حديث المدينة توطين الفشل بالداخل!! عثمان ميرغني وزير الصحة بالإنابة.. الدكتور الصادق قسم الله أصدر توجيهاً (رغم أنني والحق لله لا أعرف حتى الآن ما هو الفرق – فنّياً- بين القرار والتوجيه) بمنع تسليم النقد الأجنبي للمرضى المسافرين للخارج .. و إرسال تكلفة العلاج مباشرةً إلى المستشفيات التي يتلقون العلاج فيها.. وشمل (التوجيه) أيضاً حصر العلاج في دول محددة هي مصر والأردن وتركيا. ومن المهم قراءة توجيه وزير الصحة مع تصريحات وزير المالية الأستاذ علي محمود والتي قال فيها إنّ السودان يفقد رصيده من العملات الصعبة في فاتورة العلاج بالخارج.. بل وبالتحديد (فاتورة علاج كبار موظفي الدولة).. يبقى السؤال الأهم.. لماذا من الأصل يسافر المرضى للعلاج في الخارج.. الإجابة – ذات نفسها- تجلب المرض..!! لدينا أقدم كلية طب في العالمين العربي والإفريقي (بعد مصر) .. ولدينا أفضل الأطباء أسماؤهم تبرق في كل الدول التي عملوا فها.. ومع ذلك تتدفق أفواج المرضى من السودان للعلاج في كل الدول.. بعض هذه الدول تعلم أطباؤها في السودان.. وكان مرضاها يقصدون السودان للعلاج.. في الستينيات والسبعينيات. هل تذكرون مشروع توطين العلاج بالداخل؟ هل تذكرون كم دفع الشعب من حر مال فقره المدقع في هذا المشروع الوهم؟ هل رأيتم كيف أدير المشروع.. هرولة لشراء الأجهزة.. شعارها (اشتري بكل ما في الجيب.. وبأعجل ما تيسر).. و وضعت الأجهزة في مقر معرض الخرطوم الدولي.. ودُعي الصحفيون للفرجة على (التورتة).. وهي تقسم بين المستشفيات.. بعضها تسلم أجهزة غالية الثمن وليس في المستشفى حجرة واحدة لتركيب تلك الأجهزة .. وبعضهم تسلم نصف جهاز.. ونصفه الآخر ذهب إلى مستشفى آخر.. وكانت قلوبنا تتفطر ونحن ننظر للصور التي التقطت للأجهزة الطبية الحديثة وهي مرمية في عراء بعض المُستشفيات خاصة في الولايات.. واتضح في نهاية المطاف أنّ الذي تمّ توطينه بالداخل هو الفساد وليس العلاج.. وأسدل الستار على المشروع في عهد وكيل وزارة الصحة د. كمال عبد القادر الذي اكتشف أنّ الخسارة القومية من المشروع أفدح مما توقع الكثيرون.. وكأنّما كانت فكرة توطين العلاج بالداخل (مؤامرة دولية).. لاستمرار تهجير العلاج بالخارج.. لتستمر أفواج المرضى الهائمين في أنحاء العالم طلباً للعلاج.. وتحافظ الخدمات الطبية عندنا على انهيارها بصورة مريعة... بعد -وبكل أسف- أن تحوّلت المُستشفيات إلى مبانٍ بلا معانٍ.. في كل مدينة بل وفي بعض القرى الصغيرة عمارات كبيرة أطلق عليها مستشفيات.. تتبع لجهة حكومية نظامية.. ليس فيها أطباء ولا مرضى.. فالذين شيّدوها.. انتهت مهمتهم بانتهاء المباني.. تعمل أو لا تعمل.. تلك ليست مشكلتهم.. وبكل أسف ولا مشكلة أي جهة حكومية.. تحاسب.. أو حتى تعاتب.. بالله عليكم.. بدلاً من أين تجتهد وزارة الصحة في البحث عن سبل لتحويل العملات للمؤسسات العلاجية في الخارج.. لماذا لا تحل المشكلة من جذورها.. ويصبح السودان دولة جاذبة للمرضى.. لماذا لا نصبح عاصمة الطب في عالمينا العربي والإفريقي. لماذا لا يحج إلينا المرضى إلا للعلاج في عيادات الطب البلدي.. والشيوخ.. التيار نشر بتاريخ 15-10-2011