عبد الله حمدوك.. متلازمة الفشل والعمالة ..!!    بريطانيا .. (سيدى بى سيدو)    كريستيانو يقود النصر لمواجهة الهلال في نهائي الكأس    المربخ يتعادل في أولى تجاربه الإعدادية بالاسماعيلية    شهود عيان يؤكدون عبور مئات السيارات للعاصمة أنجمينا قادمة من الكاميرون ومتجهة نحو غرب دارفور – فيديو    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    دورتموند يسقط باريس بهدف فولكروج.. ويؤجل الحسم لحديقة الأمراء    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    واشنطن: دول في المنطقة تحاول صب الزيت على النار في السودان    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    شاهد بالصور.. المودل والممثلة السودانية الحسناء هديل إسماعيل تشعل مواقع التواصل بإطلالة مثيرة بأزياء قوات العمل الخاص    شاهد بالصورة والفيديو.. نجم "التيك توك" السوداني وأحد مناصري قوات الدعم السريع نادر الهلباوي يخطف الأضواء بمقطع مثير مع حسناء "هندية" فائقة الجمال    شاهد بالفيديو.. الناشط السوداني الشهير "الشكري": (كنت بحب واحدة قريبتنا تشبه لوشي لمن كانت سمحة لكن شميتها وكرهتها بسبب هذا الموقف)    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    طبيب مصري يحسم الجدل ويكشف السبب الحقيقي لوفاة الرئيس المخلوع محمد مرسي    "الجنائية الدولية" و"العدل الدولية".. ما الفرق بين المحكمتين؟    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فلوران لم يخلق من فسيخ النهضة شربات    رئيس نادي المريخ : وقوفنا خلف القوات المسلحة وقائدها أمر طبيعي وواجب وطني    لأول مرة منذ 10 أعوام.. اجتماع لجنة التعاون الاقتصادي بين الإمارات وإيران    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    دولة إفريقية تصدر "أحدث عملة في العالم"    والي الخرطوم يدشن استئناف البنك الزراعي    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    الحراك الطلابي الأمريكي    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقالات: الإسلام في جنوب السودان

يمثل جنوب السودان تقريباً ثلث مساحة القطر السوداني ، عرف جنوب السودان الإسلام في القرن العاشر الهجري ، أي بعد قيام مملكة سنار عام 1504م ، ويؤكد المؤرخون أن جنوب السودان عرف الإسلام بصورة واسعة بعد الفتح التركي للسودان 1821م. وبعد قرون من انتشار الإسلام وتقلبات الأوضاع السياسية، يعيش المسلمون في جنوب السودان الآن واقعاً يتسم بجملة من السمات أولها الخوف والتوجس من المستقبل القادم ، كما أن الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي في البلاد يلقي بظلال كثيفة أيضاً على حياة المسلمين ، وتقف في وجه المسلمين في جنوب السودان جملة من التحديات .
الصورة: مسجد ملكال أقيم في 1943
الفصل الأول
الإسلام في جنوب السودان
1- تعريف بجنوب السودان : جغرافياً واجتماعياً واقتصادياً :
يمثل جنوب السودان تقريباً ثلث مساحة القطر السوداني ، ويقع بين خطي عرض ½ 12ْ شمالاً وخط 4ْ ش ، وتتكون بيئته الجغرافية من أرض مرتفعة من الجنوب والجنوب الشرقي ، وتتخلله أودية وأنهار أهمها بحر الجبل والنيل الأبيض ونهر السوباط ونهر أكوبوا وبحر العرب ، ونهر لول ونهر الجور وبحر الغزال ، وتغطيه المستنقعات في الوسط والشمال الشرقي .
وأهم مدنه هي مدينة جوبا التي كانت عاصمة الاقليم بعد اتفاقية أديس أبابا 1972م ، ومدينة واو ومدينة ملكال ، ومدينة رمبيك والرنك وراجا ، وتوريت ومريدي ويامبيو وبور والبيبور وأويل والناصر ، وبانتيو وربكونا وكبويتا .
وهو إقليم غني بالغابات الاستوائية والمراعي ، والبترول يعتبر من أهم منتجاته الآن .
