دورات تعريفية بالمنصات الرقمية في مجال الصحة بكسلا    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: الدور العربي في وقف حرب السودان    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    مقتل 68 مهاجرا أفريقيا وفقدان العشرات إثر غرق قارب    ريال مدريد لفينيسيوس: سنتخلى عنك مثل راموس.. والبرازيلي يرضخ    نقل طلاب الشهادة السودانية إلى ولاية الجزيرة يثير استنكار الأهالي    السودان..إحباط محاولة خطيرة والقبض على 3 متهمين    توّترات في إثيوبيا..ماذا يحدث؟    اللواء الركن (م(أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: موته وحياته سواء فلا تنشغلوا (بالتوافه)    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    دبابيس ودالشريف    منتخبنا المدرسي في مواجهة نظيره اليوغندي من أجل البرونزية    بعثة منتخبنا تشيد بالأشقاء الجزائرين    هل محمد خير جدل التعين واحقاد الطامعين!!    دقلو أبو بريص    أكثر من 80 "مرتزقا" كولومبيا قاتلوا مع مليشيا الدعم السريع خلال هجومها على الفاشر    شاهد بالفيديو.. بلة جابر: (ضحيتي بنفسي في ود مدني وتعرضت للإنذار من أجل المحترف الضجة وارغو والرئيس جمال الوالي)    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    حملة في السودان على تجار العملة    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تسونامي سقوط أنظمة الإستبداد في آسيا وأفريقيا(5-8)

مصر, تونس,العراق , ليبيا و السودان(5-8)
سقوط المعسكر الإشتراكي الناصري أم مقدمات للديموقراطية والتحرر..
أحمد ضحية- ميريلاند
مقدمة :
لا يمكن لأي كائن عاقل من مخلوقات الله ,أن ينظر للحالة الليبية الراهنة ,دون أن يكتشف أنها خلاصة تجربة مفكرين وساسة مزعومين عرب أو مستعربين!, وأنها تعبر بصورة صارخة عن تجربة الحاكم والسياسي العربي , المتجذرة في التجربة الناصرية بكل أبعادها الإستبدادية ,التي تتلائم الآن مع ما تفضحه الصحراء الليبية, فالصحراء فضيحة للمخفي والمخبأ, فمابين الأرماث , التي خلفها مفكرون وساسة مزعومون ,في مسيرتهم العامرة بالخزي ,في خذلان شعوبهم , يقود صوى الساري إلى كارثة ,من المستحيل إخفائها أو التستر عليها , إذ لا يمكنك أن تختبيء في صحراء البدو , أو لنقل أن شخص مجنون كالقذافي لا يمكنه الإختباء , وإخفاء كل شيء إلى الأبد!..
بهذا المعنى الحالة الليبية الراهنة, هي تعبير صادق عن خطورة مفاهيم الكاريزما والعظمة والقوة الخارقة ,المستوحاة من ثقافة الجبر والإستبداد. الذي يشكل عقلية ونفسية حكام وساسة كثر على شاكلة البشير ونافع وصلاح قوش ,وحافظ وبشار الأسد, ووو..
كل هؤلاء وأولئك الذين يستلهمون شخصية عبد الناصر أو تجربته ضاربة الجذور في تراث الإستبداد الجبري,و تعج بهم أروقة القمم العربية والجامعة العربية,وأجهزة المخابرات في العالم !
لقد كتب الروائي والقاص الليبي الجميل و المدهش إبراهيم الكوني ,عن الصحراء الليبية كثيرا ,حتى إستحالت لديه هذه الصحراء كائنا حيا يمشي على قدمين!وقلبه يتلفت فلا يرى في مآلات المسيرة , سوى الرعب الذي يتبدى في علامات الطريق المحفوف,بالمخاوف والهواجس والظنون,وكل فزع الماضي المتجدد في الحاضر الإستبداي الرهيب! ..
صحراء الكوني الحية والتي ينزف فيها حتى الحجر! , هي صحراء تيه عبد الرحمن منيف ذاتها , وهي الصحراء نفسها التي مثلت مرتكزا في المرشد "لفهم أشعار العرب عند عبد الله الطيب",وهي لا تختلف كثيرا عن صحارى غرب السودان وشماله! .
