ثروت قاسم [email protected] 1- مقدمة . قال عنترة بن شداد العبسي في فاتحة معلقته : هل غادر الشعراء من متردم ... هذا إستفهام يحمل معني الإنكار ، أي لم يترك الشعراء شيئاً يصاغ فيه شعر إلا وقد صاغوه فيه . وبدورنا نتساَل بعد أكثر من 1400 عام علي مقولة عنتر ، هل ترك الكتاب شيئاً عن سد النهضة الإثيوبي إلا وكتبوا فيه . ولكن قليل هم من حاول حساب المليارات من الأمتار المكعبة التي سوف يخصمها بناء وتشغيل سد النهضة من ( الحصة المقدسة ) السنوية لمصر في مياه النيل ( 55 مليار ونصف المليار متر مكعب محسوبة عند اسوان كل سنة ) حسب إتفاقية 1959 بين مصر والسودان ، التي أقصت دول المنابع تماماً . هذه المقالة ( في حلقتين ) تحاول حساب هذه الخصومات ، علي مبدأ واحد زايد واحد يساوي أثنين ؛ فالحساب بت نجيضة كما تقول المبدعة . تذكر وأنت تقرأ هذه المقالة من حلقتين إن المرجعية هي ( الحصة المقدسة ) السنوية لمصر في مياه النيل حسب إتفاقية 1959 ، والبالغ قدرها 55 مليار ونصف المليار متر مكعب محسوبة عند أسوان ؛ومدى تأثير بناء وتشغيل سد النهضة على هذه ( الحصة المقدسة ) ؟ 2- الفوبيا المصرية وسد النهضة ؟ تدعي مصر إن سد النهضة سوف يحرمها من نصيبها المقدس والتاريخي في مياه النيل ... هكذا حتة واحدة وضربة لازب ؟ دعنا نري هل للفوبيا المصرية ما يبررها ، وهل يخصم بناء وتشغيل سد النهضة من ( الحصة المقدسة ) السنوية لمصر في مياه النيل حسب إتفاقية 1959 لتقاسم مياه النيل بينها وبين السودان ؟ لهذا الغرض ، دعنا نستعرض ثلاثة فترات زمنية محددة كما يلي : + الفترة الأولي من عام 2013 الي عام 2017 ( أربعة سنوات ) ... فترة إكتمال بناء السد . + الفترة الثانية من عام 2017 الي عام 2023 ( ستة سنوات ) . خلال هذه الفترة ، سوف يتم ملئ البحيرة ( الخزان ) خلف السد بسعة أقصاها حوالي 72 مليار متر مكعب . + الفترة الثالثة لما بعد عام 2023 ولما بعد الانتهاء من ملئ بحيرة السد . خلال هذه الفترة سوف يتم تشغيل السد لتوليد الطاقة الكهرومائية . 3 - الفترة الأولي : الفترة الأولي من عام 2013 الي عام 2017 ( أربعة سنوات ) . خلال هذه الفترة ، سوف يتم إكتمال بناء السد ، الذي تم بناء حوالي 20% منه حتي تاريخه . وقد تم تحويل مجري النيل الأزرق في قناة صناعية جانبية موازية للنيل الأزرق ، تبدأ من خلف موقع السد لتصب في النيل الازرق بضع كيلومترات أمام السد . خلال فترة الأربعة سنوات هذه وحتي عام 2017 سوف لن تنقص المياه الواصلة الي مصر نقطة واحدة . كل مياه النيل الأزرق سوف يتم تحويلها عبر القناة الصناعية التحويلية وترجع كلها للنيل الأزرق دون نقصان ، من النقطة ( أ ) خلف السد إلي النقطة ( ب ) أمام السد في النيل الأزرق . خلال هذه الفترة سوف تبقي ( الحصة المقدسة ) السنوية لمصر في مياه النيل كما هي دون أي نقصان ... 55 مليار ونصف المليار متر مكعب محسوبة عند اسوان . 