وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    مليشيا التمرد تواجه نقصاً حاداً في الوقود في مواقعها حول مدينة الفاشر    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السيدان والتآمر على ثورة السودان (3)
نشر في السودان اليوم يوم 14 - 10 - 2013


أحمد ضحية
تعليق على تعليقات على ما سبق:
قبل الإستمرار في حلقات هذه السلسلة, سأتوقف قليلا للتعليق بشكل عام, على بعض التعليقات على الحلقة (الأولى والثانية), وقبل ذلك الشكر والتقدير لكل المعلقين, سواء الذين إتفقوا مع وجهة النظر التي حملتها هذه المقالات, أو الذين إختلفوا معها. ففي خاتمة المطاف هي (وجهة نظر فردية) تعبر عن الزاوية التي يرى منها كاتبها الأمور: هل يركز على النصف الفارغ أو المليء من الكوب, أم يركز على كلا النصفين الفارغ والممتليء!
الحديث عن دور حزب الأمة في إجهاض الديموقراطية الأخيرة, دائما يثير حفيظة الكثيرون (الموالين للصادق المهدي وغير الموالين له) لأسباب مختلفة, فالموالين بسبب ولاءهم. وغير الموالين بسبب نظرتهم (ذات النظرة القديمة التي أعاقت السودان) والقائلة بتأجيل الصراعات, إلى أن تتحقق الديموقراطية أولا ليحين بعدها تصفية الخلافات (مع أنهم يعلمون أن الطائفية ذات نفسها, لا تؤجل صراعاتها لأي سبب من الأسباب, ووقائع إجتماعات قوى الإجماع الأخيرة تعكس ذلك بوضوح).. ونظرة التأجيل هذه هي النظرة السائدة منذ 1956 وحتى الآن!
لم تتم أي تصفية لأي قضية خلافية من قضايا السودان,بل تراكمت القضايا خلال أكثر من نصف قرن؟! وأنتجت ما نعيشه اليوم من كوارث, لذلك لسنا مع نظرية التأجيل التي بحكم (تراكم ما هو مؤجل) تفضي لإنفجارات في وجوه الجميع, كما حدث بعيد إنتفاضة أكتوبر 1964 وأبريل 1985 إذ ظل اليسار يمسك بالبقرة من قرونها –إذا جاز التعبير- إلى أن تمكن مع القوى الملتحقة بالإنتفاضة من إسقاط عبود ونميري, فجاءت هذه القوى بعد ذلك وحلبت البقرة –أيضا إذا جاز التعبير؟!..
وهو ما نراه الآن: الطائفية رصيد لهذا النظام, وجزء من مؤسساته, ويتوجب عليها أن تحدد موقفا واضحا منه, إذ لا يصح إلا الصحيح. فلا يمكنها أن تكون حكومة ومعارضة في الآن نفسه؟!.. هذا هو التآمر, حتى لو أراد البعض تسميته بغير إسمه الحقيقي, كبوليتيكا, لأنه في السياسة دائما هناك سقف أخلاقي يجمعك بمن تتحالف معهم, وهو ما أصطلح على تسميته (تقاليد وأعراف العمل الجبهوي أو التحالفي, والتي بالضرورة لا تنقض أو تخون المواثيق والعهود), لذلك نقول أن من "جرب تجريب المجرب حلت به الندامة؟" ولهذا السبب نريد تفسيرا لظاهرة الإخلال بتقاليد العمل الجبهوي والتحالفي هذه من خلال هذه المقالات, نماذجنا في ذلك الطائفية والحركة الإسلاموية كما ذكرنا في مقدمة هذه السلسلة من المقالات.
