أوردت صحيفة الاندبندنت البريطانية المرموقة في عددها الصادر أمس الخميس مشاهد من مآسي حرب النيل الأزرق تحت عنوان (مفقودو السودان: الأرواح التي ضاعت وسط إطلاق النيران). وقالت إنه بينما العالم يتفرج في الحرب بين الخرطوموجنوب السودان، فقد التقى مراسلها بالضحايا المنسيين في تلك الحرب. وروت الصحيفة قصة عيسى دفع الله صباحي الذي كان يعمل حارسا في منزل سياسي معارض في ولاية النيل الأزرق السودانية، وفي سبتمبر الماضي جاء جنود الحكومة يقصدونه حيث شاهد هو والطباخ أربع سيارات شاحنات مليئة بالجنود، وحينما حاول الطباخ الهرب فتح عليه أحدهم النار. قال صباحي من ملجئه ببلدة بونج في جنوب السودان والتي قصدها عابرا الحدود المنشأة حديثا: “الشيء الوحيد الذي رأيته بعد أن أطلق عليه النار كان الدم. ثم ألقوا بي على الأرض وقيدوني". ثم أشار لاعتقاله في العام الماضي، وقال السيد صباحي إن الجنود انهالوا عليه بالضرب في الطريق الى مقر قيادة القوات المسلحة السودانية في الدمازين، عاصمة ولاية النيل الأزرق، حيث وضع في السجن. وقال إنه شهد هناك حادثين لا يستطيع نزعهما من ذاكرته. رأى جنودا في محاولة لانتزاع الطفل من أمه، قالوا لها إنها ليست مسلمة “حقيقية" وغير مؤهلة بالتالي لرعاية طفلها. وقال إنها عندما قاومت، قام جندي بقتلهما معا. صباحي الذي نجا، شاهد كذلك جنودا وقد ربطوا رجلين من أقدامهم بعربية وجرجروهما حول الفناء قبل أن يربطوهما في شجرة. “سكبوا البنزين عليهم وعلقوا حاوية البنزين البلاستيكية الفارغة فوقهما وقاموا بحرقها فسقطت عليهما" وقال “كانا يصرخان وماتا." واعتقل صباحي ومئات اخرون في عملية تمشيط ضد المشته في كونهم متمردين في الدمازين وبلدات أخرى في أوائل سبتمبر. وكان المتمردون ذات يوم جزءا من الحركة الشعبية لتحرير السودان، التي حاربت الخرطوم في حرب أهلية استمرت لعقدين وأدت إلى استقلال جنوب السودان في يوليو الماضي. وعندما انفصل الجنوب العام الماضي، ترك شعبتين من الجناح المسلح للحركة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق السودانيتين. وتم تعديل اسمها إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان، قطاع الشمال، وأعلنوا أنفسهم حزبا سياسيا مستقلا في السودان. واندلع القتال في يونيو الماضي في ولاية جنوب كردفان، حيث اتهمت الخرطوم بتزوير الانتخابات. وامتد الصراع امتد الى ولاية النيل الأزرق المجاورة حينما طردت الخرطوم واليها المنتخب، مالك عقار، في سبتمبر الماضي وعينت مكانه قائد عسكري. والآن يتهم زراء في الحكومة في الخرطوم نظرائهم في جنوب السودان بدعم حركات التمرد في جنوب كردفان والنيل الأزرق. ولا يزال أكثر من 200 شخص من النيل الأزرق محتجزين أو في عداد المفقودين، وفقا للمحامين الذين تحدثوا إلى هيومن رايتس ووتش. وردا على ذلك، قالت الخرطوم انها تحتجز 13 متمردا فقط. وتقف القوات المسلحة السودانية متهمة أيضا بقتل المدنيين العزل. وقال مدرس من بلدة باو انه شاهد الجنود يطلقون النار على 10 من السكان في ديسمبر. وفي قرية السليك قال مسئول في الحركة الشعبية قطاع الشمال إنه عثر على جثث لستة من المدنيين من أعضاء من الحركة الشعبية قطاع الشمال الذين عذبوا وأعدموا. وقالت جيهان هنري من هيومان رايتش واتش: “هذه الجرائم المزعومة تشكل انتهاكات لقانون حقوق الإنسان ويمكن أن ترقى أيضا لكونها جرائم حرب، ولكن يلزم إجراء مزيد من التحقيقات." وتقول الخرطوم انها شكلت لجنة تحقيق مستقلة للنظر في الانتهاكات وانها لم تجد أي أساس لمثل هذه التقارير. وقال مسئول حوكمي إن “الحكومة تعتبر المزاعم في الأمر دعاية من قبل (المتمردين) بدون اي دليل". وتعتمد الحكومة بشكل كبير أيضا على القصف الجوي باستخدام طائرات الشحن. والقنابل غالبا ما تدحرج ببساطة عبر مجرى أبواب البضائع، وهي الاستراتيجية التي تنتهك القانون الدولي بسبب الطابع العشوائي للتفجير الذي بطبيعته يجعل المدنيين معرضين للخطر. ويقول عمر إدريس إن قريته كوبري يبوس قد تعرضت في سبتمبر الماضي للقصف، قال “كنت وحماري أبحث عن الماء. وجاءت الطائرة... وبدأت فورا في التفجير وقتل الحمار على الفور، وكما ترون، فقد أصبت بأذى في يدي وصدري كذلك". ورد مسؤول في الحكومة السودانية: “إن العمليات العسكرية تستهدف المتمردين ومعسكراتهم، ومعظمها في الجبال". لكن السفر عبر السهول من جنوب ولاية النيل الأزرق يظهر قصة مختلفة. فالمشهد مليء بالحفر، والقرى التي تقف فارغة والأسواق الصامتة، وقد أغلقت المدارس. وقد فر أكثر من 100،000 شخص الى مخيمات للاجئين في جنوب السودان واثيوبيا. وهناك 100,000 آخرون تقطعت بهم السبل داخل النيل الأزرق، والكثير منهم، بمن فيهم السيد إدريس – يعيشون في الغابات حيث لا يمكن رؤيتهم من الجو. وتنفي الحكومة أن هذا القصف تسبب في نزوح جماعي. وقال متحدث باسمها “ان الكثافة السكانية في ولاية النيل الأزرق ليست عالية جدا"، وسواء أكان ذلك صحيحا قبل بدء الحرب أم لا، فمن المؤكد انه الحال الآن بعد سبعة أشهر من القصف.