4 - الفترة الثانية : الفترة الثانية من عام 2017 الي عام 2023 ( ستة سنوات ) . خلال هذه الفترة ، سوف يتم ملئ البحيرة ( الخزان ) خلف السد بسعة أقصاها حوالي 72 مليار متر مكعب ، مقارنة بسعة بحيرة ناصر خلف السد العالي البالغة 170 مليار متر مكعب . سوف يتم خصم حوالي 12 مليار متر مكعب كل سنة ولمدة 6 سنوات من التصرف الطبيعي للنيل الأزرق ، محسوبة عند موقع السد . أي حوالي 10 مليار متر مكعب كل سنة محسوبة عند اسوان ... الفرق بين الرقمين نتيجة التبخر والفواقد الأخري بين موقع السد واسوان . إذن السحب السنوي من مياه النيل الأزرق لملئ بحيرة السد سوف يكون 10 مليار متر مكعب محسوبة عند اسوان ولمدة 6 سنوات فقط . دعنا نبرهن بحساب البت النجيضة كيف سوف يكون تأثير هذا السحب السنوي لملئ بحيرة السد علي ( الحصة المقدسة ) السنوية لمصر من مياه النيل صفراً كبيراُ ، تماماً كما في فترة بناء السد ( 2013 – 2017 ) ، المذكورة أعلاه . اولاً : يستعمل السودان حالياً وبعد إنهيار مشروع الجزيرة حوالي 10 مليار ونصف المليار من نصيبه البالغ 18 مليار ونصف المليار متر مكعب كل سنة محسوبة عند اسوان . وتبقي 8 مليار متر مكعب كل سنة محسوبة عند اسوان غير مستعملة بواسطة السودان . أذا لم يتمكن السودان من إستعمال هذه الكمية منذ عام 1959 ( أكثر من 50 سنة ) ، فمن المستبعد أن ينجح في أستعمالها للعشرة سنوات القادمة عندما يكتمل ملئ البحيرة خلف السد بحلول عام 2023 ؟ إذا طرحنا هذه الكمية السنوية من مياه النيل غير المستعملة بواسطة السودان ( 8 مليار ) من العشرة مليارات المستعملة كل سنة لملء بحيرة سد النهضة لمدة 6 سنوات ، يكون الباقي حوالي 2 مليار متر مكعب كل سنة يتم سحبها من تصرفات النيل الأزرق لملئ بحيرة السد ولمدة 6 سنوات فقط . ولكن سوف لن يتم خصم هذه الكمية ( حوالي 2 مليار متر مكعب ) من ( الحصة المقدسة ) السنوية لمصر في مياه النيل حسب إتفاقية 1959 . كيف ، ياهذا ، وهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ! نبرهن أدناه بمنطق البت النجيضة . ثانياً : هذا الكمية ( 2 مليار متر مكعب كل سنة ) يمكن إستيعابها ، دون أي نقصان في ( الحصة المقدسة ) السنوية لمصر في مياه النيل حسب إتفاقية 1959 ، ضمن الزيادات الطبيعية في تصرفات النيل السنوية ، نتيجة الزيادات في معدلات الأمطار فوق الهضبة الإثيوبية . دعنا نشرح هذه النقطة أكثر . نورد أدناه بعض الأرقام المفيدة والصحيحة والتي تحاول مصر التغطية عليها أو عدم الأعتراف بها لأنها ضد مصالحها ، وتوردها بت المبدعة النجيضة أدناه ، فالحساب بت نجيضة : ثالثاً : التصرف السنوي المتوسط لنهر النيل في الفترة من عام 1900 الي عام 1959 ( سنة أبرام إتفاقية 1959 ) كان 84 مليار متر مكعب في السنة محسوبة عند اسوان . تم تقسيم هذه الكمية بين مصر ( 55 مليار ونصف المليار متر مكعب في السنة ) والسودان ( 18 مليار ونصف المليار متر مكعب في السنة ) و10 مليار متر مكعب تبخر في بحيرة السد العالي في السنة ... كل الكميات محسوبة عند اسوان ! ولكن ولحسن حظ مصر ، بلغ متوسط التصرف السنوي لنهر النيل في الفترة من عام 1960 ( بعد إبرام إتفاقية 1959 مباشرة ) الي عام 2008 ( 48 سنة ) ... بلغ 119 مليار متر مكعب