من جهة أخرى الخلافات المقصودة ببساطة, هي الصراع الجاري الآن. والذي كنا قد لخصنا محدداته في مقالات سابقة على صفحات الراكوبة بهذه البساطة: أننا جربنا الإنقلابات العسكرية وجربنا الإنتفاضات وآن لهذا التراكم أن ينتج (ثورة حقيقية للمرة الأولى) تهدف إلى تحرير الناس، لا إلى حكمهم كالإنقلاب, أو تحدث تغييرات محدودة كالإنتفاضات.. لذلك نتحدث عن ثورة, فالثورة يقودها الشعب فيتبعه الجيش، والانقلاب يقوده الجيش فيتبعه الشعب.. الثورة تغيير لقواعد بناء السلطة لتكون الكلمة الأخيرة للشعب، أما الانقلاب فهو تغيير لأشخاص الحكام, مع بقاء القوة كمعيار للحكم, مع إستمرار النظام ومؤسساته المادية وقوامه المعنوي واللآيديولوجي, بمعنى التغيير الشكلي, مع الحفاظ على جوهر الأزمة التي تسببت في الإنتفاض على الحكم.
وقلنا في تلك المقالات: أن الفهم المعاصر والأكثر حداثةً للثورة, يتمثل في أن الثورة تغييريحدثه الشعب, من خلال أدواته "كالقوات المسلحة" (وللأسف الحركة الإسلاموية ورطت الجيش بحيث أصبح موضع إتهام) أو من خلال شخصيات تاريخية (وبطبيعة الحال ليس لدينا شخصيات تاريخية حولها إجماع), ليتمكن الشعب من تحقيق طموحاته بتغيير نظام الحكم, العاجزعن تلبية هذه الطموحات, ولتنفيذ برنامج من المنجزات الثورية "غير الإعتيادية". والمفهوم الدارج أو الشعبي للثورة هو الإنتفاض ضد الحكم الظالم كما في أكتوبر وأبريل. نحن إذن نتصارع اليوم حول هذه المفاهيم.
وبطبيعة الحال صراع الأفكاروالرؤى, لا يتوقف في أية لحظة من لحظات التاريخ, أو مرحلة من مراحل منعرجاته ومنعطفاته الحادة, ولن يتوارى بحكم أنه عملية ديناميكية مستمرة الحركة, فصحيح قد تتغير أدوات الصراع وأشكاله وأساليبه ,وطبقاً لذلك تتغير أيضاً نتائجه, لكنه يظل صراعاً تتعدد أوجهه وتتعرج مساراته, ولا أحد يستطيع أن يصفه بغير حقيقته ومفهومه, الذي إنطوت عليه ثورة تحاول فض الإشتباك بين مفاهيم أساسية, مثلت قلقا وتوترا للشعب ونخبه وقواه الحية, الخ.. مفاهيم تدور كلها حول من يحكم السودان؟ وكيف يحكم السودان؟ وما هي طبيعة البرنامج محل إتفاق كل السودانيين, الذي يجب تنفيذه؟
فالقوى التي تسعى لإجهاض الثورة بالمعنى الذي ذكرنا, تريد إيقاف عجلة التاريخ, وعجلة التاريخ لا يمكن أن تتوقف. كما أن السودان بمشكلاته الحالية, ليس من ثمة عاقل يتصور, أن إعادة إنتاج تجاربه الفاشلة السابقة, قد تنجح في تحقيق السلام والتنمية والإستقرار فيه, ما لم يتم النظر بجدية وتجرد وتسام, للخلل البنيوي فيما يخص توزيع السلطة والثروة وما يترتب على ذلك.
أحد أهم الدروس المستفادة من ثورة سبتمر الراهنة, التي لا زالت عملياتها تجري للوصول إلى لحظة التتويج النهائية, حتى لو إتخذ الصراع أشكالا متعددة لم يألفها السودانيون, في تجاربهم الماضية خلال الصراع مع النظم المستبدة, بسبب أن الأمر الآن, أكثر تعقيدا من الظروف العامة أو الخاصة, التي أسهمت في إسقاط الفريق عبود في 1964 أو النميري في 1985.