مرّ جنوب السودان بمراحل مختلفة في تاريخه شكلت ملامحه الحديثة ، فالجنوب لم يكن يمثل وحدة سياسية أو إدارية قبل أوائل القرن التاسع عشر ، حيث بدأ اتصاله بالعالم الخارجي خاصة مرحلة التسابق الاستعماري على أفريقيا ( Scrambling for Africa ) ، وهناك رأي يقول ببداية اتصال جنوب السودان بالعالم الخارجي بعد سقوط مملكة سنار (1504 1821م ) إثر الغزو التركي للسودان بغرض اكتشاف منابع النيل ، خاصة رحلات القبطان سليم 1837 1839م ، ورحلات صموئيل بيكر 1869م ، ورحلات جيمس جيسي وريتشارد جري (R.Gray) وغيرهم من الرحالة الإنجليز والأوربيين .
2- السكان :
يمثل جنوب السودان بانوراما بشرية إذ تتنوع فيه القبائل والجماعات البشرية ، ففي أقصى الجنوب نجد :
- مجموعة الزاندي والتي تضم الزاندي والمورو والأفكايا وغيرهم .
- كما نجد مجموعة الباريا والتي تضم قبائل الباري والمنداري والكوكو والكاكوا والفجولو والمادي والأشولي وغيرهم (Bary Speakers) .
- كما نجد مجموعة التبوسا واللاتوكا واللانقا والديدنقا وغيرهم .
- الدينكا : ونتجه شمالاً لنجد قبائل الدينكا وهي تضم أثني عشر بطناً هم : (دينكا ملوال ، أقار ، بور ، نقوك في أبيي ، ريك ، توج ، كيج ... ) وغيرهم .
- النوير : وهي مجموعة أخرى من القبائل النيلية تأتي بعد الدينكا في التعداد السكاني ، وهي مجموعة بشرية معروفة في جنوب السودان ، وتنقسم بصفة عامة إلى مجموعتين شرقية وغربية ، أو الجيقي والجيكنج ، وتتكونان من خمس بطون هي : الجيقي وموطنهم في غرب النوير منطقة بانتيو وميوم واللير ، والقارجاك ومنطقتهم فنجاك واللو ومنطقتهم أكوبو وواط والجيكو والجيكنج ومنطقتهم الناصر وآولانق ومجموعة مايوت بشرق أعالي النيل على الحدود الحبشية .
- الشلك : يسكنون في منطقة تونجة جنوباً على ضفاف نهر لول وبحر الجبل والنيل الأبيض إلى ود اكونه شمالاً على الضفة الغربية للنيل والأبيض من نقديار جنوب شرق ملكال إلى فاديت شمال ملكال قرب ملوط ، وهي مجموعة معروفة من القبائل النيلية ، معهم الأنواك في مناطق فشلا وقمبيلا وأبناء عمومتهم الجور شول في بحر الغزال .
- مجموعة الفراتيت : وتضم قبائل الكريش والبلندا والفروقي في بحر الغزال في مناطق واو وراجا وديم زبير وخور شمام وغيرها .
- مجموعة الملكية : وهم جماعات مولدة من كافة القبائل السودان ويمثلون سكان المدن في الجنوب خاصة عقب الحرب العالمية الثانية وهم شريحة هامة من المسلمين في الجنوب .
الفصل الثاني
علاقة الجنوب بالإسلام
عرف جنوب السودان الإسلام في القرن العاشر الهجري ، أي بعد قيام مملكة سنار عام 1504م ، حيث شاركت بعض قبائل جنوب السودان المعروفة مثل قبيلتي الشلك والدينكا ، وتذكر الروايات أن أصل الفونج من الشلك ، وهي روايات ضعيفة ، وتقول الروايات الشعبية المتداولة في أصل الشلك أن الفونج كانوا على عداء مستحكم مع الشلك وتتنافس على أراضي النيل الأبيض وقد تراجع الفونج أمام الشلك حتى سكنوا ضفاف النيل الأزرق من سنار شمالاً إلى الكرمك جنوباً موطنهم الحالي .
