تقارير: القوات المتمردة تتأهب لهجوم في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    مصر تنفي وجود تفاهمات مع إسرائيل حول اجتياح رفح    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    طائرات مسيرة تستهدف مقرا للجيش السوداني في مدينة شندي    هيثم مصطفى: من الذي أعاد فتح مكاتب قناتي العربية والحدث مجدداً؟؟    ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انقلاب عبّود أول وأد للديمقراطية/د. علي الحاج محمد
نشر في السودان اليوم يوم 14 - 01 - 2012


علي الحاج محمد بون في 15 ديسمبر 2011
[email protected]
من المفارقات ام الموافقات انه وقبل ارسال هذا المقال الي الاخ ( الفاضل
علي) لنشره براي الشعب اذا بنا نشاهد ان حفيدي (السيدين) قد اعادا المشهد
بدخولهما في “الحكومة الموسعة جدا"!! و بالتالي اعادا قولة المحجوب عن
تحالف السييدين قبل اكثر من خمسة عقود ! الا رحم الله المحجوب .ورغم
إلحاح الاخ الفاضل علي لارسال المقال الا انني لم افعل واذا بي أُفاجأ
بإيقاف ( جريد راي الشعب !!) وكنت احسب ان الحكومة اوسع من ان تضيق
“برأي الشعب"ولكن ؟؟ هكذا الاحفاد!!
وعندما هممت بارسال المقال اذا بالسييد الامام الصادق (يفجر قنبلة اتصال
الشعبي به للقيام بانقلاب ضد حكومة (الحفيدين) !! و يا لها من قنبلة !!
لان حكومة (الحفيدين) قد تنقلب علي نفسها كما هو الماثل في مقالنا
هذا.!! فيما بعد علمت ان مكتبه سارع بالنفي (الشينة منكورة) وودت لو ان
النفي جاء علي لسانه وحسنا سارعت الاستاذة هالة (حق) واستضافت الامام
والشيخ و القوي السياسية لاحتواء “القنبلة" و “العترة بتصلح المشية"
ومشكورة هالة.
ولذا قررت ارسال المقال للاخ الفاضل قبل ان تكون هناك مفاجاءت اخري ولا
ادري ماذا هو فاعل به.؟
أسئلة للعصف الذهني:
بعد مُضي أكثر من نصف قرن على انقلاب نوفمبر وبعد أن تجلّت واتضحت بعض
الحقائق مع تقادم الزمن ألا يحقّ للمرء أن ينصف عبّود، ولكن لا يبرئه؟
أليس قمينٌ بالمرء أن يسأل كيف دُفع عبّود إلى وأد الديمقراطية ، ولا
أقول الحكومة، وهي في مهدها ولم تبلغ عامها الثالث؟
مَن الذي دفع عبّود دفعًا ليفعل فعلته ؟ وهل كان بمقدور عبّود أن يقول لا
لرئيس حكومة السيدين ووزير دفاعهما الأميرلاي عبد الله خليل؟
وهل كان بمقدوره أن يخالف الحزبين الحاكمين، حزب الأمة وحزب الشعب
الديمقراطي، أو أن يجادلهما حالة كونهما نتاجٌ للديمقرطية؟
والسؤال ما زال قائمًا، هل كان بمقدور عبود أن يخالف السيّدين، السيد عبد
الرحمن المهدي زعيم الأنصار والسيد علي الميرغني زعيم الختمية، والحكومة
الائتلافية حكومتهما؟
هل كان يمكن لعبود أن يرفض أداء التحية العسكرية لعبدالله خليل كما رفض
علي عبد اللطيف، خريج الدفعة 15 في 18/02/1914، أداء التحية للضابط
الإنجليزي بواد مدني في عام 1922؟ وعدم أداء التحية قد كلّف علي عبد
اللطيف ليس فقدان وظيفته العسكرية وحسب وإنما سجنه ونفيه ولكنّه أصبح
بطلًا وطنيًا.
