ثارت – بعد إعلان مقتل الدكتور خليل- العديد من التكهنات حول موته ، خرج إلينا الجيش ببيان ، إلا انه وفي اليوم التالي لم يلتزم الجيش بذات الصيغة بل تردد ترددا غير مفهوم وتناقض تناقضاً بيناً كالقول مثلاً بأن القوات النظامية وجدت خليل جريحاً ورغم ذلك فإن جثته ليست لدى الجيش وإنما تم دفنها بواسطة قوات العدل والمساواة ، ثم خرجت تكهنات أخرى تارة حول اغتياله وتارة تتحدث عن اغتياله بواسطة قوات أجنبية كما ذهب الدكتور ثروت قاسم وآخرين في تحليلات مختلفة . فتساءلت : أليس هذا دليلاً على الشك في قدرات الجيش؟ لماذا التشكيك في قدرات الجيش ؟ الإجابة بالنسبة لي بدت واضحة في ثلاث احتمالات: الأول: أن هناك عدم ثقة في مصداقية الحكومة بشكل عام وأنها تؤثر في مصداقية خطاب القوات المسلحة. وهذا لو صح فإنه لأمر خطير جداً ، وهذا يتطلب من الجيش أن يعيد تحديث آليته الإعلامية والمحاولة بأي طريقة لإعادة الثقة في خطابه للشعب. الثاني: أن الشعب- وخاصة المثقفين- يتشكك في قدرات القوات المسلحة وآلياته وأسلحته ويعتبرها قديمة ولا تتميز بتلك الدقة التي مورست في قتل الدكتور خليل . الثالث: أن إعلام العدل والمساواة كان الأقدر على وضع ظلال على قدرات الجيش من خلال فترة الحرب الطويلة التي لم تشهد سوى قتالاً يبدو بدائياً سواء من ناحية التكتيكات الميدانية أو من ناحية القدرات والإمكانات العسكرية. ونتيجة لذلك تعددت التحليلات فذهب البعض (من ضمن التحليلات) إلى إنكار بيان الجيش وذلك لعدة أسباب من ضمنها: الناحية العسكرية ، من المستحيل تصفية قائد في الميدان وسط معمعة الحرب ،فعملية اختيار القائد وتحديده كهدف ثم قتله في وسط معركة محتدمة يعد أمراً شبه مستحيل . فنحن لسنا في معارك القرون البائدة التي تتم بالسيف والرمح . إننا أمام وسائل الحرب الجديدة التي هي أكثر عشوائية في اصطياد الأهداف خاصة إذا وضع في الاعتبار أن معدات الجيش السوداني وآلياته قديمة قدم الحرب الباردة . وأن الأسلحة لا تعتمد على التكنولوجيا الحديثة مثل الأسلحة الصينية والأمريكية مثلاً . وبالتالي فإن عملية اقتناص قائد في معركة لا يمكن التسليم به عقلاً. وبناءً على هذه الشكوك اتجه البعض إلى الإعلام المناوئ ، وهنا رأيت إعلام حركة العدل والمساواة يتحدث عن اغتيال عبر طائرة غريبة ؟ ولقد استوقف هذا البيان العديد من المحللين العسكريين طويلاً ، باعتبار أن السودان لا يملك هذه الطائرات الغريبة ، إن الآليات القليلة التي تنتجها مصانع الانتاج الحربي مشوبة بعيوب كثيرة ، فالدبابات ثقيلة جداً وبالتالي بطيئة ، وقوة ارتدادها عالية جداً ، ودقتها في إصابة الهدف تكاد تكون معدومة ، وقوتها التدميرية متوسطة؟؟!! هل هي طائرة امريكية ؟ هذا مستبعد ، هل هي إيرانية ؟ وهذا مستبعد أيضاً، أهي صينية ؟؟؟ هذا مستحيل !! على حسب بعض قدامى المحاربين فإن السودان يملك ثلاث طائرات من طراز إف ستة عشر ، وهي طائرات سريعة ولكنها لا تصلح لعملية اقتناص وهي أيضاً غير مرتبطة بالأقمار الصناعية ؟ بالإضافة إلى هذا أيضاً، فإن أسلوب التعبير (في بيان الحركة) ييبدو تمويهياً جداً ، وهو على خلاف الإعلام العسكري يحاول تمجيد صورة العدو ، ويجعله قادراً ومالكأ لمكنة تغيير الأوضاع بما يملك . كان البيان فيه الكثير من التضخيم لقدرات العدو ، وهذا ما لا يمكن أن تقع فيه ألة إعلامية عسكرية؟ إلا إذا كان مقصوداً. بعض المحللين رأوا أن الإجابة بسيطة وغير معقدة ؟ فأثناء المعركة انقلبت مجموعة على خليل وقامت بتصفيته وسبعة عشر آخرين من قياداته ، حيث استغلت هذه المجموعة معمعة الحرب وانقضت عليه ؟ وحينما رأت القوات الحكومية عملية إطلاق نار داخل قوات خليل ألجمتها الصدمة ، وحين تقدمت بمدرعاتها وجدت جثة خليل وقواده السبعة عشر . فسارعت بنسبة هذا النصر غير المتوقع لنفسها . إلا أن السؤال لم يزل قائماً ؛ كيف استبق الجيش حركة العدل والمساواة في إعلان النبأ العظيم ولماذا بقت الجثة مع الحركة؟. قال الدكتور ثروت قاسم بأن فرنسا هي التي قامت بالعملية ؛ لا أعرف إن كان تحليله حقيقياً أم مجرد دراما غير أن الحلقات المفرغة فيه كثيرة جداً ويبدو التحليل اصطناعياً ، خاصة أن فرنسا دولة مؤسسية ، واتخاذ قرارات عسكرية لا يمر أو يمرر بسهولة ، وأن الغرب عموماً لا يقبل بأي حال من الأحوال على مساعدة الحكومة السودانية ناهيك أن يغتال باسمها ، كما أن الحديث حول مخاوف فرنسية من تشاد فيه الكثير من قلب الحقائق فنظام دبي نظام هش وأموال البترول التشادي – الذي تستخرجه الشركات الفرنسية- يذهب بعضها مباشرة إلى جيب إدريس دبي ، فدبي ليس رئيساً بقدر ما هو مزروع بأيدي فرنسية والمزروع لا يهدد إلا باقتلاع نفسه ولا كلمة له فوق كلمة زارعه. على كل حال ، فإن هذه التشكيكات كلها لا تصب في مصلحة الجيش ، وتأثيرها المعنوي السلبي كبير جداً ، لذلك قال بعض الناس بأن المسيرة التي قررت لدعم الجيش لم يؤمها الكثير اللهم إلا من بعض منتسبي المؤتمر الوطني وطلاب المدارس الذين تم إخراجهم خصيصاً لذلك وأشباه ذلك.ولازالت الحقيقة غائبة وأعتقد أن بيان القوات المسلحة لم يكن واضحاً أبداً وعلى القوات المسلحة – إن أرادت أن تسترد ثقة الشعب في خطابها- أن تسرع بوضع الحقائق على المكشوف حتى ولو كانت هذه الحقائق مرة . [email protected]