ويؤكد المؤرخون أن جنوب السودان عرف الإسلام بصورة واسعة بعد الفتح التركي للسودان 1821م ، وقد انتشر الإسلام في جنوب السودان بواسطة الجنود الأتراك والمصريين والتجار المسلمين من العرب والأتراك والسودانيين ، وقد شهد العهد التركي في الجنوب نشأة المدن والمراكز الإدارية والتجارية الهامة وقيام المديرية الاستوائية ومديرية فشودة ، فكان الاتصال الكثيف بين أهالي جنوب السودان والجنود والإداريين الأتراك والمصريين ، فعمل بعض الأهالي في خدمة الإدارة التركية حماليين وتراجمة وجنوداً في مرحلة لاحقة من تاريخ الإدارة التركية ، وقد ساهمت المراكز الإدارية والمدن والمحطات التركية في نشر الإسلام ي جنوب السودان مثل فشودة والتوفيقية وبور ومنقلا وشامبي وغندكرو وغيرها من المحطات ، كما تؤكد وثائق الإدارة التركية في السودان عن المديرية الاستوائية التي كانت تضم كل الولايات الجنوبية الكبرى حالياً بمديرية فشودة ، وقد كان على رأسها راشد بك أيمن عندما قامت الثورة المهدية .
فيما يلي من سطور نفصل في إيجاز مراحل انتشار الإسلام في جنوب السودان والتي تتلخص في :
1- العهد السناري (مملكة الفونج ( 1504 1821م) .
2-العهد التركي ( 1821 1885م) .
3-الثورة المهدية ( 1885 1898م) .
4-الحكم الثنائي ( 1899 1956م) .
5-الحكم الوطني ( 1956 2004م) .
أ-فترة حكومة الاستقلال اسماعيل الأزهرى 1954 1958م .
ب-الفريق عبود ( 1958 1964م ) .
ج- الديمقراطية الثانية 1964 1969م .
د- ثورة مايو 1969 1985م .
ه- الديمقراطية الثالثة 1985 1989م .
و- ثورة الإنقاذ الوطني 1989 2004م .
الإسلام في الجنوب في عهد الثورة المهدية :
كانت سنوات الثورة المهدية مليئة بالنشاط والجهاد الخارجي وتوجهت أنظار الخليفة عبدالله التعايشي نحو مصر والحبشة مما تسبب في أوضاع داخلية نتج عنها مجاعة عام 1306ه الشهيرة ، شارك الجنوبيون في الثورة المهدية إلا أن الإسلام لم يتمدد جنوباً إلا في نطاق محدود تمثل في دخول اثنين من ملوك الشلك في الإسلام وبعض زعماء الدينكا مثل السلطان كول أروب سلطان دينكا نقوك في مناطق أبيي .
الإسلام في عهد الحكم الثنائي 1899 1955م :
شهد الإسلام في هذه الفترة في الجنوب تضيقاً شديداً لأن الحكم الثنائي أعاد فتح السودان أصلاً للقضاء على الأثر الديني للثورة المهدية ، ولما كان الوجود المصري وجود رمزياً تمثل في رفع العلم المصري بجوار العلم الإنجليزي إلا أن السيطرة الفعلية كانت للإنجليز خاصة بعد إبعاد الجيش المصري من السودان بعيد ثورة 1924م التي قادها تنظيم اللواء الأبيض بقيادة على عبداللطيف وعبيد حاج الأمين ، وعبدالفضيل الماظ ، ومحمد داوؤد سليمان ، الذين ترجع أصولهم إلى جنوب السودان ما عدا عبيد حاج الأمين .
وقد عمد الإنجليز إلى بسط سيطرة الكنائس في الجنوب حيث قسموا الجنوب إلى مناطق نفوذ بين الطوائف الكنسية المختلفة ، وبالغوا في محاربة المظاهر الإسلامية فمنعوا حركة التجار الشماليين في الجنوب وحرموا لبس الجلباب العربي ، وعمدوا إلى نقل السلطة من المراكز والمدن الإسلامية إلى مدن جديدة خططت على طراز كنسي وأصدر قانون المناطق المقفولة 1922م ، ثم سياسة الجنوب 1930م .
عمد الإنجليز إلى تغيير الهوية الإسلامية في الجنوب وذلك بترك التعليم في يد الإرساليات الكنسية مما أدى إلى إحجام المسلمين عن الإلتحاق بالتعليم الكنسي خوفاً من ضياع هويتهم مما أدى إلى تخلف المسلمين اجتماعياً وثقافياً كما عمد الاستعمار إبقاء تخلف الجنوب اقتصادياً واجتماعياً بحجبه عن التعليم والمشروعات الاقتصادية إلا بعد 1934م .
