روسيا ترفض لتدخلات الأجنبية في السودان ومخططات تمزيقه    البرهان يودع سفيري السودان لمصر واثيوبيا "الفريق أول ركن مهندس عماد الدين عدوي والسفير الزين إبراهين حسين"    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. الناشط صلاح سندالة يسخر من المطربة المصرية "جواهر" بعد ترديدها الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله) خلال حفل بالقاهرة    طباخ لجنة التسيير جاب ضقلها بكركب!    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    وزير الصحة: الجيش الأبيض يخدم بشجاعة في كل ولايات السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    الانتفاضات الطلابية مجدداً    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    استجابة للسودان مجلس الأمن يعقد اجتماعا خاصا يوم الاثنين لمناقشة العدوان الإماراتي    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    السودان..البرهان يصدر قراراً    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الملم،ماض مشرق ،وحاضر يكتنفه الغموض ،ومستقبل يتطلب الوحدة والتكاتف
نشر في السودان اليوم يوم 23 - 07 - 2012

عبدالمنعم إبراهيم آدم مكي – واشنطن.
التاريخ أمانة، تقع على عاتق الجميع، مهمة إيصاله للأجيال القادمة بصدق. فالشعوب تبني حضاراتها إنطلاقا من تواريخها الماضية لربطها بالحاضر ، ومن ثم، أملا في إستشراف مستقبل أفضل، يتم من خلاله تجاوز النقائص التي حدثت سلفا، وهذ لعمري، مهمة تتطلب قدرا من الصدق والنزاهة.
إن التاريخ الإنساني، مليئ بالمحاولات المتكررة لتشويهه، في مختلف الشعوب والبلدان، لاسيما السودان، الذي يقول الناس فيه إن تاريخه به الكثير من المغالطات، حطت من أقدار أناس عظماء، ورفعت آخرين أكثر وضاعة ، ماحدا بالبعض إلى المطالبة بإعادة كتابته من جديد.
إنطلاقا مما سبق، وخوفا من تكرار تجارب مماثلة لتلك التي حدثت وتحدث باستمرار، يسعى البعض جاهدا لدحض الإفتراءات التي تلصق بالتاريخ من قبل أصحاب الغرض ، تفاديا لأضرار قد تصيب تأريخنا الحاضر. فتاريخ منطقة الملم على سبيل المثال ، وإن لم ينل حظه من النشر، به إشراقات تستحق أن يطلع عليها الناس ، الأمر الذي يحتم على أبنائه إبرازها للقارئ ليدرك مدى عظمتها، وتأثيرها على مجريات الأحداث بالمنطقة. فلاشك أن الكل يعرف السلطان علي دينار على نحو جيد، فللرجل بصمته التي لاتخطئها عين، في تاريخ الإسلام وإفريقيا.
السؤال، هل يعرف الناس منطقة اسمها الملم ، بذات القدر الذي يعرفون به السلطان دينار،قطعا، الإجابة لا،حسنا، إلى من يعود التقصير في تعريف الناس بحضارة راقية كهذه ، حضارة أهدت العالم سلطانا ملأ الدنيا وشغل الناس، بمآثر وأفضال ما تزال تحدث عن نفسها في أشرف بقعة على الأرض.
الإجابة تبدو بديهية لأول وهلة، وهي أن أبناء المنطقة، هم من تسببوا في هذا التقصير. بيد أنه، ومن ناحية أخرى، فالإجابة لها بعد أعمق من تلك البديهيات.إذ لابد من التنويه هنا إلى أن أهل منطقة الملم، سعوا بجد لإبراز دورها في صناعة مجد دارفور والسودان. إلا أن محاولات غير بريئة، كانت ماتقف غالبا، وراء إجهاض تلك المساعي،لاسيما في عهد حكم الإنقاذ . والتي آخر مافعلت بالمنطقة من أفاعيل منكرة أن قسمت أهلها،كباقي مدن دارفور الأخرى ، إلى عرب وزرقة.والذين بلاشك، خدعوا على حين غفلة. فكانت تلك هي القشة التي قصمت ظهر المنطقة ومحت جزءا كبيرا من تاريخها العريض، الذي أمضى الناس فيه، عشرات بل مئات السنين لبنائه.