فالثورة هي "إسقاط لنظام فاسد" وأجتثاثه من جذوره, فهي تغيير يطال حتى الأسس الإجتماعية للحكم, ولا يتوقف فقط عند الأسس الآيديلوجية الفكرية أو السياسية, بالتالي هي ليست تغييرا محدودا, كما يتغنى قادة الطائفية الآن, أو إصلاحا كما يرغب بعض رموز الإسلام السياسي, الذي حكم البلاد لربع قرن, ويرغبون القفز بالنظام في قطار الثورة إنقاذا لمشروعهم الإسلاموي الفاسد, ولنا في مظاهرة الخال الرئاسي مؤخرا إشارة ودليل سنتناولهما عندما يأتي دور الحديث عن الإصلاحيين!..
لذا موضوع هذه الحلقات من جهة أخرى, بإختصار شديد يتمثل في كونه (كوجهة نظر فردية) إسهام في الرؤى المتداولة الآن, بين كافة السودانيين الطامحين لتغيير حقيقي, إذا لم يوحدنا مع الجنوب مرة أخرى, على الأقل يحافظ على وحدة ما تبقى من السودان. وبطبيعة الحال من العبث تصور أنه بالإمكان تحقيق ذلك, في ظل تكريس المؤامرات الطائفية لإستمرارية "نظام" المؤتمر الوثني!.
الشباب الثائرون الذين جلهم من أبناء هذا الجيل, الذي ولد وشب وترعرع في كنف الإنقاذ كثر. ليس داخل حزب الأمة فقط, بل داخل كل القوى القديمة والجديدة. لذلك سيظل تركيزنا على شخصية الصادق المهدي, بإعتبارها تمثل السودان القديم من قمة رأسها حتى أخمص قدميها, في سياق وصلهم بما لم يعاصروه, فالصادق يقدم النموذج الأفضل للقوى القديمة, ودراسة هذا النموذج قد يجنبنا في ظروف الثورة الحالية, الإستجابة للعوائق والعراقيل التي برع الرجل في إنتاجها!
على أي حال سنعلق في ختام هذه الحلقات, على كل الأخوة الذين تداخلوا مشكورين. لهم جميعا منا جزيل الإحترام والتقدير لوجهة نظرهم. والآن لنصل ما أنقظع من حديث, في هذه الحلقة الثالثة:
-
على خلفية ما تم سرده في المقالين السابقين, عن العهد الديموقراطي الأخير, يعتقد الصادق المهدي أنه وزملاؤه: حققوا للبلاد تمويلا تنمويا في حدود 3 مليارات من الدولارات. ولسد العجز السنوي والمعدات العسكرية تمويلا بلغ في السنوات الثلاث 4 مليارات من الدولارات. "انا لست فخورا بهذه المليارات السبعة وما مولت من تنمية وبترول وسلع تموينية وإستهلاكية ومعدات. وكنت أعتبرها مرحلة تنتهي بقيام الإنتخابات العامة المتوقعة في أبريل 1990, وليواجه أهل السودان قدرهم. وكان برنامجنا للإنتخابات سيكون في هذا الإتجاه" فتحي الضو ص: من سقوط الأقنعة. حزب الأمة عندو برنامج؟من متين.. ربما أن الصادق المهدي يعني "برنامج الصحوة الإسلامية", وهذه قصة أخرى سنتناولها لاحقا.. محن!
