[email protected] اندهش الناس كتيراً لدكتور عطبرة المزور . فالدكتور قد مارس الطب و اجري عمليات جراحية لمدة 6 سنوات . و في ظل الانقاذ حصلت فوضى . و اختلط الحابل بالنابل . لقد حدثت في أول الانقاذ حادثة اعجب من هذه . حكى لي الدكتور اخصائي الكلى ابراهيم عبد الكريم بدري بأنه قد ظهر في مستشفى بن سيناء رجسترار في قسم العظام . اخاف الناس و فرض سيطرته على القسم . كان له مرتب و مخصصات ... الخ . و إن كان يترك العمل خاصة الكسور الى ممرض او مساعد حكيم جنوبي كانت له دراية و خبرة طويلة . الغريبة ان الدكتور المزعوم كان يمكن ان يواصل جريمته الى الأبد . فحسب كلام د. ابراهيم بدري فأن الدكتور قد شطح شطحة . و تزوج بطبيبة . و لكن الممارسة اليومية و الحميمية كشفت للطبيبة أن زوجها ليس بطبيب . و قامت بالتبليغ عليه . و يمكن لأي صحفي الآن ان يرجع الى هذه القصة . و أتمنى من الأبن العزيز وجدي الكردي ان يعطيها بعض الأهمية . لأنها سابقة كريهة وهاهي تتكر مرة أخرى . و إن كان بطريقة بسيطة . عندما كنت أسأل ابراهيم بدري , كيف يمكن ان يحدث هذا ؟ . كان يقول لي : ( ما ياخي فجأة ظهروا ناس ما معروف من وين . بقو مسئولين و مديرين . و الناس كلها في حالة خوف . يا خوف من السجن و الدق و الأهانة . أو خوف من الطرد و الصالح العام . و ما كان في زول بقدر يقول بغم ) . عندما صار ابو القاسم احمد ابراهيم وزيراً للصحة في حكومة الانقاذ , صار ابراهيم بدري مديراً لمستشفى بن سيناء . اذكر في الثمانينات الاطباء كانوا يقولون بأن احسن وزير للصحة كان ابو القاسم احمد ابراهيم . لأنه كان حاسماً و لانه كان يأتي لهم بكل ما يحتاجون . ابراهيم ذكر لي انه في الشهر الأول أتوا له بسبعة عشر مليون جنيه سوداني . فأستغرب لضألة المبلغ و سأل: ( وين دخل المستشفى ؟ ) . و لم يكن هنالك من يريد ان يعطيه الرقم الحقيقي و بعد جهد عرف ان المبلغ هو 117 مليون جنيه . و عند السؤال عن : (وين باقي الفلوس ؟ ) . قالوا له : ( انها تسلم لاخت الشهيد ) . فأستيقظ الراباطابي , فأبراهيم رباطابي اباً عن أم . فقال لهم ابراهيم ( هو بقا في تخصص جديد في الطب اسمه اخت الشهيد و نحن ما عارفين ؟). بدأ الهلع على المسئولين و قالوا له : ( ما تتكلم في الموضوع دا . و نحن ما عاوزين مشاكل ) . و رفض ابراهيم ان يدير المستشفى الى ان توضع كل الاموال في حساب المستشفى . و ظهر ثلاثة من النسوة المحجبات و بدأن في التهديدات بأن المئة مليون تصرف كمحفزات لبعض الادارين و المسئولين و أنه اذا توقفت المحفذات فان المستشفى ستتوقف . إلا أن دكتور ابراهيم ركب رأسه . فذهبت اخت الشهيد و رفيقاتها الى الوزير ابو القاسم احمد ابراهيم . و قلن ان المدير الجديد عاوز ياكل المستشفى . و أنه قد شتمهم . فأفهمهم ابو القاسم بانه يسكن في نفس الشارع مع ابراهيم منذ طفولته . و أن ابراهيم يعمل في المستشفى بدون أجر , تطوعاً . و أنه قد قفل عيادته الناجحة لكي ينهض بالمستشفى . و ان زوجته رحاب طبيبة اخصائية . كان رد اخت الشهيد و صويحباتها : ( انه دا دكتور بتاع مشاكل . لانه مافي دكتور بقفل عيادته و بشتغل بدون قروش ). و رداً على موضوع الشتيمة قال ابراهيم بدري , بأنه قد وصفهم بالتطاول و قلة الأدب و شينات . و يبدو ان كلام الرباطابي الاخير قد أوجعهم . و عندما استفسر ابو القاسم : ( كيف تقول ليهم شينات ؟ ) رد ابراهيم بدري : ( لكن ما حقيقة ) . هذه القصص كان يحكيها لي ابراهيم بدري في مسكنه في المدينة الجامعية لينشوبن في السويد . بعد ان فشل هو زوجتة حاملة الدكتوراة في الباثولوجي في التكيف مع جو السودان . و الأثنين من المتدينين جداً جداً . لدرجة انهم يسكنون بالايجار . و كان في امكانهم ان يشتروا منزلاً بواسطة البنك السويدي . و يذهب الايجار كأقساط من ثمن المنزل . و لأنهم من اصحاب الدخل العالي فيمكن ان يطلبوا ان يخفض هذا من ضرائبهم السويديةالعالية جداً . و كل هذا خوفاً من شبهه الربا . لأن الاطباء الناجحين يتركون السودان فيمكن أن يصير أي سمكري جراح اعصاب . و لما لا ؟ . فليس هنالك فرق بين الشرقرق و عقل بعض الناس . الدكتور اسماعيل نابري كان من الرعيل الأول الذين يمتازوا بالعلم و قوة الشخصية و الانضباط . و قديماً كان طالب الطب لا يقبل إلا ان بعد ان يعجم المظهر و المخبر . و ظهر دكتور انجليزي كان قد عمل في بعض المستعمرات الأفريقية و وقتها كان الانجليز هم اسياد العالم . و لدهشة الجميع قام الدكتور نابري ( بزرزرة ) الطبيب البريطاني و لم يتركه حتى انهار , و أعترف بأنه ممرض , إلا أنه استغل شهادات شقيقه الذي كان طبيباً و مات في الحرب . و لكن في السودان الخواجة ما قدر ياكل عيش . و قدم البريطاني الى محاكمة . العم نابري كان من اصدقاء الشاعر توفيق صالح جبريل . و كان شاعراً , جاراه توفيق في قصيدة من بعض ابيات من شعر توفيق . ثقة نابري بنفسه و علمه جعلته يواجه الانجليزي بدون اي خوف . فلقد حكم العم الدرديري القاضي على انجليزي بالجلد في بورتسودان . و هذا في ايام الاستعمار . و نفذت عملية الجلد . اذكر عيادة العم نابري في شارع المستشفى شرق نادي الخريجين , تتوسطها نخلة طويلة . في الستينات رجع بعض الأخصائيين من تشسلوفاكيا كأخصائيين , و هم قد اكملوا الجزء الأول . الشهادة من جزئين . و كانت لأحدهم يافطة ضخمة ( أخصائي نساء و ولاده ) و هذا في الركن الشمالي الغربي في مستشفى التجاني الماحي الآن . و عندما اكتشفت هذه الغلطة انزلت اليافطة و رجع هؤلاء لأكمال شهادتهم . أحدهم كان اخصائي أنف و أذن و حنجرة . و ساعده لونه الفاتح و ضخامة جسمه في ان يكون طبيباً مشهوراً . فالناس قديماً كانوا عندما يذهبون لطبيب و يكون نحيفاً يقولون : ( دكتوركم دا كان فيه فايده كان شحم روحه ) . عرفت من الاخ بيتر نجوت كوك وزير التعليم العالي السابق و هو من ابناء رونبيك ان شهادة الترابي ليست بالدكتوراة . و هذا اللقب يمكن ان يستخدمه فقط داخل الجامعة . و لكن لا وجود له خارج اسوار الجامعة . بيتر درس في نفس اللكلية بعد الترابي . و هذا الكلام سمعته من قبل من آخرين . و الترابي ليس بدكتور . اذا كان رئيس الانقاذ يدعي الدكتوارة , ود عطبرة ليه حق . أحد اصدقائنا في الدنمارك تزوج دنماركية و كون اسرة و كان قد أفهم زوجته بأنه طبيب في انتظار تقييم اوراقه . و لم تكتشف الزوجه هذه القصة الى بعد سنين و تم الانفصال . بعض الأخوة هنا كانوا يعملون في مصنع الاطارات . و لفترة عمل معهم سوداني و هو انسان خلوق و له دراية بالأدب و الشعر و الفن و في بعض الاحيان كان ينادونه يا دكتور . و عندما كان السويديون يستغربون . كان السودانيون يقولون انه دكتور اخصائي و في انتظار اوراقه . و عندما يسأله السويديون كان ينكر هذه الحقيقه . و الحقيقه انه دكتور و من أعظم الأطباء . و هو من النوع الذي اذا ناديته بدكتور لا يرد عليك و شعاره ( انا لما ولدوني ما سموني دكتور ) . احد اصدقائي المقربين جداً جداً في براغ قال لي بعد اسبوع من تخرجه و عندما ناديته بأسمه , يا فلان . فقال لي ( فلان حافه كدا ؟ ... يعني انا بدرس لي ستة سنين تقول لي فلان ؟ ياخي انا اسمي دكتور فلان ) . و لربما هذا السبب يتظاهر الناس بأنهم دكاترة . فالطب مهنة جميلة و عظيمة و تدعوا الى الاحترام . و عادة ً يختار لها احسن الطلاب في كل العالم . و لهذا يحاول البعض ان يلتصق بها بحق أو بدون حق . قديماً كنت اقول ان هنالك ثلاثة انواع من البشر , ما أن تتعرف بهم حتى يكشفون لك عن مهنتهم , بطريقة مباشرة او غير مباشرة . و هم الاطباء , الدبلماسيين و الطيارين . فحتى طياري طيارات الرش , التي لا تحتاج شهادتها لأكثر من اسابيع . يضيفون اسم طيار الى اسمهم . فلماذا نلوم دكتور عطبرة المزيف . قبل اقل من عشر سنوات ساعدت صلاح عبد الجليل , ابن امبده , عندما اشترى منزلاً في كوبنهاجن . و قمت بأصلاح الحديقة . و قطع حوالي 40 شجرة صنوبر و شجرة تفاح و شجرة كمثرى . و بعد جهد لمدة اسبوعين و النوم على سرير ماء و هي السرائر التي كانت محبوبة في السبعينات و الثمانينات و هي عبارة عن مرتبة سميكة مليئة بالماء . أصابني الم ظهر .