يبقى الكفاح المسلح مهما طال وقته مرحلة مؤقتة وآلية ذات هدف ووقت معلوم تابعة للمنظمة السياسية المعنية، فحتى الحركات التى وصلت الى السلطة عن طريقه تحولت أجنحتها العسكرية الى جيوش نظامية، وإن احتفظت بطبيعتها الثورية.لا يعنى هذا الإستسلام والخنوع بل الوضوح حول مهام وطبيعة الكفاح المسلح، فالكفاح المسلح ليس آلهة لتعبد، بل وسيلة لتحقيق أهداف سياسية بعينها. إن الكفاح المسلح فى مناطق الهامش يجب أن لا يعن بشكل من الأشكال تبديل الضحايا بضحايا جدد على أساس أثنى، وألا يسعى لإنهاء شكل من أشكال الأستغلال وإستبداله باشكال اخرى. إن هدف الكفاح المسلح هو الوصول لمساومة تاريخية لبناء مشروع وطنى مغاير يجد الإجماع الكافى. لذلك متى ما توفرت وسائل أقل كلفة لتحقيق نفس الأهداف يجب أن نضعها فى الإعتبار. علينا أن نتذكر أن الكفاح المسلح فرضه عنف الدولة وتمت مواجهته بعنف مضاد حتى إن لم يكن مساوياً له. حاليا تشهد بلادنا و العالم تحولات كبيرة، على قوى الكفاح المسلح أن تضعها فى الإعتبار، ولعل تجربة حركة "الفارك" فى دولة كولومبيا وإبرامها لإتفاق سلام فى "هافانا"مؤخرا والذى انهى حرباً إستمرت لأكثر من خمسين عاما جديرة بالتأمل من زاوية المتغيرات الداخلية والإقليمية والعالمية. قاد الكفاح المسلح المجموعات المسلحة لنتائج مختلفة وصل بعضها عن طريقه للسلطة كما هو الحال فى إثيوبيا وارتريا، ووصل بعضها لإتفاقيات سلام كما هو حال المؤتمر الوطني الإفريقي والحركة الشعبية فى 2005، ومنها ما إنتهى الى فشل تام مثل حالة "نمور التأميل" فى سيرلانكا. من المعلوم أن العمل المسلح الحالي فى بلادنا يستمد أهمية خاصة من طبيعة نظام الإنقاذ الفاشى الذى يحتكر أدوات العنف. ومع إدراكنا لأهمية الكفاح المسلح والدور الذى لعبه ومازال يلعبه والظروف الموضوعية التى قادت اليه لاسيما دوره الرئيسى فى وضع قضيتنا فى الأجندة السياسية الوطنية والإقليمية والدولية، لكن علينا أن ندرك أن القوة الحقيقية للحركة تكمن فى العمل السياسي ومخزون النضال الجماهيرى السلمي. وبما أن توازن القوى الحالي لا يمكّننا من تغيير المركز بالكفاح المسلح وحسم المعركة عسكرياً مثل ما حدث فى إثيوبيا وارتريا فإن ذلك يستدعى تفعيل النضال الجماهيري السلمي للوصول للتغيير الذى ننشده. إن أحد أهداف الكفاح المسلح هى نقلنا الى رصيدنا الأكبر وهو النضال الجماهيري السلمي بترتيبات أمنية تضمن تحقيق هذا الهدف. ولذلك تظل قضية إنتقال حركتنا من الكفاح المسلح الى النضال السلمي الثوري الذى يرمى للتغيير الجذري فى المركز؛ وكيف نزاوج بين الوسيلتين فى فترات ما قبل الإنتقال وبعده قائمة. لمخاطبة هذه القضية يتوجب علينا طرح أسئلة على شاكلة: هل بإمكان الحركة تكوين حزب سياسى سلمي فى المدن والريف قبل إنهاء الكفاح المسلح؛ مثل ما حدث فى آيرلندا الشمالية وجنوب إفريقيا وتجربة الأكراد فى تركيا؟ هذه قضية فى غاية الاهمية تحتاج الى حوار عقلانى يأخذ كل الأبعاد فى الإعتبار لكى نصل الى قرار صائب حولها. لا شك إننا نحتاج لتفجير وتوظيف الطاقات الكامنة فى النضال السلمي الجماهيري ووسائل اللاعنف وجذب ملايين المهمشين والفقراء وعلى رأسهم النساء والشباب للنضال من أجل تحسين شروط الحياة والمعيشة ومن أجل الحقوق الطبيعية والمدنية وبناء دولة المواطنة بلا تمييز، حتى لا نعود الى المربع الأول مثل ما حدث فى إكتوبر 1964 وابريل 1985 فمجرد قيام إنتفاضة - رغم أهميته- اليوم غير كاف لإحداث التغيير الجذرى. ما نسعى له هو إستخدام رصيدنا من الوسائل الأخرى حتى لا ينتهى الكفاح المسلح نفسه الى شكل من أشكال الإستسلام و المساومة والإندماج فى النظام القديم بدلاً من إحداث التغيير. نخطط لذلك آخذين المتغيرات الواسعة فى المدن والريف السوداني اليوم، فهنالك تحول ديموغرافى وطبقى إجتماعى وثقافى كما نعلم أيضاً أن الإنتقال الى العمل السلمي عملية مستمرة لا تنتظر وقف الحرب وتحتاج الى إبتداع اشكال جديدة من النضال. نعلم أيضاً إن المتغيرات الإقليمية والعالمية ذات أثر بالغ على الكفاح المسلح ويمكن القول بإطمئنان إن الكفاح المسلح على مستوى العالم يمر بمرحلة جديدة تستدعى إعمال الفكر. كما أن الإستناد الى قوة الجماهير بضاعة لا تنفد ودائمة الصلاحية.