الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    الفاشر.. هل تعبد الطريق الى جدة؟!!    لم تتحمل قحط البقاء كثيرا بعيدا من حضن العساكر    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    الخارجيةترد على انكار وزير خارجية تشاد دعم بلاده للمليشيا الارهابية    الأحمر يعود للتدريبات    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    شاهد بالفيديو.. محامي مصري يقدم نصيحة وطريقة سهلة للسودانيين في مصر للحصول على إقامة متعددة (خروج وعودة) بمبلغ بسيط ومسترد دون الحوجة لشهادة مدرسية وشراء عقار    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    غوارديولا يكشف عن "مرشحه" للفوز ببطولة أوروبا 2024    كباشي والحلو يتفقان على إيصال المساعدات لمستحقيها بشكل فوري وتوقيع وثيقة    شاهد بالفيديو.. في مشهد مؤثر البرهان يقف على مراسم "دفن" نجله ويتلقى التعازي من أمام قبره بتركيا    المسؤولون الإسرائيليون يدرسون تقاسم السلطة مع دول عربية في غزة بعد الحرب    الحرس الثوري الإيراني "يخترق" خط الاستواء    ريال مدريد ثالثا في تصنيف يويفا.. وبرشلونة خارج ال10 الأوائل    تمندل المليشيا بطلبة العلم    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    هيفاء وهبي تثير الجدل بسبب إطلالتها الجريئة في حفل البحرين    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إرتفاع الأسعار (نقطة نظام!).
نشر في السودان اليوم يوم 11 - 11 - 2016


بسم الله الرحمن الرحيم
إرتفاع أسعار السلع بشكل مطرد، رغم أنه شئ محزن بقدر تكراره العصيب بانتظام، وانعكاسات آثار ذلك الكارثية علي شرائح فقيرة تزداد عددا وعوزا بإطراد كذلك! إلا أنه يشكل نتيجة طبيعية، ليس لغياب نهج إقتصادي واضح فحسب، وإنما بشكل اساس لغياب نهج حكم رشيد يرتقي للمسؤولية الوطنية الجسيمة ويستجيب لإستحقاقات الرغبة العامة او مطالب الديمقراطية بمعناها الواسع ومضمونها الأصيل. وبما ان حكومة الإنقاذ بتكوينها الإسلاموعسكري تتضمن داخلها ما يمكن وصفه بالخواء العنيف او الزيف المحمي بقوة السلاح! فتاليا هي ليست مؤهلة للحكم أصلا (بوصفها منبع لإنتاج الإرهاب وإدمان الفشل!) ناهيك أن تضطلع بمسؤولياته السياسية او تقوم علي واجباته الإقتصادية او سواها. بمعني، ممارسة سياسة فاشلة، من خلال إستخدام أدوات العنف والإرهاب، ليست مسألة عارضة عليها، ولكنها مكون أساس في بنيتها المحركة وتصميم نهجها التطبيقي! وبناءً عليه، تصبح ظاهرة إرتفاع الأسعار كمسلسل دائم العرض، هي في حقيقتها رد عملي علي حالة الفشل الإقتصادي المزمن! وتاليا يصبح السؤال، ليس كيفية مكافحة إرتفاع الأسعار، الذي كما أسلفنا هو مجرد عرض لمرض عضال يجسده نظام الإستبداد الإنقاذي، المتطرف في فشله وإرهابه؟ ولكن كيف يستمر نظام بكل هذا الأداء المتردي والفشل الذريع علي كافة النواحي السياسية والإقتصادية والإجتماعية..الخ او الوطنية بصفة عامة، طوال هذه الفترة؟! وبما أن السؤال مفصلي ويتحدد علي ضوءه ليس مصير الإنقاذ، ولكن الأهم مستقبل الوطن ككل. فمؤكد أن إجابته لن يمتلكها فرد او فصيل بعينه او لحظة تجلٍ من الزمان! ولكن كل ذلك لا يمنع أن هنالك محطات كبري، ساهمت بالتعجيل في وصول الأوضاع الإقتصادية لهذا النفق المظلم؟!
