مع العرب و المسلمين يمر علينا شهر اذار كل عام ليذكرنا بالمأسي و الكوارث التي حلت بالشعب الكوردي جراء السياسات الشوفينية البغيضة التي مورست بحقه على يد النازية المتمثلة بحزب البعث العربي الاشتراكي بشقيه العراقي و السوري و بدعم و مساندة بل و مباركة المتأسلمين من متزلفي الدكتاتورية المجرمة و فقهاء الحيض و النفاس. ان ما ارتكب و لا يزال يرتكب بحق الاقليات الاثنية و الطائفية و الدينية من الفظائع و الممارسات التي تتنافى مع ابسط حق من حقوق الانسان يعيد الى الواجهة مجدداً مشكلة و مأساة الاقليات العرقية و الدينية و الاثنية التي تعيش بين ظهراني العالمين العربي و الاسلامي. لقد أهمل موضوع الأقليات في العالم العربي زمناً طويلاً، وما زال مهملاً إلى الآن، الأمر الذي يترك آثاراً سلبية جمة على الحياة السياسية والاجتماعية لشعوب هذه الأقليات. وكأن "الاهمال" العربي المعهود للإشكاليات القائمة، هو الدواء الناجع لتناسي موضوع الأقليات الخطير، وخاصة في مصر (الأقباط، النوبيون، البربر، الغجر)، وسوريا (الأكراد، العلويون، الدروز، الاسماعيليون، المسيحيون غير العرب، ، الترك، الشركس)، ولبنان (الشيعة، الدروز، المسيحيون، المسيحيون غير العرب، الأكراد، الترك، العلويون)، والخليج (الشيعة، الأسيويون)، والمغرب العربي عموماً (البربر، الشيعة، الطوارق). بل لقد بلغ الأمر بمعاقبة كل من يثير موضوع الأقليات في العالم العربي، ويدعو إلى اعطائهم حقوقهم السياسية والاجتماعية كما حصل مع الناشط المصري سعد الدين ابراهيم صاحب كتاب (الملل والنحل والأعراق – هموم الأقليات في الوطن العربي، مركز ابن خلدون، 1994) الذي سُجن عدة سنوات، لتبنيه قضايا الأقباط في مصر والأقليات الأخرى في العالم العربي. إن الظلم و التعسف الواقع على الاقليات يعود لاسباب عدة من اهمها ظلم انظمة الحكم في الدول التي تأسست على أسس قومية متعصبة ، وفي تعسف المؤسسات الدينية حيث أن الإسلام على المستوى السياسي لا يعرف شيئاً إسمه أقلية أو أكثرية ، فقط أنت مسلم أو غير مسلم ، و ليس هناك وسط بينهما و لا درجات. تاريخنا السياسي الإسلامي لا يعرف حكومة و معارضة ، فقط يعرف إجماعاً مطلقاً مع إرادة الحاكم ، و ما عداه لايسمي معارضة و لا أقلية ، إنما (ردة) يكفر بها صاحبها و يستحق القتل ذبحاً .الإسلام كحكم لا يعرف منافسة سياسية على السلطة بين الأكثرية و الأقلية ، لأن الحديث المنسوب للنبي (ص) يقول : " من خرج يدعو لنفسه أو لغيره و على الناس إمام فعليه لعنة الله فاقتلوه " ، و " إذا بويع لخليفين فاقتلوا أحدهما " و السبب الاخر يكمن في طباع عصبية البداوة لدى العرب، التي تكلم عنها ابن خلدون في مقدمته، والمتأصلة في العرق العربي. . الحل البدوي هو القتل فهو لا يترك المهزوم معارضاً ، الصراع صفري دوماً : إما أنا أو أنت ! و لا وسط ! واذا كان الإسلام كدين قد ساوى بين البشر، ولم يميز فئة عن أخرى أو طائفة عن أخرى إلا بالتقوى ، فإن معظم المسلمين لم يفعلوا ذلك على مر التاريخ الإسلامي، وكانوا في موقفهم تجاه الأقليات المختلفة يتمسكون بقيم العصبية والقبلية، وبقيم الدين التي تم تزييفها وتحريفها