«زيارة غالية وخطوة عزيزة».. انتصار السيسي تستقبل حرم سلطان عُمان وترحب بها على أرض مصر – صور    تدني مستوى الحوار العام    مخرجو السينما المصرية    د. ياسر يوسف إبراهيم يكتب: امنحوا الحرب فرصة في السودان    هل ينقل "الميثاق الوطني" قوى السودان من الخصومة إلى الاتفاق؟    كلام مريم ما مفاجئ لناس متابعين الحاصل داخل حزب الأمة وفي قحت وتقدم وغيرهم    الأمن، وقانون جهاز المخابرات العامة    مرة اخري لأبناء البطانة بالمليشيا: أرفعوا ايديكم    تأخير مباراة صقور الجديان وجنوب السودان    أمجد فريد الطيب يكتب: اجتياح الفاشر في دارفور…الأسباب والمخاطر    الكابتن الهادي آدم في تصريحات مثيرة...هذه أبرز الصعوبات التي ستواجه الأحمر في تمهيدي الأبطال    شاهد بالصورة.. حسناء الفن السوداني "مونيكا" تشعل مواقع التواصل الاجتماعي بأزياء قصيرة ومثيرة من إحدى شوارع القاهرة والجمهور يطلق عليها لقب (كيم كارداشيان) السودان    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    من سلة غذاء إلى أرض محروقة.. خطر المجاعة يهدد السودانيين    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    تفشي حمى الضنك بالخرطوم بحري    بالصور.. معتز برشم يتوج بلقب تحدي الجاذبية للوثب العالي    المخدرات.. من الفراعنة حتى محمد صلاح!    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    محمد سامي ومي عمر وأمير كرارة وميرفت أمين في عزاء والدة كريم عبد العزيز    مسؤول بالغرفة التجارية يطالب رجال الأعمال بالتوقف عن طلب الدولار    لماذا لم يتدخل الVAR لحسم الهدف الجدلي لبايرن ميونخ؟    مصر تكشف أعداد مصابي غزة الذين استقبلتهم منذ 7 أكتوبر    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    مقتل رجل أعمال إسرائيلي في مصر.. معلومات جديدة وتعليق كندي    النفط يتراجع مع ارتفاع المخزونات الأميركية وتوقعات العرض الحذرة    توخيل: غدروا بالبايرن.. والحكم الكارثي اعتذر    النموذج الصيني    غير صالح للاستهلاك الآدمي : زيوت طعام معاد استخدامها في مصر.. والداخلية توضح    مكي المغربي: أفهم يا إبن الجزيرة العاق!    موريانيا خطوة مهمة في الطريق إلى المونديال،،    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    الجنيه يخسر 18% في أسبوع ويخنق حياة السودانيين المأزومة    إسرائيل: عملياتنا في رفح لا تخالف معاهدة السلام مع مصر    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    الولايات المتحدة تختبر الذكاء الاصطناعي في مقابلات اللاجئين    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في سؤال العقل في الفكر السوداني ..
نشر في السودان اليوم يوم 23 - 05 - 2013


في الهامش:
يستحق الأخ محمد أحمد محمود الكثير من الشكر والامتنان بسبب عطايا الروح والعقل التي ينفحنا بها، مرتقيا بالاسئلة الفكرية الجرئية، والمفزعة لذلك اليقين الراكد، ومقلقة لايمان العجائز الذي يتمناه المثقفون السودانيون، كسالي العقل، وخامدو الروح والحس.ومن آخر أروع الهبات كان سفره العظيم:" نبوة محمد –التاريخ والصناعة.مدخل لقراءة نقدية"(لندن،مركز الدراسات النقدية للأديان،2013،474 صفحة).