وقد أهتم المسلمون ببناء المساجد فتم بناء مسجد ملكال 1943م ، ومسجد واو ومسجد جوبا وملوط وغيرها
الإسلام في عهد الحكم الوطني :
لم يجد الإسلام العناية الكافية أو حتى التشجيع من الحكومات الوطنية منذ فجر الاستقلال إلا في عهد الفريق عبود وعهد ثورة الإنقاذ الوطني ذات التوجه الإسلامي الواضح فالحكومة الوطنية الأولى برئاسة إسماعيل الأزهري واجهت التمرد الأول ولم تجد فرصة كافية لتنفيذ برنامج تنموي اجتماعي حضاري في الجنوب ، لذلك اهتمت الحكومة بمحاكمة المتمردين أكثر من اهتمامها بمعالجة الآثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للأحداث وإعادة الطمأنينة إلى النفوس .
أما الفريق عبود فقد فطن إلى أهمية توحيد التوجه الثقافي للأمة ، فعمل على تطبيق منهج موحد في الشمال والجنوب واهتم بفتح المدارس والمعاهد الدينية ومحو الأمية في الجنوب ، وقد طبقت خطته بحزم مما دفع الكنيسة إلى مواجهة الحكومة وتصعيد نشاطها في دعم التمرد بحجة مواجهة الأسلمة القسرية والتعريب حتى اضطرت الحكومة لإصدار قانون التبشير عام 1963م(1) .
وفي عهد عبود أنشئت ثلاثة معاهد دينية في كل من كدوك في أعالي النيل ومعهد واو العلمي ، ومعهد جوبا العلمي ، كما قام بإرسال العديد من المعلمين لمحو الأمية وتعليم الكبار .
أما عهد نميري قد أختلف الأمر ، وكانت الدولة تتبنى سياسات علمانية اشتراكية ، وانفتحت الدولة على الجنوب بعد اتفاقية أديس أبابا وقد استفاد الإسلام من الاستقرار الذي تحقق في جنوب السودان ، وبدأت نواة العمل الإسلامي الحركي الذي كانت له ثمار واضحة فيما بعد إذ بدأت حركة البعوث إلى الجامعات المصرية وتجمع عدد من الطلاب المسلمين وكونوا فيما بعد جمعية الصحوة الإسلامية ، ثم أنشأت منظمة الدعوة الإسلامية مكتباً لها بالقاهرة تولى الإشراف على شئون الطلاب المسلمين وبناء علاقات مع الشباب .
ثم كانت المصالحة الوطنية في 1977م بين المعارضة السودانية ممثلة في الجبهة الوطنية التي كانت تضم الأحزاب الإسلامية ممثلة في حزب الأمة والحزب الاتحادي الديمقراطي وحركة الأخوان المسلمين .
وقد استفادت الحركة الإسلامية من هذه الفترة في الانفتاح على المجتمع السوداني في شماله وجنوبه فكان ثمار ذلك الانفتاح بداية ظهور الشباب المسلم من جنوب السودان في صفوف الحركة الإسلامية في الجامعات في السودان ومصر والهند .
كما أسست الهيئة الإسلامية لجنوب السودان في جوبا العام 1981م ، وبدأت نشاطها في الخرطوم في عام 1983م ، في إيجاد قبول للطلاب الجنوبيين في الجامعة الإسلامية والمركز الإسلامي الأفريقي .
أما في عهد الإنقاذ فيعتبر العهد الذهبي للمسلمين في الجنوب إذ أشركت المسلمين الجنوبيين إشراكاً واسعاً في إدارة الجنوب وبرزت قيادات عديدة من كافة الولايات الجنوبية بعد أن كانت الساحة حكراً للقيادات المسيحية ، وقد برزت العديد من المؤسسات في عهد الإنقاذ ساعدت على دفع العمل الإسلامي إلى الإمام مثل المنظمات الطوعية الإسلامية والعربية .
