكر من اسانيد دستورية.
4/ اعلان عدم دستورية المواد (10،5) من قانون استفتاء جنوب السودان لسنة 2009 لمخالفتها للمبادئ الدستورية من حيث الدستور الانتقالي لما ذكر من اسانيد دستورية.
5/ اعلان عدم دستورية قانون استفتاء جنوب لسنة 2009 لاتيان بهياكل ادارية وفنية تتنافى والمبدأ الدستوري الوارد بالاتفاقية والدستور والمتمثل في النزاهة والشفافية والمشروعية لما ذكر من اسانيد دستورية.
6/ الزام مستويات الحكم القومي وحكومة جنوب السودان ورئاسة الجمهورية والحركة الشعبية لتحرير السودان بحل مفوضية الاستفتاء لما ذكر من اسانيد دستورية.
7/ اعلان عدم دستورية قيام استفتاء جنوب المضروب تاريخه دستوريا بتاريخ 19/يناير /2011م لعدم التزام طرفي الاتفاقية والمطعون ضدها بالمواقيت الدستورية المثاره في هذا الطعن والتي تجعل استفتاء جنوب السودان في ذلك التاريخ غير ممكن ولأجل أهداف وغايات اتفاقية السلام الشامل ودستورها الانتقالي لسنة 2005م
8/ الزام المطعون ضدهما بتعديل اتفاقية السلام الشامل بمواقيت دستورية يعملان عليها لأجل حماية الدستور الانتقالي ولأجل حماية اتفاقية السلام من الانهيار ، حيث أن انهيارها يؤدي لحرب واقتتال وفراغا دستوريا. و ان المادة 224(2) من الدستور الانتقالي تعطي المطعون ضدهما حق هذا التعديل، ختاما:
ان المحكمة الدستورية وهي المختصة بالطعن الدستوري والمتعلق باعمال رئاسة الجمهورية ويجوز لكل شخص متضرر من أعمال رئاسة الجمهورية الطعن أمامها ، خاصة اذا كان الفعل المدعى به يتعلق بانتهاك هذا الدستور أواتفاقية السلام الشامل لسنة 2005، وذلك استنادا لنص المادة 61 الفقرة (ب)
من الدستور الانتقالي لجمهورية السودان وأيضا من ضمن اختصاصات المحكمة الدستورية الطعن أمامها في الانتهاكات الدستورية والتي تأتي بموجب اعمال مستويات الحكم المختلفة . لأجل ذلك هي الجهة المنوط بها حراسة الدستور الانتقالي حسبما هو وارد بالاتفاقية والدستور الانتقالي لسنة 2005.
والله ولي التوفيق ،،،،،،،،،،،،،
الطيب أحمد محمد العباس
المحامي الحزب الاتحادي الديمقراطي
الاصل
28/10/2010م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.