دشن الكتاب حوارا جادا اتمني الا ينزل من هذا المستوي وأن تكون فرصة للارتقاء بالحوار بين المثقفين السودانيين.فقد كان للإسلامويين السودانيين فضل ادخال ثقافة الهتر والاسفاف والبلطجة الفكرية ليخدم كل ذلك الابتزاز السياسي ويمهد لما نعيشه.فقد "برطع"صبية الجبهة الإسلامية في الساحة بعد انتفاضة والديمقراطية الثالثة1986-1989.ولم يزجرهم شيوخهم ويؤدبونه بعفة الإسلام وأخلاقه.فقد كانت الاستراتيجية شبيهة بغسيل الاموال،وهي غسل فترة للسدانة لنميري من المصالحة1977 وحتي مارس1985 قبل انتفاضة ابريل1985 بأيام حين انقلب عليهم،وكان الادعاء انهم آخر من خرج من السجون.بينما هم في الحقيقة آخر من طردهم النميري من السلطة.وقد ادخل الإسلامويون السودانيون الفكر في عصر مظلم عقليا ومنحط اخلاقيا.ومع السطو الديني الذي تعيشه البلاد منذ انقلابهم المشؤوم والعقل السوداني كل يوم يرذل.ونجحوا في اقامة مجتمع يتعايش فيه الانحلال والتفسخ الاخلاقي جنبا الي جنب مع الهوس الديني والتزمت.لذلك،علينا ان ننتهز كل فرصة للدخول في حوارات ونقاشات وخلافات فكرية في مستوي العصر الذي نعيشه.وأي تقاعس سوف يجرفنا طفح مجاري البرلماني (دفع الله حسب الرسول) وامثاله من داخل قبة –ما يسمي البرلمان.وقام النظام الإسلاموي بعملية تجريف كامل للعقل السوداني بوسائل عديدة من تعليم واعلام وثقافة ونوعية حياة متدنية.
يقوم النظام بعملية افساد منظمة لكثير من المثقفين غير الاسلامويين بواسطة
الرشوة من خلال الكتابة.وابتكر الاستكتاب بمكافآت مغرية في صحف زواج الأمن والإعلام.وتقوم هذه الاستراتيجية لتجريف الكتابة علي آلية انهاك الكتاب بأعمدة يومية،مما يضطر الكاتب ان يكتب أي شئ لتسويد المساحة واللحاق بالمطبعة.وهذا سبب لجوء هؤلاء الكتاب للمهاترة وخلق قضايا مفتعلة لتكون موضوعات لطاحونات الاعمدة.وتذكرني هذه الكتابات اليومية بستات اللقيمات امام المدارس في زماننا،فالمسكينة عليها كل صباح ان تقوم بهذه المهمة الصعبة.ويذكروا ايضا بدجاج المزارع عليه واجب البيضة اليومية.وهذا الاستنزاف لوقت المثقفين الذي كان من الممكن استثماره فيما ينفع الشعب السوداني،يدخل في اطار قسمة الثروة الفاسدة والعدالة في اكل اموال اليتامي.اما المثقفون المهرولون في الايام الاخيرة نحو صحف الأمن المغرية،فتذكروا المثل السوداني:-" دار ابوك إن خربت شيلك منها شلية".
هذا المقال هو في حقيقة محاولة لمتابعة الحوار الذي ابتدره-مشكورا-الأخ (خالد موسي)متمنيا ان يتواتر الحوار ولا يتوقف ولا يهبط.لأن كل الأزمات التي نعيشها هي أزمة عقل وليست ازمة سياسية أو أخلاقية.لابد من عودة الوعي والعقل الذي اختطفه الاسلامويون بوسائل شتى.وقد قصدت من هذا الاستطراد تحصين للحوار حول كتاب(محمد احمد محمود)من كل اشكال المهاترة والابتذال والابتزاز والبعد عن الشخصنة وضرورة مناقشة الفكرة وليس الشخص.فالمطلوب مناقشة ما كتبه عقله علي الورق،أما ماذا في قلبه من ايمان أو كفر،فهذه مهمة لها من يقوم بها خير منّا،فلنتركها له ولا نشاركه في عمله.فانا متأكد من وجود كثير من رماة الحدق ومفتشي القلوب،هم متحفزون الآن للنهش وفرش الملاية-كما يقول المصريون.فالكتاب جهد علمي وفكري رفيع،أخذ الكثير من وقت وصحة ومزاج المؤلف،فالواجب الاخلاقي يقتضي أن يعامل بالتقدير والأهم من ذلك بالجدية التي يستحقها.وهذا لا يمنع النقد والاختلاف بأي حال من الأحوال،ولكن بمعايير العلم والمنهجية والمعرفة العقلانية.فلتكن مناسبة لتنفس هواء فكري رصين خارج التلوث الإسلاموي الخانق.