كما شهد الجنوب قيام فروع الجامعات الإسلامية وكليات لجامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية ، ثم شهد الجنوب قيام الجامعات الولائية في كل من بحر الغزال وأعالي النيل مما كان له أثر طيب على الدعوة خاصة المناشط الطلابية .
عوامل انتشار الإسلام في الجنوب :
انتشر الإسلام في جنوب السودان بواسطة العديد من العوامل يمكن نلخصها في الأتي :
1- قيام المراكز الإدارية والمدن التجارية .
2- التجارة وحركة التجار المسلمين وتأثيرهم الاجتماعي في الجنوب ساعد على انتشار الإسلام .
3- التزاوج : التزواج بين الشماليين القادمين من شمال السودان من أبناء الجنوب على انسياب الإسلام بهدوء في الجنوب .
4- التعليم : كان للتعليم أثر كبير على انتشار الإسلام في الجنوب ، فقد انتشرت اللغة العربية في الجنوب وصارت هي لغة الحياة المعاشة .
5- علاقات الجوار مع القبائل العربية المسلمة شمالاً في مناطق دارفور وكردفان والنيل الأبيض .
6- قيام دولة رابح فضل الله في أفريقيا الوسطى ومشاركة العديد من الجنوبيين في جيش الزبير ورابح فضل الله كان له الأثر الكبير في انتشار الإسلام في مناطق بحر الغزال وأفريقيا .
7- فتح المجاري النهرية وحركة الكشف الجغرافي التي قام بها الجنود الأتراك والمصريون ساعدت في وصول الإسلام إلى جنوب السودان ويوغندا .
8- كما أن طبيعة الدين الإسلامي المرنة والبسيطة ساعدت الأهالي على اعتناقه .
ثانياً : العوامل التي حدت من انتشار الإسلام في الجنوب :
تتمثل في الأتي :
1- العوامل الاجتماعية الثقافية وهي :
الحواجز النفسية وحواجز اللغة بين المسلمين الذين كانت لغتهم هي اللغة العربية ، وتعدد اللغات المحلية في الجنوب مما شكل حاجزاً ، منع التواصل بين أبناء الجنوب والمسلمين من الشمال ، مما آخر تفاعلهم مع الإسلام .
2- العوامل الجغرافية والبيئية :
تتمثل في وجود المستنقعات والغابات الكثيفة في الجنوب ووعورة الطرق وتخلف وسائل المواصلات شكل حواجز عاقت تقدم وسرعة انتشار الإسلام في الجنوب وقد زال هذا العامل تدريجياً بتطور وسائل المواصلات والاتصال بين الشمال والجنوب .
3- العوامل السياسية والإدارية والاقتصادية :
وهي عوامل مصنوعة من تخطيط الإنسان ، ويقصد بها جملة السياسات والقوانين والممارسات السياسية والإدارية التي اتخذتها الإدارة الاستعمارية البريطانية للحد من انتشار الإسلام في الجنوب وتتلخص في :
اتخذت الإدارة الاستعمارية البريطانية جملة من السياسات كانت ذات أثر في الحد من انتشار الإسلام في الجنوب وهي :
أ‌- قانون المناطق المقفولة ( 1922 1930م ) :
إذ أغلقت مناطق الجنوب أمام التجار المسلمين من الشمال ومنعت الملابس والأزياء العربية حتى لا يتأثر أبناء الجنوب بالثقافة الإسلامية والعربية وتبع ذلك قانون رخص التجار وجوازات المرور إلى الجنوب .
ب- سياسة الجنوب :
كما اتبعت الإدارة البريطانية سياسة إدارية جديدة في الجنوب منذ العام 1930 1943م ، ففي هذه الفترة حاولت قطع الصلات تماماً بين الشمال والجنوب وربط الجنوب بشرق ووسط أفريقيا ، ولكن هذه السياسة أخفقت فاتبعت سياسة جديدة بعد مؤتمر السودان عام 1946م ، فقرر بموجبه إعادة توحيد السودان .
