لا تزال هناك الكثير من الأسرار التي لم تعلن عن ملابسات قرار مصر المفاجئ سحب مصطفي الفقي وترشيح نبيل العربي لمنصب أمين عام جامعة الدول؛ ليصبح الأمين العام السابع لها، والمصري السادس في هذا المنصب. مصادر دبلوماسية مصرية وعربية رصدت وتابعت وحللت قصة الساعات الأخيرة والمفاجأة، التي سبقت الموقف والقرار، التي أتت بالدكتور نبيل العربي مرشحا مصريا لشغل منصب الأمين العام وإقصاء المرشح السابق الدكتور مصطفي الفقي، وسحبه من حلبة السابق مع المرشح القطري عبدالرحمن العطية. على رأس هذه الأسباب، ووفقا للمصادر تأكد مصر من عدم امتلاك الفقي للأصوات الكافية التي تمكنه من حسم المنصب لصالحه، ثم أن هذا وهو الأهم أن مصر والدول العربية لم تكن لتقبل بالاحتكام إلى التصويت، ومن ثم ضرورة حسم هذا الأمر من خلال التوافق بين كل الدول علي مرشح واحد، وتيقنت مصر من أن عدد الأصوات التي سيحصل عليها مرشحها لن تتجاوز 12 صوتا. وتشير المعلومات إلى أن المشاورات التي جرت قبيل الاجتماع بيوم أو يومين لم تثمر عن استعداد أي من الطرفين "خاصة قطر" التنازل لصالح الطرف الآخر، أخذا في الاعتبار أن الموقف من المرشح المصري "الفقي" ذاته وعدم وجود إجماع عليه ساهم في تشدد هذا الموقف ضده، بجانب أنه لم يلقى قبولا عاما من الشارع المصري ذاته. وبدا أن موقف قطر ومن دعمها من الدول "خاصة السودان" كان موجها ضد الفقي بأكثر، مما كان سعيا لحصد المنصب لمرشحها عبدالرحمن العطية، يؤكد ذلك أن قطر كانت من أوائل الدول التي باركت الثورة، كما باركت حق مصر في الاحتفاظ بمنصب الأمين العام للجامعة العربية خلفا لعمرو موسي. وليس خافيا أن المنصب ظل شاغرا من أي مرشح عقب خطاب الأمانه العامة للجامعة، واستمر اسم مفيد شهاب وحده، مع الجدل الذي أثير بشأنه حتي سحبته أو جمدته مصر، ثم كانت المفاجأة حين تقدمت قطر بترشيح العطية على عكس ما أعلنت وتعهدت، فيما يبدو، وربما كان هذا هو المؤكد أنها اشتمت رائحة اعتزام مصر ترشيح الفقي، وهو ما لم يخفه الأخير وروج له بقوة في السر والعلن، مما دفع قطر إلى اتخاذ إجراء استباقي والتقدم بمرشحها، الغريب أن القاهرة ظلت صامته بضع أسابيع حتى دفعت بالفقي. لم يكن إذن ترشيح قطر العطية سعيا إلى المنصب بقدر ما كان نكاية في الفقي، وتنفيذا لخطة محكمة "دبرت بليل"، وسعيا خفيا لإقصائه بأي ثمن، وقد نجحت في ذلك بمهارة فائقة، والأكثر أن موقفها بالتنازل للعربي حصدت من ورائه مكاسب كبيرة. على أن هناك من يري أن إقصاء العربي نفسه من الخارجية كان ضمن خطة أكثر إحكاما، لعبت فيها أطراف عديدة أدوارا خافية تشابهت في نتائجها تماما مع نفس السيناريو، الذي جري قبل 10 سنوات مع عمرو موسي، وما أشبه الليلة بالبارحة، ولئن كان موسي دفع ثمن عدائه الظاهر لإسرائيل فقد دفع العربي ثمنا سريعا لمواقف جريئة أعادت للدبلوماسية المصرية قوتها وللسياسة الخارجية رونقها، لكن يبدو أن مواقفه لم ترح أطرافا عديدة منها العدو ومنها الصديق، وكان لابد من إراحته والاستراحة منه بنقله إلى البيت الذي كرم فيه سلفه عمرو موسي.. بيت العرب..! وليس صحيحا أن العربي كان مرتاحا لهذا القرار "تعيينه بالجامعة" إذ لم يخف اعتراضه عليه ورفضه له من قبل، وفقا لما أعلن أنه تعرض لضغوط شديدة من المجلس والحكومة، بعد تجميد اسم شهاب وقبيل ترشيح الفقي، لكن