ومع ذلك, ما أن أصبح الإنقلاب حدثا واقعا, وعلم به الصادق المهدي, ماذا فعل للدفاع عن "الديموقراطية والدستور؟!".. هرب.. ويقول فتحي الضو هنا في ص: 73 من سقوط الأقنعة:"ولأن ذلك ميدان لا يستلزم التنظير, بقدر ما يتطلب التدبير, فقد كان هروبه فطيرا.. ألقى عليه القبض بنحو أقل من أسبوع, وهو يتأبط "سيفا من عشر" وهو عبارة عن مذكرة أعدها سلفا لتسليمها للإنقلابيين, وقام بتبرير هروبه كالعادة.. فقال: "هناك إتفاق عام على ميثاق الدفاع عن الديموقراطية, ينص على أن تتحرك القوى السياسية عند وقوع أي إنقلاب عسكري, ولذلك كنت أريد أن أرى إذا كانت هناك جهة مستعدة للتحرك في هذا الإطار. أما السبب الثاني: فهو أنني كنت أريد معرفة طبيعة الحركة, لأن تقديري كان أن بعض الجهات الأجنبية, تريد تنفيذ إنقلاب. فإذا كان الإنقلاب أجنبيا كنا سنخرج ونقاومه".. فعلا "شر البلية ما يضحك".. حركات دارفور "أجانب زيهم زي غردون باشا" يستحقون أقصى العقوبات لكن إسلامويون الإنقاذ ليسوا بأجانب؟ لقد نسى(أو تناسى)الصادق المهدي, أنه لدى إنتخابه رئيسا للوزراء, قد أدى القسم لحماية الدستور والنظام الديموقراطي؟! وهذا القسم يجب أي إنقلاب سواء كان أجنبيا أو محليا!
واضح أن الصادق المهدي "محنة كبيرة", أربكت حتى عمل (المرحوم التجمع في الخارج) كما يربك عمل (قوى الإجماع الوطني الآن) بل كانت الجبهة الإسلاموية سعيدة جدا بخروجه في "تهتدون أو تهربون" فقد عنى لها خروجه, إرباك المعارضة بالنيابة (أو الوكالة) عنها, فما يستطيع أن يفعله إرباكه للمعارضة, تعجز عن فعله الأجهزة الأمنية للنظام, وقد عبر عن ذلك أقطاب الجبهة الإسلاموية بوضوح, وعلى وجوههم قد
إرتسمت الغبطة, التي ليس بعدها غبطة. وسنأتي لذلك لاحقا.
في مجتزأ أورده فتحي الضو, من مقالات متسلسلة لمحمد سعيد محمد الحسن قال (أعني محمد سعيد) قبل يومين من إنقلاب مايو 1969, توجهت وزميل لي إلى منزل الصادق المهدي حيث إستعرضنا معه الأوضاع الداخلية, وسألناه إن كان يتوقع إنقلاب عسكري, فرفع أصابع يده اليسرى ليعدد الأسباب, التي تحول دون وقوع إنقلاب عسكري, ومنها أن ثورة أكتوبر لا يزال درسها وتجربتها في الخاطر, كما أن الظروف التي يمكن أن يتحرك فيها الجيش للإستيلاء على السلطة, مغايرة تماما لتلك الظروف التي كانت سائدة في نوفمبر 1958..
علما أن الظروف التي عددها أسهم فيها شخصيا بقدر وافر من التكدير السياسي: خلافاته مع عمه الهادي, ومع رئيس الوزراء محمد أحمد المحجوب, فما أشبه تلك اللحظة ببارحة إنقلاب الإنقاذ, وما أشبهها بصراعاته مع مبارك الفاضل بعد "ترجعون صاغرون", وما أشبهها بالمواقف الملتوية من التغيير في السودان, والحرص على بقاء الحركة الإسلاموية في الحكم, لدرجة العمل بالوكالة نيابة عنها, لإطالة سنوات حكمها, التي شارفت على ربع القرن.
المهم أن الصادق بعد إنقلاب مايو 1969 قام بإقناع عمه الهادي (نيابة عن الإنقلابيين) بالإعتكاف في الجزيرة أبا (معارضة ناعمة).. في خدمة مجانية لنظام نميري..هذا فضلا عن الصفقة السياسية بينه وبين السفاح نميري (مصالحة 1977) فقد كانت (الكلام لفتحي الضو) في حقيقتها عبارة عن قواسم مشتركة لأفكار شمولية, طمح لها المهدي ولوح له بها النظام المايوي مثل: الجمهورية الرئاسية والنظام السياسي الواحد و التوجهات الإسلامية. ولولا أن نميري إنقلب على نفسه في 1983 متعلقا بما أسماه القوانين الإسلامية, ولولا أنه تنكر بعدئذ لما وعد به الصادق المهدي لذاته, لما وجد الصادق المهدي تبريرا في معارضة نظام نميري ص: 75 من سقوط الأقنعة.
