ريال مدريد وأنشيلوتي يحددان موعد الانفصال    عادل الباز يكتب: المسيّرات… حرب السعودية ومصر!! (2/2)    المسابقات تجيز بعض التعديلات في برمجة دوري الدرجة الأولى بكسلا    المضادات الأرضية التابعة للجيش تصدّت لهجوم بالطيران المسيّر على مواقع في مدينة بورتسودان    ما حقيقة وجود خلية الميليشيا في مستشفى الأمير عثمان دقنة؟    محمد وداعة يكتب: عدوان الامارات .. الحق فى استخدام المادة 51    الولايات المتحدة تدين هجمات المسيرات على بورتسودان وعلى جميع أنحاء السودان    صلاح-الدين-والقدس-5-18    التضامن يصالح أنصاره عبر بوابة الجزيرة بالدامر    اتحاد بورتسودان يزور بعثة نادي السهم الدامر    "آمل أن يتوقف القتال سريعا جدا" أول تعليق من ترامب على ضربات الهند على باكستان    شاهد بالفيديو.. قائد كتائب البراء بن مالك في تصريحات جديدة: (مافي راجل عنده علينا كلمة وأرجل مننا ما شايفين)    بالفيديو.. "جرتق" إبنة الفنان كمال ترباس بالقاهرة يتصدر "الترند".. شاهد تفاعل ورقصات العروس مع فنانة الحفل هدى عربي    بالفيديو.. "جرتق" إبنة الفنان كمال ترباس بالقاهرة يتصدر "الترند".. شاهد تفاعل ورقصات العروس مع فنانة الحفل هدى عربي    شاهد بالفيديو.. شيبة ضرار يردد نشيد الروضة الشهير أمام جمع غفير من الحاضرين: (ماما لبستني الجزمة والشراب مشيت للأفندي أديني كراس) وساخرون: (البلد دي الجاتها تختاها)    شاهد بالصورة.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل تسابيح خاطر تنشر صورة حديثة وتسير على درب زوجها وتغلق باب التعليقات: (لا أرىَ كأسك إلا مِن نصيبي)    إنتر ميلان يطيح ببرشلونة ويصل نهائي دوري أبطال أوروبا    الهند تقصف باكستان بالصواريخ وإسلام آباد تتعهد بالرد    والي الخرطوم يقف على على أعمال تأهيل محطتي مياه بحري و المقرن    ترمب: الحوثيون «استسلموا» والضربات الأميركية على اليمن ستتوقف    من هم هدافو دوري أبطال أوروبا في كل موسم منذ 1992-1993؟    "أبل" تستأنف على قرار يلزمها بتغييرات جذرية في متجرها للتطبيقات    وزير الطاقة: استهداف مستودعات بورتسودان عمل إرهابي    بعقد قصير.. رونالدو قد ينتقل إلى تشيلسي الإنجليزي    ما هي محظورات الحج للنساء؟    شاهد بالصورة والفيديو.. بالزي القومي السوداني ومن فوقه "تشيرت" النادي.. مواطن سوداني يرقص فرحاً بفوز الأهلي السعودي بأبطال آسيا من المدرجات ويخطف الأضواء من المشجعين    توجيه عاجل من وزير الطاقة السوداني بشأن الكهرباء    وقف الرحلات بمطار بن غوريون في اسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ أطلق من اليمن    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقالات: العلوم الكونية الاسلامية : علي طريق البناء

تحدثنا لسنوات طويلة عن وضع العلوم علي إختلافها، كونية واجتماعية وإنسانية، في إطار الإسلام ، كنا نقول من منابر الجامعات السودانية ومنذ السبعينات إننا اذا أردنا أن نقدم للبشرية علمًا كونياً اجتماعياً وإنسانياً نافعًا فيجب إن ينبع هذا العلم من الدين في المقام الأول. ولم تكن الظروف مواتية في ذلك الوقت كانت الدولة السودانية والمجتمع السوداني والوجود الأجنبي صاحب الأصابع النافذة في السودان كانواجميعًا لايأبهون للإسلام بل كان أغلبهم معاد له فلم تكن الدولة تتوجهه لهذا الامر، ولم تكن للقوي الاجتماعية السياسية المؤثرة في السودان قناعة بهذه الدعوة، ولاعمل يفضي اليها. ولم يكن سواد الناس وعامتهم يعيشون هذه القضية أو يري فيها خروجاً من مشاكل الحياة. أما المجتمع الدولي فقد كان علي نقيض ماندعو إليه إنبهاراًبالعلمانية وتسليماً لها بالقيادة الفكرية وانسلاخاً متزايداً من الدين.