أول هذه المحطات، إستخدام وسيلة الإنقلاب بدلا عن الإنتخاب في الوصول الي السلطة، وما يترتب علي ذلك من إحداث خلل شامل او ما يشبه الزلازال علي كل مكونات الدولة، وبما فيها حقل الإقتصاد أكثرها حساسية وإلتصاق بحاجات الجماهير الأساسية. وبما ان الإنقلاب في جوهره، هو آلية معادية للتخطيط والتنظيم وتوسيع دائرة المشاركة (بما يحدثه من ربكة في مسار الحياة الطبيعية) وقبل ذلك مصادرة الشرعية الجماهيرية! فتاليا هو مجبر علي تدبير كيفية إستمراره وحماية وجوده! وهو ما لا يتاح له، إلا عبر بناء جدار بينه وبين الجماهير (جهة مُغتصِبة وجهة مُغتصَبة!) وهذا الجدار لا يعني الإهتمام بأدوات الحماية العنفية فقط (ولو أن الإستثمار في إشاعة الإرهاب هو الأساس!) ولكن كذلك إغراء كل من يستطيع شراءه، في حدود المحافظة علي امتيازاته كاملة؟! وهذه السياسة الأخيرة لا تختص بالمال السائب فحسب، ولكنها منهج يتغلغل داخل وعي السلطة الإنقلابية، ويتمظهر في طريقة تعاملها مع كل موارد الدولة! وهذا ما انعكس بصورة واضحة علي ظهور نوع من المسالك او الأنماط الإقتصادية شبيهة بإقتصاد الحماية لو جاز التعبير. والحال كذلك، ما يحكم هذا الإقتصاد ليست مبادئ إقتصادية عامة او فلسفة إقتصادية محددة، ولكن غايات مسبقة تتحلق حول حماية السلطة والمحافظة علي امتيازات الحكام! والمفارقة أن عدم إتباع نهج إقتصادي محدد، لا يعني إستنكافه الإستفادة من إتباع اي نهج، ولكن يعني أكثر أن اساليبه مبتسرة وإنتقائية، وتاليا لا يصل بالمنهج لمنتهاه او منحه كامل متطلباته. وهذا ما يجعل إدارجه داخل نهج إقتصادي واضح القسمات، هو بمثابة مزايدة إن لم يكن مجرد تضليل او الإستحالة عينها! الشئ الذي أفرز ما يسمي طريقة رزق اليوم باليوم، التي توصف بها آلية التعامل مع الإقتصاد الوطني. وهي أكثر ما تتجلي في الجرح والتعديل او الخروج عن نص الميزانية الموضوعة سلفا، ولا يصدف أنها بدورها يشوبها الخيال والأمنيات أكثر من الواقع والواقعية. أما دليلها الفاقع والأصح المخجل الآخر، فيجسده عدم ولاية وزير المالية ووزارته علي المال العام، وهو الأمر عينه الذي تجسده رقابة المراجع العام؟! ولهذا السبب ولغيره (غياب المعلومات الموثوقة والتلاعب بالبيانات والتقارير!) يصح وصف كل تحليل إقتصادي (لإقتصاد الإنقاذ!) بأي منهج إقتصادي معلوم هو حرث في البحر! وبكلام عام، الأنظمة الإنقلابية أنظمة قلقة، وتاليا هي تتعارض مع حالة الإستقرار، التي يحتاجها بناء إقتصاد فعَّال ومتماسك. أما ما يُري من إنجازات إقتصادية او إستقرار تفرضه تلك الأنظمة عبر الإرهاب الدولتي، لا يلبث تتابع الأحداث العاصفة وانكشاف ساتر حمايتها، أن يبين زيف الإستقرار ورملية الصروح الإقتصادية، قبل ان يفضح عبث السلطة الإنقلابية وخواءها؟!
ثانيا محطة، إندغام الجماعة الإسلاموية في منظومة الإنقاذ! خاصة وهي جماعة يقوم نهجها علي معسول الكلام، عوضا عن بناء برامج حقيقية وتبني مشاريع واقعية! وتاليا كان اكبر ضحايا هذه الجماعة هو حقل الإقتصاد، كحقل متحرك يتنافي مع مرجعية السكون او الهلامية والتلفيق الإسلاموية! ولكن عندما يضاف لغياب البرامج او المشروع الإقتصادي، الذي لا يملأ فراغه أباطيل الإقتصاد الإسلامي والشركات والبنوك الإسلامية وغيرها من لغو المشاريع الوهمية! تَهَجُّم همجي علي الموارد العامة، ونهم شرس لكنز المال لا يتورع عن إستخدام أحط أساليب النهب؟! فعندها لا مفر من توقع ذهاب ريح الإقتصاد الوطني، كفرص لتنمية الثروة والنهوض بالوطن وترقية أحوال المواطنين. بمعني، الإقتصاد علم ونظريات مدارها الواقع ومادتها الحياة، وليس عقائد وممارسة طقوس وشعائر! لا يصدف أنها شكلية ومحلقة في الخيال او تستهدف الدار الآخرة علي احسن الفروض. وعليه، نسبة الإقتصاد لدين معين، يعني حرمانه نسبيته، وتاليا الإستغناء عن آلياته ومناهجه وتكيُّفه مع كل مرحلة تاريخية او بيئة معينة. والخلاصة، ليس هنالك إقتصاد يديره شيوخ او يتوجه نحو القبلة، ولكنه مجال يجتهد فيه خبراءهُ بمعاونة مختصين في كل المجالات.
