شاهد.. مقطع فيديو للفريق أول شمس الدين كباشي وهو يرقص مع جنوده ويحمسهم يشعل مواقع التواصل ويتصدر "الترند"    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    شاهد بالفيديو.. لاعبون سودانيون بقطر يغنون للفنانة هدى عربي داخل الملعب ونجم نجوم بحري يستعرض مهاراته الكروية على أنغام أغنيتها الشهيرة (الحب هدأ)    محمد وداعة يكتب: مصر .. لم تحتجز سفينة الاسلحة    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    الدردري: السودان بلدٌ مهمٌ جداً في المنطقة العربية وجزءٌ أساسيٌّ من الأمن الغذائي وسنبقى إلى جانبه    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    مدير المستشفيات بسنار يقف على ترتيبات فتح مركز غسيل الكلى بالدندر    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    لم يقنعني تبرير مراسل العربية أسباب إرتدائه الكدمول    نشطاء قحت والعملاء شذاذ الافاق باعوا دماء وارواح واعراض اهل السودان مقابل الدرهم والدولار    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رفيدة ياسين تكتب على حافة الموت الحلقة الاخيرة..هكذا(...) هربنا مما يعرف بالشبيحة...!
نشر في السودان اليوم يوم 28 - 11 - 2012


على حافة الموت الحلقة الأخيرة
قصص الحرب من قلب الاحداث في سوريا...!
كيف نجونا مما يعرف ب"الشبيحة"...!
هناك (....) شممت رائحة الموت...!
رفيدة ياسين
[email protected]
بدأت إحدى سيارات الجيش التركي تقترب ، بينما كنت عالقة في السلك الشائك للحدود، لا أنا في سوريا ولا أنا في تركيا ، ولا كنت أعلم آنذاك إلى أين سينتهي بي المطاف في هذه الرحلة ...!
توقف عقلي عن التفكير...ولم أكن قادرة إلا على الاستسلام
لما هو قادم بلا مقاومة ، فقد أرهقني حقاً ما لاقيته طوال اليوم ولم يعد بوسعي احتمال المزيد .
فوضت أمري إلى الله ،ولجأت للتراب الذي بقيت عليه بلا حراك وأنا عالقة ..لا أرى لا أسمع لا اتكلم للحظات حتى انتهت تلك الأوقات العصيبة، فالليل كان "ستّارا" ومرت العربة بسلام دون أن يلاحظني أحد ربما الأشجار المنتشرة في هذه المنطقة لعبت دوراً في تشتيت الأنظار.
انتظرت لدقائق حتى لملمت أعصابي المتناثرة في أرجاء
المكان، وتمالكت نفسي من جديد ، بعدها ظهر من اختفوا وتركوني وحدي ، وعاودوا مساعدتي على العبور مرة أخرى ..محاولاتهم هذه المرة باءت بالنجاح ..فقط خرجت منها بخرق ملابسي في أكثر من جهة.
نصر العودة..!
استقبلني زملائي على الحدود ، بعلامات النصر ..نعم النصر
فالنصر في مجالنا هو تغطية ما يجري في سوريا والوصول لقلب الأحداث ومن ثم العودة بأقل خسائر ممكنة .
كعادتنا تبادلنا التهنئة بالعودة سالمين ، دون الخوض في كثير
حديث ، فكلنا يعلم أن القادم من هناك ليس بحاجة لشيء سوى الارتياح من عناء التفاصيل ولو لبعض الوقت.
ربيع لم يستمر..!
بابتسامة تعيد للحياة رونقاً وإن كان لحظياً ..جاءتني
فطومة الطفلة السورية الجميلة ابنة الخمس سنوات ، التي اعتدت لقاءها قرب المخيم وعناقها كل يوم عند الحضور إلى الحدود ومغادرتها...بين يديها الصغيرتين عالم كبير من الأحضان الخضراء ، ومن عينيها الزرقاوين تطل براءة تذكرني بقول محمود درويش بأنه ما يزال على هذه الأرض ما يستحق الحياة.
سألتني فطومة وكأن مظهري الذي عدت به يحكي ما لاقيته دون الكلام : "كنتي في سوريا ما هيك...؟..اجبتها نعم ،
فقالت : "من شان الله أوعديني المرة الجاية خديني معك اشتقت لضيعتنا كتير" ، لم اتمكن من وعدها بالطبع ،واكتفيت بإبلاغها أنه سياتي اليوم الذي تعود فيه لبلدتها.