في المتن:-
أولا: يقع الإخوة( محمد احمد محمود) و(خالد موسى دفع الله) في خطأ منهجي شائع في مثل هذه النقاشات الفكرية؛وهو نقاش الدين والعقيدة بادوات ومناهج العلم والفلسفة.وهذا اشبه بأن يتحاور إثنان،يتحدث أحدهم بالصينية والآخر بالاغريقية (أو حوار الصم).فالمعرفة أو التجربة الدينية أداتها الذوق والحدس،وليس النظر والعقل.وهذا القول لا يحمل أيّ حكم قيمي،ولا يفضل أي أداة علي اخري ،طالما تؤدي الي مقصد صاحبها. وهذا ما يقره الاخ(خالد موسي) بطريقة معينة حين يقول عن(محمد محمود):-" وهو لم يجنح لما فعله أيمانويل كانط الذي أكد أنه لا توجد حقائق موضوعية تدلل علي وجود الله، إلا أن وجوده ضروريا أيضا لعملية التفكير الإنساني ومنظومة العقل البشري".
وهذا نقاش تاريخي طويل،لا يمكن تكراره في هذا المقام ولا يجدي.ومن التمييزات التي تريحني بسبب سهولتها وشموليتها ومباشرتها؛ملاحظات الشيخ(مهدي فضل الله)التي يؤكد فيها شبه الإجماع السائد بين معظم المفكرين المسلمين المعاصرين في التمييز الحاسم بين الفلسفة والعقيدة.ويكتب:-" فهنالك فرق كبير بين منطق الفسلفة،ومنطق العقيدة؛وبين منهج الفلسفة،ومنهج العقيدة؛بين أسلوب الفلسفة،واسلوب العقيدة.إن لغة الفلسفة تختلف عن لغة العقيدة،ومن الخطأ أن نخلط بينهما.فالفلسفة والعقيدة،عالمان غريبان عن بعضهما البعض،ولا بمكن أن يلتقيا علي الإطلاق،لأنه لا علاقة جامعة بين الاثنين."(العقل والشريعة.بيروت،دار الطليعة،1995:35).وهو يري أن معالجة موضوعات العقيدة باستخدام منهج الفلسفة الذي يقوم علي المنطق - الحد والبرهان- خطأ جوهري.فهناك ارتباط وثيق بين طبيعة الموضوع المعالج،وطبيعة المنهج المستخدم.ويأخذ علي الفلاسفة والمتكلمون المسلمين،أنهم بدلا عن الدفاع :-"عن العقيدة الإسلامية،باسلوب العقيدة نفسها،شغلوا بمحاولة التوفيق بين الحكمة بدلا من أن يحفظوا للإسلام أصالته ،فإنهم شوهوا العقيدة الإسلامية،وذلك منذ اللحظة التي استخدموا فيها نماذج الفكر الاغريقي في مباحثهم".(نفسه).
ظلت الفلسفة(و العقل)مطرودين من مناقشة وتفسير العقيدة والدين والنبوة،طوال تاريخ الإسلام وحتي اليوم.ورفضت المذاهب الفقهية الإسلامية كلها مناهج الفلسفة الاغريقية في البحوث الدينية والعقدية.ونقرأ في التاريخ،أنه بعد نفي(ابن رشد) أصدر( المنصور) خليفة الاندلس وقتها،منشورا ينهي سكان الاندلس فيه عن الاشتغال بالفلسفة.ويعلق(سلامة موسى):-" وقضت الاقدار أن ينهزم ابن رشد وأن تنهزم معه الفلسفة في الاندلس.ولكن لنا أن نتساءل هل كان سينقرض المسلمون من الاندلس لو أن الناس كانوا احرارا في تفكيرهم يتطورون ولا يجمدون؟"(حرية الفكر،كتاب الدوحة،2012،ص115).وحتي المفكر المتميز(ابن خلدون)يري أن علم الكلام غير ضروري في هذا العهد علي طالب العلم،لأن الملحدة والمبتدعة قد انقرضوا!