إذن – من جهة أخرى- الحديث عن الحالة الليبية, لهو شيء جد مختلف عن الحديث عن الدول الأخرى في المشرق والمغرب , أنه حديث ذي "سجون" مريعة, في واقع مرعب , فالقذافي هو الخلاصة الدقيقة لعقلية ونفسية حاكم عربي أو مستعرب, سواء جاء من حوش سرت أو حوش بانقا,أو حوش تكريت! ..
عقلية ونفسية الحاكم العربي (أو المستعرب – على غرار التركي ولا المتورك) هي عقلية ونفسية سايكوباتية, بمعنى مضادة للمجتمع, يمكنها أن تستخدم الكيميائي لقتل شعبها , ويمكنها أن تفعل كل ماهو مضاد للإنسانية في سبيل الحفاظ على كرسي الحكم!او كما ظل عبد الرحمن منيف,يحدثنا عن مؤامرات القصور في مدن الملح حتى بح صوته , فالحاكم والسياسي العربي أو المستعرب لا يعتني بشعبه, بقدر حرصه على العناية بسرواله !..
أنه يتفقد سرواله بين آن وآخر ,ولا يكلف نفسه عناء تفقد هموم وآلام وأحزان ومواجد شعبه ! مع أن تكلفة تفقده لسرواله , الذي تتمحور حوله كل سلطاته الذكورية والرئاسية, تكلف الشعب نسبة تصويت اكثر من 99%! فشعبه كله يحبه!,فهو المجد وهو الصخرة ,لذلك دائما يصوت له الشعب بمثل هذه النسبة العالية, ليبقى في الحكم عشرات السنوات!!سواء كان هذا الحكم حكم حزب أو مؤسسة مجتمع مدني أو حكم دولة كالسودان وتونس ومصر وليبيا أو البحرين وعمان واليمن والجزائر ! ..أنه حاكم فريد الطراز , فالباطل لا يأتي من بين يديه !..
دعونا من هذه "المغسة" التي أوحت بها حارسات – وليس حراس- القذافي , والليالي الحمراء لأبناءه في الغرب الإستعماري الفاسق الكافر! , وهي على فكرة ليال وثقها "الغرب الرجيم" وجاءت قناة الأخوان المسلمين "الجزيرة" منها بما هو مسموح فقط من مقتطفات ؟! الرجل مع ذلك داعية إسلامي!
يبدو أن هذه "المغسة" تصر على الإطلال برأسها , إذ أتذكر الآن ما قاله أحد ظرفاء مدينة كوستي عن نظام نميري والحكومة الديموقراطية وعمر البشير , الرجل قال :" لقد أدخل نميري والطائفية الشعب السوداني في ### وزة , لكن الجماعة ديل , شالو الوزة ذاتها ودخلوها في ## الشعب السوداني !.. يقصد بالجماعة ديل المؤتمر الوطني والقوى الإسلاموية أو الإسلاربوية, بتصرف من عندي,على كيفي! ..هذه هي شاكلة جكامنا الإسلامويين, ما أن نتخلص من إمام للقرن العشرين حتى يرمينا القرن الواحد وعشرين بما هو أسوأ!..
لكن ما يفعله القذافي الآن أخطر من كل ذلك بمراحل, إذ لم نعد نعرف أين ذهبت الوزة وأين كان الشعب لحظة ذهابها الميمون!! أنها مفارقات لا تليق سوى بالحكام والسياسيين العرب والمستعربين! ..ولله في خلقه شئوون!..
على أية حال موضوع هذه الحلقة هو الحالة الليبية المدهشة, والمفاجئة بكل المقاييس!!..هذه الحالة التي يقسم ملك ملوك أفريقيا بأنه سيجعل من ليبيا المسكينة ,نار حمراء.. جمرة تحترق!..فما هي خلفيات هذا العنف ؟الذي يستخدم فيه القذافي مرتزقة دبابين مأجورين، إلى جانب الطائرات والمدفعيات, في مواجهة شعبه الأعزل ؟.
