الثورات التي انطلقت في المنطقة العربية أو ما بات يعرف ب"الربيع العربي"، أصبحت تثير الكثير من الأسئلة، عن وجود دور خارجي، خاصة من قبل إسرائيل، وهو الاحتمال الذي بدأ الكثير من المحللين في ترجيحه مؤخراً، غير أن هناك ما يرى أن إسرائيل هي الدولة الأولى التي ليس لها مآرب ودوافع في تغيير هذه الأنظمة بل على العكس العمل على استقرارها، على اعتبارها أن بعضها له علاقات متينة ومصالح متبادلة معها. المنتدى السياسي الذي ينظمه مركز الراصد للدراسات السياسية والإستراتيجية، أفرد حلقة لمناقشة الأمر، الاثنين المنصرم، تحت عنوان "الحراك الشعبي العربي وإسرائيل"، تحدث فيه عدد من الخبراء والمختصين في الشأن. وابتدر أستاذ العلوم السياسية والمحلل السياسي، الدكتور الفاتح عثمان محجوب، الحديث موضحاً أن الحراك العربي الأخير فيما يختص بالثورات لم يراع الدول الفقيرة أو الغنية وإنما جاء بسبب وجود أزمة حقيقية في هذه الأنظمة، مشيرا إلى أن هناك دولاً تعاملت مع هذه الثورات بتقديم حزم من المنافع للشعوب بينما تعامل بعضها الآخر بالقمع والحسم للثورات، ورأي أن إسرائيل تخشى من قيام نظم ديمقراطية في هذه البلدان، وقال إن إسرائيل تخشى من تكوين دول ديمقراطية ليبرالية تعمل على سحب البساط منها بمطالبتها بإقامة دولة ديمقراطية ليبرالية في فلسطين وبهذا تكون قد انتهت الصهيونية التي تريدها إسرائيل. ولفت محجوب إلى أن انهيار الاتحاد السوفيتي حرم الجيوش العربية من امتلاك السلاح الموازي لترسانة الأسلحة الإسرائيلية وأن الدول العربية حتى لو تغيرت حكوماتها لن تدخل في حرب مع إسرائيل بسبب عدم وجود السلاح الكافي لدي العرب. وأشارت المحللة السياسية الأستاذة إجلال عبد اللطيف، إلى مدى التشابه الكبير بين المناخات السياسية والاجتماعية في هذه الدول التي تشهد الثورات العربية من جهة سيطرة أنظمة مستبدة تحكم بقلة قليلة وانتشار الفساد وإهانة روح الشعوب والكرامة العربية وأشارت إلى أن هذه العوامل كان لها دور كبير في انطلاقة الثورات العربية وبالنسبة إلى إجلال فأن هذه الثورات ليست طبقية بغض النظر عن الفئة الصغيرة التي أطلقت شرارتها وقالت إن هذه الثورات لا توجد لها قيادات سياسية بالرغم من وجود شعارات تأخذ أبعاداً إنسانية، وجميعها كانت تهدف إلى إسقاط أنظمة الحكم وإجراء إصلاحات في الدول وسيادة القانون ومحاصرة ومحاربة الفساد، موضحة مساندة الإعلام المحلي لهذه الثورات في بعض الدول مثل (تونس ومصر)، وكذلك الإعلام العالمي بصورة كلية، وقالت الأستاذة إجلال خلال حديثها أن إسرائيل اهتمت بالثورات في البلدان العربية، فبدأت برصدها منذ الثورة في تونس، وأجرت أجهزة الأمن الإسرائيلية الكثير من المشاورات وتابعت تطورات الثورة والتظاهرات من خلال الاتصال بقادة اليهود التونسيين وأكدت إن إسرائيل كانت تخشى من نجاح الثورة في تونس خوفاً من أن ينتقل النموذج الثوري التونسي إلى بقية الدول العربية كما حصل وكذلك أن يأتي نظام معادي لإسرائيل مما ينعكس سلباً على الدول اليهودية في المنطقة. كما اهتمت إسرائيل كثيراً بالثورة المصرية خصوصاً في ظل العلاقة الكبيرة بين النظام المصري السابق وإسرائيل وكذلك وجود اتفاقية (كامب ديفيد) الموقعة بين الطرفين وحاجة إسرائيل الكبيرة للغاز الذي يأتي إليها من مصر وأشارت الأستاذة إجلال إلى أن تغيير نظام حسني مبارك كانت تخشى إسرائيل أن ينحرف بمسار القضية الفلسطينية بشكل كبير فقد كان النظام المصري داعماً لعملية السلام والمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية وأبانت أن مصر كانت أداة ضغط كبيرة على القيادة الفلسطينية في عملية المفاوضات ولهذا إذا تغيرت القيادة المصرية وجاءت أخرى ممثلة لإرادة الشعب المصري الداعم للقضية الفلسطينية، فإن ذلك سيفقد إسرائيل الدعم المصري الذي تجده في السابق.