بقلم : عثمان نواي يعانى السودان من نزاعات وحروب اهلية مزمنة منذ استقلاله فى 1956. وطوال فترة الحروب التى للاسف لا تزال مستمرة فى مناطق دارفور , جبال النوبة و النيل الازرق,فان نساء السودان كن هن الطاقة الكامنة التى واجهت بشجاعة فريدة الظروف الانسانية الكارثية التى عانى منها مواطنو مناطق الحرب بما فى ذلك جنوب السودان قبل انفصاله فى يولو 2011. وعلى الرغم من قلة التعليم وانعدام وسائل الدعم والتنمية لنساء مناطق الحروب فى السودان الا انهن وفى اغلب الاحيان كن العائل الوحيد للاسرة, سواءا فى مناطق النزوح واللجوء داخل وخارج السودان او فى مناطق الحروب ذاتها . فمع اضطرار الرجال الى الذهاب الى القتال او عجزهم نتيجة للاصابات الجسدية والنفسية البالغة جراء الحرب المشتعلة او نتيجة لموتهم , وجدت النساء انفسهن فى مواجهة الحياة اليومية القاسية , وبقوة مدهشة تحملت نساء السودان فى مناطق النزاعات عبء التعامل مع غياب الزوج والاخ والابن, او العائل الاساس للاسر فى مجتمعات تقليدية وزراعية فى الغالب و مهمشة عن مشاريع التنمية والتعليم. وفى ظل هذه الظروف كانت النساء هن القائدات لمراكب حياة الاف الاسر الى بر الامان, عبر تحمل قسوة العمل فى الاعمال الهامشية فى المدن ومناطق النزوح المختلفة داخل السودان ودول اللجوءو خارجه , مما عرضهن لقدر كبير ومتنوع من الانتهاكات لحقوقهن ولكن ايضا اظهر طاقة متفجرة وكامنة كانت عونا لهن فى تحمل تلك الازمات و ولكن بمقابل مرتفع , حيث كانت خسارة النساء لا تشمل فقط خسارة الارض والممتلكات والاحبة , ولكنها شملت ايضا خسارة الكرامة الانسانية والمواطنة الكاملة بسبب حالة النزوح واللجوء ودمار مقومات الحياة فى الارض الام ,الذى زاد من معاناة نساء السودان من مناطق النزاعات. سجينات مجهولات: منذ 11نوفمبر 2012, تقبع فى معتقلات نظام الخرطوم فى مدينة كادقلى بولاية جنوب كردفان, اكثر من 30 امرأة من نساء جبال النوبة , واللائى اعتقلن اشتباها فى علاقتهن بالحركة الشعبية\ قطاع الشمال, التى تحارب الحكومة فى منطقة جبال النوبة منذ يونيو 2011. ورغم ان هؤلاء هن نساء مواطنات عاديات ليس لهن اى انشطة سياسية او اى علاقة بالحركة اوغيرها , كما انهن موظفات ومعلمات وبعضهن ربات بيوت , الا ان اجهزة الامن السودانية لم يعنيها ذلك فالاعتقال فى جبال النوبة يتم على اساس اثنى وليس قانونى , خاصة وانه اعتقال تعسفى لا تسنده اى تهم او اجراءات قانونية. ولاربعة اشهر الان تقبع المعتقلات فى سجون حكومة الخرطوم فى ظروف انسانية سيئة حيث تحتجز 30 امرأة و6 اطفال فى زنزانة 4X5متر بدون السماح لهن بزيارة ذويهن او السماح لاطفالهن المعتقلين معهن بالحصول على العناية الصحية والغذاء الكافى. وفى ظل التعتيم الاعلامى المفروض على منطقة جبال النوبة وغيرها من مناطق الحروب فى السودان والقيود على الصحافة ومنظمات المجتمع المدنى تظل هؤلاء النساء سجينات مجهولات ولا يعرف عنهن الاعلام ولا العالم الخارجى شيئا. وفى ظل هذا الصمت تتواصل معاناة هؤلاء النساء اللائى يعبرن عن