استقلال ليبيا :
كانت الدوائر الاستعمارية تدبر المكائد وتحيك المؤامرات على مستقبل ليبيا، فقد اتفقت بريطانيا وإيطاليا في 10 مارس 1949 م على مشروع (بيفن سيفورزا) الخاص بليبيا الذي يقضي بفرض الوصاية الإيطالية على طرابلس والوصاية البريطانية على برقة والوصاية الفرنسية على فزان، على أن تمنح ليبيا الاستقلال بعد عشر سنوات من تاريخ الموافقة على مشروع الوصاية، وقد وافقت عليه اللجنة المختصة في الأمم المتحدة في يوم 13 مايو 1949 م وقُدم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للإقتراع عليه، ولكن المشروع باء بالفشل لحصوله على عدد قليل من الأصوات المؤيدة، نتيجة للمفاوضات المضنية لحشد الدعم لاستقلال ليبيا والتي قام بها وفد من أحرار ومناضلي ليبيا للمطالبة بوحدة واستقلال ليبيا.
أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 289 في 21/11/1949م ,الذي يقضي بمنح ليبيا إستقلالها في موعد لا يتجاوز الأول من يناير 1952 م، وكُوِنت لجنة لتعمل على تنفيذ قرار الأمم المتحدة ,ولتبذل قصارى جهدها من أجل تحقيق وحدة ليبيا ,ونقل السلطة إلى حكومة ليبية مستقلة.
وفي شهر أكتوبر 1950م تكونت جمعية تأسيسية ,من ستين عضواً يمثل كل إقليم من أقاليم ليبيا الثلاثة (عشرون عضواً) ,وفي 25 نوفمبر من السنة نفسها إجتمعت الجمعية التأسيسية ,برئاسة مفتي طرابلس لتقرر شكل الدولة، وعلى الرغم من إعتراض ممثلي طرابلس على النظام الإتحادي فقد تم الاتفاق، وكلفت الجمعية التأسيسية لجنة لصياغة الدستور، فقامت تلك اللجنة بدراسة النظم الإتحادية المختلفة في العالم وقدمت تقريرها إلى الجمعية التأسيسية في سبتمبر 1951 م وكانت قد تكونت حكومات إقليمية مؤقتة بليبيا، وفي 29 مارس 1951م أعلنت الجمعية التأسيسية عن تشكيل حكومة اتحادية لليبيا مؤقتة في طرابلس برئاسة السيد محمود المنتصر، وفي يوم 12/10/1951م، نقلت إلى الحكومة الإتحادية والحكومات الإقليمية السلطة كاملة ما عدا ما يتعلق بأمور الدفاع والشؤون الخارجية والمالية، فالسلطات المالية نقلت إلى حكومة ليبيا الاتحادية في 15/12/1951م
وأعقب ذلك في 24 ديسمبر 1951م إعلان الدستور واختيار ادريس السنوسي ملكا ل المملكة الليبية المتحدة بنظام فيدرالي يضم ثلاثة ولايات (طرابلس، برقة، فزان). وقام شعب ليبيا عبر ممثليه المنتخبين في 26 أبريل 1963م بتعديل دستورهم وأسسوا دولة ليبيا الموحدة, وأزالوا جميع العقبات التي كانت تحول دون وحدة ليبيا فكان إسم المملكة الليبية وعاصمتها طرابلس.
ثورة الفاتح من سبتمبر1969:
في الأول من سبتمبر 1969م قامت مجموعة من الضباط الشبان من ذوي الرتب الصغيرة بقيادة ,الملازم معمر القذافي(الذي كان متأثرا بإنقلاب عبد الناصر على الملكية الدستورية في مصر), بالإنقلاب على الملك إدريس السنوسي في الأول من سبتمبر 1969وهكذا تم الإعلان عن الجمهورية العربية الليبية.
سمى الضباط الليبيون إنقلابهم بحركة الضباط الأحرار تيمنا بحركة الضباط الأحرار المصرية التي أطاحت هي الأخرى بالملكية الدستورية في مصر عام 1952 وهو الأمر الذي فعله نميري ورفاقه في السودان, بالإنقلاب على نظام ديموقراطي دستوري منتخب في 25 مايو 1969. و بالطبع كان القذافي ونميري تلاميذ غير نجباء لعبد الناصر.
اعلان قيام سلطة الشعب :
لكن بوفاة عبد الناصر وعدم إعتراف القادة العرب بالقذافي كخليفة لعبد الناصر في أمانة القومية العربية, تغيرت توجهات القذافي(الأمر نفسه حدث مع نميري وعلي عبد الله صالح وصدام حسين والإنقاذ,إذ تقلبوا أيضا بين القومية العربية , والإسلاموية) فتم في 2 مارس 1977 الإعلان عن قيام الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى ,بالتالي تحول النظام السياسي من النظام الجمهوري إلى النظام الجماهيري بمؤتمرات شعبية تقرر ولجان شعبية تنفذ.
