اختتمت في العاصمة القطرية مساء الأربعاء 30 مايو 2007 فعاليات منتدى الدوحة السابع للديمقراطية والتنمية والتجارة الحرة التي استمرت ثلاثة أيام، ناقش فيها أكثر من 600 مشارك عدة ملفات تركزت على القضايا السياسية والاقتصادية. وكان من أهم ما انفض عنه مؤتمر الدوحة إعلان ولادة مؤسسة للديمقراطية العربية يؤمل منها أن تساعد في تطبيق ولو بعض من التوصيات الكثيرة التي رفعت خلال الأيام الثلاثة, توصيات يخشى كثيرون ألا تجد -على أهميتها- طريقها إلى التنفيذ لغياب آليات متابعة واضحة. توصيات المؤتمر ورفع المؤتمر في ختام جلساته توصيات دعا أهمها الحكومات العربية إلى تعميق الديمقراطية والمشاركة الشعبية في الشأن العام، وفتح المجال أمام مؤسسات المجتمع المدني. مؤسسات المجتمع المدني ذاتها لم تنج من نقد بعض المشاركين الذين اتهموها بتكريس ممارسات السلطة التي ترفع شعار مقاومتها, من تسلط وقمع للنقاش الديمقراطي. ودعا الملتقى إلى إرساء نظام عدالة وحكم رشيد ومعالجة آثار انتهاكات حقوق الإنسان, وإقرار آليات لإرساء الشفافية ومحاربة الفساد, وإقرار حق المنظمات غير الحكومية في مراقبة العملية الانتخابية, وكذا الرقي بالتشريعات الخاصة بالإعلام بما فيها رفع القيود على إصدار الصحف. كما حث على عقد حوارات محلية وإقليمية حول الديمقراطية وحقوق الإنسان. ودعت توصيات أخرى الحكومات إلى الموازنة في توزيع الموارد بين الأقاليم والتركيبات السكانية، وهي إشارة ضمنية إلى دول مثل العراق والسودان. غير أنه ككثير من اللقاءات السياسية التي عرفتها الدوحة، طغت أزمة التمثيل على منتدى الدوحة حول الديمقراطية والإصلاح أيضا: إما بغياب دول معينة عن بعض الورشات, أو بحضور دول أخرى بشكل طاغ جعلها ممثليها يحتكرون النقاشات الدائرة. وفيما بعض مناقشات المؤتمر الديمقراطية والثورات الشيخة موزة بنت ناصر المسند ذكرت أن الديمقراطية والإصلاح لا يتحققان بالضرورة عبر الثورات, والديمقراطية حسب المفكر المغربي محمد عابد الجابري تحتاج إلى أن تعالج حالة بحالة. فما ينطبق على مصر التي تعيش نشاطا سياسيا منذ مائتي عام -كما يقول الجابري- لا ينطبق على قطر, أو على الجزائر التي عرفت استعمارا دام 132 سنة فانعكس العنف الذي تميز به في ممارسة العملية الديمقراطية. الجابري دعا أيضا إلى ملاءمة الممارسة الديمقراطية العربية مع ظروفها ومع مطالب الدول الكبرى التي تطالب بإرسائها. وفي مداخلته حول "أثر سياسات الدول الكبرى" دعا رئيس جمهورية جنوب أفريقيا السابق فريدريك دي كليريك إلى ضرورة احترام الحقوق الأساسية للشعوب ودفع الزعامات إلى إحداث التغيير, لافتا الانتباه إلى أن نحو مليارين من أصل ستة مليارات شخص بالعالم يعانون من كبت في حرية التعبير. بدوره استعرض رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر خالد العطية أبرز ما حققته منظمات المجتمع المدني خاصة منظمات حقوق الإنسان من مكاسب على رأسها إبراز الانتهاكات التي كانت مغيبة بالماضي, وحدوث مراجعات لدى العديد من دول العالم بشأن ملف الحقوق بالإضافة إلى أن الخطاب الرسمي اضطر لاستخدام نفس مفردات حقوق الإنسان. وحول ظاهرة الاتجار بالبشر وأثرها على المجتمعات الإنسانية, تطرقت المنسق الوطني للمكتب الوطني لمكافحة الاتجار بالبشر مريم المالكي إلى الأسباب المؤدية لها منها التدهور الاقتصادي والفقر وضعف البنية التحتية وانتشار البطالة وظهور عولمة سوق العمل والرغبة في الهجرة لدى معظم الضحايا. تدخل دولي ثم انتقل المشاركون إلى مناقشة ما إذا كان إرساء الديمقراطية بالمنطقة يحتاج إلى تدخل دولي, حيث انتقد عميد كلية إليوت للشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن مايكل براون "المعايير المزدوجة" التي تنتهجها واشنطن في التعامل مع ملف الديمقراطية قائلا إن فرضها للديمقراطية في العراق بالقوة تسبب في آثار اجتماعية وإنسانية جسيمة. وطالب براون المجموعة الدولية بتقديم المساعدة الفنية والخبرات للدول الشمولية بدلا من الضغط عليها من أجل تحقيق الديمقراطية, معتبرا ممارسات الإدارة الأميركية بمعتقل غوانتانامو مقوضة لصورتها في العالم. وفي الجلسة الختامية التي كرست لبحث محور "العرب والغرب والديمقراطية" طالب عضو مجلس اللوردات البريطاني هاو المنطقة إلى انتهاج التجربة الهندية بالديمقراطية باعتبارها دولة ذات كثافة سكانية ومتعددة العرقيات حيث تمكنت من تغيير حكوماتها المتعاقبة عبر صناديق الاقتراع. الإسلاميون والديمقراطية أما المستشارة بالخارجية الفنلندية ففتحت ملف الإسلاميين والديمقراطية, قائلة إن العديد من الحركات الإسلامية "المعتدلة" التي تنبذ العنف ترغب في أن تجد لها موقعا في مجتمعاتها. وأضافت كريستين ويستفالين أن أحداث سبتمبر/أيلول ركزت على الجوانب السلبية لدى الإسلاميين, كما أن الغرب وضع الحركات الإسلامية في أعقاب أزمة الرسوم الكاريكاتيرية في سلة واحدة. حارث سيلاجيتش: الناس يتحملون رداءة الوضع الاقتصادي لا الإهانة (الجزيرة نت) من جانبه أكد عضو الرئاسة بجمهورية البوسنة والهرسك حارث سيلاجيتش أن الديمقراطية حق طبيعي من حقوق الإنسان, مشددا على ضرورة أن تركز على احترام رأي الآخر. وأشار إلى أن الناس قد يتحملون الأوضاع الاقتصادية الصعبة غير أنهم لا يستطيعون تحمل الإهانة الدائمة وانتهاك حريتهم وكرامتهم. تعثر التجرية واختتم رئيس الوزراء الجزائري الأسبق مولود حمروش الأمسية بقوله إن تعثر التجربة الديمقراطية بالمنطقة العربية جاء نتيجة أنها وجدت في ظرف دولي تغير تغيرا جذريا وتغيرت فيه مناطق النفوذ, كما أنها جاءت في ظل غياب كامل للحريات الأساسية المتعارف عليها في الغرب وغياب الإعلام الحر والتنظيمات السياسية القوية. وأشار حمروش إلى أن تلك الأسباب أدت إلى ظهور ديمقراطية ذات أحزاب ليست حقيقية, كما أن كثيرا من المواطنين همشوا وأشعروا بأنهم خارج التطور الاجتماعي والاقتصادي. المصدر: الجزيرة (بتصرف)