[email protected] (1) قبل أيام كتب أيقونة المعارضة المدنية، صاحب لقب (خصم الحكومة الدائم)، الاستاذ نبيل أديب عبد الله المحامي مقالاً متميزا بعنوان (من ليس معنا ليس بالضرورة ضدنا). والمقصود بلفظة (معنا) هنا المعارضة التي ينتمي اليها الرجل. وقد تناول المحامي الكبير في مقاله بالتعليق الهجمة الضارية التي باتت تواجهها الدكتورة ميادة سوار الدهب رئيسة الحزب الليبرالي الديمقراطي إثر توقيعها مؤخرا على الوثيقة الوطنية، الأمر الذي يعني ضمنا التحاقها بمسيرة حوار الوثبة الذي ترعاه الحكومة. وكانت الهجمة على الدكتورة ميادة قد جاءت مصحوبة بالشتم المألوف المعتاد، باعتبار ان ممارسة السياسة عندنا تتمثل إما في الاشادة بالشخصيات ورفعها الى عنان السماء، او شتمها وسحلها في التراب والطين، وفقاً لموقف أو مسار الشخصية وقت الاشادة او الشتم! ومن مفارقات الحياة انني سمعت الدكتورة ميادة نفسها ذات مرة، تشتم سنسفيل حزب المؤتمر الوطني وأهله شتيمة الأراذل، ورأيت المعارضين يشيدون بها ويحيون موقفها ذاك. وها قد مدّ الله في عمري فرأيتها تجالس أهل الوثبة (المشتومين سابقا) وتوقع معهم المواثيق. ثم رأيت جمهرة المعارضين من رفقائها القدامى (المعجبين سابقا) وقد استداروا فكالوا لها الشتم كيلا تحت طائلة الرخاوة والخذلان. وفي حكمة السوادنة (السترة والفضيحة متباريات). ولكن السؤال يبقى: من الذي يحدد هذه فيميزها من تلك؟ اي بمعنى آخر: في اي موقف تتم السترة وفي أيّها تكون الفضيحة؟! (2) كتب الاستاذ نبيل أديب عبد الله: (ان ماتواجهه الدكتورة ميادة سوار الدهب من هجوم من بعض زوايا المعارضة يحمل كثيراً من خلط الأوراق). واستفاض المحامي المعارض فقطع بأن وثيقة الحوار وإن كانت قد جاءت غير مكتملة إلا أنها تحتوي على نقاط ايجابية كثيرة. وأضاف أنه ليس هناك ما يعيب او يمنع اي حزب سياسي من الموافقة على مخرجات حوار الوثبة والتوقيع عليها من باب "ما لا يدرك كله لا يترك جله"، وذلك مع التمسك بضرورة توفير معطيات التبادل السلمي للسلطة. ثم زاد الاستاذ نبيل أديب فكتب: (حتى هذه اللحظة فإن مافعلته ميادة لا يخرجها عن معسكر الراغبين في التغيير)! ولا بد ان نبيل أديب قد أدهش بحديثه الكثيرين، إذ ان ما قاله يندرج تحت صنف الهرطقات التي يجوز ان يكتبها ضباط (سلاح الكتابة)، وفقاً لمصطلح المثقف المعارض الدكتور عشاري احمد محمود، يعني بهم أزلام النظام من الكتاب الصحافيين (أضاف الدكتور عشاري مؤخرا الى الأزلام حبيبنا الدكتور خالد التجاني بعد ان أوسعه شتما. إذ اكتشف مؤخرا انه غواصة مدسوس على المعارضة. يادي النيلة)! أما أن يقول بمثل ذلك معارض محنك، قوي العارضة، مثل نبيل اديب عبد الله فهو أمر محيّر حقا. اللهم الا اذا كانت العصبة المنقذة قد افلحت في تدجين المحامي العملاق فجندته في سلاح الكتابة برتبة فريق اول ركن! (3) كما هو متوقع فقد امتنعت الصحف الالكترونية المناهضة للحكومة عن نشر مقال المحامي، رغم الشارات التي يحملها على صدره كمناضل عتيد ومنافح عن الحريات ومقاتل من اجل الديمقراطية. وعلى رأس الممتنعين عن النشر صحيفة (الراكوبة) التي تمولها الحركة الشعبية شمال (حشش)، ورفيقتها (حريات) الورّاقية. هززت رأسي مبتسماً وأنا أتذكر الحبيب الاستاذ فائز الشيخ السليك، رئيس تحرير صحيفة (أجراس الحرية) الناطقة باسم الحركة الشعبية إبان صدورها في الخرطوم، الذي ركبه عفريت ذات يوم فتجرأ على كتابة مقال انتقد فيه موقف الحركة الشعبية من قضية ما، فحظرته تلك المواقع لفورها عن النشر، برغم تاريخه وجهاده الناصع في خدمة الحركة، جزاءاً وفاقا على تجاوزه للخطوط الحمراء وتجرّوئه على نقد بقرات الحركة الشعبية المقدسة! الشاهد ان هناك مجموعات كبيرة في قطاع المعارضة تكاد حلاقيمها تنشرخ من كثرة ترديد أناشيد الديمقراطية والتعبد في محاريبها، ولكنها في واقع الممارسة لا تحتمل رأيا مخالفا واحدا لمواقفها، فيضيق صدرها عن الفكر الحر وينغلق عقلها أمام الرؤى المستقلة، فإما ان تصطف تحت لافتاتها، يلهج لسانك بذكر الشعارات، وتهتف مع الهاتفين، وإلا فابحث لنفسك عن مكان آخر تحت الشمس، يأويك ويقبل بنشر أوراقك المعطونة بماء الانكسار والخيانة! (4) تحية تقدير للمحامي القامة نبيل أديب عبد الله. مثلك يُطمئن اهل السودان ان هناك معارضون وطنيون يصدعون بالرأي الحر برغم فداحة التكاليف. وتحية للسياسية الشابة ميادة سوار الدهب وهي تخوض غمرات السياسة، شاتمةً ومشتومة، رادمة ومردومة، مناضلة ومتخاذلة، صنديدةً وخائنة، أيا كان موقعك - أعزك الله - من (دافوري) الصراع السياسي السوداني!