لم يكن مشهد عاديا تمر به مرور الكرام، فالجميع كان يترقب وفى الذاكرة وعود كانت املا وتبددت فى اخر اللحظات، لكن ماتم فجر الجمعة وحتى منتصف نهاره شئ وكأنه سيناريو تم تجسيده وعرضه فى شاشة كبيرة لم تكن فى القاعات ولكنها فى عقول الجميع والظروف لعبت فيها الدور الاكبر عندما حطت طائرة عسكرية امريكية تحمل ثلاث سودانيين كانوا معتقلين في أسوأ المعتقلات في العالم، بغوانتنامو، وهم مصور قناة الجزيرة سامى الحاج وامير يعقوب ووليد محمد الحاج. وفى ليلة مختلفة عن ليالى سوداء دامت اكثر من ست سنوات قضوها بين اسوار ذلك السجن الوصمة فى جبين الانسانية، حان للمنتظرين الفرج أن يفرحوا وأن يتذوقوا حلاوة السهر الجميل وتودع القلوب مخاوف طالما كانت قابعة فى القلوب صاعدة على ناصية الهموم عمرها عمر ذلك الرضيع الذى اصبح يمشئ على قدمين «محمد سامى الحاج »، هكذا كانت المشاعر بالامس فى كل بيت سودانى فالجميع استقبلوا شمس الصباح وكأنهم يريدون ان يقولوا لها طال المغيب. الثانية عشرة نهار الجمعة العربات تطلق العنان لاصوات التحذير الكل يترقب تجمهر كبير على جنبات شارع المطار بالخرطوم وفضائيات تنصب كاميراتها وادوات البث على الرصيف والتهانئ توزع من دون حساب، فقد ذابت كل اواصر الدم فالثلاثة هم ابناء هذا الشعب بين كل خطوة والاخرى تجد من يتعانقون فرحا والوقت يذهب نحو الثانية صباحا موعد هبوط الطائرة المقلة لسامى ورفاقة الدموع لاشئ قادر على حبسها بين العيون عصام الحاج شقيق سامى الحاج الاصغر والذي تحدث ل « الصحافة » قائلا: انتظرنا ست سنوات كانت كلها قلقا وخوفا والان نترقب بشئ من الحذر لكثرة الوعود، وهو الشعور الذي كان يسود الجميع، لكن شعور أمل العودة هذه المرة هو الاكبر فالمدير التنفيذى لمنظمة العون المدنى العالمى حسن سعيد المجمر قالها بصوت عالٍ قبل نصف ساعة من هبوط الطائرة وبالتحديد عند الواحدة والنصف صباحا رغم الشكوك لكن اليوم تحققت الاحلام التى ظللنا نترقبها، مشيرا الى ان خروج سامى الحاج لقيادة مبادرة جديدة حتى نخرج بقية المقيمين هناك وسنروى مأساة المعتقل للعالم اجمع، الوضع لم يختلف كثيرا فالتوتر والترقب فقط هو المتطرد فى زيادة كلما اقتربت الثانية صباحا فبداخل ساحات مطار الخرطوم الكل يتحرك بحثا عن معلومة تزيل عنه التوتر، حتى لحظة سماع تنبيه يؤذن بالدخول عبر السفريات المحلية، حيث دخل المصورون والصحفيون والجميع الى ساحات المطار الداخلية عند مهبط الطائرات فى انتظار توقف محركات الطائرة العسكرية الضخمة ذات اللون الرمادى المزيت وعلى مقدمتها الرقم 3123 واضحا، عندها كانت كلمة الصمت هى العنوان الاول للمشهد لكن سرعا ما تحركت مغيرة وجهتها الى الجانب الاخر من المطار وبعدها تم اخراج جميع الاعلاميين لم تنته فصول هذا الحدث هنا فالشارع كانت لونيته مختلفة عما كان عليه قبل هبوط الطائرة انقشع التوتر والخوف وتحقق الامل سامى الان حرا طليقا فى ارض الوطن ومعه رفاقه امير ووليد. اهل الفن لم يختفوا عن هذا المشهد