من الزوايا التي يمكن النظر منها لقرار إعادة الفريق صلاح عبد الله قوش لموقعه في إدارة جهاز الأمن والمخابرات، هي ملف العلاقات الخارجية، والأمريكية على وجه الخصوص. فمن المعروف أن قوش هو مهندس علاقة النظام مع ال CIA والتي بدأت منذ العام 2005 م، حيث تطورت حتى سلَّم السودان عدد من الإسلاميين المتشددين لامريكا تحت غطاء مكافحة الإرهاب. وضعت هذه العلاقة أرضية صلبة للتعامل مع الادارة الأمريكية امتدت حتى بعد مغادرة قوش لمنصبه، لتفتح آفاقا تقود لرفع العقوبات الإقتصادية التي كانت تفرضها الإدارة الأمريكية على السودان في اكتوبر من العام الماضي. علَّق حينها قوش، في حوارٍ صحفي، بأن لجهاز الأمن، أياً كان على رأسه، دورٌ فاعل ومؤثر فيها. لم يكن البشير راضياً عن الشرط غير المعلن في رفع العقوبات، والداعي لتنحيه عن الحكم، وذلك بعدم الترشح في انتخابات الرئاسة السودانية المزمع عقدها في 2020 م، وقد بلغ عدم الرضى مداه بعد زيارة مساعد وزير الخارجية الأمريكي جون ساليفان للخرطوم في السابع عشر من نوفمبر العام الماضي، إذ لم يكن في جدول زيارته مقابلة البشير، عندها أحس بجدية الشرط الأمريكي، بعد ستة أيامٍ كانت زيارة البشير الشهيرة لروسيا، و التي أعلن فيها موقفاً جديداً معادياً لامريكا وما تشكله من تهديد لوحدة واستقرار السودان. ومنذ ذلك الحين بدأت محاولات البشير في البحث عن طريقة للإلتفاف على الشرط الامريكي، مما ألقى بظلالٍ على علاقة الرئيس ووزير خارجيته د. ابراهيم غندور، انعكست على التدخل في ملفات عمله واستبعاده من أكثرها حساسية، ما دفع به للتلويح، وفي رواية، لتقديم استقالته من منصبه. سيكون ملف العلاقات الأمريكية من أهم الملفات التي تنتظر صلاح قوش، فمن جانبه، يعتبر أن رفع العقوبات الإقتصادية فرصة ذهبية يجب استثمارها، وله رؤى في كيفية إدارة هذا الملف حتى عندما كان خارج السلطة، مدخله في ذلك هواجس أمريكا على أمنها القومي عبر مكافحة الإرهاب. يرى قوش، في إفادةٍ من حوارٍ صحفي سابق له مع صحيفة الإنتباهة، بوجوب الإصطفاف خلف امريكا لمواجهة الإرهاب، عدوها المطلق كما اسماه، وضرورة تبني نموذج لتدينٍ سوداني يقوم على التصوف والإسلام الإجتماعي. وحتى في نظرته لتحالفات السودان الخارجية، لا ينفك قوش من الدوران في الفلك الأمريكي، فايران بالنسبة له هي العدو، والعلاقة مع اسرائيل يجب أن تُدار بما يحفظ التوازي لا التقاطع. لم يثق البشير في السياسيين من حزبه يوماً، ودائماً ما يجد نفسه أكثر ميلاً للعسكريين وذوي الخلفيات الأمنية، يظهر ذلك في طريقة حكمه خلال الثماني والعشرين عاماً الماضية، فكل الملفات الحساسة يتم حسمها عسكرياً وأمنياً، حتى اتفاقات السلام التي وقعتها الحكومة مع الفرقاء السياسيين، دائماً ما يتم تنفيذها أو عرقلتها بتدخل الأيادي الأمنية. لذلك، وفي ظل التشديد الأمريكي على تنحي البشير، ووجود الأزمة الإقتصادية الطاحنة التي تعتبر مؤشراً قوياً على انهيار الإقتصاد، إضافةً لاختلاط الأوراق في التحالفات الإقليمية والدولية، وما بدأ يظهر من رفضٍ لإعادة ترشيح البشير في الإنتخابات القادمة من قيادات داخل حزبه، استشعر البشير بأهمية وجود شخصية أمنية قوية كصلاح قوش، برغم خلافاته القديمة، ومطامحه في أكبر مما يراد له من دور. ربما كان قرار البشير بإعادة قوش على رأس جهاز الأمن والمخابرات كخيار المضطر، وقد ينجز قوش بعض المطلوب منه فيما يتصل بالعلاقات الأمريكية، لكن عودته تؤكد ضعف الرئيس، وتضعضع ثقته في رفاقه، بالدرجة التي دفعته للإستعانة بأحد أقوى غرمائه طلباً للنجاة، إن وُجِدتْ.