ثم مافتئت الإنقاذ، تحاول النيل من تاريخ المنطقة ، وطمس معالمها ،فسمتها جزافا بالوحدة، وأي وحدة تلك التي تقوم على خراب النفوس والديار،معا. ناسية أو جاهلة بذلك،أن كلمة الملم، عندما اختارها اسلافنا ، لتكون عنوانا للمنطقة ، التي لمّت الناس على اختلاف قبائلم واثنياتهم، لم يأت ذلك الاختيار إعتباطا،بل كانوا يعنون الوحدة بمعناها الحقيقي، لابمعناها الإنقاذي السطحي الذي لايخلو من خبث.
لكن ماجرى ويجري، يؤكد أن من ورائه يقف بعض من أبناء المنطقة، الذين لايريدون لها ولأهلها الخير. ولذا يجدر بنا النهوض من سباتنا لوقف مايحدث باسم المنطقة من عبث، ومايجري فيها من تفكيك واضح ، فوق ماهو موجود،لوحدتها ، وتمزيق لشمل أهلها، الذين عرفوا وعلى مدى تاريخهم الطويل، بالتسامح، والتصالح، مع أنفسهم والآخرين من حولهم.
أمور كثيرة، من بينها المسئولية التاريخية، دفعتني للرجوع ، قليلا، إلى الوراء، والإتيان بمعلومات، أظن أنها تخفى على بعض أبناء المنطقة، أو لربما تكون قد نسيت بفعل التقادم ،الأمر الذي حضني على بعثها، للتذكير بها من جديد، إذكاءً لنفوس خبأت.
إذ إن المعروف، أن منطقة الملم ،ذات حضارة راقية،سبقت الآخرين بخطوات . ولن أكون مبالغا، إذا قلت إن ماكان يحدث بها ،من فاعليات، ثقافية، واجتماعية، وسياسية ،لانجدها تحدث الآن،حتي في العاصمة الخرطوم .
إذ لابد من التذكير، بأن الملم ،عرفت التعليم قبل إستقلال السودان، ويرجع الفضل في ذلك ،للعمدة آدم مكي ،الذي طالب الإنجليز وقتها، بإنشاء مدرستين للبنين والبنات، في وقت كان الناس يرون فيه التعليم الحديث أمرا منكرا، حتى إن بعض من قيادات الإدارة الأهلية بدارفور، إستهجنوا مطالبة جدنا مكي بإنشاء تلك المدارس.وكان ذلك في اجتماع شهير جمع الحاكم الإنجليزي، بزعماء الإدارة الأهلية بدارفور .
يتضح، من كل ذلك السرد المطول، أن الملم، حملت على عاتقها ومنذ وقت مبكر، مسئولية تنوير المجتمع بدارفور. فاجتمع عندها طلاب العلم ،من مختلف قرى ومدن الإقليم، لينهلوا من ما بها من علم.
ولا شك، أن الملم، رفدت المجتمع بدارفور، بقيادات كان لها الدور الأبرز في تشكيل جزء كبير من تاريخها الناصع. على رأس أولئك، زعيم الإدارة الأهلية بالملم، وأحد القيادات النادرة بدارفور ، العمدة إبراهيم آدم مكي، الذي عرفته دارفور، كريما حليما ،وفارسا شجاعا، لايخشى في الحق لومة لائم .خبرته كل ميادين الخير والصلاح ،والسعي بين الناس بالحسنى .لقد كان زعيما تجسدت فيه صفات القيادة بكل معانيها، فاجتمع حوله كل زعماء الإدارة الأهلية بدارفور، بمختلف قبائلهم، إن جاز لنا القول ،بمعطيات الراهن المرير، عرب وزرقة.
