[email protected] كلما ألتقي الفنان الراحل زيدان إبراهيم يحيني ببشاشته المعروفة قائلاً: أهلاً يا دفعة ويتبع ذلك باجترار بعض الذكريات البكرة التي لن تعود0 وتعود هذه الزمالة لأواخر الخمسينات حين كنا بمدرسة حي العرب الوسطى عندما كان ناظرها احمد سعيد ناصر وجاء بعده توفيق اسحق ضمن طاقم من الأساتذة الأجلاء عبد الحافظ وأبو المعالي عبد الرحمن وعبد الله مصطفى ومحمد احمد قاسم والسر دوليب والبصيري والعجب، رحم الله الأموات منهم وأمد أعمار الأحياء0 في تلك السنوات التي كان التعليم يعطى فيها عصارة المعرفة بسخاء ويغرس بذرة التربية النيرة وينمي المواهب بزغ نجم الطالب وقتها زيدان ابراهيم من خلال قدرته على تغيير ألحان الأناشيد المدرسية المتوارثة بين الأجيال وكنا نفخر بأن في مدرستنا من استطاع أن يخرجنا من رتابة الألحان لعوالم جديدة0 ولأن العمر في تلك السنوات لم يكن يسمح له بالانطلاق خارج أسوار المدرسة فقد ثبت أقدامه وأعلن موهبته على الملأ منذ السنة الثانية بمدرسة أم درمان الثانوية التي دخلها عن جدارة ولكنه فضّل الفن على المواصلة فيها0 لن أضيف جديداً إذا استعرضت نماذج من إبداعاته الغنائية التي يعرفها الجميع ويترنمون بمفرداتها وهي بحاجة إلى سفر، خاصة وأن كل من خط حرفاً في رثائه تناول بعضها، لكن الأمانة تقتضي أن أكرر ما قلته في أوائل السبعينات في معرض ردي على تساؤلات الأستاذ كمال حسن بخيت بجريدة الأيام عندما أجرى معي تحقيقا بعنوان (ميني تحقيق)0 قلت وقتها ما معناه إن زيدان إبراهيم عرف كيف يدغدغ مشاعر المتلقين المتطلعة للتجديد اللحني واستطاع من خلال انتقائه للكلمة الأنيقة أن يعبر عن ما يجيش في وجدانهم ويترجم تجاربهم العاطفية ويتمدد بصوته الشجي على مساحات مشاعرهم حتى أسر قطاعاً كبيراً من المعجبين، ولذلك امتلك الساحة الغنائية بجدارة، ووقتها غضب مني أحد الفنانين الكبار لكوني أنصفت زيدان بجرعة زائدة كان يرى أنه أجدر بها0 وأذكر بعد ذلك التحقيق أن التقيته في حفل بالحي وشاء أحد الشعراء أن يعرفه بشخصي باعتباري صاحب القول الإيجابي في ذلك التحقيق، فما كان من المرحوم زيدان إلا أن داعبه بخفة دمه قائلاً : (أقعد في علبك لمن يجي طلبك، فأنا وصلاح أبناء دفعة)0 كان لقائي الأخير بك يا صديق الصبا يوم أن نثرت عطر مختاراتك الغنائية بالمتحف القومي ضمن عروض أماسي الخرطوم الموسيقية ولم تسنح الظروف بغير ذلك اللقاء العابر، فلك الرحمة والمغفرة يا من تركت في جوانحنا فراغاً برحيلك المتعجل الصاعق، غير أن العزاء في إرثك الإبداعي الرفيع الذي سيظل يطربنا طالما حيينا0 نشر بتاريخ 28-09-2011