وفي فبراير 2011 - وبعد نجاح ثورة الياسمين في تونس وثورة شباب 25 يناير في مصر بالإطاحة برأسي إبن علي ومبارك , إستلهم الشعب الليبي تاريخه في مقاومة الإستعمار الإيطالي والبريطاني , فكانت هذه الثورة ذات الكلفة الإنسانية العالية,و التي أفرجت عن كل ما كان مكبوتا طوال 42 عاما وأخرجته إلى العالم, لتصدم اللضمير الإنساني , بمجرياتها الدموية.
الغريب أن ما تشهده ليبيا الآن ,شهده المواطنون السودانيون في جنوب النيل الأزرق وفي شرق السودان وجبال النوبة وجنوب السودان ودارفور , وبسبب أسوار الصمت العالية, وجدران التغييب , والإفتقار لآليات الإعلام الجديد ,لم تجد هذه الشعوب السودانية التعاطف الذي يليق بفداحة الإبادة الجماعية والتقتيل والإغتصابوكل أنواع الظلم التي حاقت بها ..
ولم يفتح الله على القادة والساسة العرب و المسلمون والمجتمع الدولي(الذي كان يعرف لأكثر من أربعة عقود حقيقة ما يجري في السودان, من واقع الإبادة الجماعية لعدد غير قليل من المجموعات الإثنية غير العربية أو الإسلامية) بأي موقف إيجابي , الأمر الذي لم يعد ممكنا الآن بعد أن أثبتت الشعوب بمساعدة الإعلام الجديد,أنها سيدة مصيرها,و أنها قادرة على هدم جدران الصمت وكسر حواجز التغييب, وتحطيم حصون الحكام والساسة المتآمرين, ورفع صوتها الجماعي عاليا, ليصل كل أنحاء العالم , فقد تجاوزت هذه الشعوب قياداتها المدنية والسياسية الهشة والمتآمرة والمتواطئة, ومثقفيها الزائفون, ولم يعد بالإمكان إعادتها خلف قضبان الإستبداد مرة أخرى, كما لم يعد ممكنا إدخالها مرة أخرى حظائر وزرائب الأحزاب. بل أصبحت هذه الشعوب بعبعا يخيف الأنظمة والأحزاب الطائفية والعقائدية وكل الشموليات البغيضة ,من المحيط إلى الخليج, حيث ترتعش فرائص السلاطين والأمراء والملوك والحكام وزعماء الأحزاب ذعرا, في إنتظار نهاياتهم البديعة!
إذن ما تشهده ليبيا من موجة عارمة هبت منذ يوم 17 فبراير 2011 ضمن الإحتجاجات التي شهدتها البلدان العربية مؤخرا، ومازالت جارية حتى الآن لإسقاط النظام، تستصحب معها كل إنتهاكات وجرائم وجرائر الماضي ومظالمه , خاصة في ظل التعقيدات القبلية لليبيا .
بدأت ثورة 17 فبراير الليبية المجيدة إذن, بمظاهرات سلمية, لكن جيش االقذافي وكتائبه الأمنية تعامل معها بعنف شديد استخدمت فيه كافة أنواع الأسلحة ,بما في ذلك الهليكوبتر والطائرات الحربية المتطورة ,في محاولة مستميتة لقمع الثورة, مما نتج عنه تحول الثورة من سلمية إلى ثورة مسلحة أو محمية بالسلاح (كما يحب أخوتنا المناضلين الشيوعيين تسمية هذا النوع من الهبات الجماهيرية) إذن تحولت الثورة إلى ثورة مسلحة, خاصة بعد إنضمام أعداد كبيرة من أفراد الشرطة والجيش الليبيين إلى الثورة الشعبية ,وإستيلاء الثوار على الكثير من الأسلحة من معسكرات الجيش وأقسام الشرطة، وكانت مدن الشرق هي أول مدن تسقط بالكامل تحت سيطرة الثوار ,واستمر العقيد القذافي في حرب شرسة - أشبه بكوابيس التاريخ العربي والمستعرب - ضد الشعب الذي ثار في كل أنحاء ليبيا !.
