(1 ) من أول وهلة قرر الإنجليز أن ملكية ومنفعة الأرض في مشروع الجزيرة يجب أن تكون للذين يقطنون الجزيرة، لذلك رفضوا دخول الشركات الأجنبية ورفضوا منح الرأسمالية الوطنية ممثلة في السيد علي والسيد عبد الرحمن والبربري رغم تجربة هذا الأخير في مشروع الزايداب أي حواشات في الجزيرة، وثبتوا ملكية الأرض للدولة وللملاك، والذين لا يملكون منحوا حواشات من أرض الحكومة والفائض من الملاك الذي استأجرته الحكومة منهم فأصبحت كل الأراضي خاضعة لاستعمال الحكومة أي تم تأميم استعمال الأرض , ولعمري إنها تسوية راعت مصلحة الأهالي، إذ كان في مقدور الحكام وبجرة قلم جعل كل الارض مملوكة للدولة او حتى الشركة المستثمرة (السنديكيت) وعدم تمليك ولا شبر واحد للمزارعين وتحويلهم الي عمال مستأجرين لدى الشركة كما كانوا يفعلون في كل العالم أو كما حدث في مشروع سكر كنانة بعد نصف قرن من نشأة مشروع الجزيرة ويحدث اليوم مع المستثمرين الجدد الذي منحوا الأرض لمدة قرن من الزمان (فاتفرج وأذكر الانجليز بالخير يا زول الجزيرة ). (2 ) بعد التأميم بذهاب الشركة الإنجليزية 1950 ظلت علاقات الأرض كما هي وظل أصحاب الملك يتلقون قيمة الإيجارات بانتظام – على قلتها- الي منتصف الستينات ثم بعد ذلك توقفت وزهد فيها أصحاب الحق لأنها أصبحت فتاتا ولكن المفارقة أن بيع كروت الملكية (شهادة بحث) ظل ساريا ولكن برماد القروش بينما بيع الحواشات ظل في ازدياد وبأسعار مرتفعة حتى اليوم ولكن من ناحية رسمية لم يسم بيعا إنما تنازلا على أساس أن المزارع الذي يبيع لا يملك الأرض حتى وإن كان من الملاك أصحاب الكروت إنما باع حق الانتفاع منها. المهم في الأمر ظلت علاقات ملكية الأرض هادئة لم يتأثر بها الناس الي يوم الناس هذا وظل المزراعون يمارسون حقوق الانتفاع في حواشاتهم بصورة هادئة ومستمرة ويبيعون ويشترون فيها كما يحلو لهم الي أن ظهرت توصيات البنك الدولي ثم قانون 2005 الذي تصادف مع تعويضات سد مروي فألتهبت الأمور في سماء الجزيرة وليس أرضها . قانون 2005 أقر ملكية المزارعين لحواشاتهم ومنحهم شهادات بحث بذلك، بعضهم ملكية عين اذا كان صاحب ملك والبعض ملكية منفعة اذا لم يكن من الملاك، وبدأ في تنفيذ ذلك بقرض من بنك التنمية الإسلامي بجدة يسدده المزارعون في تسعين سنة، بضمان من بنك السودان، يدفع للملاك واستلم بعض الملاك تعويضاتهم وكتبوا تنازل رسمي للقضائية السودانية ولكن التطبيق سادته أخطاء إجرائية بالإضافة لتسييس الموضوع لا بل وشخصنته بيد أن الأهم تدخل شخصية سياسية نافذة يومها (فطرشق) كل شئ فجاء تعديل 2014 ليرجع الأمور لمربع الصفر لأنه أخرج المزارع الذي يباشرالعمل في الأرض الآن وجعل الأرض ملكا للدولة والملاك فقط، وأعطى الملاك الحق في عدم البيع على أن يستلموا إيجارات من المزارعين الذين ظلوا لقرابة القرن من الزمان يمارسون حق الانتفاع من الأرض وبعضهم اشتراها بحر ماله. كل الدلائل تشير إلي أن هذا التعديل لو طبق بنصوصه الحالية في عام 2019 كما هو مخطط له سوف يظهر إشكالات قانونية اسوأ بكثير من تلك التي واجهت قانون 2005 . (3 ) نعم منذ نشأة المشروع إلي يوم الناس هذا (93 سنة ) لم تحدث مشكلة تتعلق بملكية الأرض وظل المزارع يغدو ويروح على ومن حواشته وهو يغني (الخدير الأكلو الطير أنا ماني حي) ولكن مشكلة الملكية أطلت برأسها وسوف تطل بكل جسمها مع الشراكات المتوقعة ليس هذا فحسب بل هناك توجه عالمي لحسم ملكية الأرض إذ أنها أضحت معيقا للاستثمار في أفريقيا كما أقر بنك التنمية الافريقي في دراسة له عن مستقبل الزراعة في افريقيا، ولكننا نظن خيرا في حكمة أهل الجزيرة ان يتجاوزوا هذه العقبة بروح وفاقية فهناك إتفاق تام على أنه من حق الملاك أن يعوضوا عن كل شبر من أرضهم ثانيا هناك شبه إتفاق على أن تملك الدولة كل الأرض ملكية عين وتملكها للمزارع ملكية منفعة لتضمن سيطرتها الاستراتيجية على المشروع ويمارس المزارع شيئا من الحرية في نفس الوقت فإذا اتفقنا على ذلك ستكون نقاط الخلاف في قيمة التعويض ومن الذي سوف يدفعه الدولة أم المزارع وكيف؟ في تقديري أن هذه مسائل مقدور عليها إذا خلصت النوايا وبعدت السياسة والأجندات الشخصية.