إلى حكومة الصادق المهدي(1986-1989) يرجع الفضل في تسويف قضية السفاح المخلوع نميري, وعدم محاسبة سدنته بل وإطلاق سراح الفاسد شريف التهامي, قبل إكتمال سلسلة التحقيقات في تجاوزاته المالية, إمعانا في إزلال مشاعر أهل السودان, الذين يبدي الصادق اليوم حرصه وتخوفاته عليهم, من نذر حرب أهلية تلوح في الأفق؟!
أليس ممثلو حزب الأمة هم من تحمس لإضافة بند (الكفاح المسلح) لميثاق التجمع, وفقا لإشتراطات الحركة الشعبية في 1990.. وأولم يعلق الإتحاديون(أحمد السيد حمد): "أنني أثق في قرنق ولكنني أخشى - بل متأكد- من أن حزب الأمة, سيتخذه –يعني الكفاح المسلح- وسيلة لتكوين مليشيات, درج على إستخدامها في الصراع على السلطة (راجع ص: 159 من سقوط الأقنعة).
منذ متى كان الصادق يهتم بمصالح أهل السودان, وهو الذي تهافت على الفتات, والوعود الزائفة. عائدا في 2003 (ترجعون صاغرون). هل كانت عودته لأسباب سياسية تتعلق بمصالح السودان؟ طبعا لا.. عاد الصادق لأسباب مالية, خصوصا أنه بعد إتفاق جيبوتي 7يوليو2002 الذي وقعه مبارك الفاضل مع قطبي المهدي, حفز الصادق المهدي للحصول على شيء من فتات السلطة, بدلا عن ترك مبارك إلتهام فتات الكعكة وحده, فالسودان بالنسبة لهؤلاء القوم مجرد كعكة يتقاسمونها!.
في حديث أورده فتحي الضو, في كتابه سقوط الأقنعة ص: 92 للعميد عبد العزيز خالد, حول تجربته مع الصادق المهدي في السجن, إثر إنقلاب 30يونيو1989 يقول عبد العزيز خالد: "لا أجد حرجا في القول بصورة أكثر وضوحا - أنني تعرفت على شخصيات مميزة وأحترمتها, في حين فوجئت بخواء وسطحية آخرين, تولوا مناصبا سواء وزارية أو حزبية. وكان السيد الصادق المهدي من بينهم, وهو في الحقيقة رجل منفتح, ممكن تتحدث معه أو في حضوره عن أي شيء.. مع ملاحظتي أن بعض كوادر حزبه "تخشاه" لدرجة الرهبة, وهو شعور في تقديري أدنى من الإحترام.
الصادق المهدي الذي كان أيام أسمرا والجبهة الشرقية والقاهرة, يؤمن بضرورة إسقاط هذا النظام, بمعنى إقتلاعه من جذوره (أو كما يطيب لأبو هاشم التعبير: سلم تسلم) –فلكل مقام مقال- هو الآن داعية السلام والإصلاح, فتلك أيام مضت, و تراكمت عليها أغبرة نسيان الإسلامويين, المصنوعة من الإغراءات للمتهافتين على السلطة, الذين لا يزال لديهم "عشم" أن يكونوا على سدة (نظام رئاسي وشمولي) على جماجم ملايين القتلى, والإقتطاعات في الجغرافيا والفقر المدقع, والفساد والجريمة المنظمة!
كان خلاف حزب الأمة الرئيسي (سياسيا) مع الحركة الشعبية, يتمحور حول رفض حزب الأمة المطلق ل "تقرير المصير و فصل الدين عن السياسة". ولكن حزب الأمة, بعشقه للغرق في التاكتيكات, ونقض المواثيق والعهود (فهو غير مضمون وممكن يغير رايو في أي لحظة, ككل الذين يصلون خلف علي ويأكلون على مائدة معاوية) (وافق) على تقرير المصير وفصل الدين عن السياسة في "شقدوم" 1993 وفي القاهرة 1994 وكذلك في أسمرا 1994و1995..