فارقت فطومة بقبلة على جبينها ، وقد حوّلت هذه الصغيرة خريف يومي لربيع لم يدم طويلا ، ويبدو أنه ارتبط بحضرتها فقط.
أرق وبرد...!
قضيت ليلتي اُصارع الأرق في الأراضي التركية ببلدة غازي عنتاب حيث اُقيم ، فكان انهاكي النفسي يفوق الجسدي بمراحل..
حاولت استراق بعض الوقت للنوم بعيدا عن ذاكرتي التي تعج بأحداث يوم عنيف .
استيقظت في الصباح الباكر...كان الجو ماطرا ، لسعات شتاء برد تركي حاصرتني ،ولم تتمكن نار المأساة في دواخلي من التغلب عليها، ولا حتى دفء كوب الشاي الأخضر الذي اتناوله كل صباح ، ففضلت البقاء بالفندق لإنجاز ما قمت بتصويره من عمل في رحلتي إلى سوريا وقد كان ، لكن ما إن انتهيت وأخذت قسطاً من الراحة إلا وبدأت أفكر في التخطيط للذهاب إلى سوريا مرة أخرى والاستفادة من أخطاء رحلتي الأولى.
إلى سوريا مرة أخرى..!
وجهتي هذه المرة إلى سوريا كانت عبر مدينة أنطاكيا جنوبي
تركيا ، حيث الطبيعة الخضراء الساحرة ، على نهر العاصي والتي يتجلى كبرياؤها عند سفح جبل سيلبيوس وتبعد المدينة حوالي ثلاثة ساعات ونصف برا بسيارة "حمولة" عن مكان إقامتي في غازي عنتاب..سكان انطاكيا غالبيتهم مسلمين ويتحدثون اللغة العربية ما سهّل مهمتنا هذه المرة.
قررت أن تكون رحلتي من هناك لشمال سوريا بلا مهربين رغم هروبي مرة أخرى ، فاستعنت فقط بأبناء المنطقة من البلدين الذين يعرفون طبيعة هذه المنطقة الجبلية والتنسيق مع رجال الجيش الحر عند الوصول.
أدخنة تتصاعد..!
أخذني من أخترتهم رفقتي إلى قرية غواتشي التركية ، ظللنا
نمشي مسافة ما يزيد عن ساعتين سيراً على الأقدام في طرق وعرة عبر الجبال.. نرى من بعيد أدخنة سوداء تتصاعد في السماء جراء القصف العنيف لطائرات الأسد على بلدات سورية عدة،
لم يكن هناك انتشار كبير للأمن التركي في تلك المنطقة ،
وربما وجود أبناءها معي ذلَّل عقبات مرور الحدود عبر ممرات آمنة.
الطريق كان زاخرا باللقاءات ، فخلال مسيرنا بين الأحراش
لاقينا عشرات النازحين الفارين من هول الاشتباكات في
منطقة جسر الشغور في طريقهم إلى الداخل التركي بحثا عن فرصة للجوء يبقى بالنسبة للكثيرين منهم خيارا يقيهم أخطار الحرب وإن كرهوه .
جاءوا وهم يحملون همومهم وما تبقى لهم من أغراض.
كان الغالبية منهم أطفال ونساء وكهلة ساروا لمسافات
طويلة في طريق نحو المجهول ، فقد يمنعهم رجال الجيش التركي الدخول إن صادفوهم، وقد يصلوا ولا يجدوا مكاناً لهم في المخيمات ، فيبقوا أرقاما إضافية في العراء بين صفوف انتظار ليد عون من أي جهة لا يأبهون كالآلاف الذي يعيشون في المخيمات المؤقتة على الجانب السوري من الحدود بين البلدين وإن كانت الأولى بلادهم التي طردتهم خوفا من الحرب ، فالثانية هي الملجأ الذي لم يتمكنوا من الوصول إليه.
معاناة فرار الللاجئين..!