ثالث محطة، هي وثيقة الصلة بما ذكر أعلاه، ونعني بها، إعادة هيكلة الدولة وأجهزتها بصورة تتعارض مع أحوال الدولة السودانية الإقتصادية؟ بمعني زيادة الصرف الدستوري والأمني، من خلال تقسيم الدولة السودانية لعدد كبير من الولايات والمحافظات، بكامل أجهزتها وبنود صرفها وامتيازات شاغلي تلك المناصب والاجسام البرلمانية، ولا يصدف أنها هياكل ومؤسسات شكلية! اي لا تقدم لا خدمات ولا سلطات حقيقية لسكان الولايات وبما يتيح لهم التحكم في شؤونهم الخاصة. وكيف لفاقد الشئ أن يعطيه؟ اي كيف لمؤسسة او منظومة قائم نهجها علي الإنقلاب او التعدي علي الشرعية، أن تمنح الشرعية او الديمقراطية لجهة او فرد ما؟ وهذا غير أن أموال التنمية تهدر كلها لتلبية حاجات هذه السلطات، المتراكبة والمتشعبة والمتوسعة بل والمترفة، وسط محيط من الفقر المدقع والشلل الخدمي! وقبل ذلك هي تصدر عن جهاز سلطوي إتحادي، لاينقصه التضخم ولا يشغله شئ سوي المحافظة علي سلطاته وامتيازاته! أي المسألة كلها حلقة مفرغة لتبديد المال العام علي امتيازات الحكم وملذات الحكام! وتاليا لا يغيب المواطن علي مستوي تقديم الخدمات الأساسية فقط، ولكن حتي موارد البلاد الإقتصادية وفرصها التفضلية، التي لا تحتاج لأكثر من إدارة متخصصة كُفؤة، وحرية في إتخاذ القرار بصورة مستقلة، لإنجاز كل الأهداف التنموية! نجدها هي الأخري تُهدر علي سفه سلطوي يندي له الجبين؟! بل المؤسف حتي بعد نضوب تلك الموارد بصورة عاجلة كما هو متوقع، يتم مباشرة إستهداف أصول الدولة بالبيع والرهن، لتطال النكبة أجيال المستقبل بعد أن اغرقت أجيال الحاضر في البؤس والإحباط! (راجع نصوص الدكتور فيصل عوض حسن والباحث المدقق عبدالرحمن الأمين وغيرهم ممن أرقتهم هذه الفعائل الإجرامية الخسيسة!). في ذات السياق، نجد أن جزء أعظم من موارد الدولة يذهب لإستمالة الأجهزة الأمنية والعسكرية، وذلك ليس علي مستوي تورم أجهزتها وتوزعها علي كل الحقول والأنشطة فقط، وإنما بشكل اساس لتدخلاتها المباشرة في الإقتصاد، لدرجة تحوُّلها الي إقتصاد موازٍ لما يسمي بإقتصاد الدولة الرسمي! وذلك بالطبع علي حساب حقوق الجماهير وعدالة المنافسة الإقتصادية من ناحية، وضبط الإقتصاد الوطني والتحكم به من ناحية مقابلة. وكل هذا دون ذكر الإعفاءات الجمركية والضريبية والتصديقات المجانية للأقارب والمحاسيب، في كل مستويات الحكم التي تنتظم البلاد (طبقة فوق القانون واللوائح!). وكذلك المتجارة في البضائع الفاسدة والأسلحة والمخدرات وغسيل الأموال (حاميها فاسدها!). أي كأن أملاك الجماهير تستخدم ضدها، وعلي حساب حاجاتها الأساسية وسلامة صحتها! ويا له من إقتصاد يستثمر في الرصاص والصاناعات والخدمات العسكرية والأمنية، علي حساب خدمة الإنسان وحفظ كرامته وكيانه! والحال هكذا، فهذا إقتصاد يستهدف روح المواطن وليس تنميته؟! وهذا بدوره يقودنا للمحطة التالية.
رابعا محطة، تتعلق بالحروبات التي تقودها الحكومة ضد محكوميها، ومعلوم أن دخول اسلوب الحرب في إدارة مشاكل ذات طابع سياسي او مطلبي او اهلي او أيًّ كان داخل الدولة، لا يصيب إقتصاد الدولة في مقتل او يعجل بانهيار بنياتها الأساسية فحسب، ولكنه كذلك يفتح المجال واسعا لزيادة اعداد وثراء لوردات الحروب! وهذا بدوره يجعل إستطالة أمد المعارك وليس حلها هو الهدف الأساس، وصدق حميد عندما قال (واللا الحرب بقرة حلب والأرض صين)؟! ويحضرني هنا ما ذكره الأستاذ المحترم فتحي الضو عن غازي العتباني ووفده المفاوض، عندما كانوا ينوبون عن الحكومة في جولات التفاوض مع الحركة الشعبية، وما يجنونه من امتيازات دولارية تحسب باليوم! فما بالك بمن يملكون خزائن وزارة الدفاع وجهاز الأمن وغيرهم من الرتب الكبيرة. والمحصلة، إن إفتعال الحروب والتمادي في تسعيِّرها كنهج للثراء، يمثل واحدة من أخطر وأتفه الممارسات التي تودي بالإقتصاد للتهلكة، وذلك بالطبع بعد التضحية بأرواح بريئة وتخريب بيئات آمنة مطمئنة؟!
فهل إقتصاد محكوم بالمحطات السابقة وإحتمال غيرها، وإضافة الي تفرعاتها وانفتاحها كلها علي الفساد، الموصوف بالسيادة والمحمي بالقانون؟ يتيح المجال لإتباع نهج عقلاني في إدارته، او يُسمح له بأداء دوره علي أكمل وجه، كحقل لصيق بالنشاطات الإجتماعية والفردية وغيرها من الأنشطة والحقول، والأهم أنه في تماس مباشرة ليس مع حاجات المواطن ولكن حتي سلامته بل ووجوده ذاته. والملاحظ مما سبق، أن خلل السلطة او إنتهاك الشرعية، يقود مباشرة لخلل في ممارساتها، ومن ضمنها بالطبع التعامل مع الإقتصاد او موارد الدولة، كرؤية ضبابية ومنهج معتل وآليات إنحرافية.