نحن نظلم عبود، خريج الدفعة 24 في الأول من يوليو 1918، إذا طلبنا منه أن
يكون بطلًا، وفي وجه مَنْ ؟ في وجه الأميرلاي عبد الله خليل، خريج
الدفعة الثامنة في 1/07 / 1910؛ أم في وجه السيدين؟ مع العلم أن عبود
يدين بالولاء للختمية، أو هكذا تقول الرواة.
ليس القصد من هذه الأسئلة الخروج عن مألوف السؤال، وإن كان هذا له ما
يبرره، ولكن قصدتُ بها أن أشير إلى أن ما تم ليس مربوطًا بعبود واستلامه
“للسلطة"، ولكن الأهم من ذلك هو وأد الديمقراطية، لا لسبب إلا لأنها قد
تُفضي إلي “تبادل سلمي للسلطة"، وبعبارة أدق أن الديمقراطية وُئِدت لأنها
ستؤدي قطعاً إلي مزيد من الممارسة الديمقراطية. وهذه أول سابقة في تاريخ
السودان الناشئ.! وللأسف أضحت هذه سنة سيئة إلى يومنا هذا.!! وغنيُّ عن
القول: كل يتحمل وزر عمله. وقد قامت بوأد الديمقراطية حكومةٌ ذات أغلبية
برلمانية ومن أكبر حزبين في ذلك الوقت، وبمباركة دينية وسياسية من
السيدين، وهذا هو العجيب في الأمر، خاصةً في دولة هي الأولى التي تنال
استقلالها في أفريقيا جنوب الصحراء في الأول من يناير عام 1956 بعد الحرب
العالمية الثانية، وعمرها السياسي أو السيادي لم يتعدّ 34 شهراً.!!
الديمقراطية الموؤدة، لماذا؟
بالتأكيد هناك أسباب كثيرة ذُكرت لا نودّ الاسترسال فيها، ولكن الشئء
المؤكد وبرواية عبود عن رئيس الوزراء ووزير الدفاع الأميرلاي عبد الله
خليل: “يوم الاثنين 17 نوفمبر 1958 سيبدأ البرلمان دورته الجديدة كما هو
مقرر وسيطرح حجب الثقة عن حكومته (حكومة السيدين) وفي هذا مساس بأمن
البلاد والعباد، وهو (عبد الله خليل) قد تشاور مع عدد من القيادات
الوطنية ومن رأيهم أن يتولى الجيش السلطة في ذلك اليوم لإنقاذ البلاد، أو
كما قال".
كان هذا قبل شهر أو شهرين من التاريخ المضروب لاجتماع البرلمان ومع
اختلاف في الروايات إلا أن الخلاصة لا تخرج عما تم سرده.
وواضح أن رئيس الوزراء قد أيقن أن حكومته لن تصمد أمام سحب الثقة وأن
الحزب الوطني الإتحادي بزعامة إسماعيل الأزهري سيؤول إليه تكوين الحكومة،
وهذا لا يعني سقوط حكومة وقيام أخرى وإنما يعني أكثر من ذلك هزيمة حكومة
السيدين وعلي يد الازهري وقيام حكومة برئاسته، وهذا كان أسوأ ما كان
يتوقعه السيدان.!!
وليكون المشهد أكثر وضوحًا لا بدّ من الرجوع بالذاكرة إلى ما قبيل إعلان
الاستقلال وتحديداً إلى لقاء السيّدين في الأول من ديسمبر 1955. وللعلم
فإن السيّدين لم يلتقيا لأكثر من ثلاثة عقود لشدة العداء بينهما، وكان
آخر لقاء بينهما في عام 1920 كما ذكرت بعض المصادر. وقد أُحيط لقاء
السيدين بسياج من التكتم والسرية لأهميته ولكن ما تسرب عنه وما أكدته
الأحداث بعد ذلك هو أنه كان لقاءً ضد حكومة الأزهري الأولى في 9 يناير
1954، أو هكذا كانت تقول الروايات والإعلام.!!
ولكن لقاء السيّدين كان في حقيقته تحالفا بينهما و موجهًا ضد اليمقراطية
الوليدة والتي قضت بفوز الحزب الوطني الإتحادي، حزب الأفندية، علي
الطائفية بشقّيها.