وفي الوقت نفسه ظل حزب الأمة ينادي بما يسميه "الدولة المدنية" التي أصبحت مثل "حجوة أم ضبيبينة", لدرجة أن بعض أعضاءه, يقدمون نقدا وتصورات من النوع الرائج في أوساط العلمانيين والليبراليين (هم حزب أمة لكن مركبين مكنة علمانية ليبرالية؟ ثم يعودون ليقدموا "نقدا ذاتيا إسفيريا" ليتبنوا مرة أخرى الدولة المدنية, التي تراجعوا عنها لصالح العلمانية والليبرالية قبل قليل؟!) ..
هذا التمزق في تبني تصور فكري ونقيضه في الوقت نفسه, أحد أسبابه تصريحات الصادق المهدي المتضاربة بين الإسلاموية والعلمانية. وموافقة حزبه على فصل الدين عن السياسة, وفي الوقت نفسه تبني مشاريع القداسة.
قيادة حزب الأمة التي جنحت للسلم الآن"المعارضة الإصلاحية الكوديسية الناعمة", هي القيادة نفسها التي تحمست أكثر من غيرها للخيار العسكري, وتبنت العمل المسلح في الجبهة الشرقية, حتى باتت تحلم بدخول الخرطوم على فوهات البنادق بدلا عن "سيوف العشر".
صرح مبارك الفاضل للشرق الأوسط في 25 -11-1996 قائلا: "ستكون الأحزاب الشمالية الكبيرة, في مقدمة العمل العسكري. وحزبا الأمة والإتحادي الديموقراطي, قاما بإعداد كوادرهما للعمل العسكري, ويتولى قيادة قواتهما ضباط أكفاء, من داخل المؤسسة العسكرية برتب عالية".. أثبتت الأيام أن قوات الجوارح التابعة لحزب الأمة, والتي أصبح إسمها فيما بعد (بعد هروب الصادق إلى أسمرا في تهتدون) "جيش الأمة للتحرير" لم يكن عددها أكثر من المائة وخمسون متطوع, بل ينقص عن ذلك بقليل. وهكذا الكلام كلو طلع خارم بارم!
في الفترة من 96 – 1999 لم يملأ أحد الدنيا ضجيجا من أطراف المعارضة الأخرى, بتصريحات وهمية في الإعلام عن قرب إنتصار المعارضة, وإسقاط النظام. مثل حزب الأمة, بدء بالصادق ومبارك, وإنتهاء ب"ناس قريعتي راحت" الذين "آباطهم والنجم!".. على خلفية حماس حزب الأمة, الذي وافق على فصل الدين عن السياسة وحماسه للعمل العسكري.
لم يكن بمقدور المرء وقتها فتح جريدة عربية, ولا يجد فيها تصريح عن العمل المسلح لإسقاط النظام لمبارك أو المرحوم عمر نور الدايم (المهتمين بالموضوع يراجعوا إرشيف الشرق الأوسط , الأهرام العربي, الحياة اللندنية).
المدعو اللواء علي صديق قائد (قوات الجوارح) الذي إنضم لقوات التجمع في منطقة "همشكوريب" وفقا لزعم مبارك الفاضل. أصدر حزب الأمة بخصوصه بيانا رسميا من القاهرة في 20-2-1997 جاء فيه: أن إنضمام المذكور جاء إستجابة لنداء الصادق المهدي.