كان أبو عبد الله ذلك الكهل الذى تجاوز الثمانين خريفًا من
العمر، يتوكأ على عصاه علَّها تعينه على مصاعب ما قد يلاقيه خلال الطريق استهل حديثه إلى متسائلا : "عليش ها التعب كله واحنا ما بنعرف الطريق..طريقنا وعر كتير يا بنتي وما بنعرف ايش سوينا من شان يخلونا نترك ديارنا وبلادنا واحنا بها العمر، ما بحكي عحالي بس ، كيف ما تشوفي معنا نساء وصغار ما بيحملوا هالعناء ايش ذنبهم
هادول يا بنتي ايش ذنبهم ووين العالم من اللي بيديروه فينا..؟وين حقوق الانسان يابنتي...؟! ،
لم تكن لدي إجابة لأقولها إليه فما كان مني إلا أن ساعدته لكي يرتاح أرضاً من عناء الطريق ، واتجهت لسيدة ثلاثينية برفقتها ثمانية اطفال في أعمار مختلفة قالت لي :
"ما تسأليني الله يخليكي ويش فيني ، انا فيني اللي مكفيني وزايد ويمكن يكفي بلاد ومن كتره والله ما بينقال وما بدي شي غير بس اولادي ما يموتوا ، فوتي واتركينا لحالنا الله يخليكي " ،انهت كلامها وهي تشاور بيديها لأبتعد عنها ،عذرتها لطريقة حديثها فبكاء طفلها الرضيع الذي تحمله على كتفيها ، وصراخ أخته التي تكبره بما يقارب العامين إضافة لألف ألف كلمة شكوى وسؤال من بقية أطفالها. كان كفيل لشرح حالتها واستيائها من الكون بأسره.
حقائق مرة...!
حاولت مع غيرها ، فكان الكثيرون يخافون مما يمكن أن يحل بهم مما وصفوه من بطش الأسد ورجاله إن ظهروا في وسائل الإعلام.
قررت فراقهم لكن صوت إحدى السيدات دفعني للبقاء لسماعها وهي تقول : "بتريدي تعرفي ليش احنا جينا هون ..انتي بتعرفي " وواصلت :
"إيه بتعرفي..يعني ما بتعرفي إنه بيرموا علينا البراميل المتفجرة؟؟ وإنه بيقصفوا بيوتنا بالطائرات؟؟ ، معقول ما بتعرفي إنه بيقتلونا وبيقتلوا صغارنا بلا سبب، والله بتعرفي وحتى لو ما بتعرفي شو راح تسويلنا ؟؟؟ راح توقفي الحرب؟؟ راح تآويينا؟؟
كلكم بتاجروا بقضيتنا أنته الإعلام وما بتقدمولنا شي".
احترمت غضبتها ، ولم اعلق على ما قالته فبعض كلامها صحيح؟؟ بالفعل ليس بيدي وقف الحرب لكنها لم تكن قراري ولم أشارك فيها ، عذرتها لأنني أعلم كما قالت غالبية ما يجري لهم ، لكني جئت إلى هنا وحاولت معايشة ولوبعض تجاربها لأعرف أكثر ..ولكي تكون الصورة التي انقلها أصدق من تلك التي تردني من وكالات الانباء ويمكنني استخدامها وانا جالسة على مكتبي المكيف واكتب وانا ارتشف من فنجان قهوة ما يعينني على التعامل مع المآسي كمواقف عادية ، ومع القتلى كمجرد أرقام عابرة عن طريقي إلى إحدى النشرات...!
تركتها ومضيت حزينة لأن ما قالته عن متاجرة الكثيرين
بقضيتها صحيحا ، ولأنني أعلم من الحقائق ما لا يقال ، رغم كل محاولاتي البحث عنها ولو كلفني ذلك حياتي .
لكن تلك السيدة لا تعلم أن سرد كل الحقائق قد لا يسمح لها ولغيرها الوصول إلى بر آمن، وقد..وقد...وقد....!
خطوط إمداد خلفية...!
واصلنا سيرنا إلى الداخل السوري لنصف ساعة أخرى كنا
نستمع فيها لدوي انفجارات يهز الجبال التي كنا نسير خلالها ولا نعلم مصدره ، خلال الطريق رأينا آثاراً منتشرة لقواعد إمداد خلفية يبدو أنها للجيش السوري الحر من خلال البستهم الملقاة على الأرض.
بعض الخيام لا تزال منصوبة ، وبها بقايا طعام وجوالات للطحين ،وأحذية بما يشبه (البوط) وأسلحة بعضها بيضاء وبعضها خفيفة لكنها خَرِبة...!
