ص الرأي – التيار – الخميس 19/8/2010 بحصافة استعرضنا في مقال الأمس جوانب مختلفة عن تأسيس مستشفى الزيتونة التخصصي في الخرطوم، من حيث المباني والمعاني، واستهداف المستشفى للمساهمة الفاعلة في توطين العلاج بالداخل، وجانباً من بعض الأهداف الرئيسية للمستشفى، وعن الرؤى والطموحات التي انتظمت تفكيراً وتنفيذاً، لهذا المشروع الطبي الريادي عند الأخ البروفيسور مأمون محمد علي حميدة مؤسس ورئيس مستشفى الزيتونة التخصصي في الخرطوم، واليوم نتناول في هذه العُجالة بقية الأهداف المرسومة والمأمول تحقيقها من إنشاء مستشفى الزيتونة التخصصي، حيث نبسط القول بإيجاز غير مخل، إن شاء الله تعالى، عن جوانب مختلفة عن هذا الصرح المعماري الطبي الفخيم. يهدف مستشفى الزيتونة التخصصي في الخرطوم الذي صُمِّم حسب المواصفات العالمية الحديثة، خدمات طبية متطورة ومتميزة، في إطار السعي الحثيث للمساهمة الفاعلة في توطين العلاج بالداخل، خصماً على فاتورة العلاج في الخارج التي أرهقت الوطن والمواطنين، وذلك من خلال تقديم خدمة طبية متميزة للمرضى، وفقاً لرؤية استشرافية في مجال الخدمات العلاجية تجعل المريض محور الاهتمام الطبي والإنساني لدى أسرة المستشفى كافة. وزاوج المستشفى بين خبرات طبية سودانية متميزة حصلت على تأهيل أكاديمي ومهني عالٍ في المملكة المتحدة وإيرلندا وبعض الدول الأوروبية الأخرى والولايات المتحدة الأميركية، وخبرات طبية أجنبية متميزة مؤهلة تأهيلاً عالياً، بالإضافة إلى خدمة تمريض أجنبية وسودانية عالية التأهيل الأكاديمي والمهني، وذات كفاءة عالية، ومستويات رفيعة، تتابع المريض متابعة دقيقة، وتقدم له رعاية متميزة. ومن خلال زياراتي المتكررة لمستشفى الزيتونة التخصصي سواء أثناء التشييد أو بعده، وعبر أحاديثي المتواصلة مع الأخ البروفسور مأمون حميدة سواء في لندن أو الخرطوم، لا حظت أن المستشفى بدأ يحقق جانباً مهماً في توطين علاج السودانيين في الداخل، ويضع الخطط والبرامج لاستقطاب مرضى بعض الدول المجاورة للعلاج فيه، مما يعني مساهمة إضافية للاقتصاد الوطني. ويضم هذا المستشفى تخصصات طبية مختلفة من باطنية (أمراض الجهاز الهضمي السكري والغدد الصماء، وأمراض القلب والأوعية الدموية، ووحدة قسطرة القلب التشخيصية والعلاجية، والعناية القلبية، وأمراض الجهاز التنفسي)، ومختلف تخصصات الجراحة، ووحدة كاملة للمناظير التشخيصية والعلاجية، والأوعية الدموية والغدد، وأمراض النساء والتوليد والأطفال الذي يحتل طابقاً كاملاً، حيث تتم عملية الولادة في الغرفة نفسها التي أعدت إعداداً كاملاً لإجراء مثل هذه العمليات، راحة للأم ورعايتها، وعناية بالطفل حديث الولادة، وجراحة العظام والعمود الفقري، ووحدة الجهاز العصبي معدة بأجهزة حديثة لتخطيط المخ والأعصاب والعضلات، ووحدة متخصصة لغسيل الكُلى وزراعة الكُلى مكونة من طاقم طبي وجراحي متميز، والطوارئ، والعناية المكثفة، ومعمل متكامل لتحليل الدم والجينات والأنسجة والهرمونات، والأشعة بأنواعها المختلفة، بالإضافة إلى صيدلية داخلية تحتوي على جميع الأدوية، بما فيها الأدوية النادرة وحديثة التصنيع، يعمل فيها 7 صيادلة على مدار الساعة، ووحدة الصيدلي العلاجي التي تقدم خدمة حديثة في السودان، وسيارة إسعاف مجهزة تجهبزاً كاملاً لنقل المرضى من وإلى المستشفى. وحدثني الدكتور إسماعيل عبد الغني أحمد الفقي مدير مستشفى