كليهما احترما رغبته ونزلا على إرادته، وهذه المرة لم يكن الرجل مرتاحا أيضا حين أبلغ بالقرار من جانب المشير بنفسه قبل يوم واحد من الاجتماع، وقبل الرجل القرار والترشح علي مضض، بحجة مقبولة ومشروعة وهي الإبقاء على الجامعة بمن يليق بهذه المؤسسة، ويلقي قبولا عربيا أشبه بالإجماع، وهو ما حدث بالفعل حين استقبل بحفاوة بالغة، كما استقبل بها سلفه موسي. عموما لم تكن مصر مستعدة للذهاب إلى التصويت بالنظر إلى خطورته وتداعياته على الجامعة ومستقبلها، وأنه سيحدث شرخا كبيرا به يؤثر بالسلب سواء علي أدائها، أو حتى أداء الأمين العام "أي أمين عام يختار بهذه الطريقة"، حتي لو كان مصريا. وتردد في أوساط الجامعة أنه ربما كان "الفقي" نفسه أحد أسباب خسارته المنصب، لما وجهه من انتقادات حادة ضد السودان في السابق واللاحق، مرة ضد رئيسه وأخرى ضد النظام برمته، وإيحاءاته بأنه باع صوته لقطر، مما أغضب الدولتين معا ودفعهما إلى التكتل ضده، وربما دول أخرى عربية أيضا، وفي هذا تقول مصادر واسعة الاطلاع بالجامعة إن تصريحاته لإحدى القنوات الفضائية ليلة الاجتماع كانت المسمار الأخير، الذي عجل بإنهاء فرصة الإبقاء عليه لدخوله حلبة المنافسة، واحتمال تنازل قطر للمرشح المصري. ويبدو أن الفيتو السوداني كان من القوة والتشدد بحيث نجح في الإطاحة به، خصوصا أن الخرطوم أبلغت موقفها هذا رسميا إلى القاهرة عدة مرات، وطلبت تلمس الأعذار لها، وأنه ليس موجها ضد المنصب ولا الدولة أو المرشح المصري، بقدر ما هو موجه للشخص ذاته. ولم يكن خافيا عبارة من أربع كلمات قالها وزير الخارجية السوداني علي كرتي عقب اجتماع مع نظيره العربي بوزارة الخارجية المصرية الأسبوع الماضي، حين قال بالكلمة عبارته العابرة "أبلغنا بأنه سيتم تغييره"، حين قام العربي بحنكة وذكاء بسحب الوزير السوداني من يده وإنهاء لقائه مع الصحفيين، وصعدا إلى الطابق العلوي بالوزارة لتناول الغذاء. الطريف أنه بينما بدأ فريق كبير من ائتلاف الثورة المصرية اعادة النظر بموقفه المناوئ لترشيح الفقي ، بعد اتهامات كانت توجه اليه من قبل بشأن انتسابه للنظام الفاسد ودخوله الانتخابات علي أشلاء منافسه الأخواني د. جمال حشمت ، بينما الموقف الثوري بدا باتجاه التغير نحوه فشل الفقي نفسه في اقتناص الفرصة والاصرار علي شغل المنصب ، الذي طالما حلم به كثيرا بعد أن خسر كل الفرص في الفوز بمنصب وزاري في عهد الرئيس المخلوع وحكوماته المتعاقبه ، فيما كان يري أنه الأولي والأكثر كفاءة من كثيرين نالوا حظا وفيرا، وربما كان هذا المر أحد المآخذ التي جعلته يدفع الثمن غاليا لسعيه الحثيث التقرب من النظام برغم غضب رأس هذا النظام عليه واخراجه من جنته " الوهمية"؟. بقي أن اللقاء الأخير الذي جري مع الفقي كان صباح يوم الاجتماع الوزاري "أمس الأول الأحد"، ووفقا للمعلومات فإن هذا اللقاء كان أشبه بالدعوة للترضية و"تطييب الخاطر"، حيث التقاه المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ليهون عليه توابع قرار سحبه واستبداله بالوزير نبيل العربي. اللافت أنه ما أن صدر قرار ترشيح نبيل العربي تناثر في أروقة الجامعة، حتى قوبل بارتياح وترحيب كبيرين من موظفي الأمانه العامة، بمن فيهم العمال أنفسهم، حيث لم يكن خافيا قلقهم تجاه الفقي، حتي أن البعض كان يتندر بالقول إنه "هينشفها عليهم"!