لقد كان الرجل، يملك حلولا سحرية، لكل المشاكل مهما تعقدت ،ومهما كبر حجمها .وكان مستشارا يُلتجأ إيه في اللحظات التي يُظنُ فيها أن لا حل. وإن بفقده فقدت دارفور شخصية لا تعوض إطلاقا فلك الرحمة سيدي ووالدي العمدة إبراهيم أبو حواء.
الملم عبقرية المكان والزمان:
الملم، ومن اسمها ،يتضح لنا، أنها تدل على مكان لمّ الناس ووحدهم، فصاروا وحدة واحدة ،سعوا متكاتفين، من أجل واقع عنوانه التعايش السلمي .ويجدر بنا القول في هذا السياق، إن منطقة الملم، تمثل نقطة إلتقاء بين ولايتي جنوب دارفور وشمالها، برغم أنها تتبع إداريا لجنوبها.
الأمر الذي أهلها، للعب دور الوسيط المشترك ،بين كافة المناطق المجاورة، فكان سوق السبت، الذي يعقد إسبوعيا بالمنطقة، يشكل تجمعا غير مسبوق بولايات دارفور .فلم يكن يقتصر فقط على ممارسة التجارة، بل تعداه إلى المناسبات الإجتماعية المختلفة.وكم من جاء السوق بغرض التجارة، فاستهوته المنطقة وصار جزءا من أهلها.
فكان الراعي بإبله وبقره وغنمه، يلتقي المزارع بحبوبه ومحاصيله المختلفة، في تلاق نادر، جسد معنى التعايش الحقيقي، بين الإنسان وأخيه الإنسان.
سوق الملم، تأتيه البضائع والمحاصيل من أماكن عدة مجاورة منها، مرشنج، شنقل طوباية،كدنير،القردود،تابت،دمة،جبل مرة،منواشي،طويلة،وكل هذه المنطقة تربطها علاقة مصاهرة ودم بأهل بالملم ، وكانت في السابق تقع ضمن الخارطة الإدارية للمنطقة ، هذا فضلا عن المناطق المجاورة الأخرى التي تقع ضمن دائرة ريفي الملم حسب التقسيم الحديث.
دور العمدة آدم مكي في الحفاظ على وحدة أهل الملم:
معلوم أن لقبيلتي الفور والبني منصور، الدور الأهم والأعظم، في تأسيس المنطقة، وبفعل التصاهر، الذي حدث بين القبيلتين، لم تعد هناك حدود فاصلة بينهما.وصارت القبيلة هي الملم .وبات من الصعب جدا التفريق بين من هو فوراوي ،و من هو منصوري ،شكلا ومضمونا،وهذه طبعا سياسة ذكية، أطر لها أجدادنا الأوائل .
وما يؤسف له حقا، أن جاء الآن، من يذكر الناس بانتماءاتهم، في سعي بائس، أثمر مكائد وأحقاد، أرجعت المنطقة سنين إلى الوراء .
إن جدنا (المنصوري)، مكي الكبير، عندما تزوج من أم السلطان علي دينار، في بداية قدومه إلى المنطقة، كان يهدف بذلك، إلى تأسيس مجتمع، تتكامل فيه أدوار الناس، بغض النظر عن إنتماءاتهم القبلية . وكانت تلك مرحلة فاصلة ،في التحول نحو واقع، أرسى دعائم الوحدة والسلام بالمنطقة.
إذن فلقبيلة الفور، الدور الأكبر في تأسيس المنطقة ، وذلك باحتوائهم لمن جاءهم ينشد العيش بسلام، وهذا طبعا لاينفي وجود قبائل أخرى، غير هاتين القبيلتين بالمنطقة، لها تأثير جيد، ومساهمات مقدرة في المنطقة. فتوجد قبائل، الفلاتة،الداجو،البرقد،الزغاوة،البني هلبة،الصعدة،الترجم،المسيرية،الهوسا،وغيرها من القبائل التي ذابت في إطار قبيلة الملم الكبرى التي تمثلها قبيلة(المنصفور).