وما كتب عن هذا الموضوع في تلك الفترة يُظهر الصراعَ وكأنه شخصيٌّ بين
الأزهري والسادة ليغيب المضمون الحقيقي للّقاء الذي كان مصوبًا ضد
الديمقراطية التي أفرزت وليدًا جديدًا من زمرة الأفندية في الساحة
السياسية كماحدث في الهند، حزب المؤتمر الهندي بزعامة نهرو؛ وفي وقت لاحق
في الملايو/ماليزيا، حزب آمنو بزعامة تنكو عبد الرحمن.
ولقد كان الأستاذ محمد أحمد محجوب، زعيم معارضة سابق ثم رئيس وزراء
سابق ومن حزب الأمة، أول من تنبأ بل أول من دقّ ناقوس الخطر حينما وصف
لقاء السيّدين بأنه “أعظم كارثة مُني بها تاريخ السياسة السودانية .ففي
هذا التحالف سعي عدوان لدودان مدي الحياة.بدافع الجشع والتهافت علي
السلطة والغرور والمصالح الشخصية الي السيطرة علي الميدان السياسي "
وبهذا يكون المحجوب أول من وضع لقاء السيدين في “الإطار الصحيح".
وإذ نتجاوز التكهّنات التي تسرّبت من أن هنالك صفقةً ما قد أُبرمت بين
السيّدين علي معادلةٍ للإطاحة بحكومة الأزهري قبل إعلان الاستقلال ثم حكم
السودان “ثنائيًا" بينهما، ربما كما كان يحكم بواسطة دولتي الحكم
الثنائي بريطانيا ومصر!! ما هي الصيغة ؟ وما هي المحاصصة؟ وما ... الخ؟
لا أحد يدري.
ولكن يجمع المحلّلون للمشهد السياسي آنئذٍ أن تسريبات لقاء السيدين، كما
في مذكرات خضر حمد، هي التي دفعت الأزهري لاتخاذ الإجراءات السريعة
لإعلان الاستقلال من داخل البرلمان، الأمر الذي أربك لا السيدين وحسب
وإنما دولتي الحكم الثنائي وخاصة مصر التي كانت معتمدة على الأزهري
وحزبه في الاتحاد.
ويبدو أن الزخم الذي صاحب إعلان الاستقلال باعد بين مواقف السيدين
“مؤقتًا"، إذ بعث السيد عبد الرحمن ابنه السيد الصديق، برفقة عبدالرحمن
علي طه أحد المقربين من السيد عبدالرحمن، إلى الأزهري مستفسرين عمّا
أعلنه وعن صدقه فيما أعلن. وقد أكد لهما الأزهري ذالك ونقلا الرسالة إلى
السيد عبد الرحمن، ورغم وجود أصوات معارضة إلا أن موقف السيد عبدالرحمن
الداعم لإعلان أزهري حسم الامر لصالح الاستقلال، ومن ثم اُتّفق على
إجراءات الإعلان من داخل البرلمان وبالطريقة التي شهدها الجميع.
وبعد إعلان الاستقلال بأسبوعين تقريبًا سقطت حكومة الأزهري بتدبير من
السيّدين بدعوى تكوين حكومة قومية.!! ولم يشفع للأزهري موقفه الوطني
بإعلان الاستقلال من داخل البرلمان بل إن هذا الموقف هو الذي أهاج عليه
الطائفتين فضلًا عن الحكومة المصرية، وهكذا المواقف الوطنية دائمًا
وأبداً لها ثمن وفواتير لابد من سدادها. وأُدخل عبدالله خليل “وزارة
الدفاع والاشغال" وآخرين في الحكومة ولكن ظلت رئاسة الحكومة عند الأزهري
لمدة ستة أشهر تقريبًا وتحديدًا من 2 فبرير 1956 إلى 4 يوليو 1956 ثم
تكونت حكومة السيدين برئاسة عبدالله خليل في 7 يوليو 1956 وحتى 17 نوفمبر
1958 حين وُئدت الديمقراطية كما أسلفنا.!
وغني عن القول أن هنالك انتخابات برلمانية أُجريت في عام 1958 هي التي
أتت بعبد الله خليل مرة أخرى وسنتكلم عن تلكم الانتخابات تكملةً للمشهد
الذي ما زلنا بصدده.