قناعة راسخة
ولكن قناعتنا بهذه القضية لم تتزعزع أو تضمحل رغم كل تلك البيئة المعادية وأهتمامنا بها مايزال يقوي وقد إزادادت قناعتنا وازداد اهتمامنا في السنوات الاخيرة بفضل الله الذي يسر ظروفاً افضل لهذه الدعوة في السودان تتمثل هذه الظروف في الأتي
أولا: تاهيل كبير في المؤسسات والآليات التي تقوم بشان العلم الذي كنا ندعو له من قبل جامعات وكليات تسعي لتاصيل مناهجها ولايستغرب اهلها من اساتذة وطلاب الدعوة الي تأسيس العلوم قاطبة علي الدين، ناهيك عن أن يستهجنوا هذه الدعوة كما يفعل غيرهم في بلاد غير السودان
ثانيا: مؤسسة أقتصادية (شركات وبنوك... الخ)وأخري قانونية (مجالس تشريعية وادارات قضائية الخ) وثالثة ذات ابعاد اجتماعية (صندوق التكافل الاجتماعي ديوان الزكاة...) ورابعة سياسية (مجالس نيابية ومؤتمرات شعبية) وخامسة علمية او ثقافية (معاهد وادارات.. الخ) كل هذه المؤسسات صارت تعيد النظر في بنياتها الأساسية وفي آليات التعامل في اطارها، وفي معاملاتها من مطلق ديني تاصيلي ، وهي تمد يدها لتنادي العلماء والباحثين لارتياد رحابها والمشاركة بعملهم وفكرهم في الخروج من ضيق العلمانية الي رحاب الدين الواسعة.
ثالثا: بيئة علمية يتعبد كثير من علمائها بتدريسهم وبحثهم ويجاهد طلابها في سبيل الله وتتحجب طالباتها طاعة لامر الله، وتزداد قناعات الناس بعقائدهم رغم ضيق العيش.
ظروف مغايرة
هذه الظروف مغايرة- والحمد لله تماماً لما كان عليه الحال قبل سنوات حينما كان مجرد التفكير في مؤسسة يسبر فيها غور مفهومات إسلامية مجازفة لايقدم عليها الا مغرور او مغامر وعندما كان انشاء قسم للدراسات الاسلامية في جامعة الخرطوم يعتبر انجازاً مقدراً .
وهذه الظروف التي نعيشها الان مختلفة تماما عن ظروف العلوم الاسلامية في مدارس المستشرقين التي انشئت في كنف جامعات لا تري في الدراسات الاسلامية او العربية الا اداة لمعرفة حضارة بائدة او التعرف علي مجتمعات بقصد الاختراق والاستغلال. ولو قدر لمثل هذه المدارس الاستشراقية ان تعمل فيما تعمل فيه لقرون لما استطاعت ان تاتي بالعلوم الاسلامية التي نعنيها وذلك ان العلوم تحتاج في بنائها او الوصول اليها الي ظروف ومصادر وادوات وهي غير متاحة في البلاد التي انشئت فيها مدارس المستشرقين بل لن يسمح لها ان تقوم. فالاقتصاد الاسلامي - مثلا- لايمكن ان يقوم علي دراسات نصوص قطعية او ظنية فقط وانما لابد له من وجود مؤسسات تطبق فيها هذه الدراسات ويجرب فيها النظام الاقتصادي الاسلامي ويراجع حدود مقولاته وتعرف ابعاد قضاياه وعلاقتها ونعلم ان الاقتصاد الغربي- راسماليا كان ام اشتراكيا- ماكان يستطيع ان يكون علما له نظريات وقوانين واليات متقدمة لولا الفرص الواسعة في تجريبه ومراجعته في اطار التجربة والمعايشة وكذلك الحال في بقية العلوم الاجتماعية والانسانية فالنوافذ مقفلة تماما امام اي محاولة علمية اسلامة حقيقية في تلك المدارس الاستشراقية. يقفل المجتمع هذه النوافذ (بالضبة) والمفتاح كما يقولون فتظل تلك المدارس محصورة في دراسة وثائق تاريخية عن حضارة وعلوم الاسلام او دراسات لاقليات او مجتمعات اسلامية لهم فيها منافع اقتصادية او سياسية او يسعون لاختراقها وهكذا.