واستخدامها استخداماً سياسياُ سيئاً. لقد فتك العرب المسلمون باليهود في المدينةالمنورة، فيما عُرف بنكبة اليهود بعد ان نقض يهود بني قريظة حلفهم مع المسلمين و انحازوا الى قريش و حلفائها في معركة الخندق الشهيرة و حكم عليهم بقطع رقبة كل ذكر منهم نبت له شارب او احتلم ليلاً في تراجيديا مروعة انتهت بمقتل كل ذكور القبيلة و سبي نساءهم و بيعهن في اسواق نجد مقابل اسلحة و استرقاق اطفالهن، و لنا ان نتصور عمق المأساة عندما يؤتى بعائلة كاملة و من ثم يقتل الاب و تؤخذ الام لتفصل عن ابنها لكي تباع لعربان نجد و من ثم يستعبد الطفل المكلوم، ألم يكن بالأمكان قتل روؤس الخيانة فقط ممن بيدهم الحل و العقد من بني قريظة و العفو عن الغلابة الاخرين و خاصة النساء و الاطفال او على الاقل ترك الام مع طفلها بدلاً من بيعها. و في الفصل الثاني من التراجيديا تم طرد كل اليهود و النصارى من جزيرة العرب تحت شعار (لا يجتمع في جزيرة العرب اكثر من دين)، هذا الشعار الذي لا يزال معمولاً به الى يومنا هذا في بعض الدول التي تتفاخر بأنها وحدها الحريصة على ثوابت الامة حيث يمنع غير المسلمين من كافة الملل و الاديان من ممارسة دياناتهم و بناء معابدهم و كنائسهم في دول الخليج العربية على الرغم من ان اكثر من خمسة عشر مليون من العمالة الاجنبية من مختلف الاديان و الاعراق يعيشون و يعملون فيها منذ عقود في الوقت الذي تسمح لا وبل تدعم الحكومات و الشعوب التي نسميها (الكافرة) القاطنين فيها من المسلمين في بناء المئات من المساجد و المراكز الدينية الاسلامية بكل حرية في كافة انحاء العالم غير الاسلامي. وفي العصر الحديث تعتبر مذبحة الكرد الشهيرة في حلبجة في 16/3/1988 ، بمثابة هولوكوست مرعب وفظيع في تاريخ العرب والكرد على السواء حيث لم يفتك العرب بغيرهم كما فتكوا بالكرد في 1988 وسط سكوت و تعتيم عربيين بأستثناء عدد قليل من الكتاب العرب الشرفاء. ولقد لعبت الإيديولوجية البعثية النازية دوراً مهماً في تصعيد هذا الفتك ووحشيته. و من المفارقات المقززة ان سيناريوا أبادة بني قريظة قد طبق بالكامل على الاكراد ايضاً حيث قتل كل الرجال البالغين و كل من نبت له شارب من الشباب اليافعين و بيعت العديد من نسائنا في دول الخليج و السودان و مصر دونما وازع من ضمير او اخلاق او دين. ثم جاءت قضية شعب دارفور المسلم و لكن غير العربي في تسعينات القرن الماضي. أن استبداد نظام الاخوان المسلمين في السودان بزعامة عمر البشير أجّج نعرات الخلافات بين المجموعات القاطنة بتلك المنطقة. إذ قام سنة 1994 بعملية واسعة لإعادة تقسيم المنطقة إداريا، منح عن طريقها أبناء الطوائف العربية مناصب قيادية هامة لتسيير هذا الجزء من السودان. اندلعت الحرب الأخيرة منذ شهر أبريل 2003، بين قوات تحرير السودان و ميليشيات الجنجويد المدعومة مباشرة من الحكومة المركزية السودانية و ذلك على خلفية إعلان شعب دارفور رفضهم عملية التعريب القسْري للمنطقة ومطالبتهم بعلمانية الدولة السودانية التي أعلنت وبشكل همجي، حربا دائمة وشعواء تجاه سكان إقليم دارفور وذلك بغاية المعاقبة الجماعية للطائفة العرقية التي ينحدر منها