ظهر العقيد معمر القذافي يوم 26�22011 وقال من برج عال فوق إحدى القلاع العثمانية ,وتحته عدد من المؤيدين بعد أن إنحسرت المدن والقرى المؤيدة له لتصل إلى أجزاء من طرابلس وسرت , قال : سأجعل ليبيا نار حمراء جمرة تحترق . وهو ما يحدث الآن بالفعل , ما يجعل كثير من المراقبين تنتابهم المخاوف بتطور الأمر إلى حرب أهلية , بينما في الوقت نفسه يحاول القذافي توريط الغرب في التدخل العسكري لنقل معركته للحفاظ على السلطة إلى مربع مختلف (الليبيون ضد الغرب) وليس الغرب مع الشعب الليبي وضد القذافي ؟!..عقلية مريضة لدرجة أنها جهنمية!وهي عقلية لا تختلف كثيرا عن عقليات أمثال البشير وعلي عبد الله صالح والمرحوم صدام من قبل.
الحالة الليبية حالة معقدة فثورة ليبيا , تختلف عن ثورات الدول الأخرى ,وربما أن ذلك يعود إلى أن ليبيا القذافي ليس فيها نظام أساسا ليسقطه الشعب , لذلك ثورة الشعب الآن تسعى إلى تشكيل وتأسيس نظام وهو أمر مختلف عما حدث في تونس ومصر البيروقراطية العريقة ,التي تمد جذورها في الإستعمار منذ الفراعنة والهكسوس حتى طرق الفرنسيون والإنجليز أبواب القاهرة.فما تنقله لنا الفضائيات الآن عن مجريات الأحداث في ليبيا, عند مضاهاته بتاريخها يؤكد أن الشعب الليبي وضعته الأقدار مرة أخرى, في نقطة البداية التي سبقت خروج الإستعمار.
بروفايل : القذافي – عبد الناصر :
العقيد معمر القذافي هو زعيم ليبيا، وقائد الثورة في الجماهيرية ,كما يطيب له تقديم نفسه. كما أنه يشغل منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة منذ عام 1969، وشغل منصب رئيس مجلس قيادة الثورة في الفترة (1969 -1977). وهو صاحب أطول فترة حكم لليبيا (42 عاما) أي منذ أن أصبحت ليبيا ولاية عثمانية عام 1551. كما يعتبر حاليا، أقدم حاكم على وجه الأرض.لذا حق للرجل أن يسمي نفسه على كيفو بالمجد والتاريخ والكرامة والشرف !! قبل ثورة ليبيا تعلمنا أن الأسماء الحسنى فقط 99 إسما , ولا يختص بها سوى الحق سبحانه وتعالى ,لكن هذا الرجل يريد إلغاء كل ما تعلمناه , وفطرنا عليه, فماذ نحن فاعلون؟ !!
ويعتبر معمر القذافي من القادة العرب أوالمستعربين الذين تبوؤا السلطة ,في النصف الثاني من القرن العشرين, بعد الصحوة القومية العربية وجلاء الإستعمار الغربي عن العالم العربي وأفريقيا بشكل عام. فكانت له ميول قومية عربية في بداياته، حيث إتجه الى أكثر من دولة لإعلان الوحدة كما حدث مع تونس ومصر وسوريا، إلا أن محاولاته جميعها بائت بالفشل. فيمم وجهه شطر أفريقيا, وتحول مشروعه القومي العربي الى مشروع أفريقي، وهذا مادعاه الى إطلاق لقب "ملك ملوك أفريقيا" على نفسه,إلى جانب العديد من الألقاب المبهرة, تحت وطأة مركب النقص والحاجة الملحة للشعور بالعظمة! بمعنى أن حالة هذا الرجل من المناسب لأطباء مستشفى التجاني الماحي دراستها, لرفد علم النفس في شمال أفريقيا والسودان بنظريات جديدة, حتى يتمكن شعبنا في السودان من التعامل بصورة علمية ,مع مثل هذا النوع من الشخصيات الذين تعج بهم أروقة المؤتمر الوطني والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والحركة الثقافية في السودان.
أثارت أفكارالعقيد(فهو مفكر من النوع الخطير, ويجيد إنجليزية الساحل الليبي بطلاقة,وهي إنجليزية مشابهة لإنجليزية البشير ) التي يطرحها الكثير من الجدل والإستهجان ,من قبل الكثيرون داخل وخارج ليبيا، خاصة بعد إنفرداه بالقرار في البلاد ,لمدة تزيد عن أربعة عقود. وإتهامه وعائلته بتهم الفساد وهدر مقدرات البلاد لسنين طوال وقمع الحريات العامة، بالرغم مما يطرحه من فكر جماهيري بالمشاركة بالسلطة، والذي أوجده في السبعينيات من القرن الفائت حسبما يقدمه في كتابه الأخضر.هذا الكتاب الذي لطالما أغرم به السيد عبد الله ذكريا في السودان.
مضى على استلام القذافي للسلطة في ليبيا نحو 42 عاما، بنى خلالها نظاما غريب الأطوار لا نظير له في العالم على الإطلاق، ليس بالجمهوري ولا الملكي، وإنما هو مزيج من أنظمة قديمة وحديثة، يدعي أنه لا يحكم وإنما يقود ويتزعم، ولكن الواقع يشير إلى أنه يكرس كل الصلاحيات والمسؤوليات في يديه. ستكون مهمة الليبيين لكنس آثار مثل هذا النظام – اللانظام شاقة كيما يتمكنوا من إعادة بناء الدولة وتأسيس نظام له ملامح معروفة في نظرية الدولة, وأشكال الإدارة المعروفة. القذافي هذا كمفكر كارثة حقيقية لا تقل عن كون الترابي كارثة أكبر , فالأخير بين يوم وليلة أصبح معارضا مقبولا لدى أطراف المعارضة, حاجة تجنن!!.
تعرض القذافي خلال فترة حكمه الطويلة, للكثير من الأزمات، ودخل في العديد من الصراعات سواء مع الدول العربية أو مع الغرب، وهو الذي بدأ حياته السياسية في الحكم راديكاليا وثوريا، لكنه أصبح مع الوقت مقربا من خصومه السابقين ,لا سيما مع الدول الغربية التي أصبحت في السنوات الأخيرة من أبرز الشركاء التجاريين والأمنيين للنظام الليبي. تماما كتعاون المؤتمر الوطني الإستخباري مع أجهزة المخابرات الغربية , التي لطالما تغنى أعضاءه ضدها : دنا عذابها !!..
الدكتور عبد الهادي بوطالب يصف معمر القذافي بازدواج الشخصية ,من خلال تعامله مع أنصاره وضيوفه .فيؤكد أن القذافي كان ينفر من الملوك ,ويؤمن أن ثورته صالحة للتصدير ,ويبحث عن أشياء تصدم الناس ، وكشف بوطالب أن الملك الراحل الحسن الثاني قال عن القذافي : "هذا من الذين يؤمنون أن أركان الإسلام على خمس وماعدا ذلك لا يؤمن به" في إشارة من الملك الراحل إلى أن القذافي كعمر البشيرلا يملك القدرة على التعمق في الأشياء. وذكر بوطالب عن عبد الناصر أستاذ القذافي :أن عبد الناصر بدا في مؤتمر القمة الإسلامية الذي إحتضنته الرباط عام 1969 متسولا ضعيفا ومستجديا حيث قال بالحرف الواحد لرؤساء الدول العربية:" أنا عندي السلاح ولكن عاوز بقشيش، من فيكم يعطيني بقشيش....".
الدكتور عبد الهادي بوطالب : في إطار حديثه عن كتابات العراب الصحفي لثورة يوليو 1952 الناصرية المفكر محمد حسنين هيكل :أن هيكل لا يجنح إلى التدقيق ولا يكتف بما سمعه بل يضيف عليه ، كما أن هيكل لا يضبط كلامه وينقل الكثير من الأمور عن نفسه, ولو سألنا هيكل الآن عما يجري في ليبيا سيقول لنا أنه خاطب القذافي قبل قيام هذه الثورة بيوم أو يومين وتحدث معه حول ضرورة إعطاء شعب ليبيا حريته , لكن القذافي لم يوافق؟ مفكرين غريبين الأطوار.حاجة غريبة؟!.لكن نحن مالنا ومال القوالات والقيل والقال ,وكثرة السؤال , فهذه من أعمال أهل النار,لذا فلنواصل حلقاتنا في سلام.
نواصل
أحمد ضحية- ميريلاند
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.