عملت السياسة البريطانية التعليمية على إنشاء نظامين تعليميين لشطري البلاد ، فقد تركوا الجنوب في يد المدارس التنصيرية فنشأ جيل جنوبي مسيحي كنسي يرفض الانصهار مع الشمال المسلم ، وهذه السياسة قد وجدت مقاطعة من المسلمين خوفاً على هويتهم ، فتأثر وضع المسلمين وتخلفوا عن مواكبة العصر إلا القليل الذي سكن المدن بعد الحرب العالمية الثانية فوجد بعض أبناءهم فرصاً للتعليم في المدارس الحكومية في المدن الكبرى .
الفصل الثالث
واقع الدعوة الإسلامية في الجنوب
لم تعد الدعوة وعظاً مباشراً وحسب ، بل صارت عِلماً يدرس في الجامعات ، وتستخدم فيه كل تقنيات وفنون الاتصال والمعلومات التي تطورت تطوراً هائلاً في العصر الحاضر ، وإن أردنا الانتقال بالعمل الإسلامي في الجنوب بل في أي رقعة في العالم ، يجب علينا أن نواكب تطورات العصر ، ونجند إمكانياته العلمية والإدارية والاقتصادية حتى تصل كلمة التوحيد إلى من لم تصله من أهلنا في بقاع الجنوب المتناثر .
وللوصول إلى الوسائل المناسبة يجب علينا أن نستعرض ماضي العمل الدعوي وواقعه الماثل خطاباً وأساليب ووسائل وإمكانيات عمل متاحة وكوادر متوفرة ، ومدى قدرة هذه الكوادر على الأداء الدعوي الذي يحقق الأهداف المرجوة ، وفيما يلي نتناول كافة الجوانب المذكورة آنفاً في إيجاز :
المرحلة الأولى : دخول الإسلام جنوب السودان :
يرجع تاريخ الدعوة الإسلامية في الجنوب في شكلها الحديث إلى الثلث الأول من القرن التاسع عشر ، فقد وقع عبء هذا الدور على أفراد الجيش التركي المصري الذي جاء ضمن حملات إكتشاف منابع النيل ، وبذلك تم الاتصال بينه وبين أهالي الجنوب عبر التفاعل اليومي ولا ننسى أن محمد علي باشا قام بفتح السودان للحصول على الذهب والرجال ، وقد توجه في بادي الأمر إلى جبال النوبة والى مناطق فازوغلي على النيل الأزرق ولما لم يجد ما يكفيه من الذهب فقد اقتنع بضرورة التوجه جنوباً لتحقيق ذلك الحلم القديم الذي كان يراود المصريين لمعرفة منابع شريان الحياة المصرية(1) ، فكانت رحلات الكابتن سليم الذي وصل إلى جنوب السودان 1839م ، ثم قام برحلة أخرى 1841 1842م ، وقد استوعب بعض أهالي الجنوب أثناء حملته جنوداً وتراجمة وحماليين ، بعد أن نفقت معظم الخيول والأفراس التي جاءوا بها لحمل أمتعة الجنود والموظفين ، وقد دخل معظم هؤلاء إلى الإسلام وصاروا جزءاً من الأمة الإسلامية منذ ذلك الوقت .
بذلك عرف الجنوب في مرحلة لاحقة نشأة المدن الإسلامية والخلاوى والمساجد في كل من راجا وكدوك والتوفيقية ومنقلا ، ونشأة مديرية فشودة والمديرية الاستوائية التي استمرت حتى قيام الثورة المهدية ، التي شارك فيها الجنوبيون مشاركة فاعلة وصار العديد منهم جنوداً وأمراء في جيش المهدية ، وتفاعل أهل الجنوب في الإسلام حتى دخل بعض سلاطين الدينكا وملوك الشلك في الإسلام .
كما عرف الجنوب الطرق الصوفية مثله مثل غيره من المناطق التي وصل إليها الإسلام ، فالإسلام يدين إلى السجادات الصوفية ومشايخ الطرق بالكثير من الفضل ، وتعلمون أن معظم الحواضر الكبيرة في السودان نشأت أصلاً سجادات دينية لنشر الدعوة الإسلامية ، مثل أم درمان ، خلاوى الغبش في بربر ومدني السني وغيرها كثير . وقد انشرت بعض الطرق الصوفية ، مثل السمانية والقادرية والتجانية والأحمدية والختمية والشاذلية والأنصار في الأطراف الشمالية للجنوب .