يجدر بنا عندئذ التأكيد على الدور الرائد لقبيلة الفور واسهاماتها الباذخة في التأسيس لحضارة أهل الملم.
العمدة آدم مكي المتوفى في أواخر ستينيات القرن الماضي ،والحاصل على براءة الشرف من الطبقة الأولى من الإدارة البريطانية في العام 1944 ،كأحد القلائل الذين حصلوا على ذلك ،ورث من والده مكي الكبير حسن التدبير وروية في التفكير مزجها بعبقرية خواله الفور، فكان نتاج ذلك أن شهدت المنطقة نموا وتعايشا على نحو غير مسبوق.
ثم جاء العمدة إبراهيم آدم مكي ليكمل ما بدأه أسلافه ويسير على ذات النهج الذي اختطهوه ورسموه له . فصارت ملم العمدة أبو حواء كحبشة النجاشي لا يظلم فيها أحد . ولا فضل لأحدهم على آخر إلا بما يقدمه للمنطقة من أفضال وأعمال تسهم في نهضتها .
وهذا سر نجاح آل مكي في الحفاظ على مكامن الاستقرار والتفوق والريادة بالمنطقة , فطوبى لنا بعز كهذا نباهي به الآخرين .وهنيئا لنا أن كنا مهد السلاطين من لدن دينار وتيراب.
النشاط التجاري، والزراعي، والرعوي، بالملم:
كانت تلك هي التركيبة الديمغرافية لأهل الملم , والتي كما قلت تمحورت في (البني منصفور) .ثم إن أهل الملم اتخذوا من الزراعة والرعي , والتجارة على نحو أقل , حرفا رئيسية كرسوا جهدهم لأجلها ، خاصة الزراعة، لما تتميز بها المنطقة من أراض زراعية خصبة تمتد لمساحات شاسعة ،فأراض مثل أم دايوقا ،أم شليل، وادي ألبي، دبنقا، دبنا ، جبل طاورو(شاواية)، قوز حمدالله، سربة ، كنر ، كلها أراض تغدق على أهلها بالكثير من النعم، تكفيهم لمواسم أخرى قادمة . ثم إن التجارة التي يمتهنها جزء من أبناء المنطقة ، تلعب دورا في تحريك عجلة النشاط الاقتصادي بها. ونذكر على سبيل المثال لا الحصر ، شيخ التجار بدارفور ، عمر قنطار ، رحمه الله ، حسب الرسول إبراهيم قرض، نور الدين ، الطيب ميرغني ، آدم الدوم ، ولا ننسى دهبة ، وغيرهم من التجار الذين يشتغلون في أنواع أخرى من التجارة كسلعة التمباك(ود عماري ) ، التي تشتهر بها المنطقة.
وهنا لابد أن نذكر الدقيل آدم عربي ، وصباح الزين ، ومختار محمد عيسى وبقيجي و الراحل محمد خلف الله ، والراحل النور شندق ، والراحل يوسف جرمك، وغيرهم . كما لايفوتني الإشارة إلى رجل الأعمال الشهير كمال جبارة الخضر جبارة ، الذي تربطه علاقة صداقة متينة مع آل مكي . فكان يأتي إلى الملم بين الحين والآخر، بصحبة الأمير الراحل، عبدالله دبكة طيب الله ثراه، ليتبضع من سلعة التمباك، وهو بذلك يكون قد لعب دورا مهما في إثراء النشاط الإقتصادي بالمنطقة، مساهما في ربطها تجاريا بالفاشر وأم درمان . ولابد من الإشارة هنا إلى أن سوق الملم يعد مصدرا رئيسيا يمد أسواق مدن الفاشر ونيالا، بالمحاصيل الزراعية المختلفة والماشية. إذ إنها تعتبر أكبر سوق للماشية بدارفور، تصدر منه الأبقار والأغنام ، إلى الأسواق بالعاصمة الخرطوم.