ووصلا لما سبق، هنالك بعض الملاحظات علي تداعيات القرارات الجزافية، يجب الإشارة إليها؟ أولها يتعلق برفع الدعم عن الوقود والكهرباء، وكمدخل لهذه الملاحظة يجب تذكر واحدة من الأساليب الإلتفافية، التي تتعامل بها حكومة الإنقاذ مع قضايا حساسة واساسية، لا تحتمل المداورة والتلاعب لخطورة عواقبها. والمقصود، عدم تسمية الأشياء بمسمياتها او إختراع ألفاظ يبدو عليها البراءة، للتغطية علي ممارسات إجرامية او إخفاء أخطاء كارثية او التعتيم علي وقائع جلية! وفي صدارة ذلك ما يسمي بالدعم المزعوم للوقود؟ مع ان المعلومات والبيانات التي تتدفق عن أسعار الوقود وتحكي عن تدني أسعاره عالميا، لدرجة باتت تهدد إقتصادات الدول البترولية بالركود وإتباع سياسة التقشف، تملأ الآفاق بل تذاع يوميا علي معظم شاشات العالم، كمادة أساسية لفقرة إقتصادية تكاد تكون ثابتة كالنشرة الجوية وغيرها. بمعني، كأن الحكومة تراهن علي إستغفال الشعب بالمكشوف او تفترض فيه الغباء المسبق، او عدم درايته بالحسابات البسيطة او المتابعة لما يدور حوله؟ وبتعبير واضح وبحساب أسعار البترول الجارية وعلي ضوء سعر الدولار الذي حدده بنك السودان (بعظمة) قراراته، وقبل فرية رفع الدعم المزعومة، وعلي أسوأ الفروض الحكومة تربح (44 جنيه) في كل برميل (وفقا للحسابات البسيطة السابق ذكرها، أي لغير المختصين!). وبناءً عليه، إذا كان للحكومة ذرة شفافية او شبهة مصداقية، يستلزم منها ذلك ان تعلن بالفم المليان، أنها تفرض رسوم علي البترول وليس تقديم دعم لأسعاره؟ وتاليا الزيادة الأخيرة هي زيادة رسوم إضافية. وذلك لأن مصداقية الحكومة (الحقيقية!) ليست واجبة تجاه المواطنين فحسب، ولكنها تخرج الحكومة من ورطات غبية تضعف صورتها ومكانتها وهيبتها، قبل ان يفقد المواطنون الثقة فيها تماما (وهي علي العموم غير متوافر لنظام إنقلابي كالإنقاذ، ولكن يبدو ليس علي العريان حرج في كشف عورته!). بمعني آخر، يمكن للحكومة أن تجادل في توظيف العوائد او تحديد الأولويات او غيرها من المماحكات، ولكن ليس بمستطاعها لي عنق الحقائق او تزوير الوقائع، وكان شيئا لم يكن؟! فهكذا مسلك حكومي جبان لا يشبه الحكم الرشيد بحال من الأحوال، فهو وفي أفضل الأحوال اسلوب عشوائي ومتخلف وقاصر، قبل ان يقود لتدمير الإقتصاد وإرهاق المواطن وتدهور الدولة. وفي جانب آخر، نجد توقيت إتخاذ القرار لا يثير الريبة فقط، ولكنه يثير الخوف من المستقبل وقادم الايام؟ وذلك لأنه يسبق الزيادة المعلنة في المرتبات مطلع يناير، مما يشي بان هنالك زيادة إضافية تنتظر المواطن المسكين. وهذا التوقع المظلم أكثر منه مأساة، تطمينات او مخدر زيادة المُرتَبات، والتي لا تعادل بحال مُترتِبات زيادة أسعار الوقود، كسلعة غير مرنة (لها إرتباط في كل إتجاه!). كما أن الأسواق من الحساسية بمكان، لدرجة انها وبمجرد أن تلمس حاسة شمها او تهمس طبلة أذنها زيادة في المرتبات، إلا وتقفز أسعار السلع لأرقام فلكية (دونما حاجة لمبرر؟). والضحية في كل ذلك المواطن ذو الدخل المحدود والمهن الهامشية، بالقدر الذي ترتفع فيه مكاسب أصحاب الإحتكارات والإستحواذ علي الاراضي والعقارات والقرارات الحكومية، وبالطبع من دون جهود او إنجازات تذكر؟! وذات الشئ ينطبق علي زيادة تعرفة الكهرباء المعلنة، مما يثير بدوره السخرية من شعار السد الرد وغيرها من الخزعبلات الإنقاذوية، والأسوأ من ذلك عبث التضحيات بالاراضي، والتفريط في قنوات الري التي يفترض أن تصاحب سد مروي؟ وذلك دون الحديث المؤلم عن النفايات المدفونة وعمليات الفساد غير المسبوق التي رافقت بناء السد. بمعني حظ المواطن من هذه السدود، كالمنبت لا كهرباء نعم بها ولا موارد أبقاها للمستقبل، ويا لها من خسارة بطعم العلقم ورائحة الفناء؟!
والملاحظة الثانية، تتعلق بتعويم الدولار او تحرير سعر الصرف، كإستجابة لصندوق النقد الدولي كما أشار البعض! ولكن قبل ذلك تجدر الإشارة لسيئة الذكر سياسة التحرير الإقتصادي التي إبتدرها عبد الرحيم حمدي، كواحدة من نماذج هذه الوصفات؟ وبغض النظر عن ما جرته علي البلاد من ويلات، سواء علي مستوي الخصخصة الضيزي للمشاريع والمؤسسات الحكومية او علي مستوي تشريد العاملين او علي مستوي تحويل الإقتصاد السوداني من إنتاجي الي خدمي او إستهلاكي ومن دون الوفاء بمستحقات هذا التحول العدمي، اي تحول يحاكي القفزة في الظلام! إلا انها تتنافي مع شعارات العداء للخارج، كأحد مبررات وجود وبقاء هذه الحكومة؟! وهو ما يستوجب من الحكومة اما مراجعة شعاراتها والإعتذار عنها، او الوفاء بحق شعاراتها ورفض الخارج بكل شروره والتقوقع داخل حدودها كنموذج كوريا الشمالية! ولكن المؤكد ان مطالب كالأخيرة، هي عبث في حق من يتخذ المراء والخداع كمبادئ عمل ومناهج سلوك؟! ولكن ما يهمنا هنا ان وصفات الصندوق وبغض النظر عن ما يحيط بها من شبهات، إلا ان حكومة كالإنقاذ السنية عودتنا أن تأخذ أسوأ ما في سيئاتها، ومن دون أن تضع في اعتبارها، أي احتياطات او محاذير لتلافي آثار ذاك السوء! أي ما يهمها هو البقاء وغض الطرف عن الأكلاف وبما فيها مستقبل الدولة وأحوال المواطنين. بمعني آخر، حتي الحالات التي نجحت فيها وصفات الصندوق نوعا ما، تختلف طبيعة حكوماتها عن نظام كالإنقاذ، معادٍ للشفافية وتنعدم فيه آليات الرقابة والمحاسبة الجادة، بل يصعب حتي إجراء تقيمات بسيطة لمستوي أداءه الإقتصادي او السياسي؟ والسبب ان إستراتيجية حكم الإنقاذ هي عدم وجود إستراتيجية من الأساس؟! أي الإنقاذ عليها ان تحكم بغض النظر عن الكيفية والوسائل والعواقب، ولكن صعوبة التقييم لا تعني أنه ليس هنالك آثار سلبية، بل علي العكس فهي من فرط تجذرها وتنوع كثرتها، يُعجز عن معرفة حدها او طبيعة كوارثها علي المدي المتوسط والبعيد، أما القريب فالحال المائل يغني عن السؤال الحائر؟!