المشروع الاسلامي المعرفي يجد الان في السودان دولة مقتنعة به ومؤسسات تقوم عليه وتتغذي بماينتج فالدولة تفتح ابواب مؤسساتها جميعها ليدخل العالم والباحث حاملا افكاره ونظرياته المنبثقة من مصادر المعرفة الاسلامية القرآن والسنة والكون، ليقف علي تطبيقها ثم إعادة النظر فيها ليعدلها او يزيدها عمقا وشمولا . والمؤسسات تتغذي بما تثمره هذه الافكار وهذه التجارب وهي تفاخر بهذا في إعلاناتها الصحفية والاذاعية والتلفازية . لم ينكسر حاجز الخوف والتدد فقط بل اصبح الامر مدعاة لافتخار وأسلوب تسويق. هذه الحقائق تنبهنا إلا إننا نرتحل مرحلة جديدة من مراحل بناء العلوم الإسلامية، وعند الخروج من مرحلة الي مرحلة جديدة يجدر بنا ان نقف متذكرين لمراحل سابقة في محاولة لاستجلاء نظراتنا الكلية للامر.
علمانية العلوم
نعلم ان العلوم الكونية علي وجه الخصوص قد تطورت في القرون الاخيرة تطورا عظيما وان ذلك تم في اطار علماني وقد كان لهذا الانتصار في العلوم الكونية اثاره في العلوم الاجتماعية والانسانية. فعندما تحقق الناس من صواب افكار العلماء حول الشمس والقمر والارض ومداراتها ومن خطل احكام الكنيسة وايقنوا ببطلان ادعاء الكنيسة بمعرفة هذه الظواهر الكونية، قال بعضهم ان الكنيسة بمعرفة ما يكون وماينبغي ان يكون في المجتمع وفي النفس اجهل، وان العلوم الاجتماعية والانسانية يجب ان تبني علي المشاهدة والتجربة كما هو الحال مع العلوم الكونية. باختصار خرج المصدر الديني من بناء العلوم جميعا فتربعت العلمانية في كراسي العلم والمعرفة وانزوي اصحاب الدعوات الدينية الا من طقوس احتفالية .ولن تتراجع العلمانية من مواقعها التي احتلتها في الدولة والمجتمع، أو في فهم النفس البشرية وحقوقها وحاجاتها، إلا بتحطيم الاساس الذي اتكات عليه في استلابها لهذه المواقع من الدين. لابد للعلوم الاسلامية من ان تهزم العلمانية في مجال العلوم الكونية. صحيح ربما اضطرت الانسانية تحت وطاة التفسخ والفوضي التي يمكن ان تقودها اليه العلمانية في مجال الدولة والمجتمع والحياة الفردية، ربما اضطرت لاعادة النظر فيما افضت اليه العلوم العلمانية، ولكن التحول الحقيقي والثورة العلمية الحقيقية، ستكون عندما نكشف نحن المسلمين من مصادر العلوم العلمانية وتزيد عليها المصدر الديني، فتكون علوما كونية اصح من العلوم الكونية السائدة الان. وقتها سيشهد العالم كله ثورة فكرية حقيقية لن تقف اثارها عند السودان او عند اي دولة او اقليم
نحو تأصيل العلوم
نحن نقول ان هنالك مصدرا للمعرفة أغفله العلماء والمجتمعات العلمانية لقرون، ونشات في اطار هذه الغفلة علوم وسادت وهيمنت. ولكن هذا لاينفي احتمال الوصول الي نظريات من منطلق الاصول التي استنخدمت حتي الان، مع اضافة الاصل الذي اغفل. فالوحي ليس متناقضا للكون: هذا كلام الله وذاك خلق الله، والنص قطعيا كان او ظنيا ليس بالضرورة معارضا او مناقضا لحقيقة توصل لها العلماء بالتجربة او بالنظر. وتوسيع المصادر يحتمل ان ياتي بنظريات اعمق واشمل ان لم نقل حتماً سياتي بذلك .
لكننا- في السودان علي الاقل- كنا قد تشربنا بالمفاهيم والمناهج العلمانية، وغصنا في مصادر المعرفة العلمانية والمناهج العلمانية، حتي صعب علينا ان نري انفسنا خارجها فضلا عن أن ندقم بديلا لها. ولذلك فليس غريباً ان نتدرج في خطواتنا وصولا لاهدافنا ومبتغانا. فيسظل بعض منا يستصحب بعض الالفاظ والمفاهيم، بل بعض الافكار ذات الجذورالعلمانية، قبل ان نخلص الي علوم اسلامة خالصة. ولكنه تدرج في اطار النظرة الكلية الأصلية، بل لابد من الايمان بالفكرة كاملة والتسليم لمقتضاياتها تماما، والنية الصادقة لتحقيقها ما استطعنا الي ذلك سبيلا. وفي اطار الاستطاعة هذه ياتي التدرج المقبول، وهذا هو التدرج المقبول في كل وجه من وجوه التطبيق الاسلامي.فلا شك انه من المطلوب الايمان بلا اله الا الله ومحمد رسول الله، والتسليم بمقتضي هذه الشهادة وبأن تؤخذ بحقها، والنية الصادقة في التزام الاسلام في كل مناحي الحياة، ولكن للاستطاعة حدود ولا يكلف الله نفسا الا مااتاها .
