شكوك حول جدية نظام البشير في خلق مسافة بينه وبين الإيرانيين الخرطوم- ألقت خطوة غلق المركز الثقافي الإيراني وفروعه بظلالها على المشهد السوداني، وسط تأكيدات على وجود صراعات أجنحة داخل البيت الحكومي بين مؤيد ورافض للخطوة، في الوقت الذي يذهب فيه المتابعون إلى اعتبار ما حدث مجرّد مناورة من البشير لمغازلة دول المنطقة العربية الرافضة لسياساته الخارجية. كشفت مصادر سودانية مطلعة ل"العرب" عن خلافات طفت على السطح مؤخرا بين أجنحة الحكومة السودانية، على خلفية قرار غلق المركز الثقافي الإيراني في العاصمة الخرطوم وفروعه وطرد الملحقة الإيرانية وإمهال طاقمها "72″ ساعة لمغادرة البلاد تنتهي يوم أمس الخميس. جاء ذلك في وقت نفت فيه حكومة طهران على لسان مساعد وزير خارجيتها للشؤون العربية والأفريقية حسين أمير عبداللهيان أن تكون المراكز الثقافية التابعة لها في السودان قد تم إغلاقها من قبل الحكومة السودانية، متهما أطرافا سودانية بأنها تسعى إلى تخريب العلاقات بين البلدين، قائلا "إن القيادة السودانية لا تسمح بتشويه العلاقات التاريخية بين البلدين". وأكدت المصادر أن خلافات وملاسنات نشبت بين وزير الخارجية علي كرتي ووزير الدفاع الفريق عبدالرحيم محمد حسين الذي يعارض القرار، وسط أنباء عن وصول وفد استخباراتي إيراني لاحتواء الأزمة. وتعتبر إيران حليفا إستراتيجيا للخرطوم، تربطهما سلسلة من المصالح العسكرية والأمنية خاصة في ما يتعلق بالسلاح وتصنيعه، لذلك تعارض المؤسسة العسكرية السودانية بالأخص أي خطوة من شأنها أن تغضب الحليف الإيراني الذي يعتبر ممولها الرئيسي في صراعاتها الداخلية ضدّ الحركات المسلحة في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان. وتكشف هذه الخلافات عن تصدع حقيقي في بيت النظام السوداني، خاصة في ما يتعلق برؤية كل جناح للعلاقة القائمة مع طهران وتداعياتها. وتعدّ إيران أحد المعرقلين لعودة السودان إلى محيطه العربي، وهي تحاول أن تجعل من هذا البلد أداة لتنفيذ أجندتها التدميرية في مواجهة دول المنطقة خاصة تلك التي تناصبها العداء، من خلال السعي إلى نشر مذهبها الشيعي في المجتمع السوداني فضلا عن إغراق النظام في دوامة من الصفقات المشبوهة في سياق محاولاتها تحويل البلد إلى مراكز وقواعد عسكرية لها. علي كرتي: الرئاسة رفضت طلبا إيرانيا لإثنائها عن قرار إغلاق المركز الثقافي الإيراني ويرى البعض أن قرار الحكومة الأخير يعكس نفاد صبرها من محاولات طهران لتغيير النمط المجتمعي السوداني عبر نشرها التشيع في أوساطه، كما أن أوضاع البلد الداخلية لم تعد تحتمل حالة العزلة التي تطوّقه والتي تعدّ طهران أحد المتسببين فيها. في المقابل يذهب البعض الآخر إلى اعتبار خطوة غلق المراكز الثقافية الإيرانية مجرّد مناورة من النظام لمغازلة البلدان الخليجية وفي مقدمتها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، فضلا عن مصر، وأنها لا تتعدّى مجرّد ذرّ رماد على العيون. وكان وزير الخارجية علي كرتي قد أكد للصحافيين مساء الأربعاء أن قرار غلق المركز الثقافي نهائيّ ولا رجعة فيه، مبينا أن الرئاسة رفضت طلبا إيرانيا لإثناء السودان عن قراره بإغلاق المركز الثقافي الإيراني في الخرطوم وفروعه بالولايات، موضحا أن القرار نهائي ولا مساومة سياسية فيه. ودافع كرتي بشدة عن القرار قائلا: كنا نتابع نشاط المركز الثقافي الإيراني في الخرطوم عن كثب للتحقق من التزامه بالأنشطة الثقافية، بعيدا عن تحقيق مكاسب طائفية شيعية دخيلة على المجتمع السوداني، وتابع "ضبطنا حالات عدة مارسها المركز الثقافي الإيراني في عدد من الأحياء الشعبية وفي بعض الجامعات، حيث تأكد لنا بما لا يدع مجالا للشك انحراف المركز عن الدور الثقافي المتفق عليه". وشدّد وزير الخارجية بلهجة حازمة لأول مرة، إن صبر الخرطوم على طهران قد نفد، وإن رغبة البلاد كانت تركز على تعزيز المصالح المشتركة بعيدا عن إيذاء الآخرين، سواء في الخليج أو في المحيطين العربي والأفريقي، وأكد أن القيادة في إيران فوجئت بالقرار السوداني القاضي بإغلاق المركز الثقافي، مبينا أنها حاولت الاتصال فورا بالخرطوم، غير أن هذه الأخيرة أبلغت نظيرتها طهران بقطعية القرار، وأنه لا رجعة فيه البتة. وأوضح كرتي، أن المركز الإيراني كان يعتقد أن الحكومة السودانية راضية عما يقوم به من نشر المذهب الشيعي، الأمر الذي جعل ممارساتهم مكشوفة ومرصودة بشكل جلي، مشيرا إلى أن السودان لن يسمح باستغلال إيران حاجته سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي أو العسكري لتحقيق مآربها على حساب المجتمع والدين والجوار والصداقة. ولاقى قرار غلق المركز الثقافي الإيراني ترحيبا كبيرا من منظمات ثقافية ودينية وأحزاب سياسية سودانية.