الملم تحمل شعلة الاستنارة والثقافة:
عرفت الملم ، ومنذ عهدها الأول ، بنشاطها التعليمي، والثقافي ، الدافق ، وكنت قد أشرت إلى أنها أنشئت بها أول مدرستين للبنين والبنات، الأمر الذي أسهم وبصورة كبيرة ، في جعلها قبلة لطلاب العلم . واستطاعت بذلك أن تخرج قيادات بارزة في تاريخ دارفور، نذكر منهم ، الوزير الراحل كرم الدين عبد المولى صالح ، الذي تقلد مناصب رفيعة في دولاب الدولة ، وكذا القيادي البارز في حزب الأمة ، الدكتور فاروق أحمد آدم ، وغيرهم .
كما أن الملم تخرج العشرات من أبنائها من مختلف الجامعات السودانية والأجنبية وفي مختلف التخصصات الأكاديمية ومنهم من وصل إلى درجة الدكتوراة، كالدكتور أحمد أبو القاسم ، أول الحاصلين على درجة الدكتوراة بالملم والمناطق المجاورة، والدكتور عبدالغني آدم رجال والدكتور خالد أحمد الربيع، فضلا عن العشرات الذين يحملون درجة الماجستير.
ولابد من القول أيضا إن الدكتور التجاني السيسي رئيس السلطة الإقليمية لدارفور الحالي، على علاقة جيدة بأهل الملم وكذا الزعيم أحمد إبراهيم دريج ، والدكتور على الحاج محمد ، والذين تربطهم جميعا علاقة الدم بأهل المنطقة ، هذا فضلا عن علاقة الملم بزعماء الإدارة الأهلية في مختلف ولايات دارفور، كالناظر دبكة ناظر البني هلبة ، والناظر مادبو ناظر الرزيقات ،والناظر السنوسي ناظر التعايشة، والناظر الغالي تاج الدين ناظر الهبانية ، والناظر السماني ناظر الفلاتة، والناظر دوسة ناظر الزغاوة ، والدمنقاوي سيسي الكبير والشرتاي سليمان حسب الله ، بلديق، والسلطان رحمة الله سلطان الفاشر. إضافة إلى رجالات المقدومية، وعلى رأسهم المقدوم أحمد آدم رجال ، والعمدة الموسوعة التأريخية النادرة آدم عبدالنبي تيمة الذي يحفظ تاريخ دارفور عن ظهر قلب، والعمدة محمود سكيو ، والعمدة الراحل المرضي عمدة القردود ، والعمدة إسحق عمدة دوبو ، ومعلوم أن عمودية أهل الملم أصلا تشكل جزءا أصيلا من المقدومية (الفور).
كما أن الصادق المهدي زعيم حزب الأمة كان دائما مايتردد إلى الملم وبالذات قرية كيلا ، ليأخذ التاريخ من جدنا الراحل محمد عبدالرسول كبوسا الموسوعة التاريخية النادرة بدارفور ولا أظن أن هناك رجلا يعرف تاريخ دارفور كجدي كبوسا ، لقد كان مصدرا موثوقا للعديد من الباحثين في تاريخ الإقليم ، توفي في العام الفين وتسعة عن عمر تجاوز المئة عام ونيف، ولايزال وقتها يتلو القرآن بدون الحاجة إلى إستخدام النظارة.