في السنة محسوبة عند أسوان ، بزيادة 35 مليار متر مكعب في السنة في المتوسط عن المتوسط السنوي للفترة ( 1900 – 1959 ) . هذه الكمية الإضافية في حمولة النيل الطبيعية ( 35 مليار متر مكعب في السنة ) ، لم تأخذها إتفاقية 1959 في الإعتبار ، وبالتالي لم تنعكس علي ( الحصة المقدسة ) لمصر . هذه الكمية الإضافية يمكن أن تستوعب المحجوز في بحيرة السد من تصرفات النيل الأزرق خلال ملئ خزان سد النهضة ( 6 سنوات ) البالغ قدره 2 مليار متر مكعب في السنة ولمدة 6 سنوات فقط . وبدون المساس بنقطة مياه واحدة في ( الحصة المقدسة ) السنوية لمصر في مياه النيل . بل تبقي لمصر دفقة زائدة مقدارها 33 مليار متر مكعب كل سنة محسوبة عند اسوان ... عبارة عن حاصل طرح 2 مليار متر مكعب من 35 مليار متر مكعب . رابعاً : في عام 1998 بلغ تصرف النيل في اسوان 127 مليار متر مكعب ، بزيادة 43 مليار متر مكعب عن التصرف المتوسط السنوي ( 84 مليار متر مكعب في السنة ) المعتمد في إتفاقية 1959. أذا تكرر هذا الحدث مرة ثانية في المستقبل نتيجة التغيرات المناخية ( وهو أمر وارد بحسب توقعات الخبراء ) ، فسوف يكفي الفائض مصر وإثيوبيا والسودان لسنين عددا ، وتصبح ورجغة مصر الحالية زوبعة في كستبانة . خامساً : التغيرات المناخية في العالم منذ إبرام إتفاقية 1959 زادت من تصرفات النيل السنوية زيادات مهولة ، خصوصاً بالمقارنة مع التصرف المتوسط في السنة للفترة من عام 1900 الي عام 1959 والبالغ قدره 84 مليار متر مكعب في السنة محسوبأ عند أسوان ، والذي تم إعتماده كمرجعية حصرية في إتفاقية 1959 لتقسيم مياه النيل بين مصر والسودان . كما ذكرنا أعلاه ، فإن المتوسط السنوي لحمولة النيل للفترة ( 1960 – 2008 ) بلغ 119 مليار متر مكعب عند اسوان ؛ مقابل : 84 مليار متر مكعب عند اسوان ، المتوسط السنوي للفترة ( 1900 – 1959 ) ، والمعتمد في إتفاقية 1959 ! بزيادة 35 مليار متر مكعب كل سنة محسوبة عند اسوان . نكرر فالتكرار يعلم الشطار بأن هذه الزيادة الطبيعية في حمولة النيل السنوية تكفي وزيادة لتغطية : + الفاقد من النيل الأزرق خلال ملئ خزان سد النهضة ( 6 سنوات ) بواقع 2 مليار متر مكعب في السنة ولمدة 6 سنوات فقط . + ويمكن أن تستوعب الفاقد في البخر في بحيرة سد النهضة بواقع حوالي مليار متر مكعب في السنة بعد ملئ بحيرة السد والي يوم يبعثون ، كما سوف نستعرض في الفترة الثالثة أدناه ! ويبقي لمصر 32 مليار متر مكعب كل سنة كدفقة إضافية لحصتها المقدسة السنوية في مياه النيل حسب إتفاقية 1959 . سادساً : بالطبع وحسب تقلبات معدل الامطار السنوية فوق الهضبة الأثيوبية ، فإن تصرف النيل محسوباً عند اسوان ربنا نزل في سنة جفاف لأقل من 84 مليار متر مكعب في السنة محسوبة عند اسوان . إنخفضت الحمولة السنوية للنيل بالفعل في سنوات جفاف في الثمانينات من القرن العشرين الي حوالي 70 مليار متر مكعب في السنة محسوبة عند اسوان . في المحصلة وفي كلمة كما في مية : أذن كمية المليارين والمليار متر مكعب كل سنة محسوبة عند اسوان والتي يسحبها سد النهضة كل سنة خلال فترة ملئه ( 6 سنوات ) ، وخلال فترة تشغيله علي التوالي ، من تصرفات النيل الأزرق عند أسوان يمكن إستيعابها في الزيادات الطبيعية ( حسب إزدياد معدلات الأمطار ) في تصرفات النيل الازرق للفترة ( 1960 – 2008 ) كما هو موضح اعلاه ... 