إن الكثير منا لا يفرق بين ما يسمى ب(الولاء لغير المسلم) الممنوع، وبين ما يعرف ب(إحسان المعاملة لهم) الجائز والمشروع بل المحبوب. ولا شك أن الولاء لغير المسلم الممنوع وإحسان المعاملة لهم المستحب المشروع هما بابان مختلفان تماماً، وإنما نحن الذين نخلط بينهما هذا الخلط ويبدو أن هذا الخلط بينها ناشئ هو الآخر عن خلط آخر بسبب عدم المقدرة على التفريق بين (الحُب الطبعي العادي) المعروف وبين (المحبة في الدين) والتي بمعنى الموالاة المنهي عنها شرعاً. فموالاة غير المسلمين التي نهى عنها الإسلام هي محبتهم في دينهم ونصرتهم في دينهم، أما أن نحبهم حباً طبيعياً كحب المسلم لزوجته الكتابية، فهذا لا علاقة له بتلك الموالاة الممنوعة ولا بذلك الحب الممنوع؛ لأنه لا يعقل أن يقال لشخص مسلم لك أن تتزوج الكتابية مسيحية كانت أم يهودية ولكن عليك أن تكرهها في الله! فمن المستحيل أن يقع هذا لذلك نحن نرى أنه لابد من التفريق ما بين الحب الطبيعي العادي أو المعاملة الحسنة الموجهة لغير المسلم على أي مستوى كان دولاً أو جماعات أو أفراد وما بين أن نحبه في دينه ونواليه على ذلك، ولا سيما أن القرآن الكريم يقول: (لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) ومعلوم أن البر هو درجة عالية من الإحسان والمعروف في المعاملة. وحتى لو اجتهد الإنسان في موالاة غير المسلمين ونصرتهم في دينهم ولكن أراد بذلك (مصلحة دنيوية) فإن ذلك مع فداحة حرمته وخطئه لا يخرجه عن الدين ولكن يكون به عاصياً، لأن النية لم تكن محبة خالصة في الدين ولا بقصد النصرة وإنما كان الأمر لمصلحة دنيوية فإنه لم ير أن دينهم أولى من الإسلام ولا أعدل منه ولم يواليهم فيه لذاته، وذلك بدليل قصة حاطب ابن أبي بلتعة - رضي الله عنه - الذي كتب لقريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قادم إليكم بما لا قبل لكم به، ولما عرض ذلك على حاطب بيَّن حاطب رده قائلاً: (أنه ما من أحدٍ من الصحابة في مكة إلا وله في مكة من يدافع عنه إلا هو يخشى على أهله وماله فعذره رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ومنع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كان يريد محاكمته عندما قال: (دعني أضرب عنق هذا المنافق) فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أو ما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم). وقد شهد النبي صلى الله عليه وسلم لحاطب بالجنة ومع ذلك صدرت منه تلك المظاهرة التي كانت باجتهاد منه وتأويل ودون إرادة لنصرة أو موالاة غير المسلم. (1) ولو أن قبيلتين اقتتلتا على أرض وإحداهما مسلمة والأخرى كافرة فساعدت أنت القبيلة الكافرة ضد المسلمة والحرب بينهما ليست على أساس الدين وإنما هي على أساس أرض مثلاً فلا تكفر بذلك لأن هذا ليس حرباً في الدين، ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى قيّد الآيتين اللتين تتحدثان عن ذلك بقوله (في الدين) فقال تعالى: (لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلونكم "في الدين" ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرُّوهم وتقسطوا إليهم إن الله يُحب المقسطين)، وقال في الثانية: (إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين). ومثل ذلك قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض، والذين آمنوا و لم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين...)