صار اصول الفقه هو العلم البديل،والفلسفة،وكل شئ؛ وساد القياس الفقهي حسب اجتهادات أبي حنيفة والشافعي بالذات.وفي البداية حاول(الغزالي)تقديم المنطق الارسطي كمنهج وحيد للوصول إلي اليقين.ولكنه انتهي بالتصوف مفضلا الذوق علي النظر.وبعد ذلك ظلت أغلب الاسماء المعروفة في ميدان الفقه،ترفض المنطق الارسطي.ومن بين هؤلاء:القشيري،والطرطوشي،وإبن الصلاح، وابن تيمية،وابن قيم الجوزية،والسيوطي. وفي ذلك، قال الشافعي:-" حكمي في أصحاب الكلام أن يضربوا بالجريد،ويحملوا علي الإبل منكسين،ويطاف بهم في العشائر والقبائل،ويقال:هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة،وأخذ في الكلام".ومن الواضح ان العقيدة والفكر الديني عموما،لم يهادن المنهج الفلسفي ولم يقبل به كأداة في التفكير أو البحث حين يتعلق الأمر بالدين.
ثانيا: ضمن هذا السياق التاريخي والواقع المعيش راهنا،يجب أن يقرأ كتاب (محمد احمد محمود)ونقد(خالد موسى دفع الله).فقد اختارا اخضاع العقيدة والتجربة الدينية عموما لمحاكمة العقل والنظر والاجتهاد.وهذه بشرى سعيدة تسر القلب،لأنها تعني الارتقاء بالنقاش داخل الفكر السوداني الي مراقي السمو الفكري- كما اسلفت قبل قليل.فقد احتلت العقل السوداني خرافات تقليدية وجديدة لم تترك فيه أي مساحة للتفكير الحر وللعقلانية.ولكن،في هذا النقاش، اخشي من مشكلة تغلب الايديولوجيا علي العلم والمعرفة.وهذا ما تسرب في أجزاء كثيرة من تعقيب الأخ(خالد موسي)بدءا من اللغة المستخدمة، وانتهاءا بانتقاء العناوين والمفاهيم.واعتقد أن الاثنين، محمد وخالد،لم يوفقا في تداول كلمة"ناسوت"ذات الحمولة الكنسية والكهنوتية،والتي ارتبطت بالجدل حول طبيعة المسيح،مع اللاهوت.ولا أدري لماذا لم يستخدما كلمة:الانسانية او الانسية(humanism)ذات الدلالات العقلانية والتنويرية.وهذا مفهوم حداثي وأكثر عمقا.ومن مظاهر أدلجة الحوار،اختيار كلمات الإثارة والشحن العاطفي-عن قصد وترصد.فالكاتب يقول بنفسه عن كتابه أنه :-"لبنة في المشروع الكبير لنقد الدين بصورة عامة ونقد الإسلام بصورة خاصة".ويري أنه بدون هذا النقد" لا يمكن أن تنعتق المجتمعات العربية والإسلامية من ربقة تخلفها وهامشيتها وتساهم مساهمة فاعلة في بناء حضارة انسانية قائمة علي قيم الحرية والمساواة واطلاق كل طاقات الخلق والابداع الكامنة بداخل كل فرد من أفرادها".(المقدمة،ص:ك).هذه دعوة سامية تدعو للبناء الجديد المختلف.ولكن يصر (خالد) علي القول بأن الكتاب ليس :-" مجرد دراسة نظرية لنقد الدين الإسلامي، من خلال تناوله لظاهرة نبوة محمد صلي الله عليه وسلم وصناعتها ومراحل تطورها التاريخية . بل هو لبنة في منظومته الفكرية الالحادية".ويخرج الأخ(خالد) عن وقاره الفكري،حين يكتب:-"إن حرية نقد الأديان هو "أسم الدلع" لنقض عري الدين والقبول بدعوي أن الله خالقا لا مخلوقا، وأن النبوة صناعة بشرية". لقد كان الرجل واضحا كالشمس في عرض موقفه ولم يختفي خلف تورية أو رمز لعرض افكاره،وسمي كل الاشياء باسمائها دون حاجة لاسماء دلع أو غنج.ولكن(خالد) اراد اشعال خيال القارئ بالاهداف الخفية للكتاب. وفي موقع آخر يقذف(خالد) بتهمة أن الكتاب"هدم صريح للإسلام".