الزيتونة التخصصي في الخرطوم أن المستشفى يعمل فيه مجموعة من الأطباء والممرضات، سودانيين وأجانب، بهدف تقديم خدمة طبية متطورة ومتميزة، تضاهي الخدمات الطبية في مستشفيات العالم الراقية، وأن غرفة العمليات حديثة، صُممت على طراز غرف العمليات العالمية الحديثة، وقد جُهزت بأحدث المعدات والتجهيزات العالمية الحديثة، على أرقى المستويات، وأن أنظمة العمل في المستشفى قائمة على أن تكون كلها متصلة بأجهزة الكومبيوتر ونظم معلومات لا توجد إلا في المستشفيات والمراكز الطبية العالمية الحديثة، والمستشفى سيعمل على أن يكون مستشفى إلكترونياً في كل معاملاته الطبية والإدارية. ويخصص المستشفى 30 غرفة للمرضى مزودة بكل متطلبات راحة المرضى، في أربعة طوابق، وتسمح إدارة المستشفى، بناءً على توجيه الطبيب المعالج بمرافق مع المريض للجانب الاجتماعي فقط، إذ أن جانب العناية العلاجية والمتابعة اليومية يشرف عليه أطباء وممرضات على مدار الساعة، مؤكداً أن المستشفى به خدمة تمريضية عالية الكفاءة والمهنية، بالإضافة إلى إدارات وبرامج لمكافحة العدوى، والنظافة المستمرة، وضبط الجودة، والسلامة، والمعلومات، مشيراً إلى أن زيارة المرضى مصرح بها في المستشفى، ولكن لساعة واحدة فقط، مراعاة لراحة المريض الذي هو محور اهتمام الجميع في هذا المستشفى. وأحسب أن فلسفة مستشفى الزيتونة التخصصي في الخرطوم تقوم على مرتكزات أساسية منها أنها تُبنى على نسيج متكامل من طاقم طبي متميز ومنضبط يعمل حسب رؤية متطورة لتقديم أفضل الخدمات الطبية والتمريضية، وفقاً لضوابط ومعايير عالمية، إضافة إلى العمل على ارتباط طاقم المستشفى الطبي ارتباطاً وثيقاً بكلية الطب في جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا، مما يضمن تقديم خدمة طبية من أمهر الاستشاريين وأبرزهم، والمشاركة الفاعلة في النشاط العلمي والبحثي مع زملائهم أساتذة الجامعة، بالإضافة إلى الإسهام الفعال في المنتديات العلمية والمؤتمرات والسمنارات والندوات الطبية التي تنظمها الجامعة طوال العام الدراسي. ولما كانت الفكرة من إنشاء مستشفى الزيتونة التخصصي في الخرطوم، امتدادًا لفكرة تطوير مستوصف يستبشرون، بدأ الأخ البروفسور مأمون حميدة في عام 2002 الشروع في إنشاء مستشفى متكامل يلبي احتياجات السودان لخدمات طبية متخصصة ومتميزة، وفي الوقت نفسه يستعيد ثقة المواطن السوداني في النظام الطبي والصحي بالبلاد، بحيث تقل ظاهرة السفر الكثير للمرضى السودانيين ومرافقيهم، طلباً للعلاج في الخارج، مما تسبب في أن تكون تكلفة العلاج في الخارج من التكلفات الباهظة على الوطن والمواطن، لذلك كان من الضروري تشييد مثل هذا المستشفى المتطور بمواصفات عالمية حديثة للإسهام الفاعل في توطين العلاج بالداخل، وبعد دراسة مستفيضة لهذا المشروع الطبي الكبير، بدأت خطوات تنفيذه تمضي سراعاً إلى أن اكتمل في مطلع العام الحالي. كما أن من الدوافع الأساسية التي ساهمت بفاعلية في إكمال هذا المشروع، عدم عمل الأطباء الاختصاصيين في المستشفيات العامة والخاصة بطريقة التفرغ الكامل لأسباب كُثر من أبرزها الظروف المادية التي تستدعي الطبيب الاختصاصي إلى المجابدة في عمله، حيث يكون مشتتاً بين المستشفى والجامعة والعيادة الخاصة، فيحدث له ارتباك مهول لا يعينه في البحث والتطوير والتميز ودقة متابعة مرضاه، ونجم عن ذلك كثير من الأخطاء الطبية، مما