35 مليار متر مكعب ( 119 ناقص 84 ) . ونزيدكم كيل بعير . فقد أكدت أثيوبيا إنها مستعدة للتفاوض مع مصر والسودان لتمديد فترة ملئ السد لأكثر من 6 سنوات لتصفير أي أثار سلبية علي مصر . في هذا السياق ، لا تنس ، يا هذا ، إن الفواقد السنوية في مستنقعات السدود في دولة جنوب السودان تبلغ حوالي 50 مليار متر مكعب ؟ قارن هذه ( 50 مليار متر مكعب في السنة ) بتلك ( 2 مليار ومليار اخر إضافي متر مكعب في السنة ) لتعرف إن كواريك مصر حول سد النهضة زوبعة في فنجان جد صغير ؟ 5 - الفترة الثالثة : الفترة الثالثة لما بعد عام 2023 ولما بعد الانتهاء من ملئ بحيرة السد ... فترة تشغيل السد لتوليد الطاقة الكهرومائية . بعد ملئ بحيرة السد ، فأن تصرفات النيل الازرق الطبيعية سوف تنساب كلها من خلال توربينات السد لتوليد الطاقة الكهرومائية حصرياً . لن يتم سحب أي كمية مياه من بحيرة السد لإستعمالات الري أو الشرب أو أي إستعمالات أخري . الفقد الوحيد سوف يكون البخر السنوي ( مليار و200 مليون متر مكعب في السنة ) من بحيرة السد ( 72 مليار متر مكعب ) . من المتوقع أن يكون البخر السنوي من بحيرة سد النهضة عند إكتمال ملئه حوالي مليار و200 مليون متر مكعب في السنة محسوبة عند موقع السد ، أي أقل من مليار متر مكعب في السنة محسوبة عند أسوان . وكما هو مذكور في إستعراضنا للفترة الثانية أعلاه ( 2017 – 2023 ) ، فهذا الخصم نتيجة البخر ( حوالي مليار متر مكعب في السنة محسوبأ عند أسوان ) يمكن إستيعابه : + في الزيادة السنوية في تصرفات النيل للفترة من عام 1960 الي عام 2008 مقارنة بالفترة من عام 1900 الي عام 1959 ( مرجعية أتفاقية 1959 ) ، نتيجة زيادة معدلات الامطار فوق الهضبة الإثيوبية ... زيادة بحوالي 35 مليار متر مكعب في السنة محسوبة عند اسوان ؛ + خصماً علي الجزء غير المستعمل من حصة السودان السنوية في مياه النيل البالغة حالياً حوالي 8 مليار متر مكعب محسوبة عند اسوان . أذن التاثير السلبي علي ( الحصة المقدسة ) السنوية لمصر بعد ملئ بحيرة السد وبعد بدء تشغيل السد خلال الفترة الثالثة المذكورة أعلاه سوف يكون صفر كبيراً علي الشمال . في المحصلة ، سوف لن تتأثر ( الحصة المقدسة ) السنوية لمصر والبالغ مقدارها 55 مليار ونصف المليار متر مكعب محسوبة عند اسوان من تشغيل سد النهضة والبخر السنوي من بحيرته . 6- خاتمة بناء وتشغيل سد النهضة سوف لن يؤثر إطلاقاً علي ( الحصة المقدسة ) السنوية لمصر في مياه النيل حسب إتفاقية 1959 بين مصر والسودان ... 55 مليار ونصف المليار متر مكعب كل سنة محسوبة عند أسوان . أما السودان فإنه لا يستعمل حالياً كامل حصته السنوية من مياه النيل ، وتبقي حوالي 8 مليار متر مكعب محسوبة عند اسوان غير مستعملة كل سنة . نواصل في الحلقة الثانية من المقالة ...