أولم يقل المذكور أعلاه نفسه (اللواء علي صديق) قائد قوات الجوارح, في حوار للشرق الأوسط13-9-1997 أنه خلال الفترة من الإجتماع الأول للقيادة العسكرية المشتركة, في الأول من مارس 1997 وحتى الإجتماع الثاني في يونيو 1997, تحققت إنتصارات كبيرة في مجال العمل العسكري, وتحررعدد كبير من المدن والقرى, حسب الخطة الموضوعة للمرحلة الأولى, وتفاصيلها تقضي بتقسيم مسرح العمليات, إلى عدة مواجهات في الجبهة الشرقية الشمالية, وجبهة النيل الأزرق وجبهة جنوب السودان وجبهة غرب السودان وجبال النوبة, بمعنى مناطق النفوذ الحالية للجبهة الثورية؟!
كل هذه الجباه العسكرية المفتوحة, التي كان حزب الأمة قد إفتتحها (بالجوارح طبعا) كأنها لم تكن وليس لديه علم بها, عندما يتحدث الآن عن حركات دارفور وجنوب النيل الأزرق وجبال النوبة والأجندة العنصرية للجبهة الثورية وما أدراك.. على الرغم من أن هذه الجباه المفتوحة الآن, ستحقق ما كان الصادق يتمناه ويصبو إليه (إقتلاع المؤتمر الوثني من جذوره) فما المشكلة؟!
هل أصبح هذا النظام فجأة نظاما محترما ليس فاسدا و لا يقتل الناس ولا يهدر كرامتهم؟ ما الذي تغير فيه حتى تتغير المواقف منه؟.. نرجع لموضوع "خروج" الصادق و"ليس هروبه" في عملية "تهتدون" الشهيرة التي قادها إبنه عبد الرحمن, للإلتحاق بالمرحوم التجمع الوطن, وإشتراع خط شروع جديد للنضال المسلح,
عبر البوابة الشرقية للسودان. والإنعكاسات السيئة, على مسيرة ومستقبل التجمع الخارجي, بسبب إلتحاق الصادق به. يقول فتحي الضو هنا:"إنبرى الصادق المهدي وقتها مصرحا للحياة 28-4-1998 قائلا على صعيد تجديد الحزب فكريا وتنظيميا ,آلية التكوين العسكري أو جيش الأمة للتحرير, وعلى رغم أننا نأمل في إنضمامه إلى التكوينات الأخرى, المكونة للقيادة العسكرية الموحدة للتجمع, إلا أن جيش الأمة في صورته الحالية, يعتبر إحدى الآليات المستخدمة, التي تلبي مطالب المرحلة.. بمعنى أن الجهاد المدني الذي أزعجت به الكوادر الخطابية لحزب الأمة طلاب الجامعات وقواهم السياسية 1992- 1998 راح شمار في مرقه!
وفي السياق نفسه يورد فتحي الضو ص:330 من سقوط الأقنعة, فيما يخص أخلاق العمل العسكري للأمة,
أن القوات التي قيل عنها أنها ستلبي طموحات المرحلة, كانت قد بدأت بداية عرجاء, حينما قرر أمير جيش الأمة الجديد, عبد الرحمن الصادق المهدي, أن يلتحق بركاب الذين حرروا الأرض, فخاض عمليات لم يكتب لها النجاح وصاحب بعضها ملابسات لا تدعو للفخر:
إستهدفت العملية الأولى "مدنيين "في يوم 17-11-1997 لا علاقة لهم بما يجري. بعد مهاجمة أفراد من قوات جيش الأمة للتحرير, قرية في منطقة الفاو و"غنموا"من تلك المعركة (4) مدنيين بينهم مدير الجمارك و(إبنته) بإعتبار أنه كان يؤدي (مهمة محرمة) في ظل نظام الجبهة الإسلاموية (العمل في الجمارك) (أولاد الصادق الآن شغالين وين ومع منو؟) وقد فتحت تلك العملية, شهية قوات جيش الأمة للتحرير, لمزيد من النضال العسكري, فقام نحو عشرين فرد منه, بالتسلل إلى طريق الخرطوم بورتسودان, بين منطقتي "الملوية" والحاجز وأستولوا على "شاحنات"!
