ما زالت باريس تراقب عن بعد التطورات الجارية في مصر، مما يجعل دبلوماسيتها تبدو «أكثر تحفظا» من بعض العواصم الغربية مثل واشنطن أو برلين. وتكتفي الدبلوماسية الفرنسية بخدمة «الحد الأدنى»، بانتظار أن تتضح ملامح المرحلة القادمة في القاهرة، مشددة على ضرورة «العودة السريعة» للمسار الديمقراطي وتقصير المرحلة الانتقالية التي من المفترض أن تفضي إلى انتخابات برلمانية ورئاسية في «أقرب وقت». وواضح أن باريس شأنها في ذلك شأن الولاياتالمتحدة الأميركية والكثير من البلدان الأوروبية تريد «كسب الوقت حتى تصفى الأمور» في مصر مخافة اتخاذ «القرار الخاطئ» في هذا الاتجاه أو ذاك. ورغم أن أيا منها لم تصف ما حصل في القاهرة بأنه «انقلاب عسكري»، فإنها بقيت «من جليد» إزاء سلطات الأمر الواقع الجديدة التي أنتجها الحراك الشعبي وتحرك القوات المسلحة المصرية. بيد أن مصادر رسمية فرنسية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» اعتبرت أن صفحة الرئيس المخلوع محمد مرسي قد «طويت»، وأن «المهم» في الوقت الحاضر هو النظر إلى المستقبل. وتشدد باريس التي لم تدع إلى إطلاق الرئيس السابق، بعكس ما فعلته واشنطنوبرلين، مكتفية بالتشديد على ضرورة معاملته بما يتوافق مع مكانته السابقة رئيسا لمصر، على الحاجة لوقف العنف والتصعيد والعمل لإرساء التهدئة. فضلا عن ذلك، تدعو باريس لإقامة حوار بناء يشمل جميع القوى السياسية الحاضرة على الساحة المصرية بمن فيهم الإسلاميون، والإسراع في إجراء الانتخابات المنصوص عليها في خطة القوات المسلحة وفي الإعلان الدستوري الصادر عن الرئيس المؤقت عدلي منصور. وقالت الخارجية الفرنسية إن المخرج يكمن في «حل توافقي وانتخابات شفافة ومشاركة الجميع» في السلطة. ومنذ 3 يوليو (تموز) الحالي، تتابع دوائر قصر الإليزيه ووزارة الخارجية والدفاع والأجهزة المعنية الوضع في مصر. وحتى الآن، وإلى جانب القنوات الدبلوماسية الممثلة بالسفير الفرنسي في القاهرة والسفير المصري في باريس، حصل اتصالان رفيعان بين وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس ووزير الخارجية في الحكومة المقالة محمد كامل عمرو، ونائب رئيس الدولة المؤقت الدكتور محمد البرادعي. واستفهم فابيوس من البرادعي عن تفاصيل المرحلة الانتقالية، وكرر له أسس الموقف الفرنسي وما تنتظره باريس في الأسابيع والأشهر القادمة. وتعتبر باريس أن ثمة سببين للإحراج الذي تعاني منه الدول الغربية في التزام خط واضح إزاء مصر: الأول، أن ما يحصل اليوم هو صراع بين شرعيتين، الأولى شرعية الانتخابات التي أوصلت محمد مرسي ومعه الإخوان المسلمون إلى السلطة، والثانية شرعية أصوات ملايين الناس التي نزلت إلى الشوارع والساحات. أما السبب الثاني للإحراج فسببه أن المطروح اليوم على العواصم الغربية هو المفاضلة بين نظام إسلامي ثبت فشله في الاستجابة لطموحات المصريين ومشاغلهم، ونظام انبثق عن تدخل الجيش في الشؤون السياسية. وأردفت المصادر الفرنسية أن «التجربة التي نعرفها» مع القوات المسلحة (في إشارة إلى مرحلة حكم المجلس العسكري الذي تسلم سلطات الرئيس السابق حسني مبارك) «لم تكن تجربة سعيدة». وفي أي حال، فإن باريس، شأنها شأن العواصم الغربية «لا تريد حرق أوراقها بالتسرع في إعلان مواقف قد يتبين لاحقا أنها خاطئة أو في غير محلها». أنقرة تطالب بإطلاق مرسي ورفاقه.. والقاهرة تنتقد التدخل في شؤونها غل يرى أن مصر وتركيا «شقا التفاحة على المتوسط».. وأردوغان يصر على توصيف ما جرى ب «الانقلاب» لندن: ثائر عباس دعت تركيا إلى إطلاق الرئيس المصري المعزول محمد مرسي ورفاقه فورا وإعادة العمل بالعملية الديمقراطية في مصر، على الرغم من الاستياء المصري من «التدخل الصريح» لأنقرة في الشؤون الداخلية المصرية، فيما ذهب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى تأكيد عدم اعترافه بالسلطات المصرية الجديدة وتأكيده أن الرئيس المصري بالنسبة إلى تركيا هو الرئيس محمد مرسي «الذي أتى في انتخابات ديمقراطية هي الأولى من نوعها في تاريخ مصر»، كما قالت مصادر قريبة من أردوغان ل«الشرق الأوسط». وأكدت المصادر المعلومات التي تحدثت عن رفض أردوغان استقبال نائب الرئيس المصري الجديد محمد البرادعي، لكنها أوضحت أن طلب اللقاء «حصل قبل الانقلاب» وليس بعده. وكانت صحيفة «أقشام» التركية قالت أمس إن «رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان رفض طلبا من نائب الرئيس المصري محمد البرادعي للقائه»، قائلة إن «البرادعي طلب لقاء مع أردوغان، لكن الأخير رفض، قائلا إن (رئيسنا) هو الرئيس المصري المعزول محمد مرسي». وأضافت أن «أردوغان أخبر فريقه خلال اجتماع أعضاء مجلس إدارة حزب العدالة والتنمية أمس، أن الحكومة المصرية المؤقتة المدعومة من الجيش تريد استخدامنا من أجل شرعيتها.. وقد رفضنا». لكن الرئيس التركي عبد الله غل استقبل السفير المصري في أنقرة عبد الرحمن صلاح الدين، الذي اضطر للانتقال إلى إسطنبول للقاء غل الذي يتعافى من عملية جراحية بسيطة في الأذن. وقال مصدر رسمي تركي ل«الشرق الأوسط» إن السفير المصري نقل إلى غل رسالة شفوية من الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور تشرح تفاصيل «خارطة الطريق التي أعلنتها السلطات المصرية الجديدة للمرحلة المقبلة». وأوضح المصدر أن الرئيس التركي أبلغ السفير المصري انزعاجه من كيفية التعاطي مع «رئيس منتخب وقادة آخرين يمتلكون شرعية نالوها بتصويت الشعب المصري»، متمنيا على السلطات الجديدة «إطلاق سراحهم وعودة مصر إلى ديمقراطية منتخبة تستحقها»، وأشار إلى أن «مصر وتركيا تشكلان شقي التفاحة على جانبي المتوسط، ونحن ننظر إلى مصر على أنها كتلة واحدة، ونرى أنها تستحق أن تبقى منارة حضارية». وشدد غل على ضرورة إعادة الأمور إلى مجاريها في أسرع وقت ممكن، قائلا: «نحن مررنا بتجارب مماثلة ونعرف خطورة هذا الموضوع». وقالت صحيفة «تودايز زامان» إن غل طرح جدولا زمنيا مدته ثمانية أشهر للانتقال لحكومة مدنية منتخبة في مصر، وذلك خلال لقائه مع السفير المصري الجديد. في المقابل، أعربت الرئاسة ووزارة الخارجية المصرية عن الاستياء الشديد تجاه تصريحات المسؤولين الأتراك حول مصر، التي اعتبرتها القاهرة «تدخلا صريحا» في الشأن المصري. وقال أحمد المسلماني المستشار الإعلامي لرئيس الجمهورية المصري المؤقت إن «تصريحات تركيا غير مناسبة وتعتبر تدخلا في الشأن الداخلي المصري، وعلى أنقرة احترام إرادة الشعب المصري الذي خرج في 30 يونيو (حزيران)، وعلى أنقرة أن تعلم وتنتبه وهي تتكلم أنها تتكلم عن دولة كبيرة مثل مصر ولها تاريخ، ولن تقبل تدخلا في شؤونها». وأشار المسلماني إلى أن «مصر لم تتدخل فيما حدث في ميدان (تقسيم) بتركيا من مظاهرات ضد نظام الحكم هناك، ومن ثم، فعلى تركيا ألا تتدخل في شؤون مصر». من جانبها، أبدت الخارجية المصرية استياءها الشديد تجاه تكرار التصريحات التركية بشأن مصر. وأعرب المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية بدر عبد العاطي عن «الاستياء الشديد تجاه تكرار مثل هذه التصريحات» التي اعتبرها «تدخلا صريحا في الشأن المصري»، معتبرا أن التصريحات التركية «تنم عن عدم إدراك أو إلمام دقيق بحقيقة التطورات على أرض الواقع في البلاد، وتمثل تحديا لإرادة الشعب الذي خرج بالملايين للشارع للمطالبة بحقوقه المشروعة». ودعا عبد العاطي المسؤولين الأتراك إلى أن «يجعلوا العلاقات التاريخية والمصالح المشتركة بين البلدين فوق الاعتبارات الداخلية والمصالح الحزبية الضيقة»، مذكرا أنقرة بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول استنادا إلى ميثاق الأممالمتحدة.