تنفَّس السودان الصعداء بعد إعلان الثوار في ليبيا سيطرتهم على كافة المدن والمعاقل الرئيسة التي كانت قوات «القذافي» تسيطر عليها، حيث سارعت الخرطوم بالاعتراف مبكراً بالحكومة التي سيشكلها المجلس الانتقالي في ليبيا. ويأتي ترحيب الخرطوم بانهيار نظام العقيد «القذافي» باعتباره الداعم الرئيس لحركات التمرد في دارفور خلال الأعوام الثمانية الماضية، خاصة وأن كافة الحركات الدارفورية المتمردة تلقت الدعم العسكري والمادي من «القذافي»، ورغم علمها بذلك التزمت حكومة الخرطوم الصمت حفاظاً على عدم توتر العلاقات بين طرابلسوالخرطوم. وقد أجمع ولاة دارفور على الآثار الإيجابية التي يمكن أن يُحدثها انهيار النظام الليبي على الأوضاع الأمنية في دارفور، لكنهم أبدوا تخوّفهم من الآثار السلبية التي يمكن أن تحدث في الإقليم نتيجة لذلك الانهيار. أخطار فرضها الواقع والي شمال دارفور «عثمان محمد يوسف كبر» قال: إن انهيار نظام «القذافي» صنع مهددات لكل الأوضاع السياسية والأمنية والاجتماعية ليس فقط في دارفور وإنما بأجزاء كبيرة من السودان. لكنه أكد أن انهيار نظام «القذافي» أفضل لقضية دارفور من «اتفاق أبوجا» الذي تم التوقيع عليه في مايو 2006م، ومن «وثيقة الدوحة» نفسها التي تم التوقيع عليها في منتصف يوليو الماضي؛ لأن نظام «القذافي» يعتبر الداعم الرئيس لحركات دارفور، مشيراً إلى أن النظام الليبي إذا كان موجوداً وذا فعالية لما ترك الدوحة أن تستمر ما لم يكن له عليها اليد الطولى. وقال يوسف: إن تحسُّن العلاقة مع تشاد وانهيار نظام «القذافي» يجبران الحركات المسلحة الهجرة إلى جنوب السودان، رغم أن بيئة جنوب السودان الطبيعية لا تتوافق مع هذه الحركات، مشيراً إلى أن انهيار نظام «القذافي» أدى إلى هروب مجموعات المرتزقة وحركات دارفور نفسها من ليبيا وانتشارها في الأراضي السودانية، وهو ما يتطلب تكاتف الجهود والأدوار لمواجهة هذه الأخطار. وقال والي غرب دارفور الشرتاي جعفر عبدالحكم: إن «القذافي» كان يدعم الحركات المسلحة في دارفور، وقد اعترف بأنه كان يدعم الحركة الشعبية ويدعم حركات دارفور باعتبارها امتداداً لثورته قائلاً: إنه يدعم أي ثورة في العالم.. وأضاف والي غرب دارفور أن حكومة الخرطوم تعاملت مع «القذافي» رغم علمها بما يقدمه من دعم للحركات المسلحة؛ نزولاً على سياسة الأمر الواقع، مع عدم الرغبة في التحدث عن ضلوعه في التمرد في دارفور باعتبار أن ليبيا دولة جارة للسودان. وشدد الشرتاي على أن ما تقوم به القوات المشتركة في الحدود بين السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى سيقطع الطريق أمام تحركات الحركات المسلحة، مشيراً إلى أن اجتماع «كاودا» هو محاولة لاختراق كردفان ودارفور لانهيار السلام، خاصة وأن الموقعين على الاتفاق في «كاودا» أعلنوا أنهم ضد «وثيقة الدوحة»، ويريدون أن تتوتر الأوضاع في كردفان والنيل الأزرق ودارفور. اجتماع «الفاشر» تلك المهددات التي أفرزها انهيار نظام «القذافي» دفع ولاة شمال وغرب وجنوب دارفور وشمال وجنوب كردفان إلى عقد اجتماع تنسيقي أمني، استباقاً لما قد يفرزه انهيار النظام الليبي على هذه المناطق التي تتداخل فيما بينها، وهي أولى المناطق التي ستتأثر سلباً وإيجاباً بما يحدث في ليبيا، وكان الاجتماع أصدر عدداً من التوصيات الرامية لتعزيز التنسيق بين الولايات الخمس في الجوانب الأمنية والتشريعية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية، علاوة على سلام دارفور عبر «وثيقة الدوحة». وأكدت التوصيات ضرورة تأكيد سلطان الدولة وسيادة حكم القانون وإحكام التنسيق الإداري والأهلي والاجتماعي والأمني، وترسيخ الموروثات الحميدة التي تحكم علاقات مكونات المجتمع، والعمل لتفعيل دور الإدارة الأهلية لتوطيد التعايش السلمي وتقوية الصلات وتمتين النسيج الاجتماعي، كما أوصى الملتقى بضرورة الاهتمام بقضايا الزراعة والرعي بالاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية، وتمكين وتعزيز آليات التنفيذ والمتابعة. وفي المحور الأمني، أوصى اجتماع «الفاشر» التنسيقي بأخذ تهديدات العناصر الموقعة على «وثيقة كاودا» مأخذ الجد، مع ضرورة اتخاذ كافة ما يلزم لفرض هيبة الدولة وسلطة القانون تجاه الخارجين على شرعيتها، وتزويد الأجهزة العسكرية والأمنية بكل ما يلزم حتى تتمكن من أداء دورها على الوجه الأكمل، بجانب التوصية بعقد اجتماعات دورية وطارئة مشتركة للجان أمن الولايات. أما في المحور التشريعي، فقد تضمنت توصيات الاجتماع أهمية صياغة بعض مقررات وتوصيات المؤتمرات في شكل تشريعات وأوامر محلية لها قوة القانون، لضمان التنفيذ، وإجراء تغييرات في الأطر التشريعية والقانونية والقضائية والسياسية التي تحكم إدارة الأرض وأنواع الموارد، وإصدار تشريعات لإنشاء محاكم مشتركة للنظر في القضايا الحدودية.