وعزت اهتمام إسرائيل بالثورة في سوريا إلي وجود حدود مشتركة خاصة في هضبة الجولان بجانب تأثير الوضع السياسي والأمني على إسرائيل في حالة اختلال الأمن في سوريا. ولفتت إلى أن إسرائيل لها اهتمام أيضاً بالثورة اليمنية لأن استقرار اليمن يمثل الاستقرار في شبه الجزيرة العربية وهذا ناتج عن موقع اليمن الاستراتيجي المتحكم في باب المندب فضلاً عن الحديث الذي يدور حول وجود لتنظيم (القاعدة) في المنطقة. كما أشارت إلى الاهتمام الإسرائيلي بالثورة في ليبيا من خلال الرصد وجمع المعلومات وتحليلها. وتحدث في المنتدى المحلل السياسي محمد الحسن عبد الرحمن معتبراً أن الثورات العربية حدث استراتيجي مهم سيكون له التأثير الكبير في تشكيل مستقبل المنطقة العربية وكذلك في صياغة العلاقة بين الدول التي حولها وشعوبها، وأشار عبد الرحمن، إلي إن إسرائيل أحد المتأثرين بهذه التطورات ولهذا انشغلت الدوائر الأمنية والسياسية والاقتصادية فيها بالثورات بمتابعات ودراسات لتحليل النتائج المحتملة وأوضح أن إسرائيل تريد الإبقاء على المشروع الصهيوني على أساس أن بقاءها يتطلب ضعف ما حولها من الدول العربية، موضحاً أن المشروع الصهيوني قائم على أساس استمرار الاختلال الهائل في موازين القوى مع الفلسطينيين والأنظمة العربية الأخرى مبيناً أن ما يحدث في الدول العربية الآن من ثورات يؤثر على إسرائيل. ورأي عبد الرحمن أن الثورات العربية انطلقت بصورة تلقائية سلمية مشيراً إلى اختلافها من بلد لأخرى، حسب الخصائص والاحتمالات لافتاً إلى اهتمام إسرائيل بهذه الثورات كل على حدا، ففي تونس اهتمت إسرائيل بهذه الثورة منذ البداية للارتباط الكبير بين النظام السابق في تونس بتل أبيب في شكل علاقة سرية وتطرق أيضاً في حديثه إلى أن إسرائيل اهتمت كثيراً بالثورة في مصر منذ نشوبها وحتى اليوم لعدة أسباب منها دور مصر الإقليمي والعربي وقوتها الذاتية بوصفها دولة كبيرة ومتماسكة وأشار إلى أن مستقبل اتفاقية السلام وطبيعة العلاقة الثانية بين مصر وإسرائيل في عهد النظام السابق جعلت إسرائيل تهتم بالثورة المصرية ومستقبل هذا الحراك السياسي الجديد. وأشار إلى أن الثورة الليبية وجدت الاهتمام البالغ من إسرائيل باعتبار أن معمر القذافي شخصية غير منضبطة ومهووسة بحب السيطرة والسلطة، وأوضح أن رد الفعل لسقوط القذافي جاء على لسان رئيس الوزراء شيمعون بيريز الذي أعرب عن سعادته بسقوط القذافي بالرغم من خدمته لإسرائيل. وأرجع اهتمام تل أبيب بالثورة في سوريا لأن سوريا دولة مجاورة لإسرائيل. وفي ختام حديثه طالب محمد الحسن بالسعي لحماية الثورات العربية من الثورات المضادة والانزلاق لإسرائيل كما طالب بالتوازن في تحقيق الأهداف الداخلية والخارجية لتلك الثورات بما يحقق للدول العربية سيادتها الوطنية ومكانتها بين الدول.مشيراً إلى أهمية تقديم القضية الفلسطينية باعتبارها أحد مطالب الشعوب العربية.