كشف موقع (ويكليكس) عن محضر إجتماع بين مستشار الرئيس السوداني للشؤون الخارجية مصطفي عثمان إسماعيل والقائم بالأعمال في السفارة الأميركية في الخرطوم البرتو فرنانديز في يناير 2009م. وقال مصطفى عثمان لفرنانديز بأن قيادة المؤتمر الوطني كانت قد إتخذت قرارات إستراتيجية (تقربها من الغرب)، من بينها قرار قيادة المؤتمر الوطني بتسليم أحمد هارون- والي جنوب كردفان الحالي ، وعلي كوشيب – زعيم مليشيا الجنجويد – لكن قرار المحكمة الجنائية الدولية باصدار مذكرة بالقبض على الرئيس البشير جعل المؤتمر الوطني يتراجع عن هذه الخطوة – على حد تعبير إسماعيل في الوثيقة المعنية. وتابع مصطفى : (الخطوة الأخرى، كنا قد إتفقنا على ترشيح شخص آخر بديلاً للبشير لدخول إنتخابات مايو 2009م .. وإحالة البشير للمعاش بعد عشرين عاماً قضاها في الحكم. كل الذين معنا (في المؤتمر الوطني) يعملون على ردم الهوة السياسية بيننا وبين الغرب . فشلنا في القيام بهذه الخطوات بعد قرار الجنائية ضد البشير). عين عمر البشير علي عثمان نائباً اولاً له يوم 13 سبتمبر ، وزار صلاح قوش في منزله بالخرطوم مساء الاثنين 12 سبتمبر ، بحسب ما أورد مصدر مقرب لقوش بموقع سودانيز اونلاين . وعلق محلل سياسي ل (حريات) بأن تعيين علي عثمان ، وربما اعادة تعيين صلاح قوش في منصب تنفيذي لا يمكن أن يردم التصدعات القائمة في السلطة . فالواضح ان عمر البشير – بعد تعثر مغامرته العسكرية واستمرار الضغط عليه في جبال النوبة والنيل الأزرق ، ونجاح الدكتور خليل ابراهيم في اختراق الحصار ووصوله مدججاً بالسلاح الى الميدان بدارفور - يريد اعادة توظيف العناصر المتذمرة وتلك التي نقص ولاؤها في حربه على الهامش ولسان حاله يقول ( من دخل معي في حربي فهو آمن ، ولكن مؤقتاً) ! . وغرض عمر البشير الالتفاف التاكتيكي لتوحيد صفوف المؤتمر الوطني والقوات النظامية للتركيز على الحرب على حركات المقاومة المسلحة ، فاذا نجح في حربه يتخلص لاحقاً من هؤلاء كما تنصح القيادات الاخرى في مجموعته خصوصاً اسرته – وعلى رأسها الطيب مصطفى – وعبد الرحيم محمد حسين وبكري حسن صالح ، والتي كانت تدفع بقوة للتخلص من مجموعة علي عثمان واحلال غازي صلاح الدين مكانه ، كخطوة أولى ، لتسليم الورثة لأحد أفراد الاسرة أو المقربين لها ، من مرشحيها المعلنين ، أسامة عبد الله ، وعبد الله البشير ، والطيب مصطفى . ومما دفع عمر البشير الى التراجع التاكتيكي الحاجة الى توحيد صفوفه ، خصوصاً وان التصدعات امتدت الى القوات المسلحة ، وبدأ ضباط اسلاميون كبار ينظرون الى عمر البشير كعبء على القوات المسلحة مثلما ينظر له قادة في الحزب الحاكم كعبء على المؤتمر الوطني . ويبدو أن عمر البشير أقنع المتذمرين بأن الخطر المقبل يستهدفهم جميعا وانه الأفضل مواجهته سوياً . ومما يؤكد الطابع التاكتيكي لتوظيف المتذمرين والناقدين وناقصي الولاء أن عناصر اللوحة الاستراتيجية لم تتغير ، فمع استمرار مذكرة القبض على عمر البشير ، سيظل ملاحقاً دولياً ، وحجر عثرة أمام تطبيع علاقات النظام الدولية ، وبالتالي امام اعفاء الديون وتدفق الاعانات والقروض والاستثمارات ، مما يرشح الأزمة الاقتصادية للتفاقم ، وبالتالي بروز عمر البشير كعبء على الوطن وعلى المؤتمر الوطني ، وتفاقم هواجسه وشكوكه فيمن حوله ، مما يدفعه في حال انتصاره العسكري للتخلص حتما من أية عناصر مشكوكة الولاء . وفي المقابل ، اذا تعثرت حرب عمر البشير أكثر في جبل النوبة ، والنيل الأزرق ، ودارفور ، وهذا هو الأرجح ، فان المجموعة الأخرى اما ان تواصل السير في طريق الانتحار الجماعي خلف عمر البشير ، أو تنقلب عليه لتبحث عن طريق جديد . وأضاف المحلل السياسي ان ما حدث توظيف متبادل تاكتيكي يشبه ( زواج متعة) ، وهو يختلف جذرياً عن الصيغة الأولية السابقة لشراكة عمر البشير مع الاسلامويين الآخرين ، فكانت تلك شراكة استراتيجية تتفق في الرؤية والأهداف والبرنامج العملي ، واما الأخيرة فتحركها مخاوف مشتركة ، ولكن لم تعد تجمعها المصالح الكلية ، مما يؤكد انها قابلة للانفجار ، بمجرد اتضاح نتيجة حرب عمر البشير ، سواء بتحقيق انتصارات حاسمة ، وهذا مستبعد ، أو افتضاح الفشل النهائي ، وهذا حتمي ، كما يشير ميزان القوى . حريات