يقول بعض من يوصفون بأنهم كانوا من خاصة الرجل الذين عرفوه، إنه رجل عنيد لن يتنازل بل سيقاوم حتى آخر قطرة من دمه. ونحن لا ندعي معرفة خاصة بالرجل، لكن الذى يبدو لنا من تصرفاته أنها لا تدل على صحة ما قال أولئك المدعون معرفة بصاحبهم. نعم إن الرجل طاغية ومستكبر ويبدو متحديا حين يتعلق الأمر بمواطني بلده ولا سيما العزل منهم. أليس هو الذى وصفهم بالجراثيم والجرذان والخونة والمعانين من حبوب الهلوسة التى قال إنه زودهم بها عملاء القاعدة؟ اليس هو الذى زعم بأنه سيطر أرض ليبيا منهم "شبر شبر دار دار بيت بيت زنقة زنقة" ؟ إن المرء ليعجب من هم الذين يتعاطون حبوب الهلوسة؟ أهم الذي نسمعهم يهتفون الله أكبر، ونراهم يمشون ويهرولون نحو أهدافهم، أم الذى ينفى وجود أي نوع من المظاهرات، ويتحدى جمعا من الصحفيين الواقفين أمامه بأن يجوبوا أنحاء البلاد ليتأكدوا من صحة ما قال، وليعلموا أن كل ما ما تتناقله وسائل الإعلام في الدنيا إنما هو كذب مئة بالمئة؛ وهذا يشمل ما تقوله عن ثروته لأن الرجل في الحقيقة مسكين لا يملك دينارا واحدا ولا يملك من حطام الدنيا إلا خيمة؟ ذلك جانب الطغيان والهلوسة والجنون في الرجل. لكن الرجل له جانب آخر هو جانب الخسة والهوان والجبن حين يكون الأمر متعلقا بالغرب الذي يعلم أنه يملك القوة على تهديده وإزالته. إنه حينئذ يتكلم بكل وعي واستجداء وهوان؛ يعدد للغربيين ما يعلم أنهم يخشونه ولا يريدون له أن يحدث في بلد مسلم. يقول لهم آسفا إنه مستغرب من وقوفهم مع معارضيه، ويقول مخوفا لهم ومستجديا إنه ليس من مصلحتهم أن يعادوه أو أن يقفوا مع أولئك المعارضين لأن هدفهم هو أن يقيموا إمارات إسلامية، وأن يعودوا بالبلاد إلى الوراء، إلى عهد الجبايات واللحى الحمراء، وأنهم سيفتحون الأبواب لعملاء القاعدة ليدخلوا البلاد، وأنه هو الذى يحمى أوربا الآن من الإرهاب ومن خطر المتشددين الإسلاميين، ومن خطر الهجرة العربية إليهم، وأنه إن ذهب فإن المتشددين الإسلاميين سيتدفقون على أوربا ويسببون له المشكلات. هذا الاستخذاء للغرب ليس غريبا على الرجل فهو غرم لهم تعويضا على جريمة لوكربي ما يقال إنه كان أكبر تعويض دفع في تاريخ البشرية. الرجل لن يقاتل إذن حتى آخر قطرة من دمه، بل لن يضحي بقطرة من دمه، بل سيكون مستعدا لأن يفدي نفسه بكل ما يملك. لذلك أرى أنه من مصلحة إخواننا في ليبيا أن لا يسدوا عليه كل المخارج فيضطروه لأن يعمل عمل اليائس، بل يحسن أن يعطوه فرصة للخروج من مأزقه (أو زنقته) بأن يمنحوه بعض المال وأن يعدوه بأن الحكومة القادمة لن تلاحقه. (أقول الحكومة ولا أقول كل أحد). هذا هو الأمر الذي تقتضيه السياسة الشرعية المبنية على ارتكاب أخف الضررين وعلى زيادة الخير وتقليل الشر. لماذا يقتل عشرات الناس من أجل معاقبة فرد واحد طاغية خسيس؟ لماذا لا نعامله معاملة الذين قال الله تعالى فيهم: } إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) { المائدة الآية 33) ثم فتح لهم باب الرجوع الذى تحقن به الدماء، فقال سبحانه: } إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ { (المائدة:34)