[email protected] إنها دعوة صادقة للمختصين في علم النفس والاجتماع للتأمل والوقوف على ظواهر شائنة لم يعتادها المجتمع السوداني وتصرفات كريهة لا تشبه بأي حال من الأحوال خصال إنسان السودان المعروف هذه الظواهر السالبة اجتاحت المجتمع دفعة واحدة وعلى حين غرة ولم تترك مجال أو متسعا لأحد كي ينتبه لخطورتها وينبه الغافلين. فالكل صار غافلا في زمن أخذت فيه المشاكل والمعضلات الوطنية شكل القنابل الموقوتة التي لا يعلم لحظة انفجارها إلا الله، صرفت المجتمع برمته عن التصدي لاختراق تلك الظواهر الشاذة للنسيج الاجتماعي الذي كان متماسكا معافى فمزقته وهدمت ركائز بنيته الأخلاقية التي أسس لها السلف الصالح من الآباء والأجداد. في محاولة عبثية جادة لهدم منظومة القيم الأخلاقية الموروثة ونسفها لتزروها الرياح والتأسيس فوق تل خرابها لمشروع جديد غريب الأطوار هلامي الشكل فارغ من المحتوى الإيجابي ومتناقض في كلياته مع طبيعة البشر أطلق عليه زورا وتجملا مسمى (المشروع الحضاري)، فبتنا ما بين ليلة وضحى مرغمين على التعامل من قبح منتجاته الفاسدة المتمثلة في قيم وخصال إنسانية ما أنزل الله بها من سلطان. فكل من شاهد في الأيام القليلة الماضية محتوى الفيديو الذي بث على موقع (يتوب) والذي عرض هجمة لأفراد بعضهم في الزي الرسمي للقوات المسلحة السودانية وجلهم شباب في ملابس مدنية على مقر للحركة الشعبية قطاع الشمال بمدينة الدمازين عاصمة ولاية النيل الأزرق لا شك أصيب بمزيج من الدهشة والفزع وهو يرى حماة الوطن يقوموا بتحطيم أثاث المقر ونهب محتوياته و لم يستثنوا حتى أخص خصوصيات مالكيه فتم كسر خزانة الملابس وبعثرة محتوياتها والعبث بها وتصويرها ومن ضمنها ملابس داخلية نسائية ومن ثم نهبها في نشوة بين التهليل والتكبير والصياح بأنها غنيمة!!. هالني قبح المشهد العبثي ولغة الحوار المستمدة من أدبيات بعينها وأشعرني بالخزي والأسى على هذا الدرك السحيق من الوحل الذي أضحى بعض شباب الوطن المنكوب يغوص فيه، وطفقت من فرط فزعي أسال نفسي سؤال أديبنا الراحل الطيب صالح الذي رحل عن هذا الزمان التعيس مغبونا بحسرة عدم الإجابة عليه لأجد نفسي أردد وسط اندهاشي وتباريح حزني نفس السؤال المحير (من أين أتى هؤلاء؟!!). وقبل أن أفيق من هول هذه الصدمة المزلزلة يعاجلني الخبر المنشور بصحيفة (التيار) ويوجه لطمة لا تقل وجعا عن سابقتها بل هي أشد إيلاما بحيث تخترق الفؤاد وتعبث في ثناياه بمشرط جرَّاح وتأخذ بتلابيب الروح وتسحقها حزنا حتى تكاد من فرط الألم والوجع المذل أن تقول للموت هيت لك ما عادت هذه الفانية من فرط بؤسها تسوى مثقال خردله فكيف بالله عليكم يتجرأ إنسان سوي ومؤمن بالله وبالقضاء والقدر ويشمت في موت بشر ناهيك عن موت مبدع في قامة الفنان المرحوم زيدان إبراهيم أي خواء روحي وفكري يمكن أن يدفع بجمع عاقل من شباب الوطن المسلم للتصفيق والصفير فرحا لسماع خبر موت مفجع رجَّت له أركان البلاد رجا... هذا لعمري مسلك لم يسبقهم إليه بشر وتتقاصر عن وصفه أقبح الكلمات ولا حول ولا قوة إلا بالله. ملحوظة: خبر صحيفة التيار: (رصد شارع الصحافة والي الخرطوم يخاطب حشداً للاتحاد الوطني للشباب.. شباب الخرطوم في مؤتمرهم السادس تكلموا بلسان المعارضة عن غلاء الأسعار وتفشي البطالة وعدم تجديد الدماء في الجهاز التنفيذي.. في اللقاء أن رئيس الاتحاد بلة يوسف نقل للشباب خبر وفاة الفنان زيدان إبراهيم.. الحشد قابل الخبر بالتصفيق والصفير.. الوالي أشار بيديه طالباً الدعاء للراحل بالرحمة). تيسير حسن إدريس 28/09/2011م نشر بتاريخ 28-09-2011