أما ما يخص صندوق النقد الدولي او غيره من المؤسسات المالية الكبري، والأصح ما يثير الشبهة في ان دورها سياسي، او كواجهة سياسية للدول الكبري (أسم الدلع للولايات المتحدة!) قبل أن يكون إقتصادي او يستهدف القضايا والهموم الإقتصادية بصورة حصرية! او اقلاه غاياته تستهدف إقتصادات الدول الكبري وليس النامية بحال من الأحوال؟!
أولا، ليس هنالك وصفة واحدة تصلح لكل الدول وتحت كل الظروف، كما يطرح او يسوق الصندوق برامجه ومشاريعه؟َ
ثانيا، في حال طرح الصندوق لمشاريعه او دعمه او إصلاحاته الهيكلية، لماذا لا يقوم بالإشراف عليها ومتابعتها عند التنفيذ بصورة لصيقة، بالقدر الذي يتحمل إخفاقاتها وينعم بمكاسبها (أليست أمواله وهو حريص عليها وهو من بيده فرض الشروط وليس العكس!). خصوصا عندما يتعلق الأمر بدول يعلم الصندوق قبل غيره، آليات الفساد الهيكلي والمؤسسي التي تخترق بنيتها السلطوية؟!
ثالثا، ألا يشكل ظهور الأزمات المالية ذات الطابع العالمي، تشكيك في آليات وطريقة عمل هذه الصناديق، وهو عين ما يحدث منذ العام 2008م، وهذا في حال لم تكن شريك في التمهيد لأسبابها بشكل أساس؟!
رابعا، بما انها مؤسسات عالمية او ذات طابع عالمي، لماذا لا يسمح لإدارتها أن تكون عالمية وكذلك الرقابة التي تفرض عليها، أي تدار بطريقة ديمقراطية عالمية؟!
وعلي العموم، إذا كان الإنعزال او قطع الصلات مع الدول والصناديق العالمية، امر يكاد يكون مستحيل! فالمؤكد أن لكل الدول مساحة مناورة توفرها لها ميزاتها التفضيلية، كما ان هنالك متسع لمناهج ومشاريع إقتصادية تناقض برامج الصندوق، وتدعو للإنفاق الحكومي علي الخدمات والتشغيل والرعاية وغيرها، ولها مردود إيجابي علي المدي الطويل. أي لكل دولة ظروف واولويات ودرجة تطور تحكمها، وتاليا المسألة كلها تتعلق بطبيعة السلطة الحاكمة هل هي رشيدة وذات كفاءة عالية ومرجعيتها الشعب، أم هي غير ذلك؟! وهنا مربط الفرس وليس الإذعان للصندوق الدولي او الدول الكبري او عداءها من غير داعٍ؟! والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق، هل حكومة الإنقاذ تحتاج حقيقة لموارد، سواء من البنوك والصنادق الدولية او من خلافها، للقيام بمسؤولياتها؟! ألم تتح لهذه الحكومة من الموارد البترولية ما يسد عين الشمس ومعها القمر وباقي المجرات، قبل الإنفصال! بل أفضل التقديرات التي حسبت تلك الأموال، تتقاصر عن حقيقة المبلغ الذي جنته هذه الحكومة، بدلالة إخفاء المستندات والإتفاقيات خصوصا مع الصين عن أعين الرقابة الجماهيرية، وكأنها أسرار امنية تمس أمن البلاد، وليست حقوق أصلية، لها حرية التصرف في توظيفها! ولعل الإنقاذ قدمت اكبر دليل علي ان القيام بمتطلبات التنمية الحقيقية ليست توافر موارد فقط، ولكنها رؤية ناضجة وسواعد عاملة، تتأسس علي أنظمة شرعية، تتقصد ترقية الإنسان بالتوازي مع تطور الدولة وانفتاحها علي غيرها من الدول، وطموحات الريادة بين العالمين.