بانتهاء أجل البرلمان الأول كان لابد من إجراء الانتخابات في موعدها
المحدد ويبدو أن الحكومة كانت ساعية في تأجيلها إلا أنها واجهت ضغوطًا
جعلتها تكوّن لجنة محايدة للانتخابات برئاسة القاضي محمد يوسف مضوي. وقد
قامت اللجان الفنية بدراسة واسعة ووضعت تصورًا للدوائر إلا أن الحكومة لم
تأخذ به وقسمت الدوائر بطريقة تضمن لها الفوز وتهزم الحزب الإتحادي.
ورغم ذلك فقد جاءت النتيجة مفاجأة حقيقية للمراقبين، إذ كانت أنصبة
الأحزاب كالآتي: حزب الامة “63″ مقعدًا، والوطني الإتحادي “44″ مقعدًا،
والشعب الديمقراطي"29 “مقعدًا، وكتلة الأحزاب الجنوبية “37″ مقعدًا.
وهكذا ورغم كل الأساليب والوسائل لم يهزم الحزب الإتحادي بل هُزم حزب
الشعب الديمقراطي، حزب الختمية. وأصبح حزب الأمة هو سيد الموقف والشعب
الديمقراطي الشريك الاصغر في الحكم .
كل هذا المذكور شكّل هاجسًا وخيفةً لأن الحكومة الائتلافية أغلبيتها غير
مريحة ويمكن أن يطاح بها في أي وقت، وعندئذ وبكل تأكيد سيكون البديل
الديمقراطي هو الحزب الوطني الإتحادي بزعامة الأزهري. هذا المشهد هو الذي
عجّل بوأد الديمقرطية الوليدة. قد لا يختلف اثنان في أن ما كان يجري ليس
كله ديمقراطيًا.! ولكن بالمقابل فإن الديمقراطية الراشدة، إن جاز
التعبير، لا تولد راشدةً ولا بد لها من فترة نمو يكتمل فيها رشدُها.
أمثلة ديمقراطية شبيهة:
وإذا تحدثنا عن الأمثلة الشبيهة بالسودان من حيث الممارسة الديمقرطية
وبدأنا بتجربة حزب المؤتمر الهندي بزعامة غاندي ثم نهرو لا لشئء إلا لأن
مؤتمر الخريجين الذي تأسس عام 1938 كانت قدوته حزب المؤتمر الهندي ومن
هنا جاء الاسم، مؤتمر الخريجين، مع فارق الزمن في التأسيس حيث تأسس حزب
المؤتمر الهندي في العام 1885، إلا أن الممارسة الديمقراطية استمرت هناك
حتي بعد انشطار باكستان عن الهند عشية استقلال كل منهما عن الأخرى عام
1947 وظلت ديمقراطيةً، على علاتها، يُضرب بها المثل إلى اليوم. ومهما قيل
عن حرص الدول الغربية للإبقاء على الهند كدولة ديمقراطية إلا أن هذا لا
يقدح في الديمقراطية. وعلى كلٍّ فقد كان هذا هو المثال الذي قاس عليه
مؤسسو مؤتمر الخريجين عام 1938. ولا يخفى على أحد الدور الذي لعبه مؤتمر
الخريجين، الأفندية، في تكوين الأحزاب ومآلات الاستقطاب الطائفي مما أدى
في نهاية المطاف إلى الاستقلال وبالملابسات التي ذكرناها.
أما المثال الآخر الذي أشرنا إليه فهو حزب (آمنو) UMNO(United Malays
National Organisation)في ماليزيا والذي تأسس في العام 1946
و قاد البلاد إلى الاستقلال في عام 1957 بعد عام واحد من استقلال
السودان. ورغم وجود كيانات وممالك وطوائف تقليدية إلا أن الحزب استطاع أن
يحافظ على نظامه الديمقراطي وفوق ذالك على استقراره السياسي ونموه
الاقتصادي حتي أصبح من النمور الآسيوية.