أحدث فقدان الثقة في النظام الطبي بالبلاد، لذلك كان من الضروري التفكير الجدي والجاد في أن ينتقل العلاج الخاص إلى مرحلة جديدة تستوعب كل هذه المتغيرات، وتحدث طفرة نوعية في العلاج الخاص بأن يكون الطبيب الاختصاصي أو الاستشاري متفرغاً، وكذلك الممرضة، ليسهم ذلك في حسن استقبال المريض والاستماع إليه، ليكون التشخيص دقيقاً، ويعمل مستغلاً الفضاء الزمني الإضافي في التشاور والنقاش الطبي حول حالة المريض مع بقية الاختصاصيين أو الاستشاريين، وصولاً إلى تشخيصٍ دقيقٍ وسليمٍ بغرض التوصل إلى العلاج المناسب لتلك الحالة المرضية، إضافة إلى إمكانية الاستفادة من هذا الفراغ في البحث وتطوير مقدراته الطبية والعلمية، مع مراعاة أن لأهله عليه حقًا. فمن هنا حرص مستشفى الزيتونة التخصصي منذ الوهلة الأولى لافتتاحه في مطلع العام الحالي، على تفرغ الاختصاصي أو الاستشاري ليعود ذلك بالنفع عليه وعلى المريض معاً. ولما كان انشاء مستشفى الزيتونة التخصصي، امتداداً تطويرياً لمستوصف يستبشرون، لم يكن غريباً أن يحمل مسماه معنى قرآنياً، كالذي حمله مستوصف يستبشرون الذي أُريد به أن يكون معنى يتنزل فيه قول الله تعالى: "يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِين". فلا غرو أن حرص الأخ البروفيسور مأمون حميدة على تسمية هذا المشروع بمستشفى الزيتونة التخصصي، ناشداً في ذلك البركة والمباركة، وتنزيلاً لقول الله تعالى في محكم آيه وبديع بيانه: "اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لّا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ". وقد أجمع المفسرون على أن شجرة الزيتون هي شجرة مباركة في ثمارها وزيتها ومنتجاتها. وعن أبي أُسيد رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلوا الزيت وأدهنوا به فإنه يخرج من شجرة مباركة"، والمقصود بالزيت هو زيت الزيتون. وقال ابن وكيع يصف الزيتون: انظر الى زيتوننا فيه شفاء المهج بدا لنا كأعين شهل وذات دعج مخضرة زبرجد مسودة من سبح أخلص إلى أنه على الرغم من كل ما تقدم من حديث عن مستشفى الزيتونة التخصصي في الخرطوم، وإسهامه الفاعل في توطين العلاج بالداخل، نجد بعضهم يتحدث حديثاً إنشائياً عن غلاء العملية العلاجية في المستشفيات والمراكز الطبية الخاصة، وفي الوقت نفسه إذا داهمه صداع طار إلى عمان أو القاهرة أو لندن، ونسي أن توفير العملية العلاجية يتطلب استثماراً في الإنسان والمعدات، مما يعني تكلفة مالية باهظة، يوفرها المستثمر دون إعانة أو تسهيلات من قبل الحكومة التي بلا أدنى ريب ستستفيد كثيرًا من توطين العلاج بالداخل، من حيث عدم تدفق العملات الصعبة بغرض العلاج في خارج البلاد، إضافة إلى استعادة الثقة المفقودة في النظام الطبي والصحي بالبلاد، إلى جانب المحاولات الجادة لمستشفى الزيتونة لاستقطاب مرضى الدول المجاورة للعلاج في السودان، ولذلك ينبغي تشجيع مثل هذا الاستثمار الذي يعود نفعه على البلاد والعباد، وننأى بأنفسنا جميعاً عن الحسد، ووضع العراقيل، وتثبيط الهمم الاستثمارية في مثل هذه القطاعات الحيوية. ولنستذكر في هذا الصدد، قول الله تعالى: "أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا". وقول الشاعر عمر بن أبي ربيعة: حسداً حُمِّلنه من أجلها وقديماً كان في الناس الحسد وقول الشاعر أبي تمام: وإذا أراد الله نشر فضيلة طُويت أتاح لها لسان حسود