وثالثها، متعلق بتحرير سعر الدواء، وهو تحرير بنكهة اللامبالة او الإستهانة بالأرواح والإستهزاء بحاجة المرضي المعدمين! ولا يغطي علي هذه الفاجعة الحديث عن وقوف الدولة بجانب بعض الإلتزامات والأدوية المنقذة للحياة، وكأن هنالك أدوية غير منقذة للحياة او كل الإلتزمات غير ملزمة! او مبررات من شاكلة تلاعب بعض الشركات بالدولار المدعوم لشراء الدواء؟ لأن هكذا تبرير فطير وعاجز دليل إدانة إضافية؟! لأن علاج التلاعب لا يكون بقتل المرضي او تحميلهم فوق الطاقة، ولكن من خلال إعادة النظر في القوانين والعوقبات ومراجعة إجراءات التطبيق التي سمحت بالتلاعب! وعموما ذاك التلاعب وتلك الشركات لم تتنزل من السماء، ولكن ما سمح بوجودها وممارساتها هي سياسات الحكومة ذاتها؟ وفي الغالب هي شركات لأعضاء في الحكومة او تخص معارفهم وذويهم، والمؤكد أنها تحتمي بصلات أولئك الخاصة مع القيادات العليا! وإلا كُشف امرها وتم التشهير بأصحابها وعقوبتهم في وضح النهار، والتي يبدو أن الأخيرة تركت فقط لنوع لباس النساء وسيئ الحظ من أصحاب المزاج؟! ولكن السؤال، اليس في مقدور الحكومة أن تضطلع بهذا الدور (إستيراد الأدوية بل وتصنيعها) من غير وسطاء؟ وماذا تعمل بالضبط هذه الجيوش العاملة في وزارة الصحة والمالية والتجارة وبنك السودان؟ وهذا الأمر يطال كل المجالات التي انسحبت منها الحكومة، وجعلتها تحت رحمة المستوردين ورجال الأعمال الإسلامويين؟ مما يدل علي أن حاجة نفس يعقوب (الحكومية التي تتبني هذه السياسات) مشبعة بالأشياء الدنيئة الممزوجة بإنعدام الحس الوطني والوازع الأخلاقي. ولكن ما يهمنا ايضا الإشارة الي بداهة الصلة الوثيقة التي تربط بين الأمراض وانتشارها وتردي البيئة العامة وعلي رأسها طبيعة ونوعية وسلامة الغذاء. بمعني إزالة أسباب الفقر وتهيئة البيئة الصحية بل والعامة، يعني تلقائيا تخيض نسبة المرض والمرضي، وتاليا إستهلاك الدواء وحفظ العملة الصعبة التي تذهب لشراء الدواء. أي هنالك صلة وثيقة بين زيادة أسعار السلع أي زيادة مظلة الفقر والفقراء، وزيادة المرض ومن ثم إستهلاك الدواء وإستنزاف العملة الصعبة. إلا إذا كان هنالك من يستثمر في زيادة الأمراض كأصحابهم مستثمري الحروبات؟! وبكلمة مؤلمة، الحكومة تفقر الشعب وتدفعه للمرض، ومن ثم ترفع يدها عن تطبيبه ومداواته، سواء بقهر الأطباء او تردي أحوال المستشفيات او برفع سعر الدواء! فإن لم يكن هذا نوع من التصرح بالموت المجاني، فما هو القتل غير الرحيم إذن؟ مع تذكر أن الأمراض ليست كلها باطنية او ظاهرة للعيان او تذهب للمستشفيات، أي للفقر وانعدام فرص المستقبل آثار نفسية كالإكتئاب والضغط النفسي والإجهاد الذهني، وبكلمة واحدة القرف من الحياة ذاتها وليست الإنقاذ وحدها. مما يعني إن الإنقاذ ليست مسبب للأمراض فقط، ولكنها اسوأ انواع الأمراض وأكثرها فتكا بالمواطن والوطن؟! هل قلنا شيئا عن آثار الفقر (النتيجة المباشرة لإرتفاع الأسعار!) الأخري، كالطلاق والتفكك الأسري والتحلل القيمي..الخ من الإنعكسات المباشرة للفاقة والضنك، مما هو معلوم بالضرورة. والسؤال حكومة ولمدة تزيد عن ربع قرن لم تستطع إزالة أسباب الفقر، ناهيك إلتماسها أسباب النهوض؟ بل فعليا هي عملت علي تعميق الفقر وتجذير الفاقة وتقتيِّم المستقبل؟ فعَلامَ تشبثها (القرادي) بالسلطة، او قوة عينها تجاه المواطنين؟ إلا إذا كان نهجها في الحكم، إذا لم تستحِ فافعل ما تشاء؟!
رابعها، تتمحور حول إفتراء المسؤولين وتجبر الحكام؟! فالملاحظ في الفترة الأخيرة أن المسؤولين تحوُّلوا من إلقاء المسؤولية عن التقصير والفشل علي الشعب المسكين، وذلك بعد تحميِّل كاهله اعباء الأخطاء والتجاوزات! الي مرحلة أبعد من ذلك، ونعني احتقار المحكومين وإزدراء فقرهم وحاجتهم؟ رغم انهم بعينهم (أي المسؤولين) هم من تسبب في زرع الفقر ونشر الحاجة، عبر تطبيق سياساتهم الفاشلة وممارساتهم الفاجرة، ومن دون ترك مساحة للإعتراض او المراجعة؟! وهو ما يذكرني بالتشبيه البليغ للمفكر السوري المبدع ياسين الحاج صالح، عن العالم الأول الداخلي في الدولة السورية، اي الطبقة الحاكمة! والمكلف من قبل العالم الأول الخارجي، ليس بضبط المحكومين وقهرهم ونهب ثرواتهم فقط، ولكن كذلك بتكريس التراتبية الدولية محليا! وذلك باتخاذ نفس المبررات (عبء الرجل الأبيض!) وهو ما يحيل بالضرورة المحكومين لقطيع من الرعاع، تستباح كرامتهم وأجسادهم وديارهم! وكله من أجل تنويرهم وتحديثهم ورعاية مصالحهم، أي كسلالة دنيا محكومة بالقصور الأبدي؟! ونفس الشئ ينطبق علي الإسلامويين السودانيين، فمن