لتكتمل اللوحة حتى ظهرت جاذبة فيها الجميع مواطنون واعلاميون وسياسيون كلهم متفقون متعانقون.. عقد الجلاد حضرت بالزى الرسمى ممثلة فى الخير احمد ادم حاملا صورة سامى على يده ولسانه يردد « فى مقاطع ابو السرة » قال بانهم هنا من اجل هذا الوطن فاليوم يوم السودان وليس لاسرة سامى الحاج فسامى ورفاقه ابناء الشعب السودانى ، اتحاد الصحفيين قال بانهم سعداء وحزانى لكن قضيتهم بدأت ولم تنته حتى تتحرر الصحافة والاعلام من كل ظروف الضغط وسلب الحريات. والشارع لم يتوقف من الحركة شباب فتيات ونساء ورجال يهللون وزغاريد النساء تلهب حماستهم . الثالثة صباحا تجمهر اخر ، وجوه جديدة غير التى كانت هناك اذن الكل يحتفل بطريقته والامر ليس مربوطا بمرور سامى بينهم لكن الفكرة اكبر من ذلك فقط يكفيهم انه يستنشق معهم هواء وطن به شعب كريم يفرحه فرح الاخرين ويحزنه حزنهم، زين العابدين على احمد الجار القريب من منزل سامى الحاج بالحلة الجديدة قال هذا يوم الوطن الحلة الجديدة تفخر بان يكون سامى ابنها وهو يرفع اسم السودان عاليا رافضا كل الاغراءات متحملا الوان واشكال من العذاب لم ينكسر جسده الهزيل من وحشية محبسه بل انكسر جلادوه وانتصرت دعوات هذا الشعب الطيب . ليس الامر بمستغرب كلهم هنا اقارب الدم واصدقاء العمل وابناء وبنات وامهات السودان، امام بوابة مستشفى الامل بعد ان تحقق امل العودة فهم يمنون النفس برسم قبلة فى جبين من انتظروهم سنين ، بداخل المستشفى بالطابق الاول الجناح الخاص امام الغرفة التى تحمل على بوابتها « شخصية مهمة جدا » تجمهر جديد لشئ قادر على اخراج الجموع فالاحساس لايتجزأ اليوم الاقارب والاصدقاء حتى الغرباء كانوا يحاولون الدخول فسامى كما قال احدهم سامى الان ليس ابن لاسرة الحاج ولا لمواطنى سنار فهو يحمل امشاج المليون ميل مربع ، كلنا حاولنا الدخول الا ان الاطباء قالوا بان الحالة جيدة لكن خوفهم على الانفعالات التى يمكن ان تحدث دون قصد وتترك اثارا كبيرة لكن نحن الان قطعنا دورا كبيرا ومن بعد غدا سامى ابوابه مفتوحة للشعب السودانى ، وزير الدولة بالاعلام الدكتور كمال عبيد كان يجلس على كرسى فى الصالة المرافقة للغرفة دون ان يحرك ساكنا التقيته وبعد ان بادلته التهنئة قال بان المجهودات التى بذله فى الفترة الماضية هى التى اسفرت باطلاق سامى الحاج ورفاقه امير ووليد ومن قبلهم مجموعة اولى كانت تضم ستة مواطنين ، والان تبقت مجموعة ثالثة تضم اربعة اخرين سنعمل على اخراجهم ، لكن ظرف سامى الصحى ليس بالمخيف فهو مضرب عن الطعام لفترة طويلة بعد الظلم الذى وقع عليه وسيحتاج الى رعاية طبية خاصة . ولم نتحرك خارج الصالة فسامى بالداخل ورفيقاه الاثنان بالغرفة المجاورة له حاولت الدخول عليه مرات عدة حتى افلحت فى واحدة، الجسد منهك لكن العقل يخرج كلمات الواثق المنتصر، نظرات تعرف وتحدد هدفها سنوات السجن زادته صلابه تحدثت اليه فى دقائق معدودة سريعة حتى اتيح الفرصة للاخرين ، بعدها لم نخرج ،فسامى يتحدث للجميع دون خوف ولا تردد