وقصدي من هذين المثالين أنه لولا هذا التدخّل الطائفي لاستمرت
الديمقراطية ونمت وترشدت. وبكل أسف ورغم تباين واختلاف الأفكار والأزمان
إلا أن ظاهرة الانقضاض على الديمقراطية أصبحت ملازمة للسياسة
السودانية.!!
كيف استلم عبود السلطة؟
ذكرت في المقدمة أن عبود (الجيش) قد دُفع إلى وأد الديموقراطية دفعًا،
ودون الدخول في التفاصيل، فالمصادر تكاد تُجمع أن عملية تحريض الجيش أو
دَفْعه بدأت منذ حوالي شهرين قبل الحدث نفسه؛ وقطعًا فإن الفكرة ليست
وليدة شهرين بل ربما كانت منذ ظهور نتيجة الانتخابات الأخيرة التي خرج
منها الحزب الإتحادي منتصرًا بل ربما كانت الفكرة مبيتة منذ لقاء السيدين
في أول ديسمبر 1955!!
ولكن مفاجآت الأزهري أربكت الأمور كما أشرنا .!
وقد تمت لقاءات ومشاورات داخل الجيش وخارجه والمشاورات داخل الجيش ليست
من ديدنه إلا أنها تعكس مدى تردد الفريق عبود.! ولأول مرة يكتشف المرء
أن المناقشات والحوارات داخل الجيش كانت أوسع وأشمل من المناقشات بين
السياسيين، خاصةً وأن من دعا الجيش للتدخل هو رئيس الوزراء المنتخب ووزير
الدفاع وزعيم حزب الامة (الأغلبية 3/2 الحقائب الوزارية ) ومدعوم من
حزب الشعب الديمقراطي (الشريك الاصغر 3/1 الحقائب الوزارية) وفوق هذا
وذاك هو ممثل حكومة السيدين.!
والمشاورات التي تمّت خارج الجيش شملت “السيّدين الجليلين" علي حَدّ قول
رئيس الوزراء ووزير الدفاع وذلك في معرض ردّه على بعض الأسئلة التي
طرحتها بعض قيادات الجيش.!
بل إن بعض الوثائق والتحقيقات التي أُجريت مع عبود وأركان حكومته، بعد
ثورة أكتوبر 1964، تثبت لقاءاتهم مع السيد عبدالرحمن المهدي وابنه السيد
الصديق. وبعض هذه الوثائق تتطرق إلى الأسئلة المحرجة، وربما الساذجة، من
قبل بعض قيادات الجيش إلى السادة عن مدى علم الأزهري، زعيم المعارضة،
بهذه التحركات.!
بعد هذا السرد الموجز هل يمكن أن يسمّى هذا انقلابًا؟ وانقلابًا على
مَنْ؟ وأين دور الاستخبارات العسكرية؟ الاستخبارات العسكرية لا تتجسس على
وزير الدفاع ورئيس الوزراء وهو يأمر (قائد الجيش) بأن يوقف عبث ما يسمّى
بالديمقراطية.! وهذا هو العمل الوطني الذي نذر نفسَه له !!
بعض الجهات تتحدث عن الدور الخارجي ممثلًا في إيعاز الإمبراطور الأثيوبي
السابق هيلاسلاسي لعبدالله خليل للقيام بالانقلاب لما بين الرجلين من
علاقات إبان الحرب العالمية الثانية وكيف أن الضابط الإنجليزي بوستد
هيوبد، الذي كان مفتشًا لمركز زالنجي لأكثر من عشرين عامًا، وعبدالله
خليل كان لهما الدور الأساسي في إعادة الإمبراطور المهزوم إلى أديس أبابا
عبر مدينة الكرمك السودانية وذلك في عام 1944، وهذا مما عزز العلاقة بين
هيلاسلاسي وعبدالله خليل. قد تصدق هذه المقولة ولكن لا أحسب أن عبدالله
خليل كان محتاجًا لشخص يشجعه أو يدفعه بل إن كل الشواهد تؤكد قناعته
الشخصية ودعمه من السيدين.
هذا باختصار غير مخل ما تم وسُمِّي ب"استلام عبُّود للسلطة" وما
اسمِّيه “وَأْد الديمقراطية"، ولا أود الخوض فيما حدث بعد ذلك من تأييد
ومباركة السيّدين للإنقلاب على حزبيهما أو حكومتهما و"عليّ وعلى أعدائي".