طبعا قوات الجبهة الإسلاموية طاردتهم و"أسرت" خمسة منهم, وبعد أن عذبتهم عرضتهم"معروضات".. وهنا إنبرى حزب الأمة, وأصدر بيانا لتبادل الأسرى (على غرار السلوك المتبادل بين حماس وإسرائيل) نص البيان على إستبدال المواطن المسكين مدير الجمارك "عبد الملك" الذي لا إيدو ولا كراعو فيما يجري في السودان, "بالمجاهدين" الخمسة الذين أسرتهم حكومة الجبهة الإسلاموية.
وللمفارقة أن الصادق المهدي نفسه, فيما بعد و(تعليقا على ما جرى في همشكوريب), صرح للأهرام العربي في 15 -4-2000 مدينا "تنازع الحكومة والمعارضة على همشكوريب, التي أصبح حالهما فيها, أشبه بلعبة القط والفار"فماذا قال الصادق المهدي: "إن الذين يبغون تقويض النظام الحاكم, عليهم أن يغزوا روما وليس الفاتيكان. طيب يا أخينا المرحوم خليل إبراهيم حاول غزو روما, فلماذا سارعت بإدانته؟
وفي الحقيقة ان جيش الأمة, هو الذي تخصص في غزو "الفاتيكان" وجيش المرحوم الأسلاموي والدباب السابق خليل إبراهيم, لم يغنم أي مدني في (غزوة) أم درمان فضلا عن إبتعاده التام عن النساء "خصوصا البنات مثل بنت المسكين عبد الملك". نجده بالتالي خليل هو من حاول غزو روما مباشرة دون لف أو دوران.
في الواقع أن الصادق, بعد أن عقد العزم في 2000 على العودة إلى أحضان الخرطوم, أراد أن يمهد لعودته ونكاية في المعارضة المسلحةعلى طريقة "عجبني ليك يا المرقود" أخذ يطلق مثل هذه التصريحات, التي لا تختلف في كثير أو قليل عن تصريحاته 2011في نيويورك وواشنطن العاصمة.
ومن طرائف الصادق المهدي, أنه ولدى وصوله أريتريا (عملية تهتدون) صرح للحياة اللندنية في 13-1-1997
هل عملية تهتدون عملية تقليدية؟ إن تلك العملية لم تنفذ بعقلية شيخ القبيلة, بل كانت في الواقع عملية جيمس بوندية.. أي والله هذا ما قاله الرجل, ما يجعلنا نتساءل عن حقيقة عقود الباطن بينه وبين نظام المؤتمر لتأجير المعارضة.
المهم أن الصادق المهدي, أكد لزواره من قيادات القوى السياسية (ص:344 من سقوط الأقنعة) الذين جاءوا مهنئين بنجاح هروبه من قبضة النظام الإسلاموي في الخرطوم, أنه ملتزم بكافة الإتفاقيات التي وقعها عمر نور الدائم ومبارك الفاضل "وتجد كل سندي ومؤازرتي". طبعا الإتفاقيات المعنية هي "شقدوم" وإتفاقيات "أسمرا" وهذا يعني أن الرجل ليس لديه مشكلة مع (الكفاح المسلح وفصل الدين عن السياسة؟) بل هو ملتزم بذلك ويجد منه كل السند والمؤازرة, وبالطبع في مقدمة إلتزاماته تلك (حق تقرير المصير) إلى جانب أن قصة (الجهاد المدني والدولة المدنية) إنتهت ودخلت الإرشيف بوصوله أريتريا في 9-12-1996. الطريف (بمعنى المضحك المبكي) هنا أنه تخلى عن كل ما سانده وآزره, وأحيا من الإرشيف كل ما تراكم عليه غبار بارود جيش الأمة, عندما قرر مغادرة المعارضة والعودة إلى الخرطوم في 2000؟؟؟
نواصل
*السيدان والتآمر على ثورة السودان:
الحلقة الأولى:
http://sudantodayonline.com/articles.php?action=show&id=1519
*الحلقة الثانية:
http://sudantodayonline.com/articles.php?action=show&id=1522


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.