أجل تطبيق شرع الله واسلمة المجتمع وغيرها من الدعاوي الفاسدة، تمت إستباحة الدولة وحقوق المواطنين وصولا لمصادرة حق مستقبل الاجيال القادمة؟! والحال كذلك، تصبح الإسلاموية السودانية بنسختها الإسلاموعسكرية (الأكثر تطرف وعنف!) حاضنة لإنتاج وتربية سلالة من الفراعنة؟! ولذا بإزاحة الفراعنة الكبار عن المشهد (كبيرهم الترابي وعويرهم البشير وغتيتهم علي عثمان وحاقدهم نافع؟!) يظهر لنا الفراعنة الصغار من شاكلة حاج آدم، والذين إذا ما وجدوا الفرصة ممهدة أمامهم، لتحولوا لنُسخ فرعونية أشد وطأً وأقوم فسادا وعتيا وتجبرا؟! والمؤكد أن ما يحكم هؤلاء الفراعنة جميعا، هي عقد ومشاكل نفسية وتاريخانية من جانب، ونظرة استحقارية للمواطنين من جانب مقابل! وتاليا إستهانة بحقوقهم ومصالحهم. وعليه يصبح المواطنون ليس أصحاب حقوق او مطالب مشروعة، ولكنهم أرقاء سياسيا وسخرة إقتصاديا، قبل أن يجردوا من هويتهم وطنيا! ولذا واجبهم أن يحمدوا الفرعون علي جزيل نعمه او مما تتصدق به يده الندية! وتاليا أي إعتراض من جانب المحكومين او مطالب معلنة، هي بمثابة التعدي علي الذات الفرعونية، وهو ما يستوجب القمع والشدة دون رحمة. وبتعبير آخر، أصبحت مطالب وحقوق المحكومين، جزء من لعبة المصالح بين رجالات الإنقاذ ونهج تزايُد بين المسؤولين! وتاليا كلما تشدد المسؤول او البرلماني تجاه المواطن وضيق عليه الخناق، ورفع المسؤولية عن السلطة التي يقف علي رأسها الفرعون البشير، فعندئذٍ يتوقع أن يرتفع سهمه ووعده بما يتلقاه من ولي نعمته! أي يناله تعيين بمنصب أرفع او مدخل أوسع للنهب والفساد العام؟! اما سبب هذا التجبر فيجسده عامل واحد، وهو توافر السلطة المطلقة بايدي متسلطين أجلاف! وعليه، أي محاولة للخروج من عنق هذه الوضعية الإستكبارية البئيسة، لن يكتب لها النجاح، دون المرور بتعديل ميزان السلطة، وحصارها بسياج من الدساتير والقوانين والأسس المانعة، لتفلتاتها وإنحرافاتها الخطيرة والكارثية؟! ومن جانب آخر، فهذا يشير الي أن الإستبداد يشكل مدخل للفرعنة! أي كلما تمددت سلطات الحاكم، يعني هذا خصما علي حقوق المحكومين! وباكتمال حلقات الفرعنة او إطلاقية سلطاتها، تتم مباشرة إستباحة المحكومين والدولة بصورة مطلقة كذلك. وهذا يشير بدوره الي أن الإستبداد، ورغم أن مضمونه واحد، إلا أن درجاته واشكاله مختلفة كذلك، وهو عين ما ستؤول إليه طريقة نهايته؟! اي إستبداد من شاكلة، إستبداد مبارك وزين العابدين بن علي، يختلف عن إستبداد القذافي وصدام حسين، علي مستوي الدرجة والشكل وليس النوع او المضمون بالطبع. وإختلاف الشكل والدرجة هو ما حكم شكل وطبيعة النهاية، أي الإحتكام لقانون التناسب بينهما. وهو ما يجعلنا نتوقع ليس نهاية الإستبداد الإنقاذوي فحسب، ولكن طبيعة تلك النهاية ومصير أولئك المتجبرين؟! وهو ما يذكر بالقانون الفيزيائي لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة ومعاكس له في الإتجاه. والله والمستقبل القريب أعلم؟!
وفي الختام، ظلت الحكومة تلعب لعبة التسويف والمماطلة والتلاعب بالألفاظ، لإخفاء فشلها وعجزها الإقتصادي كتعبير عن إفلاسها السياسي؟ وتمارس سياسة الفهلوة في حقل لا يحتمل سوي الأرقام والحسابات! وهي تتعامي عن حقيقة أن حبل الكذب والشعارات الجوفاء والوعود السراب قصير، وسيتكشف زيفها من خلال إرتفاع اسعار السلع وزحف الغلاء، وتاليا تعاظم تكاليف الحياة، لمجتمع أصبح جله تحت مستوي خط الفقر المدقع (ناس عايشة بالعافية او تتحايل علي الجوع بالمجازفة!). والمؤسف انه فشل يأخذ مسار الطريق المسدود او الأنشوطة التي تزداد إحكاما حول الرقاب! أي المزيد من الصبر يعني المزيد من المعاناة وإستحالة الحياة، وتاليا اليوم يصبح أسوأ من الأمس والأكثر سوء منه ما ينتظر في الغد! أما ما تعنيه زيادة الأسعار الجديدة، فهي بكل بجاحة تعلن أن من يأكل وجبتين يتدحرج لخط الوجبة الواحدة، ومن يأكل وجبة واحدة يتدحرج الي القبر غير مأسوف عليه؟! وبتعبير أكثر مرارة، مستوي حياة المواطن العادي، يمثل شئ مخجل ولا يشرف أحد، قبل أن يشكل دليل إدانة للجميع، تجاه العجز عن تغيير هذه الأوضاع الفضائحية؟! ولولا بعض الإشراقات المقاومة التي تظهر من حين لآخر، لأفراد وتكوينات سياسية وإجتماعية ومهنية، لأقام المرء مأتما وعويلا علي هذه البلاد وساكنيها؟! وإنا لله وإنا إليه راجعون، وعلي أحمالنا وزر الصمت علي هذا الحيِّف العظيم؟!
آخر الكلام
أعتقد أن نظام عدمي كالإنقاذ يصلح إتخاذه معيار لقياس، سوية وإنسانية وتحضر المواطن، رجال الأعراف غير ممتنعين علي المعايرة؟!