المتمردون حيث قتل و لحد الان اكثر من 300000 شخص و هجر اكثر من مليونين و نصف المليون من ديارهم الى الدول المجاورة وسط صمت عربي و اسلامي مشين . وفي 19 يوليو/تموز 2004، أطلقت منظمة العفو الدولية تقريراً حول السودان بعنوان دارفور، الاغتصاب كسلاح في الحرب (رقم الوثيقة : AFR 54/076/2004). وكشف التقرير بأن الاغتصاب واسع النطاق وغالباً منهجي. وقد استُخدم الاغتصاب من جانب ميليشيا الجنجويد وبعض الجنود الحكوميين لإذلال النساء وبث الرعب في قلوبهن والسيطرة عليهن وإجبارهن على مغادرة ديارهن، وبالتالي تدمير البنية الاجتماعية لمجتمعاتهن.في حالات عديدة اغتصبت النساء علناً أمام أزواجهن أو أقربائهن أو الناس عموماً. ولم تُوفَّر النساء الحوامل وفي حالات أخرى، مورس التعذيب ضد النساء للحصول على معلومات حول مكان وجود أزواجهن أو أقربائهن الذكور. وخُطفت فتيات لا تتجاوز أعمارهن ثماني سنوات واحتُجزن في العبودية الجنسية، بعضهن طوال شهور عديدة. وكانت منظمة أطباء بلا حدود قد أعلنت في يونيو/حزيران الماضي أن 500 سيدة تعرضن للاغتصاب خلال 4 أشهر. و ليس ببعيد علينا ما يحصل في البحرين هذه الايام كمثال حي و صارخ على المعايير المزدوجة في التعامل مع انتفاضات شعوب الشرق الاوسط من قبل الانظمة الظالمة المتسلطة على رقاب شعوبها حيث هب العرب السنة الى نصرة نظام الاقلية السنية البحريني ضد الاكثرية الشيعية المضطهدة و المحرومة بدعوى الطائفية و الاجندات الخارجية و ارسلوا ما يسمى بدرع الجزيرة لأرتكاب مجازر قد تذكرنا بمجازر كربلاء. يا ترى لماذا لم يتمكن الدين الاسلامي الحنيف و الذي جاء اصلاً لاحقاق الحق و نصرة المظلوم طيلة الف و اربعمائة عام من انقاذ العرب من مبدأ البداوة المعروف (انصر اخاك ظالماً او مظلوماً)؟. ماذا يمكن ان يقوله بعض العرب و بعض المسلمين لما يطلقون عليهم بالأخوة من الاقليات المضطهدة؟ أقل ما يقال، أننا كنا و لا زلنا مجرمين في حقكم. ورغم هذه الجرائم الكبيرة الشنعاء إلا أننا لم نسمع من مسؤول عربي، أو مسلم كلمة اعتذار واحدة بحق احد من هذه الشعوب بل راحوا يبررون اجرامهم بشتى الحجج و الذرائع و يلقون باللوم و كعادتهم على الغرب و الاستعمار. لقد سكتوا طويلاً عن الحق، و ما زال اكثرهم للحق كارهون. لقد اعتذر الألمان لليهود و لبقية الشعوب عما فعله هتلر النازي بهم، إلى يوم يبعثون. فهل يمتلك العرب والمسلمون قطرة من المروءة الألمانية، والأخلاق الجرمانية، ذات القيم الانسانية الرفيعة؟ المصادر: 1. صفي الدين المباركفوري: الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية) 2. العفيف الاخضر: مسألة الأقليات في أرض الإسلام. ايلاف: 21 /3/2007 3. د شاكر النابلسي: في ذكرى الهولوكوست البعثي. ايلاف: الاحد 25 مارس 2007 4. د. شاكر النابلسي: الهولوكست الكردي و ازمة الضمير: الحوار المتمدن - العدد: 2252 - 2008 / 4 / 15 5. د. شاكر النابلسي: ألاقليات فوق صفيح ساخن. ايلاف- الخميس 7 ديسمبر 2006 6. سفيان الشورابي: في حقيقة أزمة دارفور: الجنجويد قادمون "للحصول على نصيبهم من الزكاة. موقع الاوان بقلم: اعداد: عبدالله ريكاني - (صوت العراق)