..لأول مرة يستطيع مسؤول حكومي وعلى وزن كبير أن يقول "لا" ويرفض منصباً عرض عليه ويكسر حاجز الخوف من فوبيا عواقب الرفض على مدى أكثر من عقدين من الزمان ولذلك فإن عبد الحميد موسى كاشا والي جنوب دارفور المنتخب شعبيا والمعزول بقرار رئاسي بدعوى تعينيه في منصب والٍ لولاية جديدة حق على الجميع أن يطلقوا عليه لقب البطل" في زمن توارى فيه الأبطال رغم تعدد الحروب بالسودان غربا وجنوبا وشرقا ووسطا حتى بات السودانيون الذين تبقى لهم ثلثا البلاد بعد انفصال الجنوب لا يعرفون إلى أين تقودهم الإنقاذ؟ فليس المهم أن يعتذر الدكتور عبد الحميد موسى كاشا عن منصب والي ولاية شرق دارفور الجديدة ولكن السؤال المهم هل هناك داعٍ لهذه الولاية أصلا وهل هناك أسباب مقبولة وحيثيات مدروسة عملياً ومقبولة عملياً لجدوى تقسيم دارفور المقسم أصلا، ولماذا إعادة تقسيم دارفور فقط دون غيرها من ولايات السودان الكثيرة؟ من الواضح أن الطرح الذى حاولت الحكومة تسويقه لجدوى إعادة التقسيم غير مقبول وغير منطقي وغير علمي أصلا، وإن الحكومة بعدما فشلت في مواجهة حركات التمرد بالإقليم اختارت أسهل الطرق وهو إعادة تقسيم دارفور من جديد على أساس عرقي قبلي بحت، بحيث تكون لكل قبيلة كبرى ولاية خاصة بها تتحكم في إدارتها وتمنح القبائل الصغرى الموجودة بها وظائف في إطار شراكة تحفظ الاستقرار ومن هذا المنطلق جاءت الولاياتالجديدة، فمنحت ولاية شمال دارفور التى لم تقسم إلى البرتي بقيادة الوالي عثمان يوسف كبر ومنحت ولاية جنوب دارفور للقبائل العربية الأخرى بقيادة الهبانية ومنحت ولاية وسط دارفور الوليدة للفور ومنحت ولاية غرب دارفور القديمة للمساليت وشركائهم من العرب والفور والتاما فيما منحت ولاية شرق دارفورللرزيقات. ونقل كاشا المنتخب شعبيا بجنوب دارفور القديمة إلى شرق دارفور الجديدة لإدارة شؤون أهله ولكنه فاجأ الجميع ومن بينهم رئاسة الحزب الحاكم بالخرطوم والتى يبدو أنها مارست التضليل، بالاعتذار عن تولي المنصب، وفاجأت جماهير نيالا الجميع بالمظاهرات تطالب بعودة كاشا الذي استطاع لأول مرة إخماد الحروب الأهلية التي اكتوت بها الولاية ليس بعد اندلاع التمرد وانما منذ عهود طويلة ولكن يبدو أن المركز لا يريد حاكما قويا من أبناء دارفور مثل كاشا ينجح في جمع الصف الدارفوري بعيدا عن سياسات الحزب الحاكم التى تقوم على مبدأ "فرق تسد". فقضية عزل كاشا ورفض تولي الولاية لا تختلف عن القضايا الدارفورية الأخرى التي تدار من المركز، الذي لا يريد توحيد أبناء دارفور على صعيد واحد ولا يريد الحلول المحلية التى يقودها أبناء الإقليم مثل كاشا، فالمركز وضح للجميع أنه يتعامل مع دارفور وفق سياسة فرق تسد، ولذلك جعلت لكل قبيلة ولاية خاصة تقوم في حاكورتها المعروفة بها في حين ان الحكومة عندما تتحدث حركات التمرد عن " الحواكير" تصر على رفض ذلك و لكنها تطبقها عمليا على أرض الواقع بحجج واهية بدعوى تقصير الظل الإداري. فالسؤال المطروح لماذا تقصير الظل الإداري لدارفور فقط دون الولايات، فكردفان المجاورة تم فيها حل ولاية قائمة لا يزال سكانها يطالبون بها ؟ بل إن كردفان وحدها تستحق ثلاث ولايات جديدة وأهل المناقل التي تتوفر فيها جميع مقومات الولاية لا يلتفت إليهم أحد في المركز ولكن الحكومة تترك كل السودان وتركز على دارفور فقط، في مسعى مكشوف ومفضوح وهو إعادة التقسيم على أساس قبلي وعرقي بحت في مواجهة حركات التمرد ولهاء أهل دارفور بخلافاتهم في الولاياتالجديدة التي لن تحقق التنمية ولا تقصير الظل الإداري، لأن الجميع يدرك أن كل الخدمات تتركز فقط في الخرطوم وكل من يود خدمات أفضل من أقاليم السودان يتجه فقط للخرطوم حتى أم درمان القريبة والمجاورة للعاصمة. من المؤكد أن الإنقاذ بإعادة تقسيم دارفور إنما قصدت بذر المزيد من الفرقة والشتات بين مكونات مجتمع دارفور وتوصيل رسالة واضحة لقبيلة الزغاوة الكبيرة فى دارفور والتي تتواجد في كل الأقاليم الخمسة ان هذه الاجراءات الادارية الجديدة ما هي عقاب لها لتصدرها لثورات دارفور الحالية وإلا لماذا لا يتم تقسيم شمال دارفور نفسها إلى ولايتين بحيث يمنح الزغاوة وهم في أقصى الشمال ولاية خاصة بهم وعاصمتهم كرنوى أو أم برو أو حتى الطينة معقل سلطان الزغاوة. إن قيام هذه الولايات ليس له مبرر ولا جدوى إدارية ولا اقتصادية ولا حتى عرقية سوى تحفيز للقبائل الكبيرة بالإقليم للوقوف مع الانقاذ فى خطه الثابت لمحاربة قبيلة الزغاوة التى منها منى اركو مناوي والراحل خليل إبراهيم وشقيقه زعيم حركة العدل والمساواة الجديد جبريل ابراهيم، وتفتيت الفور التى منها عبد الواحد محمد نور وعبد القادر قدورة وعبد الله يحيى على ثلاث ولايات بعدما فشلت الحلول العسكرية للحرب التى قضت على الأخضر واليابس في كل دارفور. فقضية اعتذار كاشا يجب ألا يتم حصرها في خلافه مع وزير المالية وهو من أبناء دارفور وإنما هو خلاف أساسي أكبر من خلاف محلي، وإن إقالته بقرار بدعوى الطوارئ المطبق بالإقليم غير مقنعة وإنما هناك مؤامرة كبرى، قُصد منها إزاحته من ولاية قائمة فى الأساس وله فيها بصمات واضحة فيها ووجد رضى وقبولا جماهيريا بالمقارنة إلى من سبقوه فى هذا المنصب بالولاية أمثال وزير المالية الحالي علي محمود أو حتى المهندس عطا المنان الوالي الأسبق الذى وفر له المركز كل الدعم وان خروج كاشا من نيالا الى الضعين فيه الكثير من عدم التقدير لعطائه ليس في دارفور فحسب وانما على مستوى الوزارات التى تولاها بالمركز. فمن الواضح ان الحكومة بالخرطوم تطبق عكس رغبات اهل دارفور وتحاربهم بدعوى محاربة التمرد ولذلك تنفذ سياسات الانشطار والتشطير ومنح القبلية المزيد من النفوذ رغم كفة زيادة الأعباء والإنفاق الحكومى التي تجيء خصما على تنمية المنطقة ورتق نسيجها الاجتماعى ولذك فهي تقيل الولاة المنتخبين وتعين بدلا عنهم ولكن كاشا فعلها وقال "لا" وفعلتها ايضا جماهير نيالا التى رفضت الوالي الجديد وتمسكت بكاشا ولكن من يقول الحقيقة للمؤتمر الوطني "إن الانتخابات الرئاسية والولاة والبرلمانية التي فاز فيها كاشا بمنصب والي جنوب دارفور ليس مشكوكا فيها فقط وإنما نتائجها غير حقيقية وإلا لماذا تمت إقالة كاشا المنتخب والدستور يقول عكس ذلك." الراية