شجاعة بالغة فى تحمل الاعتقال والتعذيب ولكن الامر الاقسى هو ان تكون شجاعتهن تلك وتحملهن لتلك الظروف خفيا عن العالم وبعيدا عن ان يجدن اى تضامن وبقدر كافى مع قضيتهن, حتى يشكل ضغطا على النظام لانهاء اعتقالهن فى اى وقت قريب. نضال من اجل الحياة : وفى الحين الذى تحتفل نساء العالم هذه الايام بيومهن العالمى, وبانجازات متعددة حققتها النساء فى مجال نيل الحقوق و تمكين النساء , تعيش عشرات الالاف من نساء جبال النوبة والنساء فى مناطق الحروب الاخرى فى السودان فى حالة من اليقظة الدائمة فى محاولة للهروب من القصف العشوائى لطائرات الجيش السودانى على قراهم المدنية المعزولة. وحين يحالفهن الحظ وينجين من القصف فانهن يواصلن العيش فى حالة الرعب الدائم من الاغتصاب والاعتداء الجنسى من المليشيات التى قد تداهم تلك القرى برا فى اى وقت , وان كان ذلك اليوم هادئا وذهبن للاحتطاب فان خطر الاختطاف والاغتصاب يظل قائما من قبل المليشيات ونتيجة لغياب الامن فى تلك المناطق . ففى الوقت الذى تحتفل المرأة فى كل انحاء العالم بعيدها, وسط انجازات كبيرة فى كافة ميادين حقوق النساء , سواءا فى المشاركة السياسية اوصناعة القرار, فان النساء فى جبال النوبة ومناطق الحروب فى السودان لا زلن يكافحن فى كل لحظة من اجل الحق الاساسى فى الحياة. شجاعة وتحدى: وفى تحدى لكل القيود الاجتماعية والامنية خرجت نساء السودان من مختلف المناطق فى مقدمة التظاهرات المنددة بالنظام القائم فى الخرطوم فى سلسلة من الاحتجاجت التى واكبت الربيع العربي , والتى ادت لاعتقال العشرات من النساء وتعرضهن للتعذيب وكافة انواع العنف والتمييز. وكانت القيادة للنساء فى كثير من الاحتجاجت وكانت لهن المابادرة فى السعى لتغيير الوضع القائم الذى هن اكبر المتضررين منه خاصة فى مناطق النزاعات. وكان اعتقال المناضلة حواء عبد الله النازحة فى معسكرات النزوح فى منطقة دارفور فى مايو 2011, وتعرضها للتعذيب والتنكيل ومن ثم اطلاق سراحها , كان سببا فى اختيارها من اكثر النساء شجاعة فى العالم فى 2012 من قبل السيدة الاولى فى الولاياتالمتحدة ووزيرة الخارجية الامريكية وقتها هيلارى كلينتون, تقديرا لشجاعتها فى مجال النضال من اجل حقوق النازحين فى منطقة دارفور. ولم يمر العام على اعتقال حواء حتى تقدمت الى ميدان التضحية بالحرية والشجاعة البالغة الاستاذة المعلمة جليلة خميس من منطقة جبال النوبة والتى اعتقلت فى مارس 2012 , بسبب رعايتها واستضافتها للعشرات من الفارين من الحرب فى جبال النوبة و حديثها علنا عن الاوضاع الانسانية هناك, لتكمل جليلة مسيرة حواء فى تحدى القيود والخوف والصراخ عاليا فى وجه المظالم التى تلحق ليس فقط بالنساء ولكن بالشعب السودانى ككل. ولذا فانه رغم خسارة هؤلاء النساء لاشهر من حريتهن الا انهن يعطين الاحتفال بيوم المرأة العالمى قيمة اضافية مليئة بالتضحيات والشجاعة فى تحمل الخسارة , لتكون نساء السودان هن الكاسب الاكبر بشجاعتهن وقدرتهن الفريدة على الصمود والتحدى. [email protected] http://osmannawaypost.net/