الأنشطة الثقافية والسياسية والإجتماعية بالملم تتنوع بتنوع مصادرها ، فلقد عرفت ومنذ القدم بأنشطة متعددة ، كالعروض المسرحية والليالي الثقافية والأنشطة الرياضية . وكان بها فرق مسرحية رياضية كفريق الطليعة والجديان والرعد والهلال والتحدي ، تكاملت كل تلك الأنشطة لتخلق واقعا أشبه بالمثالي . إضافة إلى الفرق الشعبية المكونة من الحكامات والفرسان الذين يعرضون مهاراتهم في كل مناسبة عامة . فسباق الخيل (قلب الخيل) مثلا كان يمثل مناسبة سنوية ، يحضرها الفرسان من أصقاع دارفور المختلفة ، فأولاد أبو صفيطة مثلا يحضرون من الفاشر ، وآخرون يحضرون من نيالا ، وعد الفرسان ، والضعين وغيرها من المدن المشهورة بالإهتمام بهذا النشاط.ومايجدر ذكره أيضا أن أحصنة الملم دائما تتفوق على كل الأحصنة الوافدة. فمن منا لا يذكر النهضة ، والتي شاركت في سباقات إقليمية وقومية وأحرزت كؤوسا لاتزال إلى اليوم تحدث عن نفسها ، وكذا الكونغرس لصاحبه محمد آدم (ود تنجو)، ولبن البقر لصاحبها حسون، والبراق ، والساجي الذي أهداه أولاد أبو صفيطة للعمدة إبراهيم . فالملم معروفة بفرسانها، الذين عرفوا بالبسالة والإقدام. بقيادة عقيد الفرسان أبجاقردي ، وأبجرك، رحمه الله ، وعمرين خطرين ، رحمه الله ، وآدِماي دريش ، وإبراهيم موسى حسن مكي ، رحمه الله، ومحمد خدام ، وعمر الفاروق ، وبشير (أبصاجة) رحمه الله، وغيرهم من فرسان الملم الذين خلدوا لنا إرثا ينبغي أن نعتز به ونحافظ عليه.كما أن الملم بها عسكريين وصلوا رتبا عالية في الجيش والشرطة السودانيين، منهم الراحل العقيد علي آدم عبد الرحمن وحضرة الصول الراحل عيسى حسن مكي، والأمباشي الراحل تاج الدين ، والأمباشي آدم الدوم ، أمبلة،وغيرهم.
مدينة الملم ، وبرغم أنها لم تشهد نهضة عمرانية ملحوظة في بواكير نشأتها ، إلا أنها عرفت التنظيم العمراني منذ وقت مبكر فهي مقسمة إلى حواري وأحياء،غاية في التناسق والنظافة ، فنذكر ، أحياء مثل الحوش ، والذي شكل وإلى وقت قريب مصدر إشعاع ثقافي وفكري خلاق ، فما من نشاط إلا وأهل الحوش كان لهم زمام المبادرة فيه ، ونذكر أنه تقطنه أسرتا مكي وعبدالرسول ، فهم بذلك(آل مكي وعبدالرسول) ، أهل دين وسلطان. ثم أحياء دبة دنكيس ، والحلة الغرب ، و حي المجلس أو حلة صباح الزين ، والعشش ، وتندلتي ، وحلة فلاتة (أم لعوتة) أو حلة مخورية ، وحلة فكي ميرغني ، ومقبولة.
هذه هي الأحياء الداخلية للملم أما القرى التابعة لها والتي تشكل مصدر قوتها ، فهي قرى كيلا ، القرية الأم التي انبثقت منها الملم ، وأم داشو ، وحرحسا ، وقلب ، وكولمي ، وتربة، وكفار لاقو ، ودبنقا ، وإلأ، وشاواية السلطان دينار، وغيرها من القرى الأخرى.
