[email protected] دولة اريتريا والتي نالت استقلالها عن اثيوبيا في نهايات القرن العشرين نشأت في كنف حركة سياسية قادها ظاهريا رمضان محمد نور بينما كان المحرك الفعلي لقيادتها هو الرئيس الحالي اسياس افورقي والذي تربع على كرسي السلطة بعد تحرير ارتريا من قبضة اثيوبيا وبعد ان تقاعد رمضان محمد نور . الحركة الشعبية لتحرير اريتريا كانت حركة يسارية صغيرة (شأنها شأن كل حركات التحرير التي نشأت في العالم في تلكم الحقبة ) وكانت هناك حركة تحرير اريتريا التي انشأها المناضل عثمان صالح سبي والتي بدأت النضال كأول حركة ولما ظهرت الانشقاقات والانتماءت السياسية ظهرت للعلن حركة تحرير ارتريا (المجلس الثوري ) تحت قيادة عبد الله ناصر فأصبحت هناك ثلاث حركات رئيسية في العمل التحريري وكانت حركة عثمان صالح سبي هي حركة ذات انتماء عربي وبحكم انها كانت الحركة الاولى والتي نشأت من رحمها لاحقا الحركات الاخرى فقد ساعد كثيرا في الترويج لها المرحوم الدكتور الرشيد الطاهر بكر وكان وقتها لازال قياديا في تنظيم الاخوان المسلمين (انسلخ عن التنظيم واصبح قياديا في الحزب الاتحادي الديمقراطي ثم انضم الى حكم الرئيس السابق جعفر محمد نميري ووصل الى منصب نائب رئيس الجمهورية). وتم تصنيف حركة التحرير الجلس الثوري والتي يقودها احمد ناصر على اساس ان حركته بعثية تابعة للنظام السوري الذي ينادي بالقيادة القطرية وكما اسلفت تم تصنيف الحركة الشعبية لتحرير اريتريا على اساس انها تتخذ الخط اليساري . عندما بدأ نظام منقستو يتلقى الضربات خاصة من الدول الرأسمالية والدول العربية للشعور الذي ساد بدعم السوفييت لهذا النظام زائدا دعمهم لنظام الحكم في اليمن الجنوبي بدأت الدول العربية الموالية للغرب تبحث عن بدأئل للحكم في اثيوبيا واليمن كما انها بدأت تبحث عن قيادات بديلة لعثمان صالح سبي بعد ان وضح ان حركته بدأت تضعف امام المد الثوري الجديد وبداية وقفت الدول العربية مع البديل الجاهز وهو المجلس الثوري بقيادة احمد ناصر ذو الاتجاه البعثي وفعلا بدأ المجلس الثوري قويا في فترة ما بعد منتصف السبعينات من القرن العشرين , وفي تلكم الفترة كانت الحركة الشعبية لتحرير اريتريا اصغر نسبيا من المجلس الثوري الا انها كانت اكثر تنظيما وبالتالي عندما بدأ نظام منقستو في التراجع في مناطق ارتريا احتل المجلس الثوري تسني وسقطت المنطقة في يده ومن ثم تقدم نحو بارنتو ونجح في احتلالها وقد كنت مرافقا لهذه القوات في المعركتين وشهدت سقوط هذه المدن وذلك بحكم ان السودان كان من اكثر الدول دعما لهذه الحركات وبحكم اني كنت المسئول عن الامن بشرق السودان . حتى تلكم اللحظة لم تكن الدول العربية لديها حماس للحركة الشعبية لتحرير ارتريا اولا للتوجه اليساري الذي قيمت به هذه الحركة وثانيا لعلمهم ان اسياس افورقي المسيحي هو القائد الفعلي للحركة الشعبية لتحرير اريتريا وليس رمضان محمد نور الذي يظهر في ادبياتهم كقائد فعلي وفي هذا نحن لانغبط دور رمضان ولكن الواقع كان يظهر ان القائد الحقيقي لهذه الحركة هو اسياس افورقي. نسبة للتنظيم الدقيق الذي تميزت به الحركة الشعبية لتحرير اريتريا فقد كانت الحركة تعمل في الشمال الغربي لاريتريا ومن ثم التفت قواتها في سرية تامة ونجحت في احتلال اغوردات قاطعة الطريق امام المجلس الثوري الذي كانت عينه على كرن والتي سيتم احتلالها بعد سقوط اغوردات وكانت هذه بداية النهاية لنظام المجلس الثوري وبداية الصعود للحركة الشعبية لتحرير اريتريا وقد مرت بدايات الصعود هذه باشتباكات مريرة بين الحركات نفسها وقد حاول السودان ان يجمع هذه الحركات في تنظيم واحد وقد نظمنا اجتماعات في كسلا بغرض توحيد المجلس الثوري تحت اشرافي وبقيادة زميلي ادم امين اوشيك الذي كان مسئولا عن العمل الاستخباري العسكري بشرق السودان ولكن لم يخرج الاتفاق عن اطار مذكرة التفاهم. تقدمت الحركة في عملها العسكري وبتنظيمها الدقيق في مجال العمل السياسي والاستخباري, ووقفت دولة الكويت معها وامدتها باموال ساعدت كثيرا في انتصارات الحركة وذلك للعلاقة الوطيدة التي تربط رجل الاعمال الاريتري محمد علي امين بالسلطات الكويتية . ذكرت في بداية مقالي هذا ان الدكتور الرشيد الطاهر بكر وهو من اهالي القضارف كان من روج لموضوع الثورة الاريترية عام 1965 والحقيقة يبدو ان هذا كان توجه الاخوان المسلمين وليس الرشيد وحده . وعندما جاءت الانقاذ الى سدة الحكم في عام 1989 كان من اجندتها ان تقضي على النظام الشيوعي في اثيوبيا وبالتالي مساعدة الاريتريين والمعارضة الاثيوبية والتي صارت اقواها جبهة تحرير التقراي بقيادة ملس زناوي واما مساعدة الاريتريين فكانت تتطلب مساعدة الاقوى في الساحة وكان الاقوى هو الحركة الشعبية وبالتالي قدمت الحكومة السودانبة كل مساعدة ممكنة لهذه الحركة وكانت تعمل في محورين محور اثيوبيا ومحور اريتريا وقد ساعد انهيار الاتحاد السوفيتي في انهاك نظام منقستو حتى سقط .وتزامن سقوط منقستو مع انهيار جبهته الاريترية مما ادى سقوط اسمرا والتي كانت محاصرة في يد الحركة الشعبية لتحرير اريتريا ونال الشعب الاريتري ما كان يصبو له من الحرية والاستقلال بعد ثلاثين عاما من الحرب , ولكن هل كانت هذه النهاية؟؟؟ لا .. بل كانت بداية لمشكلات معقدة نتابعها في الجزء الثاني من هذا المقال. هاشم ابورنات القاهرة26سبتمبر2011 نشر بتاريخ 29-09-2011