ماذا نفعل؟
دعونا الان نسال ماذا يفعل العلماء؟وكيف يبنون علومهم؟ السؤال هنا والاجابة ايضا في نوع من الاستصحاب الذي ذكرناه انفا. والجواب قد يطول ولكن نقول ان جزءا من الاجابة هي يسعي العلماء لوصف الاشياء بتحديد صفاتها وعلاقاتها سعيا وراء معرفة بالكون تمكنهم من تسخيره او مصحابته. وان هذا الوصف يكون إما يجمل مفردة أو بقواعد عامة تعبر عن القوانين الطبيعية. وان مجمل هذه القضايا المفردة او القواعد والنظريات تشكل وجهة نظر عن الكون كيف كان وكيف هو وكيف يعمل والي اي مصير يؤول، وماهي القوي الفاعلة فيه. والف ومائة قضية تشكل في مجمل اجاباتها الرؤية الكونية للجماعة العلمية.
الرؤية الإسلامية للكون
اذا سؤالنا الهام الان هو هل هنالك رؤية أسلامية للكون؟ وهل ستختلف عما وصل إليه العلماء الذين طرحوا الاسئلة وتوصلوا للقوانين والنظريات التي أدت الي الرؤية الكونية العلمانية؟ ومن البداهة ان نقول نعم هنك رؤية اسلامة للكون، كيف لا وبالقران العظيم ايات تتحدث عن السموات والارض والجبال والانعام والانسان؟ كيف وايات القران تقص علينا قصص الجماعات والامم والافراد؟ كيف لا والقرن يحدثنا عن النفس البشرية في حركتها وخطواتها؟ ولابد انها تختلف عن الرؤية العلمانية علي الاقل بالزيادة زيادة المعلومات التي اتت وحيا، اضافة للمعلومات التي تحصلت عليها حواس المسلم او الغيبيات التي ادركها قلبه. ولكن كيف لنا ان نتحصل هذه المعلومات ان لم نعرف كيف تستعمل الالفاظ في القران الكريم، فنقف عند المفاهيم القرانية للالفاظ؟ وكيف سنصل الي الحقائق الكونية التي يخبرنا بها القران ان لم نعرف المعني المقصود بالقضية القرانية خاصة ان كانت مركبة؟ ان استخراج المعلومات من الكتاب الكريم يحتاج الي ادوات تناسبه تماما كما يحتاج استخراج المعلومات من الكون لادوات تناسبه. ولابد لادوات استخراج معلومات القران من زيادة في الدقة والفاعلية، كما هو الحال مع ادوات استخراج معلومات الكون التي تطورت بشكل مذهل في اطار الفكر العلماني.