وهناك فئة أخرى ساهمت في نشر الإسلام في الجنوب هم التجار من شمال السودان ، ولكن دورهم الدعوي لا ينكر
كانت فترة الاستعمار الإنجليزي المصري فترة عصيبة للمسلمين في الجنوب إذ عانى المسلمون من إغلاق مؤسساتهم ، وتحويل عواصم المديريات من مناطق المسلمين ، وإنشأ مدن جديدة على الطراز الغربي مزودة بالكنائس ووضع التعليم في أيدي المبشرين وإغلاق الجنوب بقانون المناطق المقفولة 1922م(1) ، الذي منع التواصل بين شطري البلاد ، كما عمد الاستعمار على محو الأثر العربي والإسلامي بقانون رخص التجار وجواز المرور بين الشمال والجنوب .
المرحلة الثانية : المؤسسات الدعوية الحديثة :
عرف الجنوب نشأة المنظمات الدعوية الحديثة مع تطور وتصاعد الصحوة الإسلامية في العالم الإسلامي منذ أواخر الستينات حيث نشأت العديد من المنظمات مثل هيئة إحياء النشاط الإسلامي ومنظمة الدعوة الإسلامية .
وتوجت هذه المرحلة بنشأة منظمة الدعوة الإسلامية والوكالة الإسلامية الأفريقية للإغاثة وغيرها من المنظمات الإسلامية وأهمها الهيئة الإسلامية لجنوب السودان والجمعية الإسلامية لجنوب السودان ، ثم تقاطرت المنظمات الطوعية الإسلامية والعربية على الجنوب خاصة بعد قيام ثورة الإنقاذ الوطني 1989م .
الخطاب الدعوي :
يلاحظ على الخطاب الدعوي الإسلامي في الجنوب أنه خطاب عاطفي يعتمد على الكلمة المباشرة ، ونفتقد إلى الابتكار في الأساليب واستخدام تقنيات حديثة مما ينفر الجنوبيين منها .
كما أن المؤسسات الدعوية القائمة لم تتجه إلى دراسة إنسان الجنوب والمجتمعات المحلية لمعرفة الظروف النفسية والاجتماعية التي تحيط به لابتكار أساليب مناسبة في الخطاب .
أما البرامج الدعوية في الجنوب فهي برامج تقليدية مع بعض المحاولات المشرقة لابتكار أساليب جديدة .
التمويل والإمكانيات الإدارية :
(أ) الإمكانيات الإدارية :
تتوفر لدى المنظمات والهيئات والمؤسسات الرسمية والطوعية قدرات بشرية وإدارية عديدة ، يمكن الاستفادة منها في رفع كفاءة المؤسسات الدعوية وتطوير الناتج الدعوي من حيث الأساليب والبرامج ، وينقصها فقط التدريب ، كما يلاحظ أن المنظمات والهيئات العاملة في الجنوب تفتقر إلى الكادر المتمرس العالم بظروف المجتمع البيئية والجغرافية والثقافية ، مما يتطلب الاستفادة من الشباب المسلم الذي تخرج من الجامعات والمعاهد العليا ، والذي يعاني الآن من البطالة وعدم التوظيف ، وهي كوادر خبرت العمل الدعوي ، وتحتاج إلى جرعات من التدريب المتقدم لرفع كفاءتها الإدارية والتنظيمية وتعزيز قدرتها الذاتية والثقة في النفس .
كما أن هذه الكوادر تحتاج إلى تمكين اقتصادي لزيادة مواردها المالية دعماً للعمل الدعوي وتوطيناً للقدرات الإدارية والدعوية لتكون قادرة على العطاء الدعوي .
(ب) الموارد المتاحة :
تتوفر للدعوة الآن في الجنوب موارد مالية مناسبة عبر منافذ عديدة من الأفراد وبعض الجهات الخيرية ، فقط تحتاج إلى حسن توظيف وتنسيق بين المؤسسات ، وهناك تجارب مجالس التنسيق الإسلامي التي طبقت في الولايات الجنوبية ومازالت .
الفصل الرابع
رؤى المستقبل
أولاً : القدرات المتاحة للعمل الإسلامي في الواقع الحاضر :
يعيش المسلمون في جنوب السودان الآن واقعاً يتسم بجملة من السمات أولها الخوف والتوجس من المستقبل القادم ، كما أن الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي في البلاد يلقي بظلال كثيفة أيضاً على حياة المسلمين ، وتقف في وجه المسلمين في جنوب السودان جملة من التحديات .