(نواصل)
حيدر ابراهيم علي
e-mail: [email protected]
ثالثا: سوف اعوّل كثيرا علي تقديم الأخ(خالد) لنفسه بقوله:-" إن من يبدأ في تحرير رد مكتوب ومنشور في المواقع المختلفة علي كتاب علمي يعالج موضوعا هاما وحيويا يطعن في صميم عقيدة المسلمين لا شك يعترف مبدءا وضمنا بحرية التفكير والتعبير، فأنا لم أجرد سلاحا، أو أسير جيشا أو أمتشق حساما أو أبتدر عنفا من أجل نقد و تفنيد بعض المزاعم و الأفكار الجوهرية التي تضمنها الكتاب، بل عمدت الي يراعي متوسلا بالكلمة والحجة".ثم يضيف:-" وتحرير هذا الرد إلا إعتراف صريح بهذا الحق، لأن الحوار الفكري الديمقراطي وحرية التعبير والتفكير ، فضلا عن أنها حق إنساني فهي السبيل الوحيد للتطور الحضاري وبناء الأمم والتقدم الإنساني. وهذا المبدأ يتسق مع خياري الفقهي القائم علي أن الردة الفكرية لا تبرر العقوبة والحد، إلا أن يكون المرتد محاربا أو مقاتلا بالقوة المادية الغاشمة والمسلحة، وهذا يقع في باب الجنايات و الحرابة أكثر من الردة".
سأجعل من هذا الموقف مدخلا للتساؤل ومناقشة حدود حرية التفكير في الاسلام وفي السودان.وقد يتعدي ذلك الكتاب ونقاشه،ولكن لابد ان يثير هذه القضايا مع صدور مثل كتاب محمد احمد محمود.من الواضح أن الكتاب قد بذل فيه جهدا علميا نادرا بغض النظر عن موضوعه.ومع ذلك يمكن الاختلاف حول كثير من النتائج والفرضيات،ولكن هذا لا يقدح في صدقية الكاتب وتعامله العلمي مع مصادره وتحليله.وهذه نقطة رأيت وجوب الانطلاق منها، فحتي لو كان المرء ملحدا أو زنديقا أو ضالا أو ماسونيا،هذا لا يعني –بالضرورة-أنه غير قادر علي استعمال عقله وعلي التفكير العلمي السليم.ولسوء حظنا ،لو تأملنا العلماء والمفكرين والنوابغ والعباقرة في العالم،لوجدناهم –كلهم أو أغلبهم- من الملاحدة والكفار والزنادقة ويكاد ينعدم المسلمون من بينهم. ولو كان التدين والايمان شرطا للنبوغ والابداع والمعرفة،لكانت للمسلمين الغلبة في جائزة(نوبل) بينما عدد المسلمين الحائزين عليها لا يتعدون اصابع اليد الواحدة (يعيش أغلبهم خارج العالم الإسلامي).
هذا توضيح استباقي لكي لا يكون الالحاد أو الزندقة أو الضلالة سببا سهلا لعدم التعامل مع الكتاب بجدية وعمق.خاصة ونحن نتعامل مع الملحد وكأنه شخص معاق مثلا.وقد يكون دمغ انسان ما،بالالحاد مبررا كافيا لعدم مناقشته أو تجاهله أو التعامل معه بدونية.وهناك فهم خاطئ للقول:-"كنتم خير أمة أخرجت للناس".إذ يظن أي مسلم أمي أنه احسن من(اينشتاين)أو (بيل قيتس)في الفهم،بحكم كونه مسلما.وهذا ممكن في ميزان الايمان وفي الآخرة،ولكن هنا-في الحياة الدنيا- توجد مواصفات اخري.قصدت عدم خلط بين معايير التقييم في ميادين العلم والمعرفة،ومجال الكفر والايمان.
كما أن هذه فرصة لتأكيد بدهيات الديمقراطية المخفية ولا نذكرها.وهي أنها ليست حق الاغلبية لان حق الاغلبية محفوظ بحكم كونها اغلبية ولكن الديمقراطية هي حق الاقلية في التعبير عن نفسها والا تتضرر بسبب كونها أقل عددا.