صرت اجد صعوبة في ان اترك مرقدي في الصباح . و بعد تعب تحصلت على مواعيد عند بروفسير عظام . إلا انه خارج نظام الضمان الاجتماعي . بمعنى ان ادفع انا كل التكاليف . فذهبت في الصباح و انا سعيد بأنه سوف يستقبلني و بعد دفع المبلغ و الذي هو اكثر من اربعة اضعاف المبلغ العادي . و دفعت للأشعة مبلغ ضخم و هي عادةً مجاناً بدون مقابل . قال لي البروفسير ان الذي حدث لك هذا قد حدث لي قبل فترة فأتصلت بي كيرو براكت . و أخذت تكس و بعد جلستين من التدليك صرت كرجل جديد . فقلت له : (انت البروفسير بتاع العظام مشيت لي مدلك انا بعمل شنو هنا ؟ ) . فقال : ( ما دا المحيرني انا زاتي ) . و بعد جلستين دلك صرت احسن ما يكون . في منزل عزاء في امدرمان , اتى رجل طويل القامة يسير بعصاتين لان احدي سيقانه مقطوعة . و بعد الفاتحة قال بعد ان جلس على كرسي : ( يا اولاد ادوني كرسي . ارفع فيه كراعي الكعبة دي ) . ثم واصل ضاحكاً : ( لانه الكويسة قطعوها زمان ) . و حكي الرجل بأنهم قد قرروا بتر ساقه و لكنهم قطعوا ساقه السليمة . و تركوا ساقه المفروض ان تبتر التي صار يسير عليها الى ان مات . عمي و صديقي محمد بدري ( العميد الصغير ) . تعرض لحادث سير و كسرت رجله و قرروا بتر الرجل , و لأن محمد بدري في شبابه كان فارساً , و بعد اضراب المدرسين رفت من وظيفته كمدرس . فعمل هو و ابن اخته ابراهيم مجذوب مالك كسائقي لواري . لهذا واقف على عملية البتر بدون تردد . و في يوم البتر انقطعت الكهرباء و هذا شئ غير طبيعي وقتها . و في اليوم الثاني تصادف مرور اخصائي عظام بريطاني زائر . فقام بالكشف على الساق . و قال بالانجليزية ان عملية البتر ليست بالتشخيص الصحيح . و عندما اتوا لأخذه للعملية و كان معه شقيقه الاكبر الدكتور علي بدري قائلاً : ( ان الاخصائي البريطاني قال ان عملية البتر غير لازمة ) . و البريطاني لم يكن يعرف ان محمد بدري يفهم الانجليزية . و ذهب محمد بدري الى عمنا بتي و هو اكبر بصير و اشهر بصير في كل السودان . و أكد العم بتي ان عملية القطع ليست صحيحة و انه سيحضر لزيارتهم في البيت غداً . و بعد خروجهم نادا بتي احدهم و قال له : ( بكرة تحضروا اربعة رجال قويين , عشان يمسكوا محمد بدري ) . و عاش محمد بدري برجله الى ان توفى في التسعينات . عانا فقط من القصر في ساقه و كان يعالجه بأضافة اثنين سنتميتر لحذائه الايمن . و نجح البصير عندما فشل الحكيم . بت بتي ورثت المهنة من والدها . حكي لي صلاح عبد الجليل المتواجد معنا هنا , ان احد اهله وجد صعوبة في المشي و صار يمشي كاسر امية . فأخذوه لبت بتي و هذا في الثمانينات , فأرقدته ارضاً و وضعت قدمها على خاصرته و جذبت يده فقام الرجل و هو مستعدل شاسي . و رفضت ان تقبل أي مبلغ سوى البياض كالعادة . كما اوردت في كتاب حكاوى امدرمان . ان احد الدكاترة في هارلي ستريت المشهور في لندن قد سأل السودانين عن صحة البروفسير بتي . و أستغرب عندما عرف بأن بتي ليس ببروفسير و انما هو بصير او ما يعرف بالانجليزية ( كواك ). أغلب المرضى الذين كانوا يأتون له كانت كسورهم ملتئمة بطريقة جيده . على عكس كثير من الدول الآخرى . و بالسؤال عن من قام بعملية معالجة الكسر يكون الرد بتي . فظن الدكتور الانجليزي ان عمك بتي عداده رامي طوالي . و لم يكن يعرف ان العم بتي يقوم بهذه العملية لعشرات السنين كمساعدة لأهل امدرمان . و لا يأخذ الا البياض لمن يقدر على دفعه . ألا يستحق العم بتي و ابنته لقب بروفسيرات . التحية ع. س. شوقي نشر بتاريخ 17-08-2011