يطلق عبارات قوية، وبعد ان رفع اذان الفجر تحرك طالبا مصلى ليؤدى اول فرض هنا على ارض الوطن ويدعو للبقية بالفرج القريب ، اللحظات التى مرت بعد صلاته للصبح ووصول الطائرة التى تقل زوجته وابنه محمد مرت هى الاخرى ببطء لكن وعند السادسة صباحا ومن البوابة الرئاسية جاء الدكتور كمال عبيد وهو يحمل على كتفة محمد سامى لتتجسد مشاهد لن ينساها التاريخ فالرضيع الان يعانق اباه والاب يقبل ابنه بعد سنين عجاف امضاها سامى الحاج فى معتقله مسلوب الارادة دون ذنب جناه ليخرج اليوم كما خرج نيلسون مانديلا من محبسه فى روبين ايلاند بعد ان عانى ظلما بذنب مطالبته بالحرية والكرامة للانسان ، لحظات هذا العناق كان سامى ينتظرها وهو بين اسوار معتقل غوانتنامو دون ان يعجلها بالتنازل او الخضوع لينال اليوم قبلا تكفيه سهر الشهور الاولى عند الصغر التى لم يشهدها اباه معه هذا هو المشهد الذى كانت خطابات سامى تتمناه فهو الان تحقق ، زوجته لم تدخل وطلبت باخراج اجهزة التصوير، لكن كلما عانقتها واحدة من النساء كانت تردد الحمد لله الحمد لله، صبر لم يتحمله كثيرون، لكنها صبرت والان فازت فالزوج بينهم فى وطنه والابن فى احضان ابيه اذن الان اختفت ظلمات ليالى طويلة لتعلن ميلاد صباح جديد . مدير قناة الجزيرة وضاح خنفر وصفها بالليلة السعيدة وهو يتحدث ل « الصحافة » من داخل المستشفى لقد انتظرناها طويلا وعانينا فيها ملل الانتظار والخوف الذى دام لست سنوات ذاق فيها صنوف العذاب لينتهى المسلسل سيئ الاخراج بعد قصة اضرابه التاريخية عن الطعام ومن خلالكم اوجه الشكر الى جميع الشعوب ولزملائه ولكل المحبين والحكومة السودانية ومنظمات المجتمع المدنى والصحف فى حملة استمرت طوال فترة اعتقاله ، جميعهم تحدثوا عن رفاقهم الذين تركوهم هناك يعانون ويلات الظلم فى مكان موحش، وليد وامير وسامى قالوها اليوم نحن هنا لكن هناك اخرين لم يفرج عنهم بعد، اذن القصة لم تنته حتى نستقبلهم ونحن بخير وليس هناك مايقلق غير رهق السفر الذى استمر الى ساعات طوال استبدلت الطائرة باخرى فى مطار اظنه بالعراق وتم الافراج عن 5 افغان ومواطن مغربى ونحن ثلاثتنا هذا هو لسانهم بعد ست سنوات بين انتظار الموت او القتل لكن للحق كلمة ولو بعد حين ، تنقلنا لنشهد مشاهد الفرح بامدرمان حى الامراء بمنزل احفاد الامير عبدالله كانت الذبائح والوالد يعقوب يوزع الحلوى على المارة بالشارع فى صباح باكر والسعادة تملأ دواخله الشئ لم يختلف فى منزل وليد بالمايقوما فالزغاريد تنطلق من النسواة تزف عريس الحاج يوسف وليد محمد الحاج سناء ووفاة وبنات خالات وعمات سامى الحاج والاهل بسنار كلهم هنا يرقصون طربا لابن اقدم عواصم البلاد ، المشهد الذى كان يحكى عن نفسه بالامس يروى واحدة من طيبة هذا الشعب وكرمه فعبد الرحمن سائق الامجاد الذى حملنى الى منزل امير يعقوب لم يكن يعرف خبر اطلاق سراح سامى وعندما اخبرته انهمرت دموعه حتى عجز عن القيادة ليعكس واحدة من معادن شعب طيب الاعراق محب للعدل. المصدر: الصحافة