رابعا: قبل الدخول في تصنيف الأخ (خالد) للدراسة،وقبل تأرخة الكتاب وتحديد نسبه الفكري؛ يبرز سؤال ذو شقين:هل من الواجب مع هذا التطور العلمي الهائل أن يلجأ المسلم بصورة كاملة للعقل في اثبات صحة الدين؟وما هو المدى الذي يسمح به للمسلم أو العائش في مجتمع مسلم لنقد الدين؟ولا يمثل الكتاب عند المقعب اضافة جديدة، فهو يستعرض مصائر ومالآت الذين حاولوا "ترسيخ منهج نقد الأديان ونزع القداسة عن الدين من أجل الإنتصار للمنهح العقلي ودراسات التاريخ الحديث ففشلوا ، حيث قوبلت هذه الإتجاهات بمقاومة علمية قوية تصدي لها نخبة من العلماء بدعوي أن هذا النهج هو هدم صريح للإسلام، ونشط من هؤلاء محمود محمد شاكر والعقاد وغيرهما. ويذكر كتاب "أصول الحكم" للشيخ علي عبدالرازق، وكتاب الدكتور طه حسين في "الشعر الجاهلي" من العلامات المبكرة في هذا المسار خاصة. وبعد معركة صاخبة اضطر الي الإعتذار وإعادة طباعة الكتاب تحت عنوان في "الأدب الجاهلي" بعد أن نسخ منه مواضع الجدل والخلاف. وترد في السياق مساهمات صادق جلال العظم،وحسين مروة، محمد أركون، و سيد القمني، وفرج فودة،وجمال البنا، نصر حامد أبوزيد الذين نادوا بنزع القداسة عن الدين واخضاعه لمناهج النظر العقلي.وهذا السجل لا يدعم قضية الحرية الفكرية بين المعاصرين،بل علي العكس تماما،بينما يؤكد قول(محمد احمد محمود):-"فتحولات الاستنارة ومناهج النظر العقلاني الحديث اصطدمت بمقاومة شديدة في البلاد الإسلامية عندما يتعلق الأمر باخضاع الإسلام لهذه المناهج".كما يكتب:-"الأزمة العميقة المستفحلة الراهنة في شرط الحرية الفكرية والاكاديمية التي تعيشها بلاد العالم الاسلامي،عندما يتعلق الأمر ببحث الإسلام والنظر في قضاياه"" ليس صحيحا –كما ذكر (خالد) أن بعض هذه الكتابات قد تمت مواجهتها علميا وفكريا حتي النهاية –فقد لجأت المؤسسة الدينية والكتاب الإسلامويين،وقوي الإسلام السياسي؛إلي حسم الأمر قضائيا وادرايا.ولم تحارب الفكرة بفكرة مثلها بسبب سيادة الارهاب الفكري. وهذه سجل مخجل يا أخ خالد كان الأجدر بك أن تخفيه إذا أردت –فعلا وصدقا-أن تدافع عن حرية الفكر بين المسلمين المعاصرين.تصور خلال قرن كامل أن يصدر أقل من عشر كتب منشورة تحاول-باستحياء-لنقد قضايا ذات صلة بالدين.وكل هذه الكتب المذكورة لم يتعرض أحد من مؤلفيها لموضوع الله أو الالحاد مباشرة.ولكن سدنة الدين الجدد،رغم هذا الحياء الفكري والحذر،قدموا فهمهم وتأويلاتهم المغرضين لهذه الكتب،وعرضوها اعلاميا بطريقة تثير الغرائز وليس العقل والفكر.بل وصلوا بها لساحات المحاكم.