خارج النص
قبل الدخول علي هذا الخروج هنالك تنويه لازم، يتعلق بأن هذه الجزئية رغم تخصيصها لنتيجة الإنتخابات الأمريكية، إلا أنها كتبت قبل الإنتخابات بيوم، وذلك علي الورق بالطبع. وبما أنها تستهدف تحديدا فوز هيلاري كما توقع الكثيرون لدرجة تماس اليقين، مما يدل علي أنها كانت أمنيات أكثر من كونها قراءة صحيحة، لديناميكية المجتمع الأمريكي الذي يستعصي علي التنميط، ولو أن ذلك لا يمنع ملله من القديم وتوقه للتجديد وسماع أن بلاده هي الأعظم علي الدوام! إلا أنني فضلت أن أتركها كما هي، إلا من تدخل طفيف لا يؤثر عليها، كإبنة لظرفها.
(مبروك فوز هيلاري لكل الديمقراطين (أقصد في كل مكان) وذلك ليس بسبب كفاءتها او قناعة بما ستنجزه إدارتها، ولكن لأن ترامب يشكل خصم علي الديمقراطية من كل وجهة أتيته منها، وهذا في حال لم يكن ردة ديمقراطية صريحة! ولكن هذا لا يمنع أن ظاهرة ترامب هي مؤشر قبل كل شئ، علي الشيخوخة او الضعف الذي أصاب النخبة السياسية، لدرجة كادت تستنفد أغراضها، خصوصا وهي ترتهن للنخب المالية، مما كاد يذهب بمضمون الديمقراطية ذاتها، أي إزاحة الكثرة الكاثرة من التحكم بشروط حياتها. وأخيرا، غايتو يا ترامب الله لا غزا فيك بركة تورت نفسنا، وارجعتنا القهقري لمرضة هلال مريخ الكروية، خاصة عندما يحرز المريخ هدف صدفة، ويبدع حامد بريمة ويستبسل كمال عبد الغني ويقع ويقوم ابراهيم عطا، حتي تصل المبارة لبر الأمان، وقد بلغ بنا الإرهاق النفسي مبلغه! لننام ليلتها علي مخدات الطرب، ونصحوا ونحن مدججين بالإنتصار لمواجهة الضحايا الهلالاب، وندخل في جدالات لا نهاية لها، والمبدأ الوحيد الحاكم، أنصر فريقك غالبا او مغلوبا! كما يمكنك الإستعانة بصديق (التاريخ) او أي وسيلة لكسب الجولة خارج الميدان. أين أنتم يا رفقاء الصبا، وقد تشتتنا جميعا، كحمر مستنفرة فرت من قسورة؟! وذلك بالطبع قبل العك الكروي الذي لازم عهد الإنقاذ، او كالعهد به في كل المجالات؟! وهو ما شجع الكثيرين علي الهروب او التفكير فيه، ليس من الرياضة فقط، ولكن من البلد ذاتها، بعد أن ضاقت واستحكمت حلقاتها بأهلها، رغم إتساع أخلاقهم ومواردهم وشدة إرتباطهم بجذورهم؟! ولكن من يقوي علي تحمل هذا الطمام الإنقاذي او الجرح الوطني الأليم؟!) الي هنا إنتهت الفقرة.
أما ما بعد الإنتخابات وإعلان النتيجة (المفاجأة المحزنة والمحبطة كسماع نبأ عن إنقلاب عسكري) فعلينا تهنئة ترامب إحتراما لرغبة قطاع وازن من الشعب الأمريكي! وما يطمئن أن كلمات فوزه لم تخرج عن المعتاد من إرسال التطمينات وبداية صفحة جديدة. أم ما لا يطمئن غير ضحالة وعيه السياسي وعدم توقع مسلكه، وهو يتعامل مع سلطة حساسة إذا عطست تداعي لها سائر قادة العالم بالتشميت ومد المناديل وتحسس رؤوسهم! إنما ما يُقال عن عناده وعدم إستجابته لمستشاريه رغم تواضع كفاءته؟! وعموما للسلطة إكراهاتها الذاتية او حسابتها الخاصة، وبالذات علي مستوي الفترة الرئاسية الأولي، والتي يمكن لها أن تجبر مبتدئ كترامب علي النضوج إذا أراد، رغم صعوبة ذلك! وتاليا التخلص من إرث المراهقة السياسية والمزايدة العنصرية (الذكورية/العرقية) التي واكبت حملته الإنتخابية، خصوصا بداياتها! الشئ الذي انحدر بالحملة الإنتخابية من الجانبين الي حضيض المهاترة، مما يذكر بأركان النقاش الطلابية. أما الأهم من ذلك، فيتوجب علي دول وشعوب العالم، ان تقتل او تتخلص من الأب (الرمز!) الأمريكي في وعيها وثقافتها، كسلطة قادرة علي فعل كل شئ وفي كل الأوقات، او كإله حديث يحكم المعمورة؟! فقوة أمريكا ومكانتها اكتسبتها من وفاءها لقيمها الديمقراطية ومناهجها المؤسسية، وهي نفس الاسباب التي يمكن أن تنحدر بها اسفل سافلين إذا ما انحرفت عنها؟! وهي لحسن الحظ قيم ومناهج متاح للجميع الأخذ باسبابها وحصاد نتائج مماثلة او أفضل إذا ما تم تطويرها وترقيتها. أي غير ممنوعة إلا لمن أبا وعندها لا يلومن إلا نفسه؟ وعليه ياشعوب ودول العالم انهضوا بمسؤولياتكم يرحمكم الله. ودمتم في رعايته.
Name عبدالله مكاوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.