بسم الله الرحمن الرحيم المتوكل محمد موسى يبدو أن الأوضاع السياسية الراهنة فى ليبيا تُقلق حكومة الإنقاذ وتقض مضجعها، ليس لأن حملة كرامة التى تشنها قوات ليبية بقيادة اللواء حفتر تستهدف القضاء على حكومة تُعتبر تنظيمياً إمتداداً لها وتخدم بعض أوجه صراعها داخلياً فحسب، بل لأن حكومة الإنقاذ بمساعدة قطر قد مكنت تنظيم الأخوان المسلمين وتوابعه من المنظمات الإرهابية المتشددة من الإستيلاء على السلطة فى طرابلس من أجل السيطرة على دول المنطقة وفرض أيدلوجية تخدم أهداف التنظيم العالمى للأخوان المسلمين وترعى مصالحه، دون أى إعتبار منها لمصلحة الشعب الليبى صاحب الأرض. الحكومة السودانية أيضاً لديها مخاوف أخرى تتعلق بإمكانية إنفراط الحدود الغربية وعودة ذكريات لا ترغب فى إجترارها مرةً أخرى خاصةً بعد أن ضمنت نظاماً موالياً يكفيها شر ذلك الباب، وفى رأينا فهذه هى المنطقة الأكثر وجعاً لها فى موضوع التغيير وشيك الوقوع فى ليبيا، ولذا أصدرت الخارجية السودانية بياناً قلقاً ومتوجساً تُحرض فيه الشعب الليبى على وقف تأييديه الجارف لحملة الكرامة التى دشنها اللواء خليفة بلقاسم حفتر ضد القوة الظلامية التى احتلت ليبيا بمساعدة قطر التى إستخدمت السودان كمخلب قط يساعدها فى نشب أظافرها فى التراب الليبى. إذاً، فالمتطرفون الإسلاميون، الممسكين بتلابيب السلطة فى ليبيا، ليسوا وحدهم من يتوجس خيفةً من حملة الكرامة التى إنتظمت ليبيا ولاقت تأييداً جارفاً من الشعب الليبي والصعود المبهر والدرامى لللواء حفتر على مسرح الأحداث السياسية هناك والذى تصدى لمهمة تطهير ليبيا من رجس إحتلال المتطرفين المتشددين الذين وفى غفلةٍ من الشعب الليبي وفى ظل كراهيتهم لنظام العقيد القذافى ورغبتهم العارمة فى التخلص منه تسامحوا مع الأجانب الملتحين الذين وجدوهم فجأةً يُقاتلون معهم فى الصفوف الأمامية، فى ظل تلك الأجواء وبإسم ذلك النضال الذى كان يخوضه الشعب الليبي، تسلل هؤلاء بمساعدة قطر والسودان وتركيا للمشاركة فى جهود الإطاحة بالعقيد القذافى، وبسبب الدعم المادى والفنى الذى تلقوه من تلك الدول التى ترعى الإرهاب فى العالم تمكنوا مع نظرائهم الليبيين من إحتلال كل مفاصل الدولة الليبية ووضعوا أيديهم على ثروات الشعب الليبي، ولكن الأمر لم يقف عند هذا الحد بل تطور الأمر إلى الأسوأ عندما بدأت هذه الجماعات تضيق ذرعاً بالإنتقادات السياسية التى بدأت تصوبها جهات سياسية أخرى فى ليبيا، بسبب التجاوزات فى إدارة البلاد وإنحراف مسار المؤتمر الوطنى الليبى الذى يقود البلاد نحو أهداف متصادمةً تماماً مع أهداف الثورة الليبية، لقد قابلت هذه الجماعات المتطرفة الإنتقادات بالإستخدام المفرط لسلاح الإغتيالات من أجل إسكات الخصوم السياسيين، وكشأن أسلوب المتطرفين المتشددين فى كل مكان فقد إستخدموا أيضاً أسلوب الإختطاف والإغتصاب كوسيلة لكسر إرادة الشعب الليبى، فعمت الفوضى وأصبحت الكلمة فى يد هؤلاء المتطرفين الإسلاميين الذين إنسلوا على أرض ليبيا من كل صوبٍ وحدب، فأصبحت الحياة جحيماً لا يُطاق وضاقت أرض ليبيا بما رحُبت. من بين ثُنيات كل هذه المآسى وشلالات الدماء وأشلاء جثث الليبيين، خرج اللواء خليفة حفتر ليتصدى لمهمة إنقاذ ليبيا من أيدى هؤلاء المتعطشين لسفك الدماء، فجمع القوات الموالية له فى منطقة الرجمة ووجه عدة بيانات يدعو فيها الليبيين للثورة على هؤلاء الظلاميين وتحرير ليبيا من أيديهم وتطهيرها من دنسهم، ثم بدأ حملته بالهجوم على معسكرات المتطرفين داخل بنغازى، فاستولى على معسكر 17 فبراير، لتبدأ برقيات التأييد تترى من جميع أنحاء ليبيا، وتبدأ القوات التى قاتلت القذافى فى التجمع مرة أخرى والإلتحاق بحملة الكرامة التى دشنها اللواء حفتر، وتحول الأمر من بنغازى إلى العاصمة الليبية طرابلس، وقد إنشق قائد القوات الخاصة العقيد ونيس بوخمّادة والتحق بحملة الكرامة وهو أمر ظل يترقبه الليبيون بفارغ الصبر وكذلك قوات الدفاع الجوى بقيادة العقيد جمعة حسين العبانى ولا زالت الإنشقاقات تتوالى حتى كتابة هذه السطور. بيان وزارة خارجية حكومة الإنقاذ، وكعهدها، فقد جاء مخاتلاً ومخادعاً يُظهر الحرص على إستقرار ليبيا، لكن الواضح فى متونه دعوةً الليبيين لمقاومة حملة كرامة والإبقاء على النظام الذى فقد شرعيته بإشاعة الفوضى والقتل والإغتصاب ونهب أموال الشعب الليبى وإقصاء الآخرين من المشاركة وسن قوانيين معيبة، مثل قانون العزل السياسى والذى بموجبه حُرم موظفون صغار كانوا يعملون فى عهد القذافى من العمل، فضلاً عن قوانيين أخرى ظل الليبيون يشكون من جورها. ليبيا دولة جارة للسودان والإستقرار فيها يخدم السودان كثيراً ويُوجد بها عددٌ مقدر من السودانيين العاملين والذين عانوا كثيراً بعد الإطاحة بالقذافى نتيجةً للبيان التحريضى الذى اصدرته حكومة الإنقاذ آنذاك، إضافةً إلى تصريحات نافذين حكوميين ألبوا فيها هذه المجموعات المتشددة عليهم، بحجة أنهم قاتلوا دفاعاً عن نظام القذافى فذبحوا العديد منهم مثل ذبح الشياه، نأمل أن تبتعد حكومة الإنقاذ عن التدخل فى شئون الغير، فإن تدخلاتها دوماً تجئ وبالاً على أبناء الشعب السودانى المنتشرين فى دول الجوار هرباً من سياستها الفاشلة وسوء إدارتها للبلاد، إقتصادياً وإجتماعياً وسياسياً.