يمكن القول بأن المسلمين قد عاشوا الخمسة قرون الاخيرة خارج التاريخ.إذ لم يشاركوا في انجازات البشرية منذ القرن السادس عشر وحتي اليوم.وهذه العصور المظلمة التي تجاوزتها أوربا بعد عصر التنوير والثورة الصناعية وصعود البورجوازية.ولا يعود ذلك لكونهم مسلمين ولكنهم لأنهم عطلوا عقولهم ورفضوا حرية التفكير وأغلقوا حتي باب الاجتهاد.فقد أحاط الفكر الإسلامي بعض القضايا والميادين البحثية بسياج من التحريم بينما هي تمثل أكثر الموضوعات الانسانية والاجتماعية أهمية وحيوية.فقد جري قول شبه دارج يؤكد وجود ثلاثة محرمات(تابوهات)هي:الجنس،والسياسة،والدين.وهي –كما نلاحظ - تدور حول أصل الحياة:-المتعة والنظام والمعنى.ومن هنا تجنب أو ابتعد المفكرون عموما ، عن الولوج في دراسة الدين.وبقي السؤال الديني معتما،ومهملا عمدا.ماعدا محاولات كلاسيكية قليلة لامست السؤال بحذر،وركزت علي قضايا هي أقرب الي هامش السؤال من متنه.وكل ذلك،مجرد حيل لتجنب الغوص في موضوعات عميقة وحساسة ذات علاقة بالدين،وبالتالي ملامسة المحرمات.ويري كثير من الباحثين أن عليهم أن يسد الباب الذي يأتي منه الريح ويستريح.و اصبحت تأتي من نقاش الدين كثيرا من الرياح فهناك شيوخ اقاموا "محاكم تفتيش" اسلامية.وقد فسروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علي هواهم.فقد قرروا ان هدفهم يجب ان يكون حرب العقل والشك والتساؤل، ووجدوا في الكتابة والفكر والفنون كثيرا من المنكرات والمحرمات والاخطار علي سلامة الدين.وذلك لأنها من أهم ادوات التنوير والحداثة،والتي لابد أن تتجرأ علي المستقر والمحافظ والتقاليد،وتهز الوثوقيات والمطلقات.بينما الشيوخ في دعواتهم يطلبون ايمان العجائز والذي لا يشك ولا يتساءل.وانتشرت قضايا "الحسبة" حيث يقوم بعض المحامين الاصوليين بالتبرع برفع قضايا ضد الكتاب والمفكرين والفنانين،تحت دعوى أن نتاجهم يمس عقائد المسلمين ويستفز مشاعرهم الدينية.ونشر اصحاب الحسبة قدرا كبيرا من الارهاب الفكري وتخويف المبدعين.وللمفارقة،اصبح كثير من المبدعين يستبق النتائج، فينصب نفسه رقيبا ذاتيا ويرسم لنفسه الحدود.وافتقد الفكر والفن أهم شروط ازدهارهما،وهي الحرية كحاضنة طبيعية لنمو الابداع. في مثل هذه الاجواء تصبح ادعاءات الحرية الفكرية مدعاة للضحك والسخرية. ويقول (فضل الرحمن)عن حق:-" لابد أن نلاحظ بأن المسلم يظل متخلفا،خاصة في حقل الفكر البحت،أو الثقافوية الفلسفية.وليس من قبيل الصدف ألا تعرف الحداثة الاسلامية أي طالب جادّ للفلسفة في طول العالم الاسلامي وعرضه،يمكن الافتخار به سوي محمد إقبال".(الاسلام وضرورة التحديث.بيروت،دار الساقي ،1993:110 ). لكي يتأكد لأي شخص صحة خروج المسلمين عن التاريخ أن يتابع نشرات الأخبار اليومية.فكل هذا الدم المسفوك يوميا إما أن يكون دم مسلم أو سفكه مسلم.في سوريا والعراق واليمن وتونس وليبيا والصومال ومالي ونيجريا والفيلبين وبورما وطبعا افغانستان وباكستان.ألا يحق للآخر الشعور بالاسلاموفوبيا؟وتحتكر صفة"المسلم"-بغض النظر عن درجة الاعتدال أو التطرف هذه الاخبار الارهابية. فالاخبار تكتفي بالقول مثلا:-"قام انتحاري مسلم بتفحير نفسه امام مبني..."وتنتهي الجمله بلا صفات أو تصنفيات.ولا توجد ممارسات ايجابية تمسح هذه الصورة السالبة.فلا نسمع أو نشاهد أن مخرجا مسلما حاز علي الاوسكار أو فيلمه علي السعفة الذهبية،ولا عن سبّاحة مسلمة سجلت رقما اولمبيا جديدا،ولا عن لاعبة تنس قطرية أو سعودية فازت بكأس دورة الدوحة للسيدات الذي تقيمه(قطر)نفسها.ولا عن فيزيائي أو كيميائي أو اقتصادي مسلم فاز بجائزة (نوبل) لهذا العام.بالمناسبة،حتي جوائز الملك فيصل في الطب والعلوم تذهب لغير المسلمين.لابد لنا ان نعيد النظر في أنفسنا وفي موضعنا الحقيقي لا المتوهم،في حركة التقدم الإنساني.
(نواصل)
e-mail: [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.