أهمية التعريب
لم يكن الاهتمام بالتعريب اذا قضية ثانوية يجادل فيها صاحب مهنة او فن بهواه، وانما هي قضية مرتبطة بمصدر من مصادر المعرفة، بل بالمصدر الاول للمعرفة .ولعل تسمية المؤمنين بانهم ( اهل الكتاب) تذكير لهم بان مصدر المعرفة الاول في نسقهم الفكري هو الكتاب كلام الله قبل خلق الله. فالدراسة بالعربية والبحث العلمي باللغة العربية يؤديان الي احياء هذه اللغة. وفي احيائها وتجديدها استعادة لآلة فهم لقرن، والحصول علي كنوزه العلمية. نريد ان نري الكون كما يصفه القران الكريم لان الرؤية الكونية القرانية هي اساس لبناء العلوم الاسلامية. وهي كذلك اطار وخريطة موجهة لبناء العلوم الاسلامية. نريد لاستاذ علوم الارض وهو يقرا (انا عرضنا الامانة علي السموات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها..) فيجد ان الآيات تتحدث عن الارض وعن الجبال، فيقف ليسال نفسه الاتعتبر الجبال جزء من الارض؟ فلماذا تذكر الارض والجبال وكان الجبال شي اخر سوي الارض؟ الم تري ان ذلك عطف بيان؟ ونريده ان يقدم اجابة لغيره من القراء الذين ليس لهم باع في علوم الارض. نريد ان نلم بالمعاني المقصودة لالفاظ مفتاحية في القران، فننقذها من استعمالات لم تراع استعمال القران فخلطت وشوشت. انظر كيف يستعمل الناس الفاظا مثل (تنزيل) و(تفسير) و(تاويل)، فيتحدثون عن تنزيليهم لمفاهيم علي واقعهم بينما نجد ان استعمال القران للكلمة تعني ان التنزيل ليس في قدرة الانسان ،وان الذي انزل هو الصورة المقيدة وليست الصورة ذات الطلاقة. ويتحدثون عن التفسير والتاويل وكانهما شرح لالفاظ بالفاظ اخري او صرف للفظ من معني لاخر، علي حين ان القران يستعمل اللفظين لوصف احداث ذات زمان ومكان. علي اي حال نريد ان ننبه الي ان التعريب الذي تبنته جامعاتنا، وصبر عليه رغم المعانة الاساتذة السودانيون الاجلاء لم يدخل في التعليم العالي عبثا، وإنما لاننا نريد ان ندخل المصدر الاول للمعرفة في اسسنا العلمية. نريد ان يكون الوحي- قرانا وسنة اول مصادر المعرفة عندنا ولكل المجالات العلمية .
ولكن التعريب بمستواه الحالي لايعدو ان يكون مدخلا الي مرحلة اخري فالدراسات اللغوية المعاصرة واللغات الرمزية المنطقية والرياضية التي تطورت واصبحت ادوات البحث العلمي لابد من ربطها باللغة العربية. فان المرحلة لاولي المتمثة في استخراج الرؤية القرانية للكون بفهم ماجاء عنه في القران الذي جاء بلسان عربي مبين، لابد ان تلحقها مرحلة اخري تستغل فيها اللغات الفنية والادوات الرياضية والمنطقية في استخراج معلومات مكنوزه في القران الكريم. وقياسا علي الكون المخلوق ومكوناته الظاهرة من كواكب وارض بها انهار واشجار وانسان وما وصل اليه العلماء من وصف ومعادلات رياضية ورسومات بيانية (هي ماتحفل به كتبهم)، لنا ان نتوقع ان كلام الله العلمي الذي انزله بلسان عربي مبين، يمكن ان تستخرج منه اوصافا ومعادلات وروسومات، تنسج مع تلك التي استخرجت بالنظر للكون المخلوق، في رؤية واحدة هي الرؤية الاسلامية للكون وتفاصيلها هي العلوم الاسلامية. فان كل الكون هو مجموع هذه الاشياء الحسية والمغيبة ولكن العلوم الكونية استطاعت ان تعبر عن صفات هذه الاشياء وعلاقاتها بلغات رمزية وان تتعامل معها بنماذج اصطناعية ولغوية، فتصل الي نظريات حول الحسي والغائب، فلنا ان نامل في معرفة علوم القران وماظهر منها باللسان العربي المبين ومابطن منها واحتاج الي النظر والي اداة حادة تغوص في المفاهيم وتلمح الاشارات واللطائف وتخرج باللؤلؤ المكنون
وبما ان الرؤية الاسلامية والعلوم الاسلامية لاتاتي الا لمن جمع بين فهم القران والسنة، ومعرفة العلوم المعاصرة في مجال متخصص تفتح له مجالات التجربة. ولما كانت هناك مباعدة بين معظم الاساتذة السودانيين واللغة العربية والقران الكريم والسنة المطهرة وعلومها، فان اولي الخطوات العلمية هي ان نقارب بين علمائنا الاجلاء وهذه العلوم، وان نفتح لهم ما اغلق امامهم من ابواب مجالات التطبيق. ولذلك يجب أن تننى مكتبة متواضعة ولكنها تكون كافية لهذه المرحلة في كل قسم من اقسام كل كلية في كل جامعة من جامعاتنا او كلياتنا. مكتبة تحتوي علي امهات المصادر والمراجع والمعاجم في اللغة والتفسير وعلوم القران والحديث املين بذلك ان نعين العلماء الاجلاء علي متابعة افكارهم التي تخطر لهم نتجية التفكر في خلق السموات والارض وفي الحياة الدنيا والاخرة. كما نامل ان يمكن في مرحلة لاحقة من تزويد هذه المكتبات بوسائط البحث الحديثة المسخرة لفهم القران والسنة والبحث فيهما .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.