تقدمنا قليلا بعد أن قمنا بالتصوير ، فالتقينا بأحد عناصر الجيش الحر قال لنا إن هذه المواقع بمثابة خطوط امداد خلفية بالفعل يلجؤون إليها بعد عناء معارك ضارية مع رجال الأسد قبل سيطرتهم على غالبية البلدات التي باتوا يسيطرون عليها كما يقولون.
حذرنا الرجل من الاستمرار في ذات الطريق لما وصلهم من
إشارات ومعلومات عن كمين مرتقب لما يعرفوا بالشبيحة يمكن أن تحدث خلاله اشتباكات عنيفة وتراق فيه الكثير من الدماء ،
فكرت لوهلة في طرح اقتراح على من كانوا معي بتغطية هذاى الحدث ،فقد كنت أتمنى رؤية الشبيحة على الطبيعة ،وربما الحظي بسبق تغطية تلك المعركة ، لكن لهجة الحسم التي سأل بها زميلي المصور عن الطريق الآخر لغت كل محاولاتي لإقناعهم ، فهو يعرف تماما ماذا أريد ..؟وكيف أفكر...؟
رائحة الموت....!
قرار الجماعة فرض علي الاتجاه إلى الطريق الآخر الذي أرشدنا إليه أحد عناصر الجيش الحر ، بالتنسيق مع أفراد كتيبته للقاءانا هناك.
بالفعل ذهبنا معهم إلى بلدات منطقة ريف جسر الشغور وهي بكساريا وبداما وعين البيضا وخربة الجوز وغيرها من البلدات التي يسيطر عليها الجيش الحر .
شوارع تلك البلدات تحكي قصص معارك لم يمر عليها وقت طويل، فلا تزال الدماء باقية على جنبات الطريق ، ورائحة الموت تزكم الأنوف في كل مكان ، ولا تزال الشعارات المؤيدة للأسد باقية على جدرانها رغم انتشار علم الثورة بين مبنىً وآخر من المباني القليلة التي صمدت وسط كل ما يحيط بها من ركام وأنقاض...!
قصص النسوة ...!
لا كهرباء في هذه البلدات ..ولا ماء إلا من القساطل الموجودة في أطراف كل بلدة ، أما الطعام فيقتصر على ما تخبزه النسوة من الطحين القليل الذي يحضره لهن الجيش الحر لإطعام أطفالهن ورجال الحي.
بين نارين تعيش هؤلاء النسوة نار الخوف ونار الحاجة،
كانت أحداهن تخبز على فرن صغير بجوار بيت مهدوم ، وهي لا تدري أي نار تُسوِّي عجينها ، اقتربت منها لأتحدث إليها فرفضت، كما رفضن غيرها لأن غالبية البلدات التي نزحن منها لم يُحسم فيها الموقف على الأرض لأي من أطراف النزاع بعد.
ابلغتها أنني جئت إلى هنا لمساعدتها وسجلت لها وعداً بعدم
القيام بما يمكن أن يؤذيها فاتفقنا أن أخفي وجهها قائلة والدموع ترغرغ في عينيها :
"والله لو شافوني بيقتلوا اولادي بيكفي مات زوجي ما باقيلي غير أولادي، وهما قوة واحنا ضعاف بس تكالنا على الله"
حاولت طمأنتها مرة أخرى بأنها مثل أمي ولن أخلف وعدي
معها أبدا ، اطمأنت إلي نسبيا فذكرت أنها نزحت من جبل الاكراد إلى هنا لأن الجيش الحر يسيطر على هذه المناطق التي يجدونها أكثر أمانا من غيرها وإن لم يكن ذلك كافيا للشعور بالأمان كما روت لي،
فطائرات النظام تقصف المباني بين وقت وآخر واحتمال الخطر يبقى موجودا لكنه أقل من ضيعتها على حد قولها ، سألتها عن الوضع في جبل الأكراد وأبلغتها أنني أفكر في الذهاب إلى هناك،
لكني تفاجأت بردة فعلها إذ احتضنتني وظلت تبكي بحرقة لا