ماذا جري بعد ذلك؟ وما هي النتائج؟
ما إن تمّت الصفقة واستلم الجيش السلطة حتى تسّرب للرأي العام أن تكوين
الحكومة ليس كما اُتِّفق عليه. وما هو المتفق عليه؟ ومع مَن تمّ الاتفاق؟
وما هي المرجعية؟ يبدو أن الاتفاق كان يقضي بتكوين حكومة مدنية وبنسبة
الحزبين (3/2 لحزب الامة و3/1 للشعب الديمقراطي) ولكن العسكر قرروا غير
ذلك وتكونت الحكومة منهم، وهذا طبيعي لأن المدنيين فشلوا؛ وهذه كانت
بديهية فاتت على (الأميرلاي عبدالله خليل) وما كان ينبغي لها أن تفوت على
(الحزبين).!
ومن هنا بدأت المشاكل وأول من تواجَهَا هما الحزبان خاصة وأن كل حزب كانت
له حساباته وولاءاته الحزبية داخل قيادات الجيش العليا التي كانت تسمي
“قومية /محايدة" ووضح فيما بعد أنها قومية /حيادية مزعومة وليست حقيقية.
انتقل الصراع الطائفي السياسي إلى داخل القوات المسلحة وأدى ذلك إلى دخول
وخروج بعض المحسوبين على هذه الطائفة أو تلك وبمضي حوالي ستة أشهر على
الحكومة العسكرية بدأت مواقف الحزبين تتغير قُربًا (الشعب الديمقراطي) أو
بُعداً (حزب الامة) من العسكر وهكذا بدأت ملامح لمعارضة جديدة يقودها
السيد الصديق عبدالرحمن المهدي الذي آلت إليه إمامة الأنصار وزعامة حزب
الأمة بعد وفاة والده الإمام عبد الرحمن.في 24 آزار (مارس) 1959.
وواقع الأمر أن الإمام الصديق هو أول مَن بدأ بتصحيح موقف حزب الأمة
ومفاصلة النظام العسكري بطريقة واضحة وصريحة وصارخة.!
وكنا في تلك الفترة في الجامعة ولقد كان الإتجاه الإسلامي في قيادة إتحاد
طلاب جامعة الخرطوم وذالك الإتحاد برئاسة جعفر شيخ إدريس كان أول من رفع
المذكرة الشهيرة في نوفمبر 1959 بمناسبة مرور عام على حكم العسكر وهذه
المذكرة قد تمت مناقشتها في اجتماع لقاعدة الاخوان بالجامعة وفي رحلة
مشهودة( انشاء الله ساكتب عنها بما تجود به الذاكرة). تلك المذكرة التي
طالبت الجيش بالعودة إلى الثكنات وإعادة الحريات وعلى رأسها الانتخابات
الحرة. وهذه كانت بداية المعارضة والمواجهة للنظام العسكري الذي نسمّيه
مجازًا باسم “عبود". وبالطبع كنا ندرك مَنْ هُو َوراء الانقلاب.!
ولقد كانت جمهرة الطلاب محبطة من مواقف الأحزاب، ولكن ما إن بدأت مواقف
السيد الصديق المعارضة للنظام تتضح معالمها وبدأت هنالك اتصالات بينه
وقيادات الطلاب حتي ارتفعت معنويات الطلاب، إذ وجدوا لهم نصيرًا مقدامًا
وشجاعًا وبلغت ذروة الاحتجاج بتكوينه “للجبهة الوطنية السودانية لمقاومة
النظام العسكري" والتي استطاع السيد الصديق أن يشرك كل المعارضة فيها إلا
مَن أبى (وهم الختمية). وفي تشرين الثاني (25 (نوفمبر) من العام 1960
رفعت الجبهة الوطنية بقيادة الإمام الصديق المذكرة الشهيرة والمطالبة
برجوع الجيش إلى ثكناته وإعادة الحياة الديمقراطية والنيابية، وكان هو
أول الموقعين على المذكرة (وكان هذا غير معروف وغيرمألوف!) ويليه إسماعيل
الأزهري ثم عبدالله خليل وآخرون. ولقد شعر العسكر بخطورة الموقف وتم
اعتقال كل الموقعين على المذكرة، عدا السيد الصديق، ونقلوا إلى الجنوب
(الرجاف/ناقشط).!