واقع العمل الإسلامي في جنوب السودان :
يتسم بتعدد المؤسسات والجهات العاملة في الجنوب ، فيوجد في الجنوب الآن أربعة أنواع من مؤسسات العمل الإسلامي :
أ- المنظمات الطوعية الإسلامية .
ب- الهيئات شبه الرسمية .
ج- الهيئات والمنظمات المحلية :
- الهيئة الإسلامية لجنوب السودان .
- الهيئة العليا للدعوة ( غرب بحر الغزال ) .
- الطرق الصوفية المحلية .
- الرابطة الإسلامية لجنوب السودان ( أنصار السنة ) .
- المجلس الإسلامي الأعلى لجنوب السودان .
نخلص إلى أن هذه المؤسسات قد أدت دوراً لا بأس به في بداية الإنقاذ .
ثانياً : تحديات العمل الإسلامي في جنوب السودان :
يواجه العمل الإسلامي جملة من التحديات نلخصها في ثلاثة أنواع من التحديات وهي :
أ- التنصير
ب - التخلف الاجتماعي والثقافي
ج- الأوضاع السياسية
أ‌- التنصير :
يمثل التنصير أكبر تحدي أمام المدّ الإسلامي في جنوب السودان ن وذلك للخبرة الطويلة المتصلة التي يتمتع بها التنصير أكثر من مائة وخمسين سنة من العمل في جنوب السودان ، إضافة إلى منظومة من البنيات الإدارية والإمكانيات البشرية والقدرات المالية والسند الدولي والمحلي المتاح للمؤسسات النصرانية ، فنجد السودان في بؤرة اهتمام الكنيسة العالمية ، خاصة بعد وصول الحركة الإسلامية إلى السلطة أوائل عقد التسعينات من القرن الماضي ، فقد زار البابا السودان ، وحظي السودان بكردينال ضمن ستة أفارقة عينوا مؤخراً في قيادة الكنيسة العالمية .
وتساهم الكنيسة بل تقود المجتمع في جنوب السودان في كافة الجوانب وهناك تنسيق دقيق ومتواصل بين أوعية العمل الكنسي .
ب‌- الأوضاع الاجتماعية والثقافية :
يتسم الواقع الاجتماعي للمسلمين في جنوب السودان بالضعف والتردي على الرغم من الوجود البارز للمسلمين الذي أثرت فيه الحرب فنزح أكثرهم شمالاً ، وبقيت أسر قليلة متمسكة بالميدان وهي تعيش ظروفاً صعبة ، أُضيفت عليهم أعداد كبيرة دخلت الإسلام في السنوات الأخيرة .
ج- التحديات السياسية :
- تتمثل هذه التحديات في الظروف الدولية المعادية للمسلمين في غياب الوحدة بين المسلمين ، وعدم وجود منبر يجمع كلمة المسلمين .
- التحولات السياسية المتوقعة والتي تتمثل في تحقيق السلام الذي سيغير من وضع المسلمين الجنوبيين الذي تمتعوا طوال عهد الإنقاذ ، وسوف تتراجع نسبة تمثيل المسلمين في أجهزة الحكم القومية والولائية .
- يحمد للإنقاذ أنها أول حكم وطني يقوم برد الاعتبار لأبناء الجنوب المسلمين ويقوم بمشاركتهم في الحكم .. على الرغم من وجود بعض الأخطاء في تلك المشاركة ، ولكن الإنجاز بارز لا ينكر .
- يتخوف المسلمون من تكرار تجربة أديس أبابا عام 1972م التي تعرضوا خلالها لضغوط شديدة ، فقد ضُيّق على الكوادر العاملة في الخدمة المدنية في الجنوب خاصة في قطاع التعليم ، ويلاحظ أن اتفاقية السلام لم نجد فيها ترتيبات تتعلق بالدعوة في جنوب السودان إلا وعود بمراعاة الحريات الدينية في الاتفاقية والدستور وهو محك نجاح الاتفاقية .
والله ولي التوفيق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.