توفى والده .. لديه اخوه و اخوات يسكنون فى غرفة صغيرة من الطين و راكوبة نصفها مطبخ و نصفها للتوسيع وليس كالروايات انه اكبر اخوانه لديه اخ يكبره بعامين او ثلاثة و ليس بمهم هذا.. فى منزل جدهم القديم المتهالك.. الطفل بالرغم من حالة البؤس التى يعيشونها كان لديه عقل كأنه مديه و كان لديه فى عقله باب الى الدخول و لا يوجد باب الى الخروج .. درس الاساس فى مدرسة حكومية .. و فى امتحان المرحلة .. احرز نتيجة جعلته الاول على منطقة الخرطوم .. و بالرغم و حالة البؤس و الفقر و الشقاء التى يعيشها فى منزله لم تثنى عزيمته .. و فى الشهادة السودانية اجتهد ما وسعه الاجتهاد ذلك كان يذاكر و يراجع دروسه فى اغلب الاحيان عند الجيران و مرات كثيرة فى الجامع و عندما يأتى لمنزله و وسط ضجيج أطفال الأسرة الممتدة من أولاد خيلانه الصغار و الذين يقطنون بنفس المنزل و اخوانه وعلى ضوء شمعه يذاكر .. كان لديه هدف واضح كلية الطب جامعة الخرطوم .. هكذا كان يحلم و يعمل من اجل تحقيق حلمه .. استطاع ان يحرز نسبة عالية .. تغير نظام ألجامعه و لا يمكن دخول كلية الطب مباشرة .. تغير النظام الى كلية العلوم و بعدها تحدث منافسة بين الطلاب و يتم توزيع الطلبة على كلية الطب و الصيدلة و الزراعة .. و بالرغم من ان نسبته كانت كبيرة و يستطيع ان يدخل الى اى جامعة اخرى مباشرتا الى كلية الطب اختار جامعة الخرطوم لينافس .. و لكن ليس دوما تذهب الامور على ما نريد .. الشاب اكاديمى و لا يفقه فى السياسة شئ .. لديه بعض اندفاع الشباب .. قرر الطلبة فى نهاية العام مقاطعة الامتحانات و الاعتصام .. و قتها كانت الانقاذ فى بدايتها و فى عز بطشها و قوتها .. اندفع مع الطلاب مقاطعا الامتجانات .. لا لشئ يفهمه .. هو لا يعرف ان الحكومة ظلمته ام لا .. حتى الفقر الذى قام فيه و يعيشه يعتبره قدر من الاقدار.. المهم .. كلمة شرف مع الزملاء الذين معه فى الداخليه ان يقاطعوا الامتحانات .. و بعدها اتخذت الجامعه قرارا و امتحنت بعض الطلبة .. ووزعوا الذين جلسوا للامتحان كليات الطب و الصيدلة وتم رفد الشاب المسكين .. انهار صديقنا الشاب و اظلمت الدنيا فى عينيه و احلامه تنهار امامه .. فى لحظة انفعال قرر الهجرة و ترك الوطن .. سمع بقصته الاهل و الحيران جمعوا له مبلغ ليبلغ غايته.. ذهب الى مصر كبداية طريق نحو الهجرة .. مكث قرابة العام .. فى الوقت الذى تم قبول طلبه للهجرة .. كان قد مضي عام.. كان بعض اصدقائه و زملائه بالجامعه .. قدموا له بلجنة القبول وفقا لقانونها.. و وجدوا انه اذا تم فصل الطالب لمدة عام يحق له المنافسة و التقديم مرة اخري .. وتم قبوله حسب القانون .. اخطروا صاحبنا بأنه تم قبوله بجامعة الخرطوم كلية الطب .. لم يصدق الشاب البائس لملم حقائبه و عاد راجعا .. السعادة بالوطن و بجامعة الخرطوم لا حدود لها .. تراقص الامل امامه .. دخل الى الجامعه مندفعا متحمسا سعيدا و شعر كأنه صلاح الدين الايوبي دخل الى حصن منيع بعد ان فقد الامل .. صلى وكبر فى جامع الجامعه شاكرا الله على هذه النعمة .. و لكن دائما القدر لا يتركه فى حاله .. و كأن الشقاء يترصده و كأن الدنيا تأبي ان تعطيه قليلا من السعادة .. كان مدير الجامعه وقتها الدكتور مأمون حميدة .. عدد من الطلبه قبلوا بنفس الطريقة و هم دفعة واحده التقوا فى نفس الاشكالية .. كلهم غير سياسين ما عدا واحدة كانت سياسية نشطة فى احد الاحزاب ... بعد ثلاثة اشهر من الدراسة احدهم همس فى اذن مدير الجامعه بأن فلانه هنا بالجامعه .. لم يجد المدير الا التنكيل بهم .. هؤلاء الطلبة حظهم العاثر .. بينهم شقية واحدة .. جعلتهم فى مواجهه مع مدير الجامعه.. اصدر المدير قرار بوقف هؤلاء الطلبة .. انهار صديقنا .. صار طالب مع وقف التنفيذ .. أضر هؤلاء الطلبه بما فيهم السياسية اخيرا ان يتركوا الجامعة لان الوقت يمضى .. بعضهم سافر و اكمل دراسته خارج السودان و بعضهم تحول الى جامعات اخري .. تبقي ثلاثة فقط .. صديقنا واحد منهم .. مرت سنين انهكته .. مرة وجدوه يعمل عامل فى مصنع ...و قصة طويلة من ألالم و مسلسل من المحاكم .. تخرجت دفعته و هو ماذال يجرى من محكمة الى محكمة .. حكمت له المحكمة فى صالحة و تم اعادة تسجيله كان الوقت قد مضى .. لم يستطع تحقيق رغبته فى المواصلة .. اختار اللغه العربية مهنته فى التدريس .. و وجد نفسه طالب بكلية الاداب قسم اللغة الانجليزية فى جامعة السودان .. بعد مضى 18 عام هو الان و فى الوقت الحالى فى العام الدراسي الثانى .. عمر عثمان [email protected]