ثم إن الملم وكما ذكرت شهدت نهضة تعليمية كبيرة أسهم فيها رجال أفذاذ ، نذكر منهم ، الراحل وشيخ الأساتذة بدارفور عبدالرحمن آدم مكي ،والراحل مولانا فضل ، الذي إغتالته عصابة الجنجويد وهو يدافع عن أهله ، والأستاذ إسماعيل ذبذاب ، والأستاذ اسماعيل مضوي ، والأستاذ عبدالله زكريا، والأستاذ عبدالله ياسين، والأستاذ يوسف أحمد ، والأستاذ ضو البيت مصطفى ، والأستاذ عبدالله علي ، والأستاذ آدم عاشورة ، والأستاذ شمس الدين ضوالبيت، والأستاذ مبارك عبدالرحمن مصطفى، رحمه الله ،والأستاذ محمود عبدالله(زيرو) ، والأستاذ عبد العزيز مدني ، والأستاذ آدم صالح ، والأستاذ حسب الكريم ، رحمه الله، والأستاذ صالح آدم (أبكتيف)، والأستاذ حامد مصري ، والأستاذ مبارك فرح ، والأستاذ عبدالرحيم فرح ، والأستاذ مدثر علي إبراهيم ، والأستاذ صلاح الدين أحمد الربيع ، الإذاعي الشهير ، والأستاذ إبراهيم بريمة ،والأستاذ محمد الساير، والأستاذة حواء صالح ، والأستاذة عائشة إسحق ، والأستاذة فاطنة يحي ، والأستاذة سكينة آدم الحاج ، والأستاذة مريم ، والأستاذة عواطف عبدالرحمن آدم مكي،والأستاذة نعمات سمكيو، والأستاذة إبتسام صباح الزين ، والأستاذة وداد إبراهيم آدم مكي ، والأستاذة مشاعر إبراهيم آدم مكي , والأستاذة نعمات عبدالله زكريا ، وغيرهم .
يتضح مما سبق حجم التنسيق والتعاون والتنظيم الذي كان سائدا بالملم وحتي لوقت قريب ، فنذكر أن السلطة بأقسامها التشريعية والتنفيذية والقضائية كانت ولا تزال تتمحور حول آل مكي ، بينما الدور الديني فيقوم به آل عبدالجبار وعلى رأسهم مولانا عبدالجبار صاحب الخطبة الشهيرة التي لاتتغير بتغير الزمان ولا المناسبات حتى حفظها الصغير قبل الكبير، والسيد محمد خدام المؤذن الشهير صاحب الصوت البلالي الفخيم .
الأمر الذي لابد من الوقوف عنده في نهاية هذا السرد الموجز ،عن تأريخ المنطقة، هو دور الملم في المشهد العالمي ، وعندئذ يتعين علينا تعريف الناس بابن المنطقة الأستاذ الإعلامي الباذخ لقمان أحمد ، الذي عرفته ميادين الصحافة العالمية والعربية ، فكان ولا يزال رمزا مشرفا لأهل المنطقة ، حُق لهم أن يتفتخروا به. لقد تنقل الأستاذ لقمان في العديد من المؤسسات الإعلامية العربية، بدءً بقناة سي أن بي سي، ثم قناة العربية ، والآن يعمل مديرا لمكتب قناة بي بي سي العربية بالعاصمة الأميريكية واشنطن. لم تتوقف إشراقات أبناء الملم في لقمان وحده ، بل هناك مكي إبراهيم آدم مكي الذي يشغل منصب مدير برنامج السودان في معهد السلام المستدام الأميريكي ، وهما أي لقمان ومكي من عائلة مكي وهنا طبعا يبرز الدور الكبير الذي لعبته هذه العائلة العريقة في النهوض باسم المنطقة .
أيضا لابد من الإشارة إلى رجل له إسهاماته الواضحة في الملم، إنه رجل البر والإحسان الشيخ الطيب محمد عبدالرسول الذي يعرفه جميع أهل المنطقة بأعماله الخيرية فالرجل كالريح جودا وكرما على كل من يستحق ذلك .
إذاً كانت تلك قبسات من تأريخ منطقة لم تنل ماتستحقه من صيت وشهرة ، حاولنا أن نتلمس بعضا من جوانبه(التاريخ) علنا نسهم في تعريف الناس بماهية الملم .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.