أعرف سببها وما إن هدأت قليلا إلا وقالت : "انتي مش قلتيلي أني مثل أمك بالله عليكي لا تروحي هونيك أكيد أمك بتنطر رجعتك ارجعي لأمك يا ابنتي اسمعي كلامي لاتروحيلها خبر الله يرضى عليكي ارجعي" اختتمت حديثها ويد تمسح دموعها المتساقطة والأخرى تربت بها على كتفي ذهبت اتجول في المنطقة لرصد الاوضاع هناك ولقاء أناس
أخرين، فإذا بشابة عشرينية تقلب الملابس في مياه ساخنة حد
الغليان موضوعة في اناء فوق جمرات الفحم، بينما تحاول ابعاد صغيرها الذي لم يتخطى العامين عن نار الفحم المشتعلة كما دوخلها ،
سألتها عما تفعل قالت لي إن هذه وسيلتها الوحيدة لغسيل
الملابس ، اسمها أم أحمد زوجها انضم لصفوف الجيش الحر ، روت لي أنها جاءت من جبل التركمان بسبب الاشتباكات
العنيفة الدائرة هناك ، أما عن حالها هنا فقالت إنها تفترش الأرض لتنام وصغيرها كل ليلة وهي مسكونة بالخوف ،
وأنها لا تزال تحزم حقائبها استعدادا للرحيل في حال تجدد
أعمال العنف في هذه المنطقة ، فالجيش السوري عندما يحاول استعادة منطقة تمكن الجيش الحر من السيطرة عليها يكون أكثر شراسة من أي وقت مضى ..!
حصيلة اللقاءات..!
خرجت من لقاءاتي بالنازحين في الداخل السوري ببؤس
الحال، ونقص المعونات مع حلول فصل الشتاء ، ومن لقاءاتي بقيادات الجيش الحر في هذه الأماكن خرجت بشكاوى متكررة بنقص الذخيرة أو وصول أسلحة فاسدة عن طريق بعض محاولات الاختراق لصفوفهم من قبل من يصفونهم بالمُندسِّين ممن يدَّعون أنهم انشقوا من صفوف رجال الأسد لينضموا للجيش الحر ويكونوا بمثابة نواة لتسريب المعلومات ما يسهل عليهم مهمة ما يطلقون عليه القضاء على الإرهابيين.
أموات على قيد الحياة...!
غربت شمس هذا اليوم الحافل بأجواء الخذلان والانهزامات،
وحل الليل معتَّقاً بسديم عتمة واقع كان لابد من فراقه
فما أصعب شعور هؤلاء الناس بالمنفى في أرض الوطن ، ليعيشوا حياتهم بطعم الشتات وسط أكوام الخراب ، لا يتحدثون إلا إذا لزم الأمر لكنهم في ذات الوقت يتقاسمون همومهم كل ليلة كما يتقاسمون خبزهم ، ولو بمجرد نظرة مواساة ومؤازرة يتبادلونها مع بعضهم البعض..
هم يتشبثون بآخر خيوط الضوء وهي تصارع احتضار النهار ..وفي الليل ينتفضون كالريح خوفا من المجهول الذي قد يحمله لهم فجر يوم جديد.
هي قصص أموات على قيد الحياة ، واقعهم أكثر قساوة من
سرده، وقد تعجز حروف كل لغات العالم عن وصفه كما هو.
طريق العودة...!
عدنا في طريقنا كما أتينا ، ظللنا نسير ونسير ليلا في
ذات الطرق الجبلية الوعرة ولا نكلم بعضنا البعض ، لا صوت إلا لأقدامنا عندما ترتطم بحجر أو صخرة تكاد توقع أحدنا أرضا وسط الظلام الدامس ، فالضوء كان ضمن الممنوعات المُحرَّمة علينا في هذه الرحلة ، ولو كان نور جهاز "موبايل" لأنه سيجعل منا هدفاً لا محالة.
كلما تعبنا جلسنا لدقائق للارتياح قليلا، ومن ثم المواصلة
حتى عدنا بأمان وإلى هنا أكتفي بهذا القدر من نقل معاناة المدنيين السوريين العُزّل الذي هم ضحايا هذه الأزمة. وأخيرا أعتذر لما سببته لكم من ألم عن غير قصد ،رغم أن الواقع كان أكثر قساوة مما يمكن أن تتخيلون لكن هذا ما تفرضه علي واجبات مهنة البحث عن المتاعب...! ودمتم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.