أما قادة الختمية فلم يكتفوا بوقوفهم ودعمهم لنظام عبود بل رفعوا مذكرة
في التاسع من ديسمبر(كانون اول) 1960 عرفت فيما بعد بمذكرة “كِرَامُ
المُواطنين" فيها تأييد للنظام العسكري وتحريضه على الجبهة الوطنية،
وبهذا تمايزت الصفوف إذ وقفت قيادات الختمية مع النظام العسكري إلى حين
سقوطه في أكتوبر كما استمرت الأحزاب الأخرى في معارضتها للنظام حتي قضت
عليه.
ذكرتُ أن السيد الصديق لم يعتقل ضمن الآخرين ولكنه استمر في معارضته
ومواجهاته ضد النظام وبلغت ذروة غضبه ومواجهته للنظام ولعبود تحديدًا بعد
أحداث المولد في مساء 21 أغسطس(آب )1961 إذ اصطدمت شرطة النظام بشباب
الأنصار مما أدى إلى وفاة 12 من الأنصار وأربعة من الشرطة وقد أمّ الإمام
الصديق الجموع الغفيرة مصليًا على الضحايا وسار مع المشيعين ومعهم طلاب
الجامعة إلى مقابر أحمد شرفي حيث دفن الضحايا.
وقد ازدادت الأحوال السياسية توترًا بعد هذه الحادثة وعلى إثرها تم
لقاءٌ غاضبٌ صامتٌ صامدٌ بين عبود والسيد الصديق لقاء مواجهة !! (هنالك
صورة فوتغرافية جمعت بين الفريق عبود والسيد الصديق تظهر غضب الاخير وسوف
ننشرها لاحقا انشاء الله)
ولم تمضِ الا ايام قلائل علي هذا اللقاء حتى انتقل السيد الصديق إلى
رحاب ربه في الثاني من كانون الاول(ديسمبر) 1961 بنوبة قلبية
مفاجئة وربما كان غيظًا. وإن شاء الله في وقت آخر سنعود إلى الحديث عن
وفاة السيد الصديق وكيف وقع الخبر علينا كإتحاد طلاب بل وكيف أن
البروفسور مورجان أستاذ الباطنية وأمراض القلب بكلية الطب آنئذٍ، وقد
كان على رأس الفريق المعالج له، شرح لنا كيفية معالجة النوبة القلبية
عندما تقع على شخصٍ ذي مسؤولية؟ وماذا تقول له وماذا تقول لأهله؟ ...الخ
خلاصة عمليات وأد الديمقراطية:
1-الانقلابات العسكرية في السودان وراءها المدنيون.
2- أول من يدفع الثمن هم المدنيون.
3-في نهاية المطاف أشرس المعارضين لها هم من أتوا بها وأكثر المؤيدين من
عارضوها أول الأمر، وهذا ما قد يفسر إطالة عمر الأنظمة العسكرية.
4-انهيار نظام عبود ونميري حدث دون مقدمات أو تخطيط ظاهر بل كل الدلائل
كانت تشير إلى “هدوء الأحوال"! وهكذا الأمر اليوم عند البداية بتونس ثم
تتالت الانهيارات.!
5-انقلاب الشيوعيين (مايو1969) وانقلاب الإسلاميين (يونيو 1989) جاء من
جهات معارضة للنظام، وبالطبع هذا ليس مبررًا، أما عبود فان الحكومة
المنتخبة هي التي دفعته ليقوم بالانقلاب وهذا أشبه بفعلة (أتاتورك) في
تركيا و(هتلر) في ألمانيا لأن كليهما أتيا إلى السلطة عبر (الانتخابات).
وأخيرًا آمل أن يسمح الوقت للحديث مستقبلًا عن مايو 1969 والإنقاذ يونيو
1989. والله أعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.