(كلام عابر) بسبب حفنة من "اليوروهات" استقال وزير خارجية اليابان سيجي مايهارا يوم الأحد الماضي بعد أن أقر بتلقيه "هبة" بقيمة 450 يورو من أجنبية تقيم في اليابان وقال إنه تلقى هبات بقيمة خمسين ألف ين ياباني (وتعادل 450 يورو) من سيدة كورية جنوبية من مواليد اليابان تملك مطعما فيها ولا يسمح القانون الياباني بتلقي هبات من أجانب لتجنب تأثر السياسة اليابانية بالدول الأجنبية، ويعيش في اليابان نحومليون كوري جاءت بهم اليابان للعمل بالسخرة قبل حوالي قرن من الزمان وحصل أحفادهم على الجنسية اليابانية في حين آثر آخرون منهم الاحتفاظ بالجنسية الكورية. والمعارضة اليابانية تتهم الوزير المستقيل بأنه تلقى هبات بقيمة مائتي ألف ين (1800 يورو) خلال أربع سنوات. بمعنى أن كل "الفساد" المالي للوزير الياباني خلال اربع سنوات يتراوح بين 450 يورو في حده الأدنى، كما أقر الوزير نفسه، و1800 يورو في حده الأعلى كما تدعي المعارضة، والمبلغ موضوع الخلاف لم يدخله الوزير في جيبه إنما دفع به إلى خزينة حزبه الحاكم(الحزب الديمقراطي). وتقدم الوزير عقب استقالته باعتذاره للشعب الياباني بسبب هذا التصرف ، قبول هبة من أجنبي. حفنة قليلة من اليوروات قضت تماما على مستقبل الوزير السياسي وهو كان مرشحا لخلافة رئيس الوزراء، ولم يسعفه قوله إنه كان يجهل أن هذه المرأة الكورية التي يعرفها منذ طفولته كانت تقدم له هبات. أما السيد جاك شيراك، الذي يحاكم الآن بتهمة الفساد فالمبلغ موضوع المحاكمة لا يتجاوز المائة وخمسين ألف يورو، وهو مبلغ "هايف" يستطيع أن يبتلعه ساعي أو موظف صغير في مكتب أي وزير أو مسئول في بلدان أخرى دون أن يطرف له جفن ودون أن يثير تساؤل أحد. ولهذا يستع الفارق بيننا وبين فرنساواليابان يوما بعد يوم ما دام بعضنا يبتلع "ناقة صالح" بجرأة وثبات وبمأمن تام من العقاب. يعني لو كل مسئول سيستقيل بسبب حفنة مثل هذه لا تذكر من اليوروهات لأصبحت بلدنا خالية من السمئولين على اختلاف درجاتهم ولاضطررنا لاستيرادهم من اليابان مثلما نستورد منها سيارات التويوتا وأجهزة توشيبا. ما هو السر في تميز هذه المجتمعات الأخلاقي علينا رغم كل ما نرفعه من شعارات خلابة. يبدو أنها ثقافة مجتمعية سائدة في تلك المجتمعات تجاوزت مرحلة الشعارات وغدت سلوكا يوميا عاديا، بينما يعاني مجتمعنا بشكل حاد من تناقض الشعارات مع التطبيق. جمعني مجلس بمسئول إعلامي في منظمة دعوية معروفة مقرها الرئيس في دولة خليجية. قال لي إنهم دفعوا حوالي المليوني دولار على أقساط متلاحقة في إحدى ولايات السودان بغرض إقامة منشأة دينية اجتماعية، ومرت السنوات ولكنهم حتى اليوم لايعرفون مصير هذين المليونين. ولم يجد ميعوث المنظمة الإجابة عند الوالي السابق والوالي الحاضر مثلما لم يجد أثرا لطوبة واحدة على الأرض تدل على التفكير في قيام المنشأة، فقرروا من يومها